"حـ ـزب التـ ـحرير" وتبني الحراك الشعبي المُناهض لـ "تحـ ـرير الشـ ـام"
قد يَختلط على المتابع للتطورات الميدانية في شمال غربي سوريا، لاسيما على صعيد الحراك الشعبي المناهض لـ "هيئة تحرير الشام"، ويصعب التفريق بين التظاهرات التي يُنظمها أتباع "حزب التحرير"، والمظاهرات التي تُنظمها الفعاليات المدنية، رغم أن طرفي الاحتجاج يرفعون شعارات ضد الهيئة، مع اختلاف (التوجه والأهداف والشعارات).
في أيار/ مايو 2023، خرجت عدة تظاهرات احتجاجية في عدة مدن وبلدات بريفي إدلب وحلب، ضد "هيئة تحرير الشام"، لاسيما عمليات الاعتقال التي طالت كوادر "حزب التحرير"، وأخذت التظاهرات تباعاً شكلاً تصاعدياً وتوسعت في عدة مناطق بريف حلب الغربي وإدلب، غلب عليها "التظاهرات النسائية" واقتصرت على أعداد قليلة من المحتجين في مناطق السحارة ودير حسان وبابكة وقرى أخرى تتمتع بشعبية للحزب.
اقتصرت شعارات التظاهرات التي نظمها أتباع "حزب التحرير"، على المطالبة بالمعتقلين من كوادر الحزب، وتطبيق الشريعة والخلافة التي ينادون بها، واللافت في تلك التظاهرات أنها "لم ترفع أعلام الثورة أبداً"، وتعرضت لسلسة مضايقات من الهيئة وحملات اعتقال، ولم تكن تلك المرة الأولى التي يخرج بها المؤيدون للحزب بتظاهرات ضد الهيئة.
وفي بداية العام الجديد 2024، وبعد سلسلة اعتقالات طالت المئات من كوادر الهيئة، ضمن ماعرف بـ "قضية العملاء"، بدأت هناك بوادر تحرك شعبية للفعاليات المدنية ضد الهيئة، وفي 25 شباط الفائت، تجمع المئات من المحتجين في منطقة دوار سرمدا بإدلب، في تظاهرة احتجاجية ضد "مسالخ الجولاني البشرية"، بعد تكشف آخر صنوف التعذيب والقتل في المعتقلات التي تديرها الأجهزة الأمنية، والتي شابهت لحد بعيد سجون الأسد وأصناف تعذيبه.
وبرزت الدعوات للتظاهر بعد فضح ممارسات الأمنيين في سجون "هيئة تحرير الشام"، بعد سلسلة واسعة من الإفراجات ليس عن معتقلي الرأي وأبناء الحراك الثوري، بل عن عناصر وقيادات من هيئة تحرير الشام نفسها، والذين تعرضوا لشتى أنواع التعذيب والضرب والإهانة، وقتل عدد منهم تحت التعذيب.
وفي يوم الجمعة 1 آذار، نظمت الفعاليات المدنية تظاهرات مركزية في مدن (إدلب - بنش) بريف إدلب، وفي الأتارب بريف حلب الغربي، طالبت قيادة الهيئة بالإفراج عن المعتقلين المغيبين في السجون، بمن فيهم معتقلي الرأي والحراك الثوري، وتميزت بلافتاتها التي تدعوا لإسقاط "الجولاني" وجهاز الأمن العام، ورفعت أعلام الثورة كراية موحدة جامعة، ولاقت تفاعلاً واسعاً والتفافاً من أبناء الحراك الثوري.
ومع تطور الحراك الشعبي المناهض لـ "هيئة تحرير الشام" التي اتخذت سياسة "عدم المواجهة الأمنية"، كونها في موقع حرج بعد "قضية العملاء"، أعطى ذلك مجالاً لتوسيع دائرة الحراك والتظاهرات من مركز مدينة إدلب إلى بنش وتفتناز وأريحا وجسر الشغور والأتارب ودارة عزة، مع محاولات كانت ظاهرة لتقويض الحراك بوسائل أخرى، وتسلق البعض من المناهضين أو المعادين للهيئة على هذا الحراك.
وبرز خلال الاحتجاجات الشعبية في عموم المنطقة، الوعي لدى الفعاليات الثورية التي رفعت شعارات "إسقاط الجولاني وأجهزته الأمنية"، في وقت رفعت لافتات تحيي فيها المرابطين على الجبهات من عناصر الهيئة، وأكدت دعمها لهم ووقوفها إلى جانبهم، خلافاً لما تم ترويجه بأن التظاهرات موجهة ضدهم.
في هذه المرحلة، وسع "حزب التحرير" من تظاهراته المناهضة للهيئة، رغم أن الأخيرة عملت على تهدئة الأجواء من طرف الحزب بالإفراج عن العشرات من كوادره المعتقلين في سجونها، لكن - وفق نشطاء - فإن الحزب وجد الفرصة سانحة لمواصلة الحراك واستثمار التظاهرات الشعبية المناهضة للهيئة، فبات المواليون للحزب يتصدرون المشهد في بعض التظاهرات لإعطاء زخم شعبي أكبر لتظاهراتهم.
ومع نجاح الهيئة في امتصاص حالة الاحتقان في صفوفها، والإفراج عن جميع المعتقلين من قياداتها وعناصرها وإرضائهم، بدأ التوجه لتقويض الحراك الشعبي ضدها، وبدأت تستخدم أساليب عدة في محاربة الحراك بعيداً عن الخيار الأمني، إحدى هذه الوسائل هو اتهام الحراك بأنه امتداد لتظاهرات "حزب التحرير"، وبدأ يسوق الحجج والمسوغات لضرب منظمي الحراك على أنهم من كوادر الحزب وأن أجنداتهم تتنافى مع مطالب الإصلاح وفق تعبيرها.
وكان حذر ناشطون من خطورة تصدر وتسلق بعض التيارات والشخصيات التي ظهرت في ثوب الداعم للحراك ضد قيادة هيئة تحرير الشام، علما بأنها كانت جزء لا يتجزأ من مشروع الجولاني قبل استخدامها لصالح مشروعه الخاص والتخلص منها لاحقا بعد عملها لسنوات في تصدير مشروع الهيئة، وعلى سبيل المثال لا الحصر، (أبو مالك التلي - بسام صهيوني - عبد الرزاق المهدي) وغيرهم الكثير ممن تحولوا لخصوم لأسباب شخصية.
ناهيك عن وجود شخصيات وتيارات كانت قد خاضت صراعات معلنة مع الهيئة لأسباب لا تمس الحراك الشعبي بصلة بينهم قادة وشرعيين سابقين وتيارات منها "حزب التحرير"، ويعتبر ذلك خلافات واقصاءات داخلية قد تزول عند زوال الأسباب، ويشير نشطاء إلى أن تأييد مثل هذه الشخصيات للمظاهرات لا يعني أنها تستحق قيادة الحراك وجعلها جزء رئيس منه، كونها لا تختلف كثيرا عن بقية خصوم الهيئة الجدد مثل حزب التحرير الذي لا يتقاطع مع الثورة السورية، وفق تعبيرهم.
وفي الوقت الذي تُتهم "هيئة تحرير الشام" بالتضييق على كوادر الحزب والحد من نشاطاتهم، هناك طرف آخر يعتبر أن الهيئة تتماهى كثيراً في إنهاء هذا المكون المخالف لها رغم قدرتها على ذلك وهي التي أنهت عشرات المكونات العسكرية والتنظيمات الأخرى و فككتها، معتبرين أن استمرار وجود الحزب و احتجاجاته يخدم سياستها.
وفي 28 شباط/ الفائت، ردت "هيئة تحرير الشام" عبر الشرعي العام التابع لها "عبد الرحيم عطون"، على نصائح القيادي السابق فيها، "جمال زينية" المعروف بـ"أبو مالك التلي"، حيث نشر "عطون" رداً مطولاً تطرق فيه إلى قضية "حزب التحرير"، مشيرا إلى أن الحزب يخالف الهيئة منذ سنوات، وأضاف، "لم نعتقل منه إلا في السنة الأخيرة".
واعتبر أن سبب الاعتقالات إقدام عناصر تابعين للحزب على قتل أحد مقاتلي الهيئة، و"لما طلب من الحزب تسليم القتلة لمحاكمتهم، كان الجواب: كلنا قتله، أو لن نسلمهم"، وفق تعبيره، وتابع أن "حزب التحرير يجهر ليل نهار بـ "تخوين الفصائل" ويتهمها بالبيع، وبالعمالة، وبالتآمر، ويمارس التخذيل، فهل يحاسَب على ذلك قضاءً أم لا؟ وفي حال محاسبته، فهل يعد مرتكِبُ جناية التخوين والتخذيل -في أرض الحرب- سجين رأي؟!".
و"حزب التحرير" بفرعه السوري، يتبنى فكراً متشدداً يدعو إلى إحياء الخلافة الإسلامية، وينشط بشكل رئيس في مناطق سيطرة "هيئة تحرير الشام"، ظهر في سوريا مع السنة الثانية من بداية الثورة السورية، لم يشكل الحزب أي فصائل عسكرية، ويقتصر نشاطه على توزيع المنشورات في التظاهرات الشعبية وصل الأمر لتسميته بـ "حزب المناشير"، كونه لا يتمتع بحاضنة شعبية ويخالف في أفكاره جميع المكونات والتيارات الثورية.
ويتهم "حزب التحرير" بركوب موجات الحراك الثوري في سوريا بدءا من عام 2012، رغم أنه ليس حديث التأسيس، وكان تعرض أعضاؤه لاعتقالات وملاحقة من قبل النظام، وأفرج عن كثير منهم بداية الحراك الثوري، واتخذوا موقفاً دعماً للحراك، في حين اعتبر البعض منهم أنهم من فجروا هذا الحراك الشعبي ودعوا المتظاهرين إلى تبني "مشروع الخلافة"، وانتقدوا رفع راية الثورة واعتبروها راية علمانية.
وعارض "حزب التحرير" قتال تنظيم "داعش" رغم تكفيره لفصائل المعارضة، معتبراً قتال التنظيم "تنفيذاً لأجندة خارجية"، واتهم فصائل المعارضة بالتورط بالمال السياسي والانحراف عن أهداف الثورة، كما اتهم "هيئة تحرير الشام" بالخيانة معتبراً أنها رضخت للتفاهمات الأمريكية وأدخلت القوات التركية إلى إدلب وباتت "ذراعاً لها".
وفي تقرير سابق لـ "شام" حمل عنوان ("حزب التحرير" خصم استثنائي لـ"تحرير الشام" .. تحليل الخلافات ورؤية الصراع عن كثب)، نقلت فيه تصريحات "أحمد عبد الوهاب" رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير/ولاية سوريا، المعتقل حالياً في سجون الهيئة، والذي أكد أن "حزب التحرير" لا يعتبر الهيئة ندّاً له ولا يخوض مواجهة معها، وقال حينها إن "الهيئة وضعت نفسها في مواجهة الشعب ومواجهة أهل الثورة بسياساتها بعد اغتصابها لسلطان الناس وسعيها لتقديم أوراق اعتمادها لدى الغرب".
واعتبر "عبد الوهاب" أن "حزب التحرير" هو "الحزب السياسي الوحيد الذي يعمل على الأرض بشكل مكثف، متبنياً مصالح الثورة؛ متصديا لكل محاولات إجهاضها، مما عرض شبابه للملاحقة والاختطاف بشكل كبير ومتتابع على أيدي المنظومة الفصائلية المرتبطة بمختلف مكوناتها من الجيش الوطني في الشمال وأداة النظام التركي الثانية وهي الهيئة في إدلب"، وفق كلام
وأكد "عبد الوهاب" أن "حزب التحرير" ينظر لـ "هيئة تحرير الشام" كما ينظر لـ "الجيش الوطني" على أنهم أجزاء من المنظومة الفصائلية المرتبطة، والتي رهنت قرارها لمخابرات ما يسمى بالدول الداعمة - وفق كلامه -، فنتج عن ذلك ما نتج من تسليم الكثير من المناطق، وإغلاق الجبهات والسير في طريق الحل السياسي الأمريكي، وفق قوله.
وحول دور "حزب التحرير" في الحراك الشعبي، اعتبر "عبد الوهاب" أن لـ "حزب التحرير" دور بارز ومؤثر في ثورة الشام، معتبراً أن الاختطاف المتتالي بحق كوادره إلا دليل واضح على تأثيره في الحراك الشعبي، وفق تعبيره.
ويتمثل هذا الدور - وفق المتحدث - في كشف المؤامرات والفخاخ التي تتعرض لها الثورة السورية، وتبيان الخطوات اللازمة للسير بالثورة السورية في طريق النصر، وعلى رأسها تبني مشروع سياسي واضح منبثق من عقيدة المسلمين، واتخاذ قيادة سياسية مستقلة و واعية ومخلصة تتولى قيادة الدفة.
وكان قال الباحث "عباس شريفة" المختص في شؤون الجماعات الإسلامية، إن "حزب التحرير" لا يملك جذور اجتماعية وليس له أي امتدادات شعبية، وإنما يجمع مجموعة من المثقفين والنخبة، وبدأ نشاطه في سوريا، وتبنى مشروع الخلافة، ويريد من الثورة السورية أن تتبنى مشروعه على اعتبار أنه يقدم المشروع الأفضل سياسياً.
ولفت شريفة في حديث سابق لشبكة "شام" إلى أن الحزب يحشد المظاهرات ضد أي خطوة أو مشروع سياسي لا تصب في مشروعه السياسي، مؤكداً أنه لا يملك أي قواعد اجتماعية يستطيع أن يواجه بها "هيئة تحرير الشام".
وبين "شريفة" أن الهيئة تتعامل مع الحزب بسياسة "الاحتواء والتوظيف"، يقوم الاحتواء على أن مشروع الحزب لا يؤثر على مشروع الهيئة، أما الثاني فيتمثل في حاجة الهيئة لتوظيف الاحتجاجات، لبعث رسالة للخارج بأن هناك أصوات متشددة، وأن هناك حالة احتقان، وهي تقوم بضبط الإيقاع، وتقديم رسالة أنها قادرة على ضبط تلك الأصوات المتشددة في مناطق سيطرتها.
وأكد "شريفة" في حديثه لـ "شام"، أن "حزب التحرير" غير مؤثر في الحراك الشعبي، فالمظاهرات الشعبية لها لون وشعارات خاصة وترفع علم الثورة، أما الحزب فيجمع كل كوادره ليستطيع القيام بمظاهرة في منطقة محددة، معتبراً أن هذا يدل على ضعف العمق والتأييد الشعبي لمظاهراته، عدا كون مطالباتها "إيديولوجية" لا تعبر عن روح الثورة السورية.
وكان رأى الكاتب والمحلل السياسي الدكتور "باسل معراوي"، أن النظام أفرج عن كوادر "حزب التحرير" منذ بداية الحراك الشعبي بهدف "أسلمة" الحراك الشعبي المدني السلمي وعسكرته، مبيناً أن مشروع الحزب "دعوى لا يؤمن بالعنف ويسعى لأخذ بيعة من الفئة المتغلبة، ويدعو لتطبيق نظام الخلافة الاسلامية".
ولفت "معراوي" في حديث لشبكة "شام" إلى أن تواجد "حزب التحرير" يتركز في مناطق محدودة شمال غرب سوريا منها "الأتارب وكللي والسحارة"، وأنه يملك ماكينة إعلام بدائية، تتجلى بإذاعة FM، ويعتمد على توزيع المنشورات بالمظاهرات السلمية، ويحبذ الكتابة على الجدران لنشر أفكاره، في وقت يعتبر أن نكبة الأمة الإسلامية تتجلى بالتخلي عن نظام الخلافة ويدعوا إلى محاولة إحيائها.
وأشار إلى أن "حزب التحرير" كان ينظم مظاهرات تحتج على معظم أفعال الهيئة، وصولاً للاحتجاجات الأخيرة في الأتارب بعد اعتقال أحد كوادر الحزب، ورأى أن أعضائه يعتبرون أن تلك الاعتقالات تتم بضغط الضامن التركي على الهيئة، لتهيئة الأجواء لإجراء مصالحة قريبة مع النظام يرفضها بالطبع "حزب التحرير"، ويتهم الهيئة برعايتها وحمايتها لإقامة الطقوس الدينية المسيحية وحماية الأقلية الدرزية فيما الاعتقالات توجه لأعضائه.