
"الشرع" أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة: سوريا تدخل مرحلة جديدة عنوانها الاستقرار والازدهار
قدّم الرئيس السوري أحمد الشرع كلمة مطوّلة أمام الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، رسم فيها صورة بانورامية لما وصفه بـ«الحكاية السورية» التي تختلط فيها المعاناة بالأمل، والحق بالباطل، مؤكداً أن سوريا تدخل اليوم مرحلة جديدة عنوانها الاستقرار والازدهار بعد سقوط نظام الأسد.
الحكاية السورية: من المأساة إلى الانتصار
استهل الرئيس الشرع كلمته بالتأكيد على أن ما جرى في سوريا ليس مجرد نزاع داخلي، بل «فصل جديد من الصراع الأزلي بين الحق والباطل»، حيث واجه الشعب السوري نظاماً قمعياً مارس أشنع الجرائم من قتل وتعذيب وتهجير واستخدام الأسلحة الكيميائية. وأشار إلى أن النظام السابق قتل نحو مليون إنسان وهجّر 14 مليوناً ودمّر مليوني منزل، مستخدماً الفتن الطائفية والمخدرات كسلاح ضد الشعب والعالم.
وأوضح الشرع أن الشعب السوري لم يجد أمامه إلا تنظيم صفوفه لخوض «مواجهة تاريخية كبرى» أطاحت بمنظومة استبداد استمرت ستة عقود، معتبراً أن «النصر تحقق بلا ثأر ولا عداوات» وأنه كان «نصراً للمظلومين والمعذبين والمهجّرين».
بناء الدولة الجديدة: العدالة والشفافية
شدّد الرئيس السوري على أن حكومته اتخذت منذ سقوط النظام السابق خطوات غير مسبوقة؛ إذ شكلت لجان تقصّي حقائق ومنحت الأمم المتحدة الإذن بالتحقيق في الأحداث، وأعلنت تأسيس هيئة وطنية للعدالة الانتقالية وأخرى للمفقودين، وتعهد بتقديم كل من تلطخت يداه بدماء الأبرياء إلى القضاء. كما أكد السير نحو انتخابات المجلس التشريعي وإعادة هيكلة المؤسسات المدنية والعسكرية على أساس «حصر السلاح بيد الدولة».
مواجهة التحديات الإقليمية
توقّف الشرع عند التهديدات الإسرائيلية التي لم تهدأ منذ ديسمبر 2024، متهماً تل أبيب بمحاولة استغلال المرحلة الانتقالية وإثارة الفوضى، ودعا المجتمع الدولي إلى دعمه في مواجهة هذه المخاطر واحترام سيادة ووحدة الأراضي السورية. وأعلن التزام دمشق باتفاق فضّ الاشتباك لعام 1974، مفضّلاً الحوار والدبلوماسية على التصعيد العسكري.
الدبلوماسية والتنمية الاقتصادية
أبرز الرئيس السوري في كلمته السياسة الجديدة التي انتهجتها دمشق منذ لحظة سقوط النظام، والتي تقوم على «الدبلوماسية المتوازنة والاستقرار الأمني والتنمية الاقتصادية». وبيّن أنه تم تعديل قوانين الاستثمار، وبدأت كبرى الشركات الإقليمية والدولية بالدخول إلى السوق السورية للمساهمة في إعادة الإعمار، مطالباً برفع العقوبات بشكل كامل حتى لا تبقى أداة لتكبيل الشعب السوري.
سوريا الجديدة: دولة قانون وحريات
شدد الشرع في خطابه على أن سوريا اليوم «تؤسس لدولة جديدة» عبر بناء المؤسسات والقوانين الناظمة التي تكفل حقوق الجميع دون استثناء، وأنها بلد حضارة وثقافة يليق بها أن تكون «دولة القانون التي تحمي الجميع وتضمن الحريات وتعيد لسوريا مجدها». واستشهد بالآية القرآنية «وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا» إعلاناً لانتصار الحق على الباطل.
رسالة شكر وانفتاح
وجّه الرئيس السوري الشكر إلى كل من وقف مع قضية الشعب السوري واستقبله في محنته، مثنياً على تركيا وقطر والسعودية وكل الدول العربية والإسلامية والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وأشار إلى أن زيارته الحالية إلى الولايات المتحدة هي الأولى لرئيس سوري منذ نحو ستة عقود، في خطوة وصفها بالمفصلية لعودة سوريا إلى المجتمع الدولي واستعادة دورها الإقليمي والدولي.
وأكد أن الألم الذي عاشته سوريا لا تتمناه لأحد، فنحن من أكثر الشعوب التي تشعر بحجم معاناة الحرب والدمار، لذا فإننا ندعم أهل غزة وأطفالها ونساءها، وباقي الشعوب التي تتعرض للانتهاك والاعتداء، وندعو لإيقاف الحرب فوراً، مشدداً على أن الحكاية السورية لم تنته بعد، فهي مستمرة في بناء فصل جديد من فصولها، عنوانه السلام والازدهار والتنمية.
تُعد مشاركة الرئيس أحمد الشرع في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة حدثاً تاريخياً، كونها أول حضور لرئيس سوري منذ عام 1967، ما يعكس تصعيداً دبلوماسياً جديداً لسوريا على الساحة الدولية بعد تغيّر موازين القوى في الداخل وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة وترتيب أولوياتها السياسية.
وسبق أنالتقى الرئيس السوري أحمد الشرع، يوم أمس الثلاثاء، عدداً من قادة الدول العربية والغربية على هامش أعمال الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، في أول مشاركة لرئيس سوري في الاجتماعات الأممية منذ أكثر من خمسة عقود.
وذكرت وكالة الأنباء السورية الرسمية “سانا” أن اللقاءات جرت في مقر البعثة السورية في نيويورك، بحضور وزير الخارجية أسعد الشيباني، وشملت كلاً من ملك الأردن عبد الله الثاني، وولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الصباح، ورئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي، إلى جانب رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني، ورئيس وزراء النرويج يوناس غار ستوره، ورئيس جمهورية التشيك بيتر بافيل.
ولم تنشر “سانا” تفاصيل عن مضمون هذه اللقاءات، لكن عدداً من القادة المشاركين كشفوا عبر حساباتهم الرسمية على منصة “إكس” (تويتر سابقاً) عن بعض ما دار خلالها.
في السياق العربي، قال الديوان الملكي الأردني في تغريدة رسمية: “في نيويورك، جلالة الملك عبدالله الثاني يلتقي الرئيس السوري أحمد الشرع، بحضور سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، ولي العهد، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، ويشدد على دعم الأردن لجهود سوريا في الحفاظ على أمنها واستقرارها وسيادتها”.
من جهته، قال رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي: “سعدنا هذا اليوم بلقاء أخي فخامة الرئيس أحمد الشرع، وأكدنا معاً متانة العلاقات بين بلدينا الشقيقين، وآفاقها الواعدة على كافة المستويات”، مشيداً بـ”التنسيق الثنائي الوثيق بين الجانبين، وجهود تعزيز وحدة الصف العربي في مواجهة التحديات المشتركة”.
أما لبنان، فقد أكدت الرئاسة اللبنانية أن الرئيس جوزاف عون واللبنانية الأولى نعمت عون التقيا الرئيس السوري أحمد الشرع على هامش الجلسة الافتتاحية، ضمن سلسلة لقاءات جمعتهم بعدد من الزعماء العرب والأجانب، من بينهم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وولي العهد الكويتي، ورئيس بولندا.
وعلى الصعيد الأوروبي، وصفت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين لقاءها مع الرئيس الشرع بأنه “تبادل جيد حول التحديات التي تواجه سوريا خلال مرحلة انتقالها”. وأكدت أن “الاتحاد الأوروبي مستمر في دعم انتقال سوري حقيقي، شامل، وسلمي، يقوده السوريون أنفسهم، ويخلو من أي تدخلات أجنبية ضارة”، مشيرة إلى التزام بروكسل بـ”تعزيز الحوار السياسي وتلبية الاحتياجات الإنسانية العاجلة ودعم التعافي الاجتماعي والاقتصادي وإعادة الإعمار في سوريا”.
الموقف نفسه أكده أنطونيو كوستا، رئيس المجلس الأوروبي، الذي قال: “تبادل جيد مع الرئيس الشرع حول التحديات التي تواجه سوريا خلال انتقالها”. وأضاف: “الاتحاد الأوروبي مستمر في دعم انتقال حقيقي، شامل، سلمي، وبقيادة سورية، بعيد عن التدخلات الأجنبية الضارة”، مشيراً إلى التزام الاتحاد “بزيادة الحوار السياسي، وتلبية الاحتياجات الإنسانية العاجلة، ودعم التعافي الاجتماعي والاقتصادي وإعادة الإعمار في سوريا”.
رئيس وزراء فنلندا ألكسندر ستوب قال إنه ناقش مع الشرع مسار الانتقال السياسي، وأعرب عن دعمه وتشجيعه لـ”التحول نحو الديمقراطية”، مؤكداً على “أهمية إشراك جميع الأقليات”، وشكر الرئيس السوري على اللقاء.
أما رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، فكتبت باللغـة الإيطالية أن لقاءها مع الرئيس الشرع شكّل مناسبة لتأكيد “دعم إيطاليا لإعادة بناء سوريا مستقرة وذات سيادة، من خلال استثمارات للشركات الإيطالية في قطاعات متعددة”. كما شددت على أهمية التزامات الحكومة الإيطالية في مجال التعاون التنموي، و”ضرورة العمل على إدماج وحماية مكونات المجتمع السوري، وخاصة الأقليات كالمسيحيين، وضمان العودة الطوعية والآمنة للاجئين السوريين”.
ويُعد الشرع أول رئيس سوري يتحدث من على منبر الجمعية العامة منذ الرئيس الأسبق نور الدين الأتاسي (1966 – 1970)، حيث انقطعت مشاركة الرؤساء السوريين منذ حرب 1967 وخسارة الجولان، بسبب ما اعتبرته دمشق حينها انحيازاً غربياً لإسرائيل داخل المؤسسات الدولية.
وتأتي مشاركة الشرع في إطار تحركات دبلوماسية واسعة تقوم بها الإدارة السورية الانتقالية، التي تشكلت بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد في ديسمبر/ كانون الأول 2024، وتسلمت الحكم رسمياً في يناير/ كانون الثاني 2025 بقيادة الرئيس أحمد الشرع لفترة انتقالية مدتها خمس سنوات.
ويُنظر إلى لقاءات الشرع في نيويورك كجزء من جهود أوسع لإعادة إدماج سوريا دبلوماسيًا وتعزيز فرص الاستقرار الداخلي من خلال علاقات خارجية متوازنة.