
محكمة فرنسية تلغي قرارات رفض إعادة فرنسيات وأطفالهن من سوريا
ألغت المحكمة الإدارية في باريس، الخميس 13 آذار/مارس، بشكل غير مسبوق قد يشكل تحولاً في السياسة الفرنسية بشأن إعادة مواطنيها المحتجزين في سوريا، قرارات وزارة الخارجية الفرنسية الرافضة لطلبات إعادة النساء الجهاديات الفرنسيات وأطفالهن المحتجزين في المخيمات الكردية شمال شرق سوريا.
يأتي هذا القرار بعد معركة قانونية خاضها أقارب المحتجزين ومحاموهم، حيث لجأت المحامية ماري دوزيه إلى المحكمة نيابة عن ثماني نساء لديهن 29 طفلاً تتراوح أعمارهم بين 6 و15 عامًا. ووصفت دوزيه الحكم بأنه “تاريخي”، مؤكدة أنه ينهي نهج فرنسا القائم على اتخاذ قرارات رفض دون تبريرات قانونية واضحة.
يستند الحكم إلى إدانة المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان لفرنسا في 2022، التي طالبت بتقديم مبررات فردية لكل حالة رفض، وإتاحة آلية للطعن، وهو ما لم تلتزم به السلطات الفرنسية، مما دفع المحكمة الإدارية لإلزام الحكومة بمراجعة قراراتها خلال شهرين.
أكبر عدد من الجهاديين المحتجزين في سوريا
تُعد فرنسا الدولة الغربية صاحبة أكبر عدد من الجهاديين المحتجزين في سوريا، حيث يقدر عددهم بأكثر من 70 رجلاً و50 امرأة و120 طفلاً، وفقاً لبيانات دوزيه.
وبينما يُنظر إلى الرجال على أنهم مقاتلون يجب محاكمتهم، فإن وضع النساء والأطفال يثير جدلاً قانونيًا وإنسانيًا، خصوصًا أن الأطفال يعيشون في ظروف صعبة داخل المخيمات، دون تعليم أو رعاية طبية، منذ سقوط معاقل تنظيم “داعش” عام 2019.
مخاوف أمنية تعرقل عمليات الإعادة
تتبنى فرنسا نهجًا صارمًا مقارنة بدول أوروبية مثل ألمانيا وبلجيكا، التي نفذت عمليات إعادة جماعية، وتخشى باريس أن بعض النساء ما زلن يحملن أفكارًا متطرفة، مما قد يشكل تهديدًا أمنيًا. كما ترى أنهن يجب أن يحاكمن في سوريا أو العراق، رغم غياب إطار قانوني واضح لذلك.
ومع تقدم الأطفال في العمر، يتحول وضعهم إلى قضية أمنية وإنسانية معقدة، بعضهم محتجزون في مركز إعادة تأهيل “أوركيش”، حيث يتم فصل الفتيان عن أمهاتهم عند بلوغهم سن المراهقة.
وتؤكد المحامية دوزيه أن بقاء الأطفال في المخيمات “انتهاك لحقوق الإنسان”، مشيرة إلى إدانة فرنسا من قبل لجنة حقوق الطفل الدولية ولجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة بسبب تقاعسها عن إعادتهم.
ما بعد العودة؟
في حال إعادتهم، سيتم احتجاز النساء فورًا ووضعهن قيد التحقيق بتهم “الانتماء إلى جماعة إرهابية”، بينما سيخضع الأطفال لرعاية اجتماعية تشمل الإيواء لدى عائلات حاضنة أو مراكز إيواء متخصصة.
أما داخل السجون، فهناك برامج لإعادة تأهيل النساء عبر متابعة نفسية وتقييم مدى تبنيهن لأفكار متطرفة.
رفض متكرر رغم الطعون القانونية
طوال عام 2024، رفضت الخارجية الفرنسية طلبات إعادة الجهاديين، متذرعة بمخاوف أمنية وصعوبات تنفيذية. إلا أن المحكمة الإدارية اعتبرت قراراتها “تعسفية” لعدم تقديمها مبررات قانونية، ما دفع القاضي إلى إصدار حكم يلزم الحكومة بمراجعة جميع طلبات الإعادة.
على عكس النساء والأطفال، رفضت محكمة الاستئناف الإدارية في باريس النظر في طلبات إعادة ثلاثة جهاديين فرنسيين محتجزين لدى قسد، معتبرة أن وضعهم لا يندرج ضمن “الظروف الاستثنائية” التي تستوجب تدخل القضاء.
ومع تزايد الضغوط القضائية والدولية، يبقى السؤال المطروح هو هل ستُرغم الحكومة الفرنسية على تغيير نهجها في التعامل مع ملف المحتجزين في سوريا؟. في ظل الانتقادات الدولية المتزايدة، قد تجد باريس نفسها مضطرة لتبني نهج أكثر مرونة، خاصة بعد هذا الحكم التاريخي الذي يضعها أمام مسؤولية قانونية ملزمة.