
تمديد حالة الطوارئ الأمريكية في سوريا: رسالة سياسية إلى فلول الأسد
في خطوة تحمل أبعادًا سياسية وقانونية، أصدر الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الثلاثين من أيلول/سبتمبر 2025 قرارًا بتمديد حالة الطوارئ الوطنية المتعلقة بالوضع في سوريا لمدة عام إضافي، مستندًا إلى قانون الطوارئ الوطنية وقانون السلطات الاقتصادية الطارئة الدولية.
القرار نُشر رسميًا في السجل الفيدرالي الأميركي في الثاني من تشرين الأول/أكتوبر، ويُعد امتدادًا لحالة الطوارئ التي أعلنها ترامب للمرة الأولى عام 2019، والتي تم توسيعها في حزيران/يونيو الماضي بعد أن ألغيت حالة الطوارئ القديمة التي تعود إلى عام 2004.
البيان الرسمي للبيت الأبيض أوضح أن الوضع في سوريا ما زال يشكل تهديدًا غير عادي واستثنائيًا للأمن القومي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة، وأن مرتكبي جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان وشبكات تهريب المخدرات التي نشأت خلال حقبة النظام السابق لا تزال تمثل خطرًا حقيقيًا على السلم والاستقرار الإقليمي.
هذه الصياغة القانونية التي تبدو جافة من الخارج، تخفي وراءها إشارات سياسية واضحة تجاه مجموعة من الفاعلين على الساحة السورية، سواء من بقايا النظام السابق أو القوى المسلحة غير المنضبطة أو شبكات الجريمة المنظمة التي ازدهرت في فترة حكم الأسد.
العصا الأمريكية
في النظام القانوني الأميركي، لا يملك الرئيس صلاحيات فرض أو تعديل العقوبات خارج إطار إعلان حالة الطوارئ الوطنية. هذا يعني أن التمديد ليس مجرد إجراء بروتوكولي، بل هو في جوهره إبقاء للأداة القانونية الأساسية التي تسمح لواشنطن بالتحرك ضد أطراف تعتبرها مهددة للاستقرار، من دون الحاجة إلى تشريعات جديدة.
القرار يضمن استمرار قدرة الإدارة الأميركية على تجميد أصول وملاحقة شخصيات وفرض قيود اقتصادية وسياسية بمرونة عالية، وهو ما يمنحها مجالًا واسعًا لإدارة ملفات سوريا بما يتناسب مع تطورات الداخل والإقليم.
فلول النظام: الهدف الأكثر وضوحًا
الجزء الأكثر وضوحًا في هذا القرار يتعلق بفلول النظام السابق. النص الأميركي يربط بشكل مباشر حالة الطوارئ بالجرائم التي ارتُكبت خلال فترة حكم بشار الأسد ومن ارتبط به.
هذا الربط ليس عابرًا، بل هو تأكيد على أن واشنطن تحتفظ بحقها القانوني والسياسي في الاستمرار بملاحقة المسؤولين السابقين ورجال الأعمال الممولين وشبكات التهريب والفساد التي تشكلت في ظل النظام القديم.
بعض الموالين لرئيس النظام السابق بشار الأسد والمعارضين للدولة السورية الجديدة من بينهم قسد وميليشيات الهجري والايرانيين، سارعوا إلى الاحتفال بالقرار باعتباره خطوة ضد “الثورة” أو “سوريا الجديدة”، لكن هذا الاحتفال يعكس جهلًا عميقًا بطبيعة القرار، لأنه في الحقيقة موجه ضدهم، لا لصالحهم. الرسالة إليهم واضحة: لم يعد هناك غطاء، ولا حصانة، ولا نسيان لملفات الجرائم التي ارتكبوها.
قسد أمام واقع مختلف
القرار لا يقتصر على النظام السابق فحسب، بل يفتح الباب أيضًا أمام مقاربة جديدة تجاه قسد. فالولايات المتحدة لا تمنح هذه الميليشيات تفويضًا مطلقًا ولا حصانة سياسية دائمة، بل تبقي لنفسها هامش المناورة القانوني للتحرك ضدها إذا رأت أنها باتت تشكل تهديدًا للاستقرار أو تنتهك القوانين الدولية.
وجود حالة الطوارئ يمنح الإدارة الأميركية القدرة على إعادة تعريف علاقتها بقسد في أي لحظة، وهو ما يضع هذه القوة أمام واقع مختلف، خالٍ من الضمانات غير المشروطة التي اعتادت عليها خلال السنوات الماضية.
شبكات المخدرات في دائرة الاستهداف
إحدى أكثر الفقرات دلالة في القرار هي تلك التي تتحدث عن شبكات تهريب المخدرات التي ازدهرت خلال حقبة النظام السابق، فهذه الشبكات لم تعد مجرد ملف أمني داخلي، بل تحوّلت إلى عامل تهديد إقليمي ودولي.
وتمديد حالة الطوارئ يمنح واشنطن إمكانية ملاحقة هذه الشبكات وأموالها وتحالفاتها داخل سوريا وخارجها، بما يشمل الشركاء الإقليميين الذين يوفرون لها الغطاء أو التسهيلات.
سوريا الجديدة: المستفيد الأول
من زاوية سوريا الجديدة، يحمل هذا القرار أهمية استراتيجية لا يمكن التقليل من شأنها. فهو يميّز بوضوح بين الماضي والحاضر، ويستهدف حقبة النظام السابق دون أن يوجّه عقوباته إلى الدولة الحالية، كما يفتح الباب أمام إمكانية صياغة علاقة جديدة مستقبلًا إذا واصلت المؤسسات السورية الجديدة مسارها في إعادة بناء الدولة وترسيخ الاستقرار.
إبقاء العصا القانونية بيد واشنطن لا يعني بالضرورة عداءً لسوريا الجديدة، بل يمكن أن يُقرأ باعتباره عامل ضغط على القوى المعرقلة للتغيير، وفرصة للدولة الجديدة لتثبيت موقعها في المشهد الدولي كطرف شرعي يسعى إلى محاسبة الماضي وبناء المستقبل.
وتمديد حالة الطوارئ الأميركية ليس مجرد خبر أو حدث عابر، بل هو رسالة سياسية مشفّرة موجهة إلى عدة أطراف في آن واحد. إلى فلول النظام مفادها أنكم مستهدفون، وإلى قسد أن الغطاء الأميركي لم يعد مضمونًا، وإلى شبكات المخدرات أنكم ستبقون تحت الملاحقة والعقاب، وإلى سوريا الجديدة أن هناك فرصة حقيقية لبناء علاقة مختلفة إذا استمر مسار التغيير السياسي.
القرار يضع الجميع أمام واقع تتحكم فيه الولايات المتحدة بأدواتها، ولا يوجد أحد حتى الحكومة السورية الجديدة خارج حدودها، ويضع بشكل واضح العراقيل أمام الجميع إلا أنه بشكل أو بأخر يعبد الطريق امام سوريا الجديدة ولكن بأدوات وموافقة أمريكية.