
القصير المنكوبة: مدينة خرجت من قبضة الحرب لتواجه تحديات البقاء بعد النزوح
بعد أربعة عشر عامًا من الحرب في سوريا، ما تزال مدينة القصير في ريف حمص الغربي، شاهدة على واحدة من أقسى المآسي الإنسانية التي خلفها النظام المخلوع. فقد تعرّضت المدينة لقصف متواصل دمّر منازلها وأحيائها ومؤسساتها التعليمية والصحية، ما اضطر آلاف العائلات إلى النزوح باتجاه لبنان وإدلب ومناطق أخرى.
ومع سقوط نظام الأسد، بدأ الأهالي بالعودة تدريجيًا إلى مدينتهم، لكنهم اصطدموا بواقع صعب لا يقل قسوة عن سنوات النزوح.
دمار واسع وغياب الخدمات الأساسية
العائدون إلى القصير وجدوا أنفسهم أمام بيوت مدمرة بالكامل أو غير صالحة للسكن، فيما إعادة البناء تتطلب نفقات تفوق إمكاناتهم المنهكة بفعل الحرب والتهجير، بعضهم اضطر للعيش في خيام متضررة كانوا يستخدمونها في المخيمات، غير قادرة على حمايتهم من برد الشتاء أو حر الصيف.
في أحاديث مع الأهالي، عبّروا عن عجزهم عن ترميم منازلهم بسبب تردي أوضاعهم المعيشية وتوقف النشاط الزراعي وانتشار البطالة. كثير منهم فقد مصدر دخله الرئيسي بعد قطع الأشجار المثمرة، في ظل جفاف وندرة مياه الري، حتى أن بعض الأسر تقيم في منازل شبه مهدمة مستخدمة البطانيات مكان النوافذ والأبواب.
تخريب ممنهج ونهب ممنظم
ولم يتوقف الضرر عند القصف والدمار، إذ عمدت قوات النظام البائد إلى نهب كل ما يمكن بيعه أو الاستفادة منه، لتصبح البيوت بلا نوافذ، والمدينة بلا شبكات مياه أو كهرباء، ما زاد من تعقيد حياة السكان وأصحاب المشاريع الصغيرة.
كما أن معظم المدارس تحتاج إلى ترميم عاجل مع اقتراب العام الدراسي الجديد، فيما تتطلب الأوضاع السكنية مشاريع سريعة لتوفير مساكن مؤقتة تُمكّن الأهالي من البقاء في مدينتهم بكرامة.
حاجة ملحة إلى تدخل ودعم
اليوم، وبعد رحلة نزوح طويلة، يواجه سكان القصير تحديات مركبة تشمل الدمار السكني وغياب الخدمات الأساسية ونقص فرص العمل، مع حاجة عاجلة إلى ترميم المدارس، وتأمين مساكن بديلة، ودعم مشاريع سكنية وتنموية تضمن استقرار الأهالي وتخفف آثار الحرب عليهم.
قصة القصير ليست مجرد صورة من الماضي، بل إنذار للحاضر بضرورة تحرك الجهات الحكومية والإنسانية والداعمين لبناء حياة جديدة لأهالي مدينة دفعت ثمن انتمائها للثورة السورية، وتستحق أن تنهض من تحت الركام لتكون رمزًا للصمود والعودة.