صورة أبو محمد الجولاني
صورة أبو محمد الجولاني
● مقالات رأي ٢٤ مايو ٢٠٢٤

القائد العصامي ومكتسبات الثورة السورية في "ميزان الفاتح"

على وقع تسارع وتصاعد الأحداث في شمال غربي سوريا، ترددت عبارة "الحفاظ على مكتسبات الثورة السورية" بكثرة عبر قنوات إعلاميّة وشخصيات مقربة من "هيئة تحرير الشام" وقائدها "أبي محمد الجولاني"، الذي يعشق أن يُلقب بـ"قائد المحرر".

هذا القائد الطامح الذي لا يشق له غبار، الممنوع من الانغماس بطلب من "الأخوة"، يتباهى ويكرر مصطلح "المكتسبات" وعدم السماح بالعودة إلى "المربع الأول" ما يجعلك تنسج الأحلام الوردية وتشعر بأنك تعيش في المدينة الفاضلة، إحدى أحلام الفيلسوف اليوناني "أفلاطون".

يفند هذا المقال بما قل ودل ما ورد على لسان "الجولاني"، المتلون حول "المكتسبات"، المزعومة وحقيقتها دون أن يسع المجال لذكر مسلسل تقلبات الرجل حيث يستحيل أن يتطرق مقال واحد أو حتى كتاب إلى حجم البراغماتية الذي مارسها حتى وصوله إلى سلطة ونفوذ على مناطق إدلب وغربي حلب.

لحصر "مكاسب الثورة" بالنسبة لـ"الجولاني" لا بد تذكير السوريين بظهوره دون كشف وجهه في بداية الثورة.. شخص مجهول الملامح والشخصية وبنبرة صوت دافئة؛ لكي تدغدغ المشاعر، قال في مقابلة بثتها الجزيرة عام 2013 إنه قدم إلى سوريا رفقة 7 إلى 8 أشخاص وتحديداً في الشهر الثامن 2011 أي بعد اندلاع الثورة بحوالي نصف عام.

لا أدعو القارئ إلى مواصلة القراءة قبل التركيز على فكرة بأن "الجولاني" وبعظمة لسانه قال إنه جاء إلى هذا البلد بداعي النصرة ولا يملك رغبة بالحكم، وكذلك لم يكن يملك حينها أي من "المكتسبات" التي يغنى بها الآن على الرغم بأن لا مجال للمقارنة بين واقع الثورة بين الماضي والحاضر.

وكذلك لا مجال للمقارنة بين ما ورد في حديثه السابق لا سيما فيما يتعلق بعلاقته مع القاعدة والبغدادي وسامي العريدي وغيرها من المواضيع الجدلية، ولكن هذه فرصة للتأكيد على عدم إمكانية الخروج عن سياق المقالة التي تتركز على تفنيد خدعة "المكتسبات" وعدم الخوض في تقلبات وتذبذب "الجولاني" الذي سلك طرق طويلة أطاح بالكثيرين وبدل جلده مرات ومرات.

فضل الثورة على "الجولاني".. "مكتسب" لا يحمل النكران

لا شك بأنه كثيرة هي الجهات التي تسلقت على الثورة السورية التي تصنف ودون منازع أطهر وأشجع ثورة على مر العصور دفعت ثمن باهظ لتنال أهدافها التي لا أشك بأنها ستتحقق، وطالما ينكر الجناة فعلتهم، إلا أن "الفاتح" (أحد ألقاب الجولاني) حينما كان يخاطب الإعلام بالصوت فقط ويظهر أجزاء بسيطة من جسده تقتصر على الوشاح ويده التي تظهر صدفة، أقر بأن للثورة الفضل عليه.

وانتهز "الجولاني" ذاك المكتسب الذي يتجاهله الآن بل دعوني أقولها بالعامية فهو حاليا والمطبلين معه "يضربون الثورة منية"، دون التطرق إلى حجم خسائرها البشرية والمادي والمعنوية على يده، علما بأنه أكد قبل 10 سنوات على الأقل أنه لولا الثورة لما استطاع الوصول لسوريا، حيث مهدت أحداثها الطريق لدخوله، واعتبر حينها أن "جبهة النصرة" ثمرة من ثمرات الجهاد العالمي.

فكيف وصل "الجولاني" إلى هذه المكانة الكبيرة؟ دون أن أُغفل دعمه من أطراف خارجية واستخدامه من أخرى، رجل قدم مع ثلة أشخاص جلهم تم تحييدهم على يده، ليصبح لاحقاً صاحب السلطان، وللمعلومة سبق للجولاني أن نفى مراراً أي نية لتفرده في الحكم في سوريا، أو السعي إلى السلطة وحتى في أزمته الأخيرة خرج وكرر بأنه "لا خلاف على السلطة".

حكاية القائد العصامي.. مكتسبات لا تعد ولا تحصى!

تُشكل مكتسبات "الجولاني" قائمة واسعة وهذه أبرزها، (حكومة) ورقية متعددة الاستخدامات بين تلميع الواقع وبين عملها مظلة مدنية ودورها الأهم بالنسبة للجولاني الجباية والضرائب وتنفيذ للإملاءات، (معابر) داخلية تدر ذهباً، (فصيل) مدجج بسلاح منهوب من الفصائل، (جهاز أمني) مُبدع في إجبار حتى القادة على الاعتراف بالعمالة، قادة قبِل بعضهم التخوين ثم رضوا بالمناصب والأموال والتعويض.

يُضاف إلى ذلك غطاء (شرعي وقضائي) يوفره شخصيات تغوص في نعيم الجولاني ومكرماته، و(جيش من الإعلام الرديف) يهاجم كل من يقترب من القائد الأوحد العصامي الذي شكل نفسه بنفسه، حتى لو كانوا شركاء الأمس القريب، نيرانه تطال الخصوم والمخالفين وتشوه صورتهم بما فيهم القادة المنشقين والمطرودين وغيرهم.

لن أحمل "الجولاني" وحده مسؤولية الهزائم وانتكاسات الثورة، لكن لا يمكن أن يتجاهل الثائر دوره الكبير بهذا الخصوص، وجرائمه بحق الثورة ومكوناتها لا سيّما الفصائل التي تفرد بها، لذلك كلمة "مكتسبات الثورة" كبيرة إذا ما قورنت بالخسائر وادعوا إعلام الهيئة إلى استبدالها المصطلح بـ"ما تبقى" إذا ما أرادوا الاقتراب من الواقع ولو لمرة واحدة في تاريخهم.

بناء إمارات لا تصلها صرخات أوجاع النازحين في المخيمات 

تقوم طريقة حكم "الجولاني" داخلياً على تقسيمات غير معلنة تقوم على المناطقية والعشائرية وحتى تيارات متفاوتة التشدد والفكر، قام بهندسة كل منها ضمن صفوفه لعلمه بمفتاح كل منها، كمن يعبث بحقل للألغام، ولا شك بأن حجم الظلم والظاهر مؤخرا قد يكون صادما لأشد خصومه فقد انكشف الحقيقة جلية وتتوالى الفضائح التي من شأنها زوال المشروع الخاص الذي استأثر بكل شيء وأقصى كل مخالف.

ونتج عن هذه التكوينات والتكتلات التي قام "الجولاني" بهندستها، تزايد ظواهر الاحتكار وبناء القصور والممالك والإمبراطوريات من قبل أمراء الحرب في الهيئة والمقربين منها، عدا عن الصراعات والانقسامات التي ظهرت وكانت ضمن إرهاصات أفضت لاحقا إلى انتفاضة شعبية ستكون طريقة التعامل معها هي العامل الأبرز في تحديد مدى استمراريتها وتفجر الأوضاع من عدمه.

إذا كان يُحسب لـ"الجولاني" بسط الأمن والأمان والاستقرار في إدلب، فعليه أن يثبت صدق النية ويتنحى عن الحكم لقطع الطريق على الفوضى، وأما عن كذبة "عدم وجود بديل مناسب" فسوف أصارح المتابع بدون كلمات منمقة عن قصد "الجولاني" بهذه الجملة، فهو يتعّمد إهانة الثورة وكافة مكوناتها وكوادرها وملايين السوريين فكيف يُسمح له بأن يدعي أن الثورة عقيمة ليس فيها قادة غيره؟ أم أنه قد ضمن الحياة والخلود؟ وحفظ "المكتسبات".

ولقناعتي التامة بعدم وجود إجرام يشبه نظام الأسد المتوحش اللاحم، لن أجري إسقاطات بهذا الشأن رغم المطابقة في كثير منها، لكن ليعلم "الجولاني"، بأن تشبيه الناس له بالنظام السوري في الشوارع ومواقع التواصل، هو دليل واضح على أن ما يفعله ويمارسه من جرائم وانتهاكات أشد مَضاضة عليهم، فهذه الظلمات تراكمات، والقطاعات احتكرت، وزاد الفساد والتسلط والجور وتم استنساخ جوقة المنتفعين والمدافعين عن السلطان بكل بشاعة، فعن أي مكتسبات يتحدث الحاكم وزبانيته؟.

بشهادة رفاق الأمس.. يوم الجولاني بكى على الكرسي!!

يرى العارف بتركيبة "هيئة تحرير الشام" بأنها تلقت الضربة الأقسى منذ تأسيسها، ضمن ما عرف بـ"قضية العمالة" التي لا تزال تداعياتها تجري حتى الآن، كرر قادة جبهة النصرة التي تغيرت تسميتها وشهدت تحولات كثيرة الحديث عن نفي الرغبة بالسلطة، لن استشهد بقرائن من خصوم "الجولاني" بل سأذكر رفيق الأمس المعروف بـ"أبي أحمد زكور" حين قال في مقاطع صوتية إن "الجولاني بكى على الكرسي" وتوسل عدم عزله.

كل هذه مؤشرات تدل على عدم نية الحاكم ترك السلطة التي حلف أيمان مغلظة بأنه لن يسعى لها، بل بحجة الحفاظ على "مكتسبات الثورة السورية" سيجر المحرر إلى الهاوية والفوضى فأين الحكمة بذلك؟، هنا سأتوجه بالسؤال إلى الشرعي "عبدالرحيم عطون" ونظيره "مظهر اللويس" وحتى المفتش القضائي الجديد "إبراهيم شاشو"، ما الحكم الشرعي لمن كذب وبغى وطغى وعذب وقتل وقمع ومارس التضليل والتقية!.

من المؤكد أن المنتفعين من الهيئة كثر، ممن ربطوا مصيرهم من مصيره، وعلماء البلاط شركاء في تثبيت الحاكم وتلميع وشرعنة ظلمه، ما يضعهم في دائرة المسؤولين بشكل مباشر عن أخطاء السلطة، أذكر في بداية الثورة السورية كُتبت عبارة تسخر من مشايخ السلطان منها سؤالاً موجهاً للبوطي جاء فيه "شيخي متظاهر في رمضان أكل رصاصة من الأمن هل يفطر؟".

والناظر إلى هذه العبارة "مكتسبات الثورة السورية" لن يتخيل بأن المكتسبات المراد أن تفرح بها وتمجدها هي وبكل واقعية ودون تجميل، "معابر، مخيمات، شريط حدودي، دوارات، طرق معبدة، ملاهي وملاعب"، مؤسف وأنا أعددها بحرقة فكنت أظنها 85% مناطق محررة من مساحة سوريا، ويفجعني أن أقول بأن امتلاك قرار تحرير المناطق المحتلة ليس أيضاً من "المكتسبات".

رسالة لكل ثائر بوجه الظلم والطغيان.. هذه "المكتسبات" فلنحافظ عليها

أما مكتسبات الحراك فإن كسر حاجز الخوف رغم القبضة الأمنية يتصدرها بدون منازع، إضافة إلى الأثر النفسي والمعنوي بما يعزز حقيقة جلية بأن مهما تعاظم الظلم فإن نهايته التهالك أمام أصحاب الحق، ومن يراهن على تخويف وإذلال وسرقة الشعب الذي فجر أعظم الثورات فإن رهانه خاسر، فلن يسامح من أجرم بحق الثورة وإن استطاع ترضية العسكريين بالمناصب والأموال المنهوبة، فلن ينجح مع الشعب ذلك حتماً.

ومن مكتسبات الحراك أيضاً بأنه قام بفضح مشروع الجولاني على رؤوس الأشهاد، ولم يعد خصمه اليوم فصيل مسلح لفق له التهم ثم يبطش به، بل بات شعب مكلوم تفجر غضبه ولن يستكين حتى تحقيق المطالب رغم محاولات الالتفاف عليها وتقزيمها، فإنّ الإصلاح الوحيد الذي ممن هو تنحي "الجولاني"، ثم محاسبة كل من ولغ في الدماء والقصاص ومحاسبة من كل المجرمين بحق هذا الشعب النبيل الكريم الذي فيه ثوار لن يساوموا على كرامتهم بعرض من الدنيا قليل.

المصدر: شبكة شام الكاتب: عبدالله السباعي
مشاركة: 
الكلمات الدليلية:

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ