
استجواب وسيم الأسد… سقوط أول أركان النظام البائد تحت قبضة العدالة
أعلنت النيابة العامة السورية عن تحريك دعوى جنائية بحق وسيم بديع الأسد، ابن عم الإرهابي الفار بشار الأسد، في خطوة غير مسبوقة تمثل أول استجواب رسمي لشخصية بارزة من عائلة الأسد بعد سقوط النظام البائد.
وقال النائب العام في مقطع مصوّر نشرته وزارة العدل عبر صفحتها الرسمية على "فيسبوك": "في إطار الجهود المبذولة لمحاكمة مرتكبي الانتهاكات بحق الشعب السوري، وانطلاقاً من تطبيق العدالة الانتقالية، قامت وزارة الداخلية بتقديم عدد من هؤلاء المتهمين إلى مكتب النائب العام، وكان آخرهم وسيم الأسد ابن بديع".
وأوضح النائب العام أن التحقيقات أظهرت تورط وسيم في تشكيل مجموعات رديفة للفرقة الرابعة بتمويل كامل من ماله وسلاحه وذخيرته، حيث ارتكبت تلك المجموعات جرائم قتل وانتهاكات واسعة ضد السوريين، إلى جانب ضلوعه في تجارة المخدرات وعلاقاته المباشرة مع كبار تجارها داخل سوريا.
كما اتُّهم باستغلال اسمه كأحد أفراد العائلة الحاكمة السابقة للتدخل في دوائر الدولة مقابل منافع مالية، مؤكداً أن النيابة العامة أحالته إلى القضاء المختص بجرائم القتل والتحريض والاشتراك في إشعال الفتنة والحرب الأهلية وإثارة النعرات المذهبية والطائفية.
وختم النائب العام بالتأكيد على دعوة جميع المتضررين من المتهم وسيم الأسد لتقديم ما لديهم من أدلة، مشدداً على التزام النيابة العامة بتحقيق العدالة وإنصاف الضحايا.
تفاصيل العملية الأمنية وتوقيف "رأس الكبتاغون"
وكانت كشف المتحدث باسم وزارة الداخلية السورية نور الدين البابا عن تفاصيل العملية الأمنية التي أفضت إلى توقيف وسيم الأسد بعد ستة أشهر من المتابعة والرصد، وأوضح أن العملية نُفذت ضمن خطة متعددة المسارات جمعت بين أجهزة الاستخبارات ووزارة الداخلية، بالاعتماد على تقنيات متقدمة في الرصد والتحليل والهندسة الاجتماعية.
وأكد البابا أن وسيم أوقف بعملية رسمية منظمة وتم اقتياده إلى السجن بانتظار محاكمة علنية، لافتاً إلى أنه الرأس الأكبر لشبكة تصنيع وتهريب الكبتاغون في سوريا، حيث راكم مئات ملايين الدولارات عبر تجارة المخدرات وعمليات الابتزاز والاحتجاز التي طالت مدنيين ومعتقلين خصوصاً في دمشق والساحل.
وأشار المتحدث إلى أن وسيم متورط بشكل مباشر في قتل وإخفاء عشرات الآلاف من المعتقلين، وخاصة في سجن صيدنايا، وأن الأجهزة المختصة تمتلك تسجيلات وشهادات موثقة تُدين تورطه في هذه الجرائم التي ترقى إلى مستوى جرائم ضد الإنسانية.
بداية لمسار العدالة الانتقالية
شدد البابا على أن توقيف وسيم الأسد ليس اعتقالاً سياسياً أو إجراءً تعسفياً، بل عملية قانونية كاملة تستند إلى معايير العدالة، مؤكداً أن الدولة الجديدة لا تعترف بأي حصانة مهما كانت الخلفيات أو الروابط. وأشار إلى أن كثيراً من أهالي الساحل السوري عبّروا عن ارتياحهم لهذه الخطوة، معتبرين أن وسيم ألحق ضرراً كبيراً بسمعة مناطقهم من خلال فساده وبطشه.
كما أوضح أن الحكومة بدأت إجراءات رسمية لاسترداد الأموال التي هربها وسيم إلى الخارج، مؤكداً أن وزارات العدل والداخلية والخارجية تعمل على متابعة هذا الملف مع الدول التي جمدت أرصدته.
وأضاف البابا أن هناك قوائم إضافية لشخصيات بارزة من النظام البائد يتم العمل على توقيفها تباعاً، مشيراً إلى أن العملية الحالية ليست سوى بداية لمسار شامل في إطار العدالة الانتقالية.
من "ابن الدولة" إلى رمز الجريمة المنظمة
على مدى سنوات، حاول وسيم الأسد أن يقدم نفسه على أنه "ابن الدولة" المدافع عن النظام، لكنه في الواقع كان أحد أبرز أذرع الفساد والجريمة المنظمة. فقد أسس ميليشيات موالية في اللاذقية، وارتبط اسمه بانتهاكات جسيمة بحق المدنيين في الساحل وريف دمشق، كما برز اسمه في ملف المخدرات والكبتاغون الذي تحول إلى مصدر تمويل رئيسي للنظام البائد، حتى فرضت عليه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات مباشرة عام 2023.
عُرف وسيم أيضاً بحياة بذخ واستفزاز، متنقلاً بسيارات فارهة، ومنظماً مواكب دعائية على أوتوستراد المزة، ومؤسساً لشركة واجهة تُستخدم لتغطية نشاطاته المشبوهة. وقد تحول إلى "نجم" على وسائل التواصل الاجتماعي، يطلق التصريحات المسيئة للشعب السوري والمدافعة عن النظام، متباهياً بالمال والنفوذ.
لحظة النهاية… سقوط "الأسد الذي ظن أنه لا يُمس"
يُعتبر اعتقال وسيم الأسد حدثاً استثنائياً وتاريخياً، كونه أول شخصية من عائلة الأسد المتورطة في جرائم الحرب والفساد يتم توقيفها رسمياً. هذه الخطوة تمثل تحوّلاً في مسار العدالة الانتقالية السورية، إذ تكسر عقوداً طويلة من الإفلات من العقاب الذي تمتعت به العائلة الحاكمة.
ويرى مراقبون أن هذه الخطوة ستفتح الباب أمام ملاحقات أوسع تطال رموز النظام البائد وشبكاته المحلية والإقليمية، بما في ذلك ملف الكبتاغون والفساد العابر للحدود. وهي بداية فعلية لمسار بناء دولة القانون، حيث لا مكان للمجرمين والفاسدين الذين مزقوا المجتمع السوري.