على غرار "الحسبة".. "الإنقاذ" تطرح مشروع لتشكيل "شرطة آداب" في إدلب
أعلنت وزارة الداخلية في "حكومة الإنقاذ السورية"، عن فتح باب الانتساب للعمل ضمن شرطة الآداب، وفق شروط محددة، فيما تداول ناشطون نسخة من "مشروع قانون الآداب العامة"، رغم عدم نشره رسمياً، وسط مؤشرات على تسريبه بشكل متعمد لجس نبض الشارع قبل إقراره رسمياً في قادم الأيام.
وحددت الوزارة في بيان لها نشرته عبر معرفاتها الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي، التسجيل للانتساب ضمن الشرطة المنتظر تفعيلها، ضمن مدة تتراوح بين تاريخ يوم أمس الثلاثاء وحتى يوم الأحد المقبل المصادف 7 كانون الثاني الجاري.
وحسب معايير وشروط الداخلية لقبول طلب الانتساب للعمل في صفوف شرطة الآداب العامة المزمع تشكيلها، أن يكون خريجاً من كلية الشريعة أو معهد شرعي متوسط، وأن لا يقل عمره عن 30 ولا يزيد عن 40 عاماً، اعتبر الأمر في سياق تجديد عمل "الحسبة" ولكن بشكل واسم جديد.
يُضاف إلى ذلك أن "يكون سليم البنية الجسدية والصحية ويتمتع باللياقة البدنية"، وكذلك أن "يكون حسن السيرة والسلوك"، و"غير محكوم بجناية أو جرم شائن"، و"أن يجتاز الدورة المقررة بنجاح"، وفق نص الشروط المعلنة.
في حين تشير مصادر مطلعة إلى أنه يمكن التغاضي عن بعض الشروط بحال توفر "التزكية"، وذلك ضمن آليات التوظيف المتبعة في الدوائر الحكومية وغيرها التي تشرف عليها "تحرير الشام" وكوادرها.
وقالت المصادر إن "الإنقاذ"، تعمدت تسريب نسخة من مشروع القانون، التي تعتبر اقتراح غير معتمد بشكل نهائي رسمياً، الأمر الذي عده مراقبون بأنه خطوة من "الإنقاذ" لجسّ نبض الشارع قبل إقرار القانون، ونشره في الجريدة الرسمية التي استحدثتها الحكومة مؤخرا.
ويعتقد متابعون بأن المشروع قد يكون إرضاء للتيار المتشدد في "هيئة تحرير الشام"، ويتضمن مشروع القانون، "التعريفات والمقدمات"، التي أشارت إلى القواعد والأحكام التي تتعلق بالنظام السلوكي للمجتمع.
واعتبر معلقون بأن القانون يحتوي عبارات غامضة وأخرى فضفاضة وسط مخاوف من استغلاله في تشديد قبضة السلطات على المجتمع المدني، في ظل ردود فعل متباينة حول المشروع.
وينص المشروع على منع المخالفات العامة، ومنع البيع وفتح المحال التجارية والمطاعم خلال فترة صلاة الجمعة، وفرض الحجاب على الفتيات فوق 12 عاما، ومنع الاختلاط بين الجنسين في العمل، ومنع الأراكيل، ومنع تشغيل الأغاني في المولات والمقاهي وصالات الأفراح، وقائمة من "الممنوعات الدينية"، وغيرها من القوانين والأنظمة المقترح اعتمادها قريبا.
وتجدر الإشارة إلى أن طرح المشروع لم يكن مفاجئاً حيث قال القائد العام لـ"هيئة تحرير الشام"، "أبو محمد الجولاني"، في ظهور مصور قبل أشهر، إن هناك توجه لإنشاء شرطة آداب تتبع لوزارة الداخلية ويشرف عليها بعض الشرعيين والدعاة و"يغلبوا جانب الدعوة على جانب العصا"، وفي سياق موازٍ سبق أن فعلت "الهيئة" ما يُسمى بـ"سواعد الخير" و"مركز الفلاح" التي كانت تنشط وتعمل بدعم كبير من القوة الأمنية التابعة لـ"تحرير الشام".
وخلال سنوات ماضية، عملت تحرير الشام على إطلاق يد ما يعرف " بـ هيئة الأمر بالمعروف - سواعد الخير" في إدلب، لممارسة التضييق على المدنيين باسم متابعة الحجاب واللباس الشرعي ومحلات التدخين والأغاني والاختلاط وغير ذلك، تسببت بعدة صدامات مع المدنيين الذين تعرضوا لمضايقات من رجاء ونساء الأمر بالمعروف المدعومين من كتائب أمنية في تحرير الشام.
وكانت "سواعد الخير" أو ما يعرف بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تضم رجال ونساء من جنسيات سعودية، ومنها سورية، تتجول في شوارع مدينة إدلب بدعم من كتائب أمنية تابعة لتحرير الشام، لاحقاً قامت بإنشاء "مركز الفلاح للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، وقد أعلنت عن مهامّ محدّدة لها، كالعمل على منع الاختلاط بين الجنسين ومنع المنكرات والمجاهرة بها، واتخاذ الإجراءات المشدّدة في حقّ المخالفين، إضافة إلى تفاصيل ووظائف أخرى مما يجعل من موظفي "المركز" بمقام الشرطة الدينيّة التي تمتلك توجيه التهم والاعتقال والمحاسبة وتقديم الناس للقضاء.
وفي عام 2020، سلط "وحدة الحركات الدينية في مركز جسور للدراسات"، الضوء على عودة جهاز الحسبة التابع لهيئة تحرير الشام لاستئناف نشاطه في مدينة إدلب، باسم "مركز الفلاح"، رغم فشل الجهاز السابق "سواعد" الخير" وارتكابه انتهاكات جسمية بحق المدنيين حينها.
وأوضحت المركز أن "الحِسبة" تعد نقطةً مفصليّة في فكر الجماعات الإسلاميّة منذ بدء إقرارها وتحولها إلى أداة أساسية من أدوات ضبط الأسواق والمجال العام واستغلال بعض الحكّام والسلاطين في التاريخ للحسبة بهدف إقصاء بعض خصومهم السياسيين واغتيالهم.
ولفت إلى أن الجماعات الإسلاميّة تعتمد في الدعوة لفكرة الحسبة بمبدأ "الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكَر" وتتدرّج هذه الجماعات في تطبيق هذا المبدأ بدءًا من "النصيحة" وصولاً لاستخدام "القوة" بشكل فرديٍّ لتغيير ما يُرى أنه مُنكَر، وقد استطاع تنظيم الدولة سابقًا تحويل هذا المبدأ من نظرة تاريخيّة إلى جهازٍ بيروقراطيٍّ متكامل مهمّته ضبطُ المجتمع للانصياع الكامل للخط الفكريّ المعلَن للتنظيم في العبادات والشعائر.
وأكد المركز أن هيئة تحرير الشام والجماعات الأخرى لم تتمكن من تأسيس جهاز مستقرٍّ يطبّق مبادئ الحسبة في مناطق سيطرتها، رغم تكليفها مؤسّسة "سواعد الخير" بذلك في إدلب قبل سنتين، وتمّ إلغاؤها بسبب تجاوزات أفرادها ضد حريات الناس العامة، إضافة إلى ظهور شبهات فساد حولها.
ورأى المركز أن الهيئة تحرص على الدفع قدُمًا لتطبيق هذه الفكرة على الرغم من فشلها السابق لأهداف متعددة، أهمّها تعميق التغلغل في المجتمع: فإلى جانب المؤسّسات الأخرى التي ترتبط بالهيئة بعدة أشكال فإنّ فرض مؤسسة جديدة للحسبة تابعة للهيئة ومرتبطة بحكومة الإنقاذ، سيعطيها بُعدًا شرعيًّا من ناحية الوجود، كما سيتيح لها تنفيذ سياسات محدّدة تدعمُ الهيئة وتوجهاتها في المنطقة.