المجالس المحلية وملف الأمن المحلي: دورٌ مطلوب لملف إشكالي
ملخص تنفيذي
أدار نظام الأسد الملف الأمني بمركزية عالية، مهمتها صيانة أمن النظام وتأدية ما يُوكل إليها من مهام وظيفية، ورغم تفاخره بالقدرة على حفظ الأمن وسط بيئة مضطربة أمنياً، إلا أنها حالة "استقرار" هشّة فُرضت بالترهيب والعنف اللذان كانا من أبرز العوامل المفجرة للحراك الثوري.
بينما كانت المركزية الأمنية تتآكل تحت ضغط ديناميكيات الحراك الثوري، برزت فواعل جديدة أصبحت جزءً أساسياً من المعادلة الأمنية، لن تستقيم جهود تحقيق الأمن على المستوى الوطني دون إشراكها.
يمكن تحديد خمس جهات أساسية لعبت وما تزال تلعب دوراً في إدارة الأمن المحلي وهي: المجالس المحلية، الشرطة الحرة، القضاء المحلي، فصائل المقاومة الوطنية والفصائل الجهادية العابرة للحدود.
يُظهر تقييم الوضع الأمني لمناطق المجالس المحلية تفاوتاً في درجة الاستقرار الأمني، نظراً لعوامل عدة منها: حجم وطبيعة وتعداد القوى العسكرية المسيطرة وطبيعة علاقاتها فيما بينها، مركزية دور المجالس المحلية في توفير الخدمات الأساسية وإدارة شؤون مناطقها، طبيعة القوى المهددة لأمن المجتمعات المحلية، طبيعة العوامل المهددة لأمن المجتمع المحلي (أمنية واجتماعية واقتصادية).
تتطلب شروط الأمن والاستقرار تبني مرجعية قضائية مستقلة مدنية موحدة على مستوى مناطقي (المحافظة)، وتوحيد عمل الشرطة المحلية وربط مراكزها بالمجالس المحلية، ناهيك عن ضرورة إعادة هيكلة الهيئات المعنية بالأمن المحلي وحوكمتها بالشكل الذي يضمن اتساقها مع المتطلبات الأمنية للمرحلة الراهنة والانتقالية، وكذلك مع مخرجات الحل السياسي.
مقدمة
أسّس حافظ الأسد لمركزية أمنية حُدّدت مهامها بالحفاظ على نظام الحكم، وتأدية الأدوار الوظيفية الموكلة إليها من قبل منظومة الأمن الدولية، ولإنجاز ما سبق مُنحت المؤسسة الأمنية الموارد والغطاء السياسي والقانوني، أما بنيتها فكانت تقوم على شبكات رسمية-إدارات الأمن-، وأخرى غير رسمية-المخبرين وبيروقراطية البعث الحزبية-تتقاطع جميعها بخضوعها لتوجيهات المركز المتمثل بشخص الأسد الأب.
تمكنت المؤسسة الأمنية من التوغّل في المجتمع والتحكم في تفاصيل الحياة العامة للسكان، وأحدث ذلك آثار كارثية في منظومة المجتمع والدولة. وعلى الرغم من تراخي القبضة الأمنية مع تولي الأسد الابن السلطة ضمن وعود الإصلاح والتحديث، إلا أنها عادت بقوّة بدفع من الحرس القديم لمواجهة الضغوط الخارجية التي تكثّفت مع الاحتلال الأمريكي للعراق. وفي حين كان نظام الأسد يفاخر بقدرته على حفظ الأمن والاستقرار وسط بيئة مضطربة أمنياً، إلا أن استعراض الوقائع يدلّل على أنها حالة استقرار أمنية هشّة فُرضت بالترهيب والعنف، ويدلّ على ذلك حوادث الاصطدام المتكررة بين المكونات المجتمعية، وتزايد حالة السخط الشعبي، إضافة إلى تحول سورية لمسرح لعدد من الحوادث الأمنية كالاغتيالات والتفجيرات.
على هذه الأرضية وفي ظل غياب إرادة سياسية جدية للشروع بحل وطني لمعالجة الأزمات المستعصية والتي لم تعد تنفع معها الحلول المؤقتة والأمنية، انطلق الحراك الثوري في آذار 2011 -والذي يعد أحد أسبابه الغضب الكامن تجاه ممارسات الأجهزة الأمنية-، وفشلت المؤسسة الأمنية للنظام في السيطرة على الموقف لتفقد تدريجياً سطوتها ومركزيتها نتيجة بروز فاعلين محليين مستقلين عن المركز يتولون إدارة الأمن في مناطق سيطرتهم من جهة، وتزايد أثر العامل الخارجي في عمل الأجهزة الأمنية من جهة أخرى.
وفقاً ما سبق، تعدّ دراسة الأمن المحلي في مناطق سيطرة فصائل المقاومة الوطنية ودور المجالس المحلية فيها إشكالية تستوجب التفكيك، إذ أنه لن تستقيم جهود تحقيق الأمن على المستوى الوطني دون إشراك هياكل الحوكمة المحلية القائمة وما يستلزمه ذلك من إطار سياسي وقانوني ودعم لتمكين هذه الهياكل حالياً ومستقبلياً من أداء مهامها. ويمكن في هذا السياق تحديد مصطلح الأمن المحلي من خلال تعريفه إجرائياً بـــ: قدرة الهيئات المدنية والعسكرية ذات الطابع والاختصاص المحلي على تثبيت مقومات أمن مجتمعاتها المحلية، والحفاظ على تماسكها المجتمعي وردع التهديدات الأمنية الموجهة لها من قبل القوى المعادية.
تعتمد هذه الدراسة المنهج الوصفي في توصيف سياق تشكل البيئة الأمنية في مناطق سيطرة فصائل المقاومة الوطنية، وإيراد المقاربات المتبعة من قبل المجالس المحلية في التعامل مع ملف الأمن المحلي. كما تم اتباع المنهج التحليلي في تقييم أداء هيئات الأمن المحلية.
تتناول الدراسة الواقع الأمني في مناطق سيطرة فصائل المقاومة الوطنية بدءاً من توصيف السياق الذي تشكّل فيه، وتداعيات عدم الاستقرار الأمني على المجالس، ثم التطرق لمقاربتها في التعاطي مع ملف الأمن المحلي، مروراً بتقييم الجهود المبذولة من قبل المجالس وشركائها في هذا المجال، واستعراض أبرز التحديات التي تعوق جهودهم، وصولاً إلى اقتراح مجموعة من التوصيات العامة ذات الصلة بإدارة الأمن المحلي.
تمهيد
ساهم التمثيل المجتمعي الذي تحوزه المجالس المحلية في اعتبارها الجهة المرجعية المسؤولة عن إدارة مناطقها، واستوجب ذلك من قياداتها التعامل مع عدة ملفات إشكالية فرضها واقع ما بعد خروج مناطقها عن سيطرة نظام الأسد وفي مقدمتها ملف الأمن المحلي، خاصة مع وجود حالات تجاوز أمنية كالسرقات والتعدي على الأملاك العامة. ولعل ما زاد من أهمية الموضوع لدى المجالس مخاوفها من تنامي مستوى التهديدات الأمنية (كالاغتيالات والمفخخات والقصف الجوي) التي تتعرض لها مناطقها وانعكاس ذلك سلباً على أدائها واستمراريتها من جهة، وهواجسها من أن تغلب على أجندات الدول المنخرطة في الصراع السوري الاعتبارات الأمنية-وما يفرزه ذلك من مسار سياسي محكوم بأولوية مكافحة الإرهاب-عوضاً عن التركيز على اعتبارات الاستقرار الاجتماعي والسياسي من جهة أخرى.
انطلاقاً مما سبق، يفرض الملف الأمني عدد من التحديات على المجالس المحلية، إذ أنها مطالبة وبالشراكة مع عموم قوى المقاومة الوطنية بإثبات قدرتهم على معالجة هذا الملف في مناطقهم، من حيث تثبيت مقومات الأمن المحلي وأبرزها: ترميم التماسك الاجتماعي واحتواء الفوضى الأمنية ومكافحة الإرهاب، وبقدر ما تتمكن المجالس وشركاؤها من النجاح في إدارة هذا التحدي فإنها تسهم في إنعاش الحاضنة الشعبية المؤيدة للثورة، وتأكيد شرعيتها ودورها كشريك أساسي في أي ترتيبات يفرضها الحل السياسي.
البيئة الأمنية وأثرها على هياكل الحوكمة المحلية
أدرك نظام الأسد خطورة حركة الاحتجاجات السلمية المناهضة له لتبنيها مطالب وطنية عابرة للانتماءات الفرعية، حظيت بتعاطف إقليمي ودولي، وفي إطار مواجهتها لجأ النظام إلى إدارة الموقف أمنياً وفق استراتيجية بالعنف أكون وذلك من خلال:
استخدام تكتيكات العنف والترهيب؛
صناعة الفوضى الأمنية من خلال الإفراج عن المحكومين بقضايا جنائية؛
إطلاق سراح المعتقلين على خلفية قضايا جهادية؛
تنفيذ عمليات أمنية لزعزعة الاستقرار (التفجيرات، استهداف مناطق الأقليات، الاغتيالات)؛
اختراق هيئات الحراك الثوري أمنياً؛
التسبب بأزمات خدمية من خلال التوقف عن تخديم المناطق الخارجة عن سيطرته، واستهداف هياكل الحوكمة المحلية الناشئة المسؤولة عن توفير الخدمات، إضافة إلى تدمير البنية التحتية.
تمكّن نظام الأسد من إدارة الموقف والضغط على خيارات المتظاهرين، ليدفع باتجاه تشكّل حراك ثوري مسلح مرّ بتحولات عدة كان لها الدور الأكبر في صياغة البيئة الأمنية ضمن المناطق التي خرجت عن سيطرة نظام الأسد، وفيما يلي تحولات السيطرة التي شهدتها مناطق الحراك الثوري بشكل عام، وأبرز سماتها الأمنية:
السيطرة المؤقتة: بدأت هذه المرحلة بسيطرة مجموعات الحراك الثوري المسلح على المقرات الأمنية "المخابرات" وطرد قواتها خارج مناطقها، ولتنتهي مع اقتحام الجيش لها. يغلب على هذه المرحلة الاستقرار الهش ويعود ذلك إلى:
استمرار زخم العمل الثوري السلمي؛
تولي مجموعات صغيرة العدد والتسليح مهمة حماية المظاهرات السلمية؛
استمرار الخدمات التي توفرها مؤسسات الدولة؛
تخفيف النظام عبء الضغوط الأمنية بحق المناطق الخارجة عن سيطرته، وذلك لإفساح المجال لخلاياه الأمنية للعمل وجمع المعلومات تمهيداً لشن عمل عسكري.
الاقتحامات العسكرية: بدأت هذه المرحلة بشن النظام حملات عسكرية ضد المناطق التي خرجت عن سيطرته ولتنتهي مع خروج قواته بفعل حركة مقاومة منظمة قادتها فصائل المقاومة الوطنية "الجيش الحر". تميزت هذه الفترة بتأزم الموقف الأمني للأسباب التالية:
الزج بقوات الجيش في مواجهات مفتوحة في عموم الجغرافية السورية، وما نجم عنه من انشقاقات؛
تدهور العمل الخدمي الناجم عن استهداف المرافق العامة وضعف المهارات التنظيمية لهياكل الحوكمة المحلية الناشئة؛
بروز أزمات إنسانية كان من مؤشراتها حركات النزوح الداخلية وتزايد أعداد القتلى والجرحى؛
تنامي نشاط العناصر الإسلامية الجهادية التي أُطلق سراحها في فترة سابقة.
الخروج عن سيطرة النظام: بدأت المرحلة بشن الفصائل المحلية النشأة والمنضوية تحت مسمى "الجيش الحر" لهجمات عسكرية منظمة ضد قوات الأسد، والتي اضطرت بفعل ما لحق بها من خسائر للانسحاب من مناطق المواجهات. يغلب على هذه الفترة الفوضى الأمنية التي تتباين شدتها من منطقة إلى أخرى تبعاً لتعدد القوى المنخرطة في إدارة الملف الأمني وطبيعة علاقاتهم وحجم مواردهم، بالإضافة إلى البيئة الميدانية والوضع الجغرافي الذي تنشط فيها تلك القوى، ويمكن رد أسباب تلك الفوضى إلى عدة أسباب منها:
نشاط خلايا النظام الأمنية التي نفذت عدة عمليات في مناطق سيطرة فصائل المقاومة الوطنية؛ كبثّ الإشاعات والقيام بعمليات تفجير واغتيالات؛
تعدد فصائل المقاومة الوطنية وتصاعد ضعف التنسيق الأمني والعسكري فيما بينها؛
حدوث حالات اقتتال داخلي بين الفصائل في إطار الصراع على النفوذ والموارد؛
بروز ظاهرة أمراء الحرب وتغليبها لمصالحها الذاتية على حساب المصلحة العامة؛
تنامي قوة التنظيمات الإسلامية الجهادية العابرة للحدود على حساب فصائل المقاومة الوطنية؛
تنامي اعتماد النظام على الميليشيات الشيعية مما عزز حالة الاستقطاب المجتمعي في سورية والإقليم؛
تصاعد حدة العمليات العسكرية إثر التدخلات الإقليمية والدولية المباشرة في الجغرافية السورية.
ومن الطبيعي أن تؤثر البيئة الأمنية على استقرار هياكل الحوكمة المحلية التي نشأت في ظل الثورة وعلى أدائها لوظائفها، وكلما تحقق للمجالس المحلية بيئة مستقرة أمنياً، تمكنت من تطوير تجربتها وترسيخ تواجدها وأدائها لوظائفها والعكس صحيح، وفي هذا الصدد يُظهر تقييم الوضع الأمني لمناطق المجالس تفاوتاً في درجة الاستقرار الأمني، ويعزى ذلك إلى عدة عوامل منها:
حجم وطبيعة وتعداد القوى العسكرية المسيطرة وطبيعة علاقاتها فما بينها، وهنا يمكن القول إنه كلما قلّ عدد الهيئات الأمنية العاملة في منطقة إدارية معينة، انعكس ذلك إيجاباً على الوضع الأمني؛ ([1])
مركزية دور المجالس المحلية في توفير الخدمات الأساسية وإدارة شؤون مناطقها؛
طبيعة القوى المهددة لأمن المجتمعات المحلية، حيث تواجه مناطق المجالس قوى مناوئة لها تتباين من حيث عقيدتها وأهدافها وعلاقاتها وطريقة عملها ومن أبرز هذه القوى: قوات نظام الأسد، الميليشيات المحلية، القوات الروسية، الميليشيات الشيعية، تنظيم "الدولة الإسلامية"، وحدات الحماية الشعبية والقوات الموالية لها، الفصائل الجهادية العابرة للحدود؛
طبيعة العوامل المهددة لأمن المجتمع المحلي والتي تتنوع بين عوامل ذات طبيعة أمنية واجتماعية واقتصادية.
وعموماً تشهد مناطق فصائل المقاومة الوطنية حالة عدم استقرار أمني تزيد من إمكانية تعثّر هياكل الحوكمة المحلية والتي تأخذ ثلاثة أنماط رئيسية هي:
حل المجلس المحلي؛ ([2])
تعليق عمل المجلس المحلي؛ ([3])
استنزاف كوادر المجالس الناجم عن استهدافها ([4]) بشكل مباشر أو اضطرارها للمغادرة نظراً لغياب بيئة آمنة للعمل أو بحكم التهجير القسري.
مقاربات المجالس المحلية للتعامل مع الأمن المحلي: الانخراط الأمني أو المجتمعي
تولت عدة هيئات إدارة الأمن المحلي في مناطق سيطرة فصائل المقاومة الوطنية، وذلك كبديل عن منظومة الضبط السلطوية التي كانت قائمة في فترة سيطرة نظام الأسد، وفي حين تعرضت العديد منها للزوال، فإن بعضها الآخر ما يزال ناشطاً، وبالعموم يمكن تحديد خمس جهات أساسية لعبت وما تزال تلعب دوراً في إدارة الأمن المحلي وهي:
الشرطة الحرة؛ ([5])
القضاء المحلي؛ ([6])
فصائل المقاومة الوطنية؛
الفصائل الجهادية العابرة للحدود؛
المجالس المحلية.
ساهم التمثيل المجتمعي الذي تحوزه المجالس المحلية في اعتبارها الجهة المرجعية المسؤولة عن إدارة مناطقها، واستوجب ذلك من قياداتها التعامل مع عدة ملفات إشكالية فرضها واقع ما بعد خروج مناطقها عن سيطرة نظام الأسد وفي مقدمتها ملف الأمن المحلي، خاصة مع وجود حالات تجاوز أمني كالسرقات والتعدي على الأملاك العامة. وفي إطار تعاطيها مع ملف الأمن المحلي لجأت المجالس إلى مقاربتين رئيسيتين هما الانخراط الأمني أو الانخراط المجتمعي، أما عن العوامل التي تحكم تبني المجالس لإحدى المقاربتين فتعود إلى:
تباين مستوى التهديدات الأمنية الموجهة للمناطق التي تديرها المجالس؛
مدى توافر الموارد التي يتطلبها العمل الأمني؛
منظور قيادات المجالس للعمل الأمني؛
مركزية دور المجالس في إدارة مناطقها؛
طبيعة علاقة المجالس بالقوى المحلية المدنية منها والعسكرية.
1. الانخراط الأمني
انخرط جزء من المجالس في إدارة الأمن المحلي بشكل مباشر، وبالاستقلالية تارةً وبالتعاون تارةً أخرى مع الهيئات المحلية المعنية بالأمر ([7])، وفي هذا السياق لجأت المجالس إلى تشكيل مكاتب أمنية أو مخافر شرطة شهدت تغيرات طالت هيكليتها ومهامها، ففي مرحلة السيطرة الآنية تم تشكيل مكاتب أمنية بهيكلية بسيطة وبما تيسر من موارد محلية، أما المهام الموكلة إليها فلم تتعدّ: حفظ النظام العام وحماية الممتلكات العامة من التخريب ورصد المتعاونين مع النظام. لم يكتب النجاح لتجربة المجالس الأولية في إدارة الأمن المحلي لتتلاشى تحت ضغط ثلاثة عوامل أساسية وهي:
ضعف الموارد والخبرات وغياب الرؤية الاستراتيجية لإدارة الأمن المحلي؛
تزايد منسوب عسكرة الحراك الثوري وبروز منافسين جدد للمجالس في مجال إدارة الأمن المحلي كفصائل المقاومة الوطنية "الجيش الحر" والشرطة الثورية؛
الاقتحامات العسكرية التي نفذتها قوات النظام بحق المناطق الخارجة عن سيطرتها والتي أدت إلى انهيار هياكل الحوكمة المحلية القائمة.
أعادت المجالس المحلية تشكيل نفسها من جديد بعد نجاح فصائل المقاومة الوطنية بإخراج قوات الأسد من مناطقها، وفي حين لجأ بعضها إلى تشكيل هيئات أمنية تابعة لها بما تيسر لها من قبول شعبي وموارد ودعم لوجستي من قبل فصائل المقاومة الوطنية، فضلت مجالس أخرى تشكيل مكاتب أمنية كآلية للتنسيق مع الهيئات المعنية بالأمن المحلي ([8]) كفصائل المقاومة الوطنية ([9]) ومؤسسات القضاء المحلي ([10])، والشرطة الحرة. ([11]). وتعتبر تجربة المجلس المحلي لداريا مثالاً للنموذج الأول، حيث تشكل مركز الأمن العام في داريا من قبل الهيئة الرئاسية-تضم المجلس المحلي وقيادات فصائل المقاومة الوطنية-وكان من مهامه النظر في القضايا الأمنية المدنية والعسكرية على حد سواء. أما بخصوص الهيكلية الناظمة له فكانت وفق الآتي: قسم التحقيق، قسم السجن، قسم القضاء، قسم الدوريات، قسم الشؤون المدنية، قسم الشؤون العسكرية، الديون وقسم السجل المدني. ([12])
2. الانخراط المجتمعي
فضلت أغلبية المجالس الابتعاد عن لعب دور مباشر في الأمن المحلي مدفوعة بعدة أسباب منها:
تبني قيادات المجالس مقاربة شاملة للأمن تتجاوز البعد العسكري إلى أبعاد أخرى ذات طبيعة اقتصادية واجتماعية؛
تلافي تضارب المصالح مع هيئات الأمن المحلية خاصة تلك التي تتبع لفصائل المقاومة الوطنية؛
عدم كفاية الموارد اللازمة لتشكيل هيئات أمنية تتبع لها؛
التأكيد على الطابع المدني للمجالس مراعاة لاعتبارات الجهات الداعمة من جهة، وتجنباً لردود الفعل السلبية من قبل السكان المحليين من جهة أخرى.
بناءً على ما سبق لجأت المجالس إلى تركيز أولوياتها على توفير الخدمات الأساسية كأعمال ترميم البنية التحتية ومدّ شبكات المياه والصرف الصحي، إضافةً إلى القيام بمشاريع تنموية تسهم في إنعاش المجتمعات المحلية، واعتبار ما سبق ركائز أساسية مكمّلة لجهود شركائها في توفير الأمن المحلي.
تقييم جهود المجالس المحلية وشركائها في توفير الأمن المحلي
تغلب اللامركزية بشكل عام على إدارة الملف الأمني في مناطق سيطرة فصائل المقاومة الوطنية، وذلك نظراً لغياب جهة مرجعية مركزية تتولى إدارة هذا الملف لصالح جهات متعددة تؤدي أدواراً متباينة بحسب إمكانياتها وعلاقاتها والبيئة التي تنشط فيها، وإزاء تصاعد التهديدات الموجهة لأمن المجتمعات المحلية وكذلك للأمن الإقليمي والدولي يطرح السؤال حول مدى نجاح المجالس المحلية بالتعاون مع شركائها في أداء المهام الأمنية الموكلة إليهم فيما يتعلق بتثبيت مقومات الأمن المحلي وأبرزها: ترميم التماسك الاجتماعي واحتواء الفوضى الأمنية وردع التهديدات الأمنية القائمة ومحاربة الإرهاب. استناداً إلى ما سبق سيتم تقييم هيئات الأمن اللامركزية للمعارضة وفق معيارين هما: مؤسساتية العمل الأمني لدى المجالس المحلية والهيئات المعنية بالأمر، ومدى النجاح في أداء المهام الوظيفية الموكلة إليهم.
الأمن المحلي واختبار المؤسساتية: تجارب غير مكتملة
تشتمل أي مؤسسة على ثلاثة مقومات أساسية وهي:
العنصر البشري فيما يتصل بالعاملين والإداريين والمستفيدين من الخدمات "العملاء"؛
العنصر المادي: يشمل الموارد والمقرات والتجهيزات والآليات؛
العنصر المعنوي: يتضمن الشرعية والمشروعية ([13]) والقرارات الناظمة لعمل المؤسسة.
حالت أسباب بنيوية وموضوعية دون تطوير العمل المؤسساتي في الهيئات المسؤولة عن إدارة الأمن المحلي، ويشكل ما سبق جزءاً من إشكالية أعم تعاني منها المعارضة تتمثل بعدم تمكنها من بناء مؤسسات متكاملة بديلة لنظام الأسد، لأسباب يتصل بعضها بفكر وإدارة قوى المعارضة وتناقضاتها الداخلية، وأخرى تتصل بنظام الأسد والقوات الموالية له وسعيهم الدائم لإجهاض أي محاولات جدية لبناء مؤسسات بديلة وذلك عبر استهدافها بأدوات عسكرية كتدميرها بعمليات القصف الجوي المكثفة، وأخرى سياسية عبر إلغاء تواجدها وتضمين ذلك كشرط أساسي في اتفاقيات التفاوض المحلي.
ومن مظاهر افتقاد هيئات الأمن اللامركزية للطابع المؤسساتي:
تعدد المرجعيات: لا يتوافر إجماع لدى هيئات الأمن اللامركزية المحلية على مرجعية موحدة سواءً كانت سياسية أو تنفيذية أو قضائية، حيث لا تتبع هذه الهيئات لمؤسسات المعارضة السياسية الرسمية وأجهزتها التنفيذية، كما أنها تتبنى مرجعيات قضائية متباينة، الأمر الذي يفضي إلى تضارب الأدوار وتنازع المصالح فيما بينها، وافتقادها للاتساق والتكاملية؛ ([14])
قلة الكادر البشري وضعف الخبرات التخصصية: تعاني الهيئات الأمنية المحلية هنا من إشكاليتين هما: غياب التوازن بين العدد القائم وطبيعة المهام الأمنية المطلوبة منهم، وضعف الخبرات في مجال إدارة العمل الأمني. أما الأسباب فتعود إلى: غلبة العنصر المدني على الأمني في هذه الهيئات وضعف دورات التدريب البدنية واقتصارها على الجانب المسلكي والعقائدي بشكل رئيسي؛
ضعف التجهيزات المادية واللوجستية: تتفاوت هيئات الأمن المحلي فيما بينها من حيث الموارد المادية المتاحة لها فيما يتعلق بالمقرات والرواتب والآليات والتسليح وأجهزة التواصل، وعموماً تعاني من ضعف قدرتها على تأمين الاحتياجات اللوجستية التي يتطلبها العمل الأمني خاصة في ظل الأوضاع غير المستقرة؛ ([15])
ضعف التخطيط الاستراتيجي: من خلال تتبع عمل ومهام هيئات الأمن المحلية، يُلحظ عدم تبنيها خطط تنفيذية واضحة تتصل باستراتيجيات شاملة، أو اتساق أهدافها وهو ما يفضي إلى تضارب في الأدوار والمصالح وهدر الموارد.
الأمن المحلي والاختبارات الوظيفية: الفوضى الأمنية
تشهد المناطق التي تديرها المجالس المحلية فوضى أمنية بحكم ضعف مأسسة هيئات الأمن المحلية ومحدودية قدراتها من جهة، إضافةً إلى تزايد مستوى التهديدات التي تتعرض لها من قبل نظام الأسد والقوات الموالية له من جهة أخرى، ومن أبرز مؤشرات الفوضى التي تعيشها مناطق المجالس:
ارتفاع عدد الحوادث الأمنية الجنائية كالسرقات والسلب والنهب والجرائم المخلة بالآداب العامة، وتبعاً لإحصائية مقارنة أصدرتها الشرطة الحرة في حلب، يظهر تزايد نسبة جرائم السرقة والقتل والإيذاء في الستة أشهر الأولى من عام 2016 مقارنة بالفترة نفسها من عام 2015؛ ([16](
ارتفاع عدد الحوادث الأمنية كالاغتيالات والتفجيرات التي تنفذها خلايا أمنية-تتبع للنظام السوري والقوات الموالية له إضافة إلى تنظيم "الدولة الإسلامية"-تتواجد في مناطق سيطرة فصائل المقاومة الوطنية، ووفقاً لإحصائيات عام 2015 فقد سجلت محافظة درعا أكبر عدد من الاغتيالات مقارنة ببقية المحافظات يقدّر بــ 105 حالة اغتيال بحسب مكتب توثيق الشهداء في درعا، تليها بالترتيب المحافظات التالية: إدلب، ريف دمشق، حلب ([17]). أما عن الجهات المستهدفة بعمليات الاغتيال فتشمل شريحة من قيادات فصائل المقاومة الوطنية وناشطين إعلامين وقيادات محلية؛
شيوع حالات الاعتقال والتغييب القسري والتعذيب الجسدي من قبل عدد من فصائل المقاومة الوطنية بحق الناشطين في المجال الإعلامي والمدني، ويذكر هنا على سبيل المثال ما يثار حول امتلاك جيش الإسلام لثلاثة سجون في الغوطة الشرقية هي: سجن التوبة، سجن الباطون، سجن الكهف، لا تخضع لرقابة القضاء الموحد في الغوطة، كما لا يتاح للمعتقلين فيها حق الدفاع عن أنفسهم؛ ([18])
انتشار واسع لمافيات السلاح وتجار المخدرات ([19]) وعصابات التهريب وبيع البضائع المسروقة؛ ([20])
انتشار غير مضبوط للسلاح بين المدنيين واستخدامه لأغراض تتعدى الحماية الشخصية إلى ممارسة أعمال غير قانونية؛ ([21])
حدوث حالات اقتتال داخلية بين فصائل المقاومة الوطنية بسبب خلافات عقائدية أو مصلحية؛ ومن أبرزها: اقتتال جيش الإسلام مع فيلق الرحمن وجيش الفسطاط في الغوطة الشرقية، اقتتال حركة نور الدين الزنكي وكتائب أبو عمارة مع تجمّع فاستقم كما أمرت في حلب، اقتتال حركة أحرار الشام الإسلامية وجيش الشمال وأحرار سورية مع الجبهة الشامية في ريف حلب الشمالي؛ ([22])
فوضى تطبيق الأحكام القضائية نتيجة تعدد المرجعيات القضائية، إضافة إلى إفلات عدد من عناصر الفصائل من العقاب بحكم الحصانة التي يتمتعون بها.
تحديات الأمن المحلي والتوصيات
تعمل هيئات الأمن المحلية اللامركزية جاهدة على تعزيز أدائها الأمني وتحقيق مهامها الوظيفية، إلا أنها تدرك صعوبة ما سبق في ظل تواجد تحديات عدة تعوق مساعيها للتخفيف من الفوضى الأمنية التي تشهدها مناطقها، وفي حين يتصل جزء من التحديات بالبيئة الداخلية لعمل تلك الهيئات، فإن الجزء الأكبر منها يتأتى من البيئة الخارجية التي تنشط فيها هيئات الأمن المحلية والتي يمكن وصفها بأنها بيئة معقدة ذات صراعات مركبة ومخاطر عالية ومن أبرز هذه التحديات:
عمليات القصف الجوي: يستهدف طيران روسيا ونظام الأسد المناطق التي تخضع لسيطرة فصائل المقاومة الوطنية بعمليات قصف جوية مركزة، علماً أن الهدف منها يتجاوز البعد العسكري العملياتي، وما يؤكد على ذلك الاستهداف الممنهج لهياكل الحكم المحلي ([23]) والبنية التحتية. أما الهدف فيتمثل في رفع الكلف الإنسانية وزيادة مستوى الأزمات الخدمية وتدمير هياكل الحوكمة المحلية، وبالتالي تعميق حالة الفوضى الأمنية بما يفوق قدرة المجالس المحلية وشركائها على التعامل معها وهو ما أكده العاملين في تلك الهيئات ([24])، وفيما يلي جدول يوضح عدد الغارات التي شنها طيران نظام الأسد وروسيا على المناطق المدنية من بداية عام 2015 إلى شهر تشرين الثاني من عام 2016. ([25])
قلة الدعم المالي: يتطلب توفير الأمن موارد مالية تغطي احتياجات هيئات الأمن المحلية من رواتب ومصاريف تأسيسية وتشغيلية، ويظهر الواقع عجزاً مالياً سواء لدى المجالس المحلية وكذلك شركائها في تحمل كلف العمل الأمني سيما فيما يتعلق بتوفير الرواتب للعاملين فيها وذلك نظراً لعدم استقرار مصادر الدعم وتزايد حجم الاحتياجات الناجمة عن تأزم الموقف الأمني. ([26])
نقص الكوادر التخصصية: يتطلب العمل الأمني كوادر متخصصة ملمّة بعلوم الأمن وآلياته وأساليبه الحديثة، إضافةً إلى تمتّعها بثقافة قانونية جيدة حول الأطر القانونية الناظمة للعمل الأمني، وعلى الرغم من انشقاق عدد كبير من قوى الأمن عن النظام، إلا أن الغالبية منهم فضّلت إما البقاء بعيداً عن الملف الأمني أو أنها انخرطت في العمل العسكري ضمن الفصائل، لتحدث فجوة في الكادر الأمني تم تعويضها من قبل المدنيين القادمين من خلفيات متنوعة علمياً ومهنياً وهو ما أثر على مهنية العمل الأمني وأدى إلى ارتكاب أخطاء عملياتية.
غياب مركزية القرار الأمني: يُفتقد القرار الأمني المركزي في مناطق سيطرة فصائل المقاومة الوطنية، نظراً لتعدد الجهات المنخرطة في الملف الأمني والتي تؤدي أدواراً متباينة بحسب إمكانياتها وعلاقاتها والبيئة التي تنشط فيها، وبدل أن تغني هذه التعددية العمل الأمني وفق قاعدة تلاقي المصالح وتوزع الأدوار وإيقاف هدر الموارد المحدودة، فإنها أفضت إلى نتائج عكسية فاقمت الفوضى الأمنية. ([27])
تهديد تنظيم "الدولة الإسلامية": يعتبر التنظيم أحد أبرز الجهات التي تهدد العمل الأمني في مناطق سيطرة فصائل المقاومة الوطنية، إذ يضع التنظيم هذه المناطق ضمن قائمة الأهداف التي يجب التعامل معها، باعتبارها تشكل عائقاً أمام تمدده في سورية، من هنا يُفهم مسعى التنظيم الحثيث لزعزعة أمن المناطق التي تنشط فيها هيئات الأمن المحلية عبر القيام بعمليات انتحارية أو اغتيالات تستهدف قيادات المجتمعات المحلية في المجالين المدني والعسكري، وبالتالي نشر حالة الفوضى الأمنية بما يسّهل ظهور التنظيم من جديد، ويكفي هنا الإشارة إلى أسلوب تنظيم الدولة في السيطرة على الباب ومنبج والرقة من خلال الاستفادة من الفوضى الأمنية التي شهدتها هذه المناطق، وفيما يلي توزع العمليات الانتحارية التي شنها التنظيم على خصومه منذ كانون الثاني 2016 لغاية تشرين الثاني 2016.([28])
تنامي نفوذ الفصائل الجهادية فوق الوطنية: تمتلك هذه الفصائل مشروعها الخاص لإدارة المناطق التي تنتشر فيها، وتبعاً لذلك فإنها تعمل على تشكيل مؤسسات موازية لهياكل الحكم المحلية القائمة والتي لا تعترف بها أصلاً، بل وتعمل جاهدة على إلغائها عبر الضغط عليها بما يعيق قدرتها على العمل، أو تدميرها بحجج عدة منها ([29]): تنفيذ أجندات خارجية، الإفساد في الأرض، مخالفة الشريعة الإسلامية وكمثال على ما سبق، هاجم جند الأقصى وجبهة فتح الشام عدداً من مخافر الشرطة الحّرة في محافظة إدلب. ([30])
تنوع مصادر التهديد الأمني: تواجه هيئات الأمن المحلية تهديدات متنوعة المصدر تتجاوز البعد الأمني إلى أبعاد أخرى ذات منشأ إنساني واقتصادي واجتماعي، وفي حين تتضافر كل العوامل السابقة في تهديد الأمن المحلي فإن لبعضها تأثيراً أكبر مقارنةً بغيرها ([31])، فعلى سبيل المثال تعتبر العوامل ذات الطبيعة الاقتصادية كالبطالة والتهريب وارتفاع الأسعار أبرز مهددات الأمن المحلي في الرستن وفي بعض مناطق حلب وهو ما يُستنتج من ارتفاع عدد جرائم السرقات والسلب، في حين يشكّل التغيير الديمغرافي القسري وحركات النزوح الداخلية أبرز العوامل التي تهدد الأمن المحلي في مناطق سيطرة فصائل المقاومة الوطنية في محافظة ريف دمشق.
سيولة الصراع وتغيرات السيطرة: تفتقد هيئات الأمن المحلية لعنصر الاستقرار المكاني نتيجة لتغيرات السيطرة الميدانية وهو ما يعيق مساعيها في تأسيس بنية مادية مستقرة يتطلبها العمل الأمني، فعلى سبيل المثال فقدت الشرطة الحرة في محافظة حلب 12 مركز لها مع التقدم الذي أحرزه تنظيم الدولة في المنطقة الشمالية من المحافظة بين عامي 2014-2015. ([32])
الميليشياوية: الحذر من تحول الهيئات الأمنية المحلية إلى هيئات شبه عسكرية أو هيئات أمنية مافيوية، بمعنى تحولها-تحت ضغط الصراع وتشظي الفصائل وانهيار هياكل الحوكمة المحلية وتصاعد نفوذ الفصائل الجهادية فوق الوطنية-إلى أدوات أمنية-عسكرية تسعى لفرض سيطرتها الاجتماعية وحماية مصالحها الاقتصادية وتنفيذ أجندات خارجية تتناقض مع مصالح المجتمعات المحلية. ([33])
يفترض التغلب على التحديات السابقة العمل على إيجاد مقاربة جديدة ذات رؤية واضحة حول إدارة الأمن المحلي، تنطلق من تحديد الأهداف وترجمتها إلى استراتيجية متكاملة توظف ما هو متاح للوصول إلى ما هو مأمول وفق قاعدة تلاقي المصالح وتبادل الأدوار بين القوى المحلية. وضمن ما سبق يقترح مجموعة من التوصيات العامة:
تبني مرجعية قضائية مدنية موحدة على مستوى مناطقي (المحافظة) ذات استقلالية بعيداً عن تدخلات القوى المحلية وتجاذباتها؛
توحيد عمل الشرطة المحلية على مستوى مناطقي (المحافظة) وربط مراكزها بالمجالس المحلية؛
تولي المكاتب الأمنية لفصائل المقاومة الوطنية لمهام الشرطة العسكرية والاستخبارات؛
إعادة هيكلة الهيئات المعنية بالأمن المحلي بما يضمن اتساقها بشكل أكبر مع المتطلبات الأمنية للمرحلة الراهنة والانتقالية، وكذلك مخرجات الحل السياسي؛
تعزيز قدرات المجالس المحلية على إدارة شؤون مناطقها وتلبية احتياجاتها الأساسية، وذلك بالعمل على ثلاث حزم دعم متكاملة تشمل الموارد والعلاقات والحوكمة.
خاتمة
تولي المجالس المحلية أهمية لملف الأمن المحلي نظراً لمخاوفها من تنامي حالة الفوضى الأمنية وانعكاسها سلباً على استمراريتها وأدائها، ولهواجسها المحقّة من أن تغلب على أجندات الدول المنخرطة في الصراع السوري الاعتبارات الأمنية عوضاً عن التركيز على اعتبارات الاستقرار المجتمعي والسياسي.
ونظراً للتمثيل المجتمعي الذي تحوزه المجالس فإنها مُطالبة بلعب دور رئيسي في توفير الأمن المحلي سواءً بالتصدي للتهديدات الأمنية من خلال انخراطها المباشر في الملف الأمني وإدارتها لجهود الهيئات المحلية المعنية بالأمر، أو عن طريق معالجتها للتهديدات التي تستهدف استقرار مجتمعاتها المحلية من خلال توفير الخدمات الأساسية، والقيام بمشارع تنموية تسهم في تثبيت مقومات الاستقرار المجتمعي.
إلا أن الجهود المبذولة من قبل المجالس وشركائها المحليين فيما يتعلق بإدارة الأمن المحلي لم ترقَ بعد إلى المستوى المطلوب، نظراً لضعف المأسسة وانخفاض الفعاليّة، الأمر الذي يجعل الفوضى الأمنية الحالة السائدة وما تمثله من مخاطر جدية تتهدد مشروع المجالس المحلية. وأمام ما سبق فإن المجالس وشركاءها معنيون بإيجاد مقاربة جديدة ذات رؤية واضحة حول إدارة الأمن المحلي، ذات أهداف محددة يتم ترجمتها إلى استراتيجية متكاملة توظف ما هو متاح للوصول إلى ما هو مأمول وفق قاعدة تلاقي المصالح وتبادل الأدوار بين القوى المحلية، وما يتطلبه ما سبق من العمل على إعادة هيكلة الهيئات المعنية بالأمن المحلي بالشكل الذي يضمن اتساقها مع المتطلبات الأمنية للمرحلة الراهنة والانتقالية، وكذلك مخرجات الحل السياسي.
([1]) تعتبر بصر الحرير في درعا من المناطق التي لم تشهد عمليات اغتيال في عام 2015 نظراً لوجود جهة واحدة تتولى إدارة العمل الأمني إضافة إلى أسباب أخرى، للمزيد مراجعة، يعرب عدنان، رئيس اللجنة الأمنية في (بصر الحرير): إنشاء وحدات أمنية في مناطق سيطرة الثوار سيحد من الاغتيالات، كلنا شركاء، تاريخ 15-11-2015، رابط إلكتروني https://goo.gl/nK1e8F
([2]) يذكر أن المجلس المحلي لمدينة داريا أعلن عن حل نفسه بعد أن اضطر للخروج من مدينة داريا إلى محافظة إدلب نتيجة الضغط العسكري الذي مارسه النظام وقواته الموالية له على المدينة لمدة تزيد عن أربعة سنوات، للمزيد مراجعة، بيان حل المجلس المحلي لداريا، الصفحة الرسمية للمجلس المحلي لمدينة داريا على الفيس بوك، تاريخ 24-11-2016، رابط إلكتروني https://goo.gl/ERNwzt
([3]) ساندي عيد، مجلس “مشمشان” المحلي بريف إدلب يعلق أعماله جراء القصف ويطلق مناشدات لإغاثة الأهالي، راديو الكل، تاريخ 17-11-2016، رابط إلكتروني https://goo.gl/bmHJLT
([4])استشهاد رئيس المجلس المحلي لمدينة قطنا، الموقع الرسمي للمجلس المحلي لمدينة قطنا على الفيس بوك، تاريخ 24-5-2016، رابط إلكتروني https://goo.gl/hBgwxD
([5]) توجد في مناطق سيطرة فصائل المقاومة الوطنية أربعة تجارب شرطية رئيسية وهي: 1) الشرطة الحرة في محافظتي حلب (1-10-2012) وإدلب (1-7-2014) حيث تضم ما يقارب من 3000 عنصر متوزعة على 50 مركز في محافظة حلب و33 في محافظة إدلب، ويجري حالياً العمل على تشكيل الشرطة الحرة في محافظة درعا ومراكز أخرى في ريف دمشق وحمص وبعض مناطق حماة، وربطها مع بعضها بهيئة عامة للشرطة الحرة، في حين تم تعليق العمل بمشروع الشرطة الحرة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام في محافظة اللاذقية. 2) قيادة الشرطة في الغوطة الشرقية: تشكلت عقب اندماج شرطة الغوطة الشرقية_ القطاعين الجنوبي والأوسط للغوطة وجزء من قطاع المرج_ مع مديرية الشرطة في منطقة دوما وتوابعها، عام 2014 وذلك إثر تشكيل القيادة الموحدة في الغوطة، يقدر عدد أعضائها بـــ 700، 3) قيادة شرطة القلمون الشرقي والبادية: شكلت بهدف مواجهة تمدد تنظيم "الدولة الإسلامية"، 4) قوى الأمن الداخلي في الرستن: تشكلت الشرطة الثورية في الرستن بتاريخ 24-3-2012 من المنشقين عن جهاز الشرطة ويقدر عدد أفرادها ب 30. ما سبق جزء من ورقة بحثية غير منشورة بعنوان "الأمن في مناطق سيطرة فصائل المقاومة الوطنية بين الواقع والضرورة".
([6]) من أبرز الهيئات القضائية المتواجدة في مناطق سيطرة فصائل المقاومة الوطنية: 1) مجلس القضاء الأعلى في حلب: تأسس المجلس في 30-7-2015 بتوحد سبع محاكم في حلب وريفها، 2) محاكم الهيئة الإسلامية لإدارة المناطق المحررة: يقدر عددها بــ11 محكمة تنتشر في محافظة إدلب وجزء من ريف حماة، 3) مجلس القضاء في الغوطة الشرقية: تأسس في 24-6-2014 بتفويض من معظم الفصائل العاملة في الغوطة الشرقية والتي يقدر عددها آنذاك بــ "17" فصيل، 4) دار العدل في حوران: تشكلت في تشرين الثاني 2014 وتشمل سلطتها المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل المقاومة الوطنية في محافظتي درعا والقنيطرة، 5) المحكمة العليا في ريف حمص الشمالي: تشكلت في 1-10-2014 وتضم محاكم: الرستن، تلبيسة، الزعفرانة والحولة، 6) محاكم جبهة فتح الشام "المحاكم الشرعية". ما سبق جزء من ورقة بحثية غير منشورة بعنوان "الأمن في مناطق سيطرة فصائل المقاومة الوطنية بين الواقع والضرورة".
([7]) أشار مصدر مطلع من مجلس محافظة حماة إلى وجود مكاتب أمنية لدى جزء من مجالس المحافظة تمارس مهام الشرطة، في حين تعتمد مجالس أخرى على فصائل المقاومة الوطنية، حديث أجراه الباحث مع المصدر على وسائل التواصل الاجتماعي، تاريخ 14-11-2016، كذلك أشار رئيس مجلس محافظة حمص إلى وجود مكاتب أمنية ومخافر للشرطة تتبع للمجالس المحلية تقوم بعملية حفظ الأمن المحلي رغم محدودية قدراتها، حديث أجراه الباحث مع مجلس محافظة حمص على وسائل التواصل الاجتماعي، تاريخ 1-11-2016.
([8]) أكد أسامة البردان، رئيس مجلس محافظة درعا الحرة إلى تعاون مجلس المحافظة مع محكمة العدل والفصائل الثورية لوقف الفوضى الأمنية، للمزيد مراجعة، عطاف الأحمد، محافظ درعا الحرة: مجالسنا المحلية "ثورية بامتياز"، الخليج أون لاين، تاريخ 9-12-2016، رابط إلكتروني http://klj.onl/SfINj.
([9]) جانب من إزالة المخالفات والتجاوزات والتعديات على خطوط كهرباء مضخات المياه التي تغذي عدد من مدن وقرى ريف درعا الشرقي بالتعاون بين المجلس المحلي لمدينة بصرى الشام وفرقة شباب السنة، للمزيد مراجعة، الموقع الرسمي لمجلس مدينة بصرى الشام، تاريخ 7-5-2015، رابط إلكتروني https://goo.gl/rEooTa، كذلك أشار الأستاذ زهير السلوم رئيس مكتب المشاريع في المجلس المشترك لتجمع ركايا إلى وجود علاقة جيدة تربط المجلس بالفصائل العاملة في منطقة المجلس، حديث اجراه الباحث مع الأستاذ زهير السلوم على وسائل التواصل الاجتماعي، تاريخ 6-11-2016,
([10]) اقترح مجلس إدارة مدينة بنش بالتنسيق مع الهيئة الإسلامية لإدارة المناطق المحررة على المجلس المحلي تشكيل لجنة لضبط هذه المخالفات، ووضع نظام لآلية عملها، للمزيد مراجعة، المجلس المحلي لمدينة بنش يشكل لجنة لضبط مخالفات المياه، المبادرة السورية للشفافية، تاريخ 25-6-2015، رابط إلكتروني https://goo.gl/27EtPq
([11]) أشار الأستاذ أكرم طعمة نائب رئيس الحكومة المؤقتة في حديث مع الباحث إلى اعتماد المجالس المحلية في الغوطة الشرقية على قيادة الشرطة في توفير الأمن، حديث أجراه الباحث مع الأستاذ أكرم طعمة على وسائل التواصل الاجتماعي، تاريخ 10-11-2016، أيضاً، يعتبر رئيس النقطة الشرطية التابعة للشرطة الحرة في محافظتي حلب وإدلب عضو في المجلس المحلي دون أن يمتلك حق التصويت، كما تمارس المجالس حق الرقابة والتوجيه على عمل مراكز الشرطة الحرة القائمة في مناطقها، مقابلة أجراها الباحث مع الملازم أول عاشق محمد ضابط الارتباط لدى الشرطة الحرة في محافظة حلب، غازي عينتاب، تاريخ المقابلة 5-11-2016.
([12]) رامي سويد، نظام الإدارة المدنية في داريا واستقلال المؤسسة الأمنية، الغربال، تاريخ 22-2-2015، رابط إلكتروني https://goo.gl/QUf5Qz، أيضاً مراجعة، زين كنعان، الأمن العام في داريا يشدد الرقابة على الأسعار، عنب بلدي، 21-2-2016، رابط إلكتروني https://goo.gl/FB9OC9، أيضاً، حملة أمنية واسعة في داريا، وإلقاء القبض على مطلوبين للعدالة، عنب بلدي، تاريخ 5-10-2014، https://goo.gl/lEhMT8.
([13]) يمكن تعريف الشرعية بحسب ميشيل دوبريه بأنها: استناد الحكام إلى احتياطي من الدعم الانتشاري، بمعنى أن يكون الحكام والمؤسسات التي يمارسون السلطة من خلالها، والسياسات العامة التي يضعونها متوافقة مع معتقدات المحكومين وقيمهم وميولهم ومشاعرهم أو لا تبتعد عنها صراحة. أما المشروعية فأنها تعني: مدى التزام المؤسسات والحكو