
ماهو (الحكم الفيدرالي) الذي تنادي به المكونات الكردي كحل لسوريا موحدة ..؟
في أعقاب التحولات السياسية العميقة التي شهدتها سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، عادت مسألة الفيدرالية لتتصدر المشهد السياسي في مناطق شمال شرقي البلاد. وتتمسك القوى الكردية، لاسيما المجلس الوطني الكردي (ENKS) وحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، بطرح الفيدرالية كنموذج حكم مثالي لحل القضية الكردية ضمن سوريا موحدة وديمقراطية، علماً أن روسيا كانت أول من طرحها إبان اجتماعات أستانا.
رؤية موحدة لفيدرالية دستورية
تؤكد القوى الكردية أن النظام الفيدرالي لا يهدف إلى الانفصال، بل إلى ضمان الحقوق القومية، والإدارية، والثقافية للكرد، وتمثيلهم دستورياً، ضمن دولة سورية موحدة. ويجري العمل على مسودة توافقية ستُعرض قريباً في اجتماع موسع يضم الأطراف الكردية السياسية، ومنظمات المجتمع المدني، والتنظيمات النسوية، وممثلين من خارج الإطارين الرئيسيين ENKS وPYD.
ما هو النظام الفيدرالي؟
الفيدرالية هي نمط من أنماط الحكم تُدار فيه الدولة من خلال وحدات سياسية تتمتع باستقلالية واسعة، على أن تتقاسم السلطة مع الحكومة المركزية. تتولى الحكومات الفيدرالية إدارة الشؤون الداخلية للوحدات، بينما تبقى مسائل الدفاع والسياسة الخارجية والخزانة العامة من اختصاص الحكومة الاتحادية.
وتضمن الفيدرالية توزيعاً عادلاً للموارد والضرائب، وتمنح السلطات المحلية القدرة على إدارة شؤونها وفق خصوصياتها الاجتماعية والثقافية.
الجذور التاريخية للفيدرالية
رغم أن الفيدرالية كمنظومة سياسية تعود عملياً إلى أواخر القرن الثامن عشر مع إعلان دستور الولايات المتحدة (1787)، إلا أن جذورها الفكرية تعود إلى الفيلسوف الألماني جوهان ألتيزيوس، الذي دعا عام 1603 إلى تنظيم تضامني بين كيانات مستقلة ضمن نظام اتحادي.
أما أول تجربة عملية، فقد ظهرت في سويسرا عام 1291 حين تحالفت كانتونات مستقلة دفاعياً، لتؤسس لاحقاً لما يُعرف اليوم بالفيدرالية السويسرية.
الانتقال من الكونفدرالية إلى الفيدرالية
مع تطور الدولة الحديثة وتعقيد بنيتها الإدارية، تخلت العديد من النماذج القديمة عن الكونفدرالية، التي تمنح صلاحيات محدودة للحكومة المركزية، لصالح الفيدرالية التي توازن بين الحكم الذاتي المحلي ووحدة الدولة. وقد باتت الفيدرالية أداة فعالة لتعزيز التنمية والشفافية وتحقيق التعددية السياسية والاجتماعية.
ميزات الفيدرالية في السياق السوري
يرى الكرد أن النظام الفيدرالي سيكون إطاراً مثالياً يراعي الخصوصية الثقافية واللغوية للمكونات، حيث يمكن اعتماد اللغة الكردية كلغة رسمية ثانية في المناطق الكردية، ووسيلة تعليم أساسية، فضلاً عن تمكين المجالس المحلية من إدارة مواردها وخدماتها بعيداً عن المركزية المفرطة.
تحديات ومخاوف من الفيدرالية
رغم مزاياها، يطرح النظام الفيدرالي بعض الإشكاليات، مثل صعوبة صياغة هوية وطنية جامعة، أو غياب رؤية تنموية موحدة على المستوى القومي. كما قد يؤدي توزيع الموارد إلى توترات، كما هو الحال في النموذج الإسباني مع إقليم كتالونيا، وفي السياق السوري، تحذر بعض الأطراف من استغلال الفيدرالية كمقدمة لمشاريع انفصالية، ما يبرز الحاجة لتوافق وطني عريض يضمن وحدة الدولة واستقرارها.