
المؤونة في سوريا: تقليد يواجه الفقر وغلاء الأسعار
تصادف هذه الفترة في سوريا موسم صناعة المؤونة المنزلية، حيث تنشغل النساء، بتحضير المواد الغذائية التي ستُستهلك خلال فصل الشتاء. تشمل هذه الأعمال الموسمية حفر الباذنجان، إعداد المكدوس والمخللات، تجهيز اللبنة، وتجفيف ورق الملوخية، إلى جانب صناعة المربيات والدبس بأنواعه، وغيرها.
المؤونة: تقليد متجذر
تتجاوز المؤونة كونها طعاماً محفوظاً، فهي تقليد راسخ يمنح الأسرة شعوراً بالأمان الغذائي. وتملأ رؤية رفوف البرطمانات الممتلئة قلوب العائلة بالرضا، كما تُعد صناعة المؤونة فرصة للتميز، إذ تتسابق النساء في تحضيرها بعناية، ليس فقط لتلبية احتياجات الأسرة، بل أيضاً لإظهار المهارة والنظام في ترتيبها.
وتتفاخر النساء بالجودة والدقة في تحضير المؤونة، ويتسابقن فيما بينهن بإعداد كميات كبيرة منها، وبترتيبها بشكل منظم وجذاب يعكس مهارتهن بأدق التفاصيل، ليصبح هذا الجهد رمزاً للفخر الداخلي والمسؤولية تجاه الأسرة.
الظروف تؤثر على المؤونة
مع سنوات الثورة السورية وما رافقها من حرب ونزوح وظروف اقتصادية قاسية، تغيّر واقع صناعة المؤونة بشكل كبير، فارتفاع الأسعار وتدهور قيمة الليرة قلّص قدرة الأسر على تحضير المؤونة، لتصبح بالنسبة للكثيرين رفاهية لا يمكنهم تحملها كما في السابق.
التقت شبكة "شام" بعدد من النساء السوريات للحديث عن واقع صناعة المؤونة في ظل سنوات الثورة والتغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي تبعتها. أوضح البعض منهن أنه اضطررن لتقليل كميات المؤونة بسبب ارتفاع الأسعار؛ فمثلاً من كانت تصنع أربعة مطربانات من المكدوس، أصبحت تكتفي بواحد أو اثنين فقط.
كما أشارت أخريات إلى اضطرارهن لإلغاء أصناف كاملة مثل اللبنة، اللبن المطبوخ، أو المربيات، وتقليص كمية الباذنجان المقدد والملوخية المجففة، نتيجة الغلاء المستمر للمواد الأساسية والخضروات، وفي حالات أشد صعوبة، تعجز أسر عن إعداد أي صنف من أصناف المؤونة.
تأثير تحضير المؤونة على الأسرة والأم
تحضير المؤونة لا يقتصر على تخزين الطعام، بل يمنح النساء شعوراً بالأمان تجاه أسرهن، خاصة الأطفال، خلال فصل الشتاء. فوجود مؤونة في المنزل، حتى لو كانت بسيطة، يجعل الأم تشعر بأنها قادرة على تلبية احتياجات أولادها.
في المقابل، تعاني نساء أخريات من الحزن والنقص عند عجزهن عن تحضير بعض الأصناف المفضلة للأطفال، خاصة عندما يطلبون طعاماً معيناً ولا يمكن توفيره. هذه المشاعر تتجاوز الطعام ذاته، فهي تعكس الحب والرعاية والاهتمام، وتشكل جزءاً من الألم الصامت الذي تحمله الأمهات في ظل الظروف القاسية.
مع موسم صناعة المؤونة في سوريا، تواجه كثير من العائلات صعوبات اقتصادية كبيرة تجعل تحضير المؤونة تحدياً حقيقياً. الغلاء وارتفاع أسعار المواد الأساسية يجبران بعض الأسر على تقليص الكميات أو الاستغناء عن أصناف كاملة، ما يعكس واقعاً قاسياً يعيشه الكثيرون خلال هذا التقليد السنوي المهم.