حماية المدنيين في سوريا
تواترت تقارير حول استخدام غاز الكلور على نطاق واسع في سوريا، بجانب تقارير حول استخدام غاز السارين للأعصاب. ومع هذا، فإنه حتى هذه اللحظة ليس ثمة خطة حقيقية لوقف جرائم الحرب تلك، وتقف مصداقية أميركا اليوم على المحك.
ومع دخول الحرب السورية عامها الثامن، دعا مستشار الأمن الوطني، إتش. آر. مكماستر، الخميس (قبل إقالته)، لمعاقبة موسكو وطهران للدور الذي اضطلعتا به في المذابح الجارية داخل سوريا. وأشار إلى أن مثل هذه الأفعال يجب أن تكون لها تداعيات سياسية واقتصادية خطيرة.
وقال مكماستر خلال كلمة ألقاها داخل المتحف الأميركي للنصب التذكاري لضحايا «الهولوكوست»: «يجب أن تحاسِب جميع الدول المتحضرة كلاً من إيران وروسيا على دورهما في تمهيد الطريق أمام هذه المذابح وإطالة أمد المعاناة الإنسانية في سوريا. يجب ألا يحظى الأسد بالحصانة عن جرائمه، وكذلك من يولُونه الرعاية».
جدير بالذكر أن الهجمات التي يشنها النظام ضد المدنيين على أشدها حالياً داخل ضاحية الغوطة الشرقية التابعة لدمشق. وتحاصر قوات الأسد ما يقرب من 400 ألف شخص، بدعم من ميليشيات تساندها إيران، وقوة جوية روسية. وغالباً ما تنشر القنابل المتساقطة على الضاحية غازات سامة في الهواء. من جهته، وصف المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، الغوطة الشرقية بأنها «ذروة المعاناة».
على الجانب الآخر، من غير الواضح بعد ما إذا كانت إدارة ترمب على استعداد لمواجهة الأمر. من ناحيتها، هددت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي الأسبوع الماضي بأن الرئيس ترمب سوف يستجيب عسكرياً، مثلما فعل في أبريل (نيسان) الماضي، حال الاستمرار في استخدام أسلحة كيماوية. وقالت أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة: «عندما يخفق المجتمع الدولي مرة تلو أخرى في التحرك، تحين لحظات يصبح لزاماً على الدول أن تأخذ بزمام الأمور في أيديها».
وسارع دبلوماسيون من مختلف أرجاء العالم إلى محاولة تحليل مدى مصداقية التهديد الذي أطلقته هيلي. من جهته، حذر الجنرال فاليري غيراسيموف، رئيس هيئة أركان القوات المسلحة الروسية، من أن روسيا سترد هذه المرة حال وقوع هجوم أميركي. كما أجرى نائب وزير الخارجية سيرغي ريابكوف، اتصالاً بجون هنتسمان، السفير الأميركي في موسكو، لنقل التحذير ذاته إليه بعيداً عن العلانية.
إلا أنه حتى هذه اللحظة، لم يُتخذ قرار باستخدام القوة العسكرية. الواضح أن البنتاغون لا يفضل مهاجمة الأسد بالقرب من دمشق، رغم أن وزير الدفاع جيمس ماتيس صرح منذ وقت قريب بأنه «سيكون من غير الحكمة على نحو بالغ» أن يستمر الأسد في استخدام الأسلحة الكيماوية. أما وزير الخارجية ريكس تيلرسون السابق فكان يفضل التفاوض مع موسكو - قبل أن يتعرض للطرد من منصبه. أما وجهة نظر ترمب الشخصية حيال الأمر فغير معروفة حتى الآن.
من ناحية أخرى، فإنه قبل شن أي هجوم، سيتعين على إدارة ترمب بناء حجة قوية تؤكد مسألة استخدام نظام الأسد أسلحة كيماوية، الأمر الذي يعد أقرب إلى المستحيل بالنظر إلى الوضع الفوضوي القائم على الأرض. جدير بالذكر أن عمال الإغاثة في منظمة «الخوذات البيضاء» والأطباء المحليين جمعوا أدلة قوية حول وقوع هجمات بغاز الكلور، لكن التحقق من هذه الأدلة ربما يستغرق شهوراً.
من جهته، قال مدير وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) السابق ووزير الخارجية الحالي مايك بومبيو، في 11 مارس (آذار): «لدينا معيار أعلى للتأكد من فهمنا لحقيقة ما حدث... بحيث تتمكن استجابتنا من التصدي للتهديد».
وعليه، فإنه يتعين على الولايات المتحدة وشركائها البحث عن أدوات أخرى. ويحاول فريق العمل المعاون لنيكي هيلي بدأب التفاوض بشأن إصدار قرار جديد بوقف إطلاق النار من جانب الأمم المتحدة، وكذلك قرار جديد بخصوص مراقبة استخدام الأسلحة الكيماوية. جدير بالذكر أنه عام 2013. جاء تهديد الرئيس باراك أوباما باستخدام القوة سابقاً لاتفاق مع موسكو حول الأسلحة الكيماوية. بيد أنه ليس ثمة احتمال يذكر أن تسمح روسيا بنجاح أي اتفاق حقيقي هذه المرة.
ومع هذا، يبقى الكثير في استطاعة الولايات المتحدة فعله. من ناحيته، أصدر متحف الهولوكوست تقريراً الأسبوع الماضي يوصي بسبل حماية المدنيين من الأسلحة الكيماوية وغيرها. وركز التقرير على ضرورة تصعيد الضغوط على موسكو وطهران لضمان دخول المساعدات الإنسانية إلى الضاحية المحاصرة، ودعم المجتمع المدني في المناطق المحررة، ومحاسبة مجرمي الحرب.
جدير بالذكر أن مجلس النواب مرر بالفعل تشريعاً يرمي إلى فرض عقوبات على الأسد لارتكابه جرائم حرب ووقف تدفق الأسلحة التي تستخدم في قتل مدنيين. وحمل القانون اسم «سيزار» (القيصر)، تيمناً باسم المصور العسكري السوري الذي هرّب أكثر عن 55 ألف صورة تثبت تورط نظام الأسد في تعذيب وقتل مدنيين محتجزين. ومن جهته، أبدى رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ بوب كروكر تفضيله لتشريع بديل يركز أكثر على التحقيق في جرائم الحرب. إلا أن إدارة ترمب لم تبدِ تأييدها لأي من التوجهين.
وإذا لم يحدث شيء قبل سقوط الغوطة الشرقية، فإن هذا سيكون دليلاً على عدم صدق موقف هيلي، الأمر الذي سيكون بمثابة كارثة في ما يخص الأزمات الدبلوماسية المستقبلية في مواجهة الأسد وروسيا وإيران في أجزاء أخرى من سوريا. وفي هذا الصدد، قال هادي البحرا، من لجنة المفاوضات السورية: «يقف الأسد متحدياً إرادة وجدية إدارة ترمب. ما دام بقي النظام قادراً على قصف المناطق من دون أي رادع، فلن يجلس أبداً على طاولة المفاوضات».
الواضح أن تداعيات ذلك سوف تمتد إلى ما وراء سوريا. في سبتمبر (أيلول) 2013، أعرب النائب آنذاك بومبيو والسيناتور توم كوتون خلال مقال رأي لهما عن اعتقادهما أن الإخفاق الأميركي في الاستجابة لاستخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا من شأنه تعزيز الجرأة في نفس ليس الأسد وحده، وإنما كذلك عناصر مارقة أخرى بينها إيران وكوريا الشمالية. وقد كان هذا القول صائباً حينها، ولا يزال حتى يومنا هذا. وفي ما يتعلق بحماية المدنيين في سوريا من الأسلحة الكيماوية، فإن مصالحنا وأخلاقنا تقف على نفس الجانب. وما دامت استمرت المذابح، سيزداد تدفق اللاجئين ويتفاقم التطرف ولن تنتهي الحرب أبداً.