مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٢١ يوليو ٢٠١٦
عن خرافة تحكّم موسكو بمصير الأسد

مثل كل الخرافات التي بنتها روسيا، في عهد القيصر فلاديمير بوتين، عن حجم تأثيرها ومدى فعاليتها، لا تخرج القضية السورية عن محيط عالم الوهم المؤسس على دعاية سياسية تنطوي على بعض أشباه حقائق وتكمل بقية بنيتها بسردية رغبوية، لا تختلف عن سرديات الخرافة سوى ان الأخيرة تدّعي أنها جرت في عالم مضى في حين أن سردية موسكو تحكي عن عالم سيأتي تحدّد روسيا ليس ملامحه وحسب بل شخوصه وميادينه وطبيعة النقلات التي ستحصل على رقعته.

نحن نستطيع إزاحة بشار الأسد، لكننا يستحيل ان نفكر في إجراء هذا الأمر في الوقت الحاضر، وقد يستغرق ذلك سنوات. والسؤال: لمن هذه الرسالة؟ بالنسبة الى الأطراف الخصوم لروسيا يتوجب عليهم أن يأخذوا الشطر الأول ويبنوا سياساتهم تجاه روسيا فوق هذا المدماك، وبناءً عليه يجري تأسيس مناخ تفاوضي بما فيه من أوراق تفاوض للأخذ والعطاء مع موسكو وتحديد العناصر التي يجب التنازل عنها مقابل هذا الطرح ونوع المكافأة التي ستحصل عليها موسكو بالإضافة إلى إعادة التفكير بصياغة انماط الصراع في سورية وشكل التحالفات. اما الشطر الثاني من التصريح فلا يحمل أهمية كبرى وهو ليس أكثر من لزوميات التفاوض، او حتى مجرد لازمة تقال في مثل هذه المناسبات.

بالنسبة الى حلفاء نظام الأسد، فإن الكلام الروسي واضح ولا لبس فيه: لن نتخلى عن بشار الأسد لسنوات مقبلة، وعلى ذلك فإن عليهم الآن أن يعيدوا ترتيباتهم اللوجستية والنفسية حيث لم يعودوا محكومين بأفق زمني قصير يثبّتون خلاله أوضاعهم وإلا فإن السياق سوف يتغير والأمور ستأخذ منحنيات مختلفة. إذاً كل الجهود يجب ان تكرّس من اجل تعطيل عملية السلام الجارية والاستعداد للحرب الطويلة تحت مظلّة الحماية الروسية، الشطر الأول لن يعني كثيراً هنا، ليس أكثر من محاولة للتغطية على الصدمة التي يتضمنها الجزء الآخر من التصريح.

يقع هذا النمط من التصريحات السياسية بين التذاكي السياسي الذي يحاول جر الأطراف الأخرى إلى فخاخ تفاوض غير ملزم، وبين الذهاب بعيون مفتوحة إلى الدخول في مأزق الحرب السورية التي طالما تحاول روسيا إدارتها عن بعد وتتجنب الغرق في مستنقعها، وبدل أن تجني روسيا ثمار هذا التذاكي من طرفي الأزمة، وفق تقديرات خبرائها، فإنها تضع نفسها بين مطرقة الخصوم الذين سيتعاملون بجدية مع كلامها بأنها تستطيع تنحية بشار الأسد وأن كل مجزرة سيرتكبها بعد هذا التاريخ وكل خراب سيحصل في سورية ستكون شريكة فيه لأنها كانت تستطيع وقفه ولم تفعل، وبين سندان حلفاء النظام الذين سيطالبونها بالوفاء والتزامها بضمان بقاء الأسد لسنوات وسيحثونها على تقديم ترجمة فعلية على الأرض، ذلك ان استمراره يتطلب مساعدته في السيطرة على كل سورية وفقما يرغب الأسد ويريد.

لكن دع عنك ما تسوّقه روسيا عن نفسها وهو يدخل في تقنيات بناء السردية أكثر من كونه توصيفاً حقيقياً لحجم التأثير والفعالية. هل تملك موسكو بالفعل مفاتيح التحكم بماكينة الحرب السورية وتستطيع تالياً وقف آليات تشغيلها والسيطرة على مفاصلها؟ الوقائع تقول إن رقعة الشطرنج السورية أعقد من قدرة لاعب أو إثنين على التحكم بنقلاتها، وإن أكثر اللاعبين تأثيراً لا يستطيع تحريك أكثر من عدد محدود من الأحجار، وأن اللعبة لو كانت بالسهولة التي تدعيها روسيا لانتهت قبل حضورها وإنخراطها بمجرياتها، ثم ان التأثير والفعالية الروسية تنحصران ضمن قطاعات محدّدة ولا تتجاوزانها، تماماً مثل بقية اللاعبين الذين لديهم قوة وفعالية في قطاع معين ويفتقدون أي تأثير في قطاعات ومناطق أخرى.

الكلام الروسي يثبت وجود إشكالية لم يلتقطها الخبراء الروس جيداً وأوهموا إدارتهم بها، وهي حجم الفوضى التي تنطوي عليها الحرب السورية، وقد وصل إلى حد أن من صنع خريطة الفوضى في سورية لم يعد يعرف مسالك الطرق فيها، حتى بشار الأسد نفسه الذي يتحدث الروس عن إزاحته لا يملك هو ورجاله السيطرة المطلقة على العاصمة دمشق، حيث وضمن مساحة لا تتعدى عدداً محدوداً من الكيلومترات بجانب قصره تتوزع السيطرة بين أفرع مخابراتية سورية عدة، وميليشيات لبنانية وعراقية وأفغانية وأحزاب ومتطوعين من البلاد العربية، وكل منطقة لديها إدارة وخطط وأوامر منفصلة عن الأخرى، وفوق هذا وذاك، لديها أهداف وأولويات ليست واحدة، يجمعها فقط عدو مشترك، لكنها تختلف في كل شيء، وهي ليست ملتزمة بالحل السياسي في سورية، كما انها استطاعت وبفضل الفترة الزمنية التي قضتها في مناطق تواجدها ونفوذها تشكيل بيئات حاضنة وموالية لها وتجذّرت هي نفسها في الصراع وغدت جزءاً من نسيجه.

هل تستند روسيا إلى واقعة مفاجأة بشار الأسد بدخول وزير دفاعها سيرغي شويغو قصره من دون علمه؟ عليهأ ان تتذكر ان قاسم سليماني دخل في التاريخ نفسه إلى حلب وخرج منها من دون معرفة الأسد أيضاً، كما ان الأسد نفسه لا يعلم شيئاً عن القادة الأفغان والباكستانيين الذين يحكمون قطاعات واسعة من دمشق، فذلك ليس مؤشراً كافياً عن مدى تأثير الروس وسطوتهم في سورية.

الواقع أن روسيا ربما تستطيع بعد سنوات من الآن ان يكون لها حجم التأثير والفعالية الذي تدّعيه، لكن شرط أن تكثف انخراطها أكبر بكثير مما عليه الآن، وبعد ان تعمل على تفكيك خريطة الفوضى الهائلة في الميدان السوري، وبعد أن تتكبد عناء وجهداً لا يستطيع أحد تقديرهما، أما في هذه اللحظة فإن خبراءها لا يستطيعون التحكّم بأكثر من بوابات مطار حميميم.

اقرأ المزيد
٢١ يوليو ٢٠١٦
«شريط حدودي» يشمل حلب لحماية «دولة حزب الله»

يرى محللون دوليون أن القوات الإيرانية في سورية وصلت إلى وضع شبيه بوضع القوات السوفياتية في أفغانستان في العام 1985، عندما عجز السوفيات عن تحقيق انتصار حاسم على «المجاهدين» الأفغان، مع فارق مهم، هو أن الإيرانيين لا يملكون خيار الانسحاب مثلما فعل السوفيات عندما بدأت خسائرهم تتصاعد وموازنتهم تتقلص.

ولهذا، يرى المحللون أنفسهم أن المنحى الحالي للهجوم الذي تشنه إيران وتوابعها في منطقة حلب سيستمر في التصاعد مستفيداً من الدعم الجوي الروسي، وسيشمل تطهيراً مذهبياً يؤدي إلى تدفق كبير وجديد للاجئين إلى كل من تركيا التي تم «تحييدها»، وإلى لبنان والأردن.

ومع أن هذا التحليل يحاول تبرير سعي واشنطن الحثيث للتوصل إلى اتفاق مع موسكو، باعتبار أنها تمسك بورقة التفوق الجوي، على «خريطة طريق» للحل قبيل انتهاء ولاية أوباما بأشهر، فإنه يصيب في توقعه استمرار معركة حلب وتصاعدها، لأن هدف الوجود الإيراني في سورية في المقام الأول ليس ضمان استمرار نظامها، بقدر ما هو حماية «حزب الله» في لبنان، ولأن انسحاب طهران سيعني فشلاً تاماً لمشروع فرض نفسها طرفاً مهيمناً في المعادلة الإقليمية، والذي بدأ مع وصول «آيات الله» إلى السلطة في 1979.

فالاتفاق الذي تحدث جون كيري عن التوصل إليه مع نظيره لافروف يندرج في مصاف التمنيات، مستنداً إلى مبدأ «تبادل الخدمات»، من دون أي ضمان بالتزام روسيا تنفيذ الجزء المتعلق بها، تماماً مثلما حصل في توافقات سابقة (بيانا جنيف 1 و2)، سرعان ما خرج الروس بتفسيرات لها تتباين مع التفسير الأميركي، ولم يأخذوا منها سوى الجزء الذي يصب في مصلحتهم ومصلحة حلفائهم السوريين والإيرانيين.

وجاء كلام كيري عن الاتفاق كأنه صادر عن مسؤول منظمة للإغاثة، ليقتصر على «تعزيز وقف الأعمال القتالية» و «تحسين إيصال الطعام والدواء والاحتياجات الإنسانية»، بالإضافة إلى «تنسيق العمل العسكري المشترك ضد جبهة النصرة وداعش».
وفي حين قدم الجانب الأميركي تنازلاً عملياً بإعلان التنسيق مع الروس في الحرب على «النصرة»، بعدما كان يتمنع عن ذلك بسبب تداخل مواقعها مع مواقع المعارضة المعتدلة، بقي الحديث عن معركة حلب في مجال «ضرورة إنهاء محاولات حصار المدينة»، فيما هي باتت محاصرة بالفعل.

وهذا ما دفع الأوروبيين إلى محاولة لجم الاندفاعة الأميركية نحو «الحل الروسي» الذي يرفض أي نقاش حول مصير الأسد ونظامه ويمنح موسكو هامشاً واسعاً في تحديد مسار التطورات على الأرض.

فإدارة أوباما التي تسلم الراية قريباً إلى رئيس جديد، لن تقدم على أي تغيير مفاجئ في استراتيجية الاكتفاء بالحرب الجوية على «داعش» وتجنب أي ضغط على الجيش النظامي وطيرانه أو على حلفائه. والواقع أن الأميركيين ميالون كثيراً منذ البداية إلى الأخذ بحجج الروس التي تدعي أن رحيل الأسد سيعني انهيار ما تبقى من مؤسسات في سورية، وهي حجج تتقاسمها معهم إسرائيل التي لا تعارض استنساخ إيران لتجربتها في جنوب لبنان، عندما احتلت شريطاً حدودياً وحولته منطقة عازلة لحماية مناطقها الشمالية، لأن سجل النظام السوري في الجولان يطمئنها.

فالهدف الأساس للقوات الإيرانية حالياً إقامة شريط مماثل في سورية يشمل حلب بالطبع، ويحيط بلبنان من الشرق والشمال، تكون وظيفته، بالإضافة إلى منح العلويين «دويلة» أو «حكماً ذاتياً»، حماية «دولة حزب الله» القائمة في لبنان من «خطر الاجتياح السني». أما الروس فيرون في قيام هذا الشريط ضمانة لبقاء قواعدهم العسكرية، القديمة والمستحدثة، في سورية، فيما الأميركيون منهمكون بإقناع حلفائهم بأهمية أن يتلاءم توسيع الحرب على الإرهاب مع قائمة المطالب الروسية المرشحة للازدياد.

اقرأ المزيد
٢١ يوليو ٢٠١٦
أيهما أولى بالتغليب "النصرة" كتنظيم أم السوريون كشعب !؟

بعد ساعات على تأكيد الاتفاق الأمريكي – الروسي ، عبر نشر المسودة و تداولها ، خرجت جبهة النصرة عن صمتها معلنةً أن استهدافها هو استهداف للثورة السورية، داعية لموقف "تاريخي" لفصائل الثوار اتجاهها، الأمر الذي يثير تساؤلات عديدة ، و أكثرها إلحاحاً لماذا يطلب من الجميع التوحد لنصرة الثورة السورية ، بينما ترفض "النصرة" التنازل و التماهي مع سواد الشعب السوري !؟

لعل الإجابة على هذا التساؤل بحاجة لبعض التوضيحات سواءً من جهات طبيعة الاتفاق الأمريكي – الروسي ، أم من جهة ما تم تداوله عندما كان الاتفاق عبارة عن تسريبات التي فُسرت كجس نبض.


الاتفاق الذي كان معادياً تماماً للثورة السورية ،منح قوات الأسد صفة المشارك في العمليات العسكرية المشتركة ضد جبهة النصرة و تنظيم الدولة ، مما يعني إخراجه من دائرة الأعداء إلى دائرة الحلفاء ، في حين أكدت المسودة ضرورة "هزيمة" جبهة النصرة و تنظيم الدولة ، من خلال التنسيق الكامل بين الطرفين ، و تركز المسودة على محاربة النصرة والتي ذُكرت في أكثر من سبع فقرات بينما ذُكر تنظيم الدولة في فقرتين فقط، في حين لم يتم ذكر حماية المعارضة السورية إلا في بند واحد .

أما رد الفعل على التسريبات فكان أهمها من أبرز منظري الفكر السلفي الجهادي أبو محمد المقدسي الذي قال في إحدى تغريداته أن " مسمى(جبهة النصرة)أو غيره إن صار عائقا أو سببا لاستهداف أهله فتغييره أو التنازل عنه ليس تنازلا عن قرآن وفك الارتباط ليس ردة عند الحاجة إليه"

في حين بيّن الباحث الكويتي الدكتور عبد الله النفيسي ، في سلسلة تغريدات تحت عنوان "أدركت" ، منهجاً يجب اتباعه في الوقت الراهن بقوله :”وأدركت الآن أن ( المواجهه) مع ( النظام الدولي) غير متكافئه وتقود إلى الهزيمه . وأن ( التعايش) معه و( التفاوض) معه ربما هو ( المخرج) الوحيد”

إلا أن الأمور لم تسر وفق تسلسل اقترحه أشخاص أرادوا العمل بسياسة شرعية تمكنهم من تجاوز هذه العاصفة ، التي عتت و قويت بالاستفادة من اجرام داعش ، فخرجت اليوم جبهة النصرة برد عبر الناطق باسمها "أبو عمار الشامي" الذي بيّن أن الهدف من استهداف النصرة هو استهداف الثورة السورية ، و أن إنهائها لن يرضي أمريكا بعده سوى الإذعان لحل سياسي يرجح في كفة الأسد وحلفائه.

رسائل أبو عمار حملت في طياتها طلب مؤازرة و تقديم الدعم من الفصائل و عدم " الخذلان لإخوانكم وإضعاف لقوتكم" ، و لكن دائماً ما تطالب النصرة من الجميع المساندة و الدفاع عنها أمام العالم بأسره ، و حتى في المعارك ، دون أن تلزم نفسها بأي شيء أو تقبل أو ترضخ للمطالب العديدة سواء أكانت شعبية أو فصائلية أو شرعية و ليس بخافٍ على أحد و حتى دولية ، لخلع ثوب القاعدة ، والاندماج مع سواد الشعب السوري ، الذي قررت الدفاع عنه ضد نظامه "الفاجر".

كثيراً هم من سيخرجون ليس دفاعاً عن النصرة ، و إنما للهجوم على شخصي أو المكان الذي سينشر فيه هذا الكلام ، دون أن يكلفوا أنفسهم و لو للحظة أن يتساءلوا متى انتهجت النصرة مساراً يرضي الغالبية العظمى من الشعب السوري ، و قررت تغليب مصلحته على مصلحة التنظيم الذي يملك خطط و مشاريع لم يتمكن من تحقيقها على مر التاريخ .

اقرأ المزيد
٢٠ يوليو ٢٠١٦
تحالف «داعش» وبشار

على السطح يبدو التحالف بين بشار وتنظيم «داعش» الإرهابي غير محتمل وحتى غريباً، فالطرفان ليسا فقط خصمين ولكن الاختلاف بين ماهية كل منهما قوي.. على الرغم من استخدام البعض لمصطلح «الدولة الإسلامية» الذي يطلقه البعض على التنظيم، فإن «داعش» ليس بالمرة دولة، بل هو في نظر الجميع منظمة إرهابية وحتى بربرية بسبب ممارستها للذبح على شاشات التلفزيون، وبسبب شعور عناصر التنظيم بالفخر بسبب هذه البربرية.. ومع أن ممارسات بشار في قتل شعبه تُثير الاشمئزاز أيضاً، إلا أن سوريا ليست فقط دولة معترف بها، ومع أن مقعد سوريا في الجامعة العربية لا يزال شاغراً حتى تتغير الحكومة، بل إن هذه الحكومة لا تزال ممثلة في الأمم المتحدة، وتتمتع بحلفاء أقوياء إقليمياً ودولياً مثل إيران وروسيا.

علاقة التحالف في هذا المقال هي غير صريحة أو علنية ولكنها قوية، ونسميها في العلوم السياسية Freind Enemy أو الأصدقاء الأعداء، والتعبير الإنجليزي الدارج والأكثر شيوعاً هو Strange Bedfellowrs أو رفاق الفراش الغرباء، ويتفق التعبيران على أن رفاق الفراش هؤلاء هم فعلاً أعداء، ولكن في النهاية تقوم أعمالهم، عن عمد أو عن غير عمد، بتقوية ما يبدو الخصم والذي ينبغي القضاء عليه، هي ظاهرة عامة في العلاقات الدولية وحتى الشخصية.

ولنوضح هذه الظاهرة بتطبيقها على حالة «داعش» وبشار، عندما بدأت الاحتجاجات السورية ضد نظام بشر ثم تطورت إلى حرب أهلية منذ نحو خمس سنوات، توقع غالبية المحللين بقرب سقوط النظام السوري، مثله مثل سقوط بن علي في تونس أو مبارك في مصر أو القذافي في ليبيا أو صالح في اليمن، وحتى مع استمرار هذه الحرب لتكون أكثر دموية، فإننا نحن المحللين لم نغير من توقعاتنا واعتقدنا أن سقوط الأسد أو هربه خارج البلاد كما فعل بن علي ما هو إلا موضوع وقت.

في عامه الخامس من هذه الحرب الدامية، لا يبقى الأسد فقط في مكانه، بل إن مقاومة نظامه بدأت تقل، خاصة خارجياً، هناك بالطبع التدخل الإيراني والروسي على الأرض، فإذا لم يكن هناك جنود «حزب الله» وكذلك بعض قوى الجيش الثوري الإيراني لما استطاع بشار المقاومة كل هذه المدة، ثم جاء الدعم الروسي المباشر أيضاً بالسلاح والمستشارين ليس فقط لضمان بقاء الأسد، ولكن أيضاً لدعمه دولياً بحيث إنه الآن في اجتماعات جنيف أو غيرها ليس مستعداً لتقديم أية تنازلات.

ما يحدث حالياً هو أن جبهة المقاومة الدولية ضد بشار بدأت تضعف وحتى تتفتت، وآخر مظاهرها هو الموقف التركي، حتى قبل محاولة الانقلاب في أول الأسبوع، وتصريح رئيس الوزراء بما يعني عدم اشتراط مغادرة بشار الحكم فوراً للوصول إلى حل للأزمة السورية، أعتقد أن فرنسا، حتى قبل مذبحة نيس، قد تكون هي الأخرى في الطريق، بقيت الولايات المتحدة، وهذا يعتمد على نتائج زيارة كيري الحالية إلى موسكو.

نظرية موسكو التي تلقى قبولاً أكثر وأكثر هي أن الخطر الأكبر في سوريا ليس نظام بشار ولكن وجود «داعش» واستمراره، بمعنى آخر أن الأولوية الكبرى هي مواجهة داعش وهزيمته دون تفتت قوى المقاومة بين محاربة بشار ومحاربة «داعش»، بل تذهب موسكو أكثر من ذلك وتقول إنه لمواجهة «داعش» يجب التحالف حتى مع الشيطان، وأنه على الأرض السورية هناك احتياج كبير إلى قوى النظام السوري وجيشه فعلياً وقتالياً، وهكذا يتم رد الاعتبار لنظام بشار بل محاولة العمل معه كحليف في المعركة ضد تنظيم «داعش» الإرهابي البربري.

صراحة بالنسبة إلى نظام مثل بشار (أو ترامب واليمين الأميركي والأوروبي عامة)، لو لم يكن هناك «داعش» لتبرير سياساتهم وتوجهاتهم التي لا تقل سوءاً أحياناً عن «داعش»، لحاولوا بالوسائل المختلفة قيام «داعش» ومثيلاتها، فهل سيستطيع المستقبل القريب كشف الستار عن تعاون ما على الأرض بين نظام بشار و«داعش»، بمعنى أن غرباء الفراش تجمعهم بعض المصالح المشتركة؟

اقرأ المزيد
١٩ يوليو ٢٠١٦
ماذا لو كانت إيران مسالمة؟

منذ قيام ثورة الملالي والعالم لم يهدأ ولم تمضِ سنة على المنطقة بسلام دون أن تكون فيها حرب ساخنة، أو باردة، بين الملالي وكل من يجاورهم من مختلف الأطراف والأطياف التي لا تنتهج نهج طهران، ولا تقبل تدخلاتها، وثورتها، ولا توجد لديها قناعة بتصديرها للخارج.

إن تأجيج الحروب والصراعات المذهبية، والتدخل في شؤون الغير، وتمويل المليشيات الإرهابية، أعمال انخرط فيها النظام الإيراني لزمن مديد، والسؤال هنا: ماذا لو كانت إيران دولة سلام؟ ماذا لو راهنت على خيار التعايش والتعاون، وابتعدت عن كل أشكال التدخل والتغول ومحاولات التمدد الإقليمي على حساب الآخرين؟ دعونا نتخيل شكل المنطقة من دون مشاكل إيران، التي أدخلت أنفها في كل شاردة وواردة، ولم تدع بلداً قريباً منها ولا بعيداً، إلا وسعت فيه بالخراب والدمار.

إن الاستقرار والسلام الذي تطمح إليه المنطقة غير ممكن مع إيران في ظل وجود أجندات خفية وأيدٍ عابثة في حياة شعوب ودول المنطقة، رغبة في السيطرة وفرض نفوذ طهران، وسعياً لتغيير كل مفردات معادلة النظام الإقليمي بما يتماشى مع معتقدات الملالي وطموحاتهم.

وبالأمس القريب انفضت وانقضت فعاليات مؤتمر المعارضة الإيرانية الأخير بمشاركة أكثر من 100 ألف من أبناء الجاليات الإيرانية المنتشرة في مختلف دول العالم، الذين طالبوا فيها ورددوا بصوت واحد وواضح أمام الملأ «الشعب يريد إسقاط النظام».. وأي نظام كانوا يطالبون بإسقاطه؟ نظام «ولاية الفقيه»، بما هو، ومن حيث هو، جملة وتفصيلاً.

وبعبارة أخرى، فهذه السلطة المذهبية التي حكمت إيران وجرّت البلاد والعباد فيها نحو وحْل الصراعات والنزاعات ودعم الإرهاب، مع ممارسات أخرى لا تغتفر في حق الشعب الإيراني نفسه وشعوب الدول المجاورة بغية الوصول لأهداف استيطانية توسعية، لم تكترث ولم تبالِ بحق الجيرة، ولا حتى بالحقوق الإنسانية الأساسية، وأولها الحق في الحياة والأمان والعيش الكريم.

بل على العكس فنظام الملالي منذ قيام الثورة في عام 1979 وهو يرتكب ممارسات بالغة القسوة بحق الشعب الإيراني، مع نزعة ومسحة طائفية طاغية ومحاولة تشييع كل الشعب، طوعاً أو كرهاً، وتطهير طائفي في كثير من المناطق من السُّنة، بالجبر والإكراه. والحجم السكاني للسُّنة في إيران، حسب الإحصاءات المعلنة، أنهم يشكلون 10% من السكان، إلا أن المعلومات غير المعلنة، والمرجّحة، تؤكد أنهم يشكلون ثلث حجم السكان البالغ عددهم أكثر من 70 مليون نسمة، متوزعين بين التركمان والبلوش والأكراد، والعرب في الأحواز العربية.

ارتكب نظام الملالي الكثير من الانتهاكات بحق الإيرانيين من أبناء المجموعات العرقية والمذهبية الأخرى، فبدأ بالتنكيل بهم والسعي لتغيير ديموغرافية أراضيهم، بما يتماشى مع أهوائه، فسجلت وتيرة الإعدامات أرقاماً قياسية بحق كل من يخالفهم في الأحوازيين مثلاً بتهم واهية غير منطلية على أحد، ودون استيفاء أي شروط للمحاكمات القانونية أو المحاكم المستقلة.

وبدلاً من ذلك تتفشى الاعتقالات العشوائية ومحاولات فرض الثقافة الفارسية على الفئات الأخرى، واستقدام مئات آلاف المستوطنين من العمق الفارسي، وبناء المستوطنات لهم، وتوفير فرص العمل، وكل مستلزمات الحياة الكريمة، وفي المقابل شد الوثاق وخنق الرقاب ضد كل من يختلف عن مذهبهم. هذا عدا التدمير المتعمد للبيئة، عبر تجفيف وحرف مسار الأنهر الأحوازية، ما تسبب في العواصف الترابية في الفترة الأخيرة، وانتشار الأمراض المستعصية، مثل السرطان بكل أنواعه. وكذلك اغتصاب الأراضي الزراعية وتوزيعها على المستوطنين الفرس، وبناء مشاريع استيطانية إحلالية عليها، ونشر المخدرات بين الشباب الأحوازي، وحرمان الأحوازيين من فرص العمل.

وعلى صعيد نشاطها العالمي فقد نجحت في نشر التطرف الديني، وإشعال نار الطائفية في بعض الدول المحيطة بها، وتأجيج الصراع المذهبي، واحتضان الإرهابيين ودعمهم ومدهم بالسلاح والعتاد واستخدامهم كوكلاء حرب بدلاً عنها.

ولو جاء نظام عصري متطور يواكب العالم الحديث ويسعى للبناء والتعمير وتحقيق الحضارة، فدون أدنى شك، سيكون المستقبل أفضل لشعوب المنطقة والعالم، وسيضمن ذلك استقراراً حقيقياً وتنمية مستمرة وتحقيق نهضة مستدامة في جميع القطاعات. والعراق بلا شك سيهدأ ولن تجد الجماعات الإرهابية داعماً أو ممولاً للخراب والإرهاب، وستنتهي في الواقع كل مظاهر الصراع والنزاع في بلاد الرافدين. كما أن سوريا سيكون مصيرها أيضاً إلى الاستقرار بعد حرب أهلية طال أمدها وتجاوزت عامها الخامس بسبب دعم الملالي للإرهاب فيها، ومحاولة تأجيج الفتن لأغراض مذهبية عنصرية، وتحقيق أهداف توسعية على حساب الطرف الآخر راح ضحيتها أكثر من 11٪ من الشعب السوري، فضلاً عن إصابة الملايين ونزوح 45٪ من عدد سكان سوريا بحثاً عن مأوى أو ملجأ آمن.

وحتى الوضع في اليمن لم يسلم من عبث الفرس، حيث زرعوا الفتنة ودعموا رؤوس الإرهاب «الحوثيين» وعاثوا فيها فساداً إلى أن حولوها إلى جحيم، ولولا تدخل التحالف الحازم الحاسم لكانت البلاد الآن في عداد الخراب، كما آلت إليه حال بعض البلدان الأخرى التي ابتُليت بالتدخلات الإيرانية، وشرور الصراعات والحروب الأهلية.

اقرأ المزيد
١٩ يوليو ٢٠١٦
"منبج" الاسم الذي يجب أن لا يذكر و إلا ستكون "داعشياً" قتيلاً مع ابتسامة على ثغرة "سفاحك"

ليس من حق سكان قرية توخار و غيرها من القرى و البلدات في منطقة "منبج" أن يكون لهم صوت أو يكونوا موجودين على الساحة العالمية و لا حتى كأرقام قتلى في ظل أتون الحرب على الشعب السوري ، فهم من أؤلائك المحظور على الجميع التحدث عنهم ، حيث الحكاية تتلخص بأن "داعش موجودة فالبقية منهية ".

من الصعب أن تقنع العالم أن في قرية صغيرة مثل "توخار" يوجد فيها آلاف قليلة من البشر ، تحولوا إلى هدف متكرر و متتابع من قبل التحالف الدولي ، و باتوا جزء من الحل الاستئصالي الذي ينتهجه العالم للقضاء على داعش ، و من المستحيل أن تفكر لو للحظة أن "توخار" نفسها فقدت أكثر من ١٠٠ شهيد خلال أقل من ٤٨ ساعة ، و أن الحصيلة عبارة عن رقم يخفي خلفه عشرات الجرحى سيكون القبر أقرب إليهم من الولوج في باب مشفى أو حانة لمنع الشاش و بعض المطهر.

رغم هذا المشهد يجب أن لا تتكلم عن توخار أو غيرها ، ولا يمكن أن تتفوه بحرف واحد عن ما يحدث ، فالذي يتقدم علي الأرض وباء أصفر ينتشر بدعم من صانعيه لزرعه بغية استغلاله في المستقبل قبل أن يقوموا بعلاجه ، و في السماء قتلة يجولون باحثين عن أي شيء يتحرك أو أي أرقام تنقل لهم من الأرض عن مناطق أياً كانت مدن أو قرى ، مباني أم أزقة ، بشر أم حجر ، المهم أن الرقم الممنوح هو واجب الاستهداف .


لا يجوز أن تقترب من تلك المنطقة حتى لو شاهدت أن من يقتل هو طفل أو الستر الذي انكشف عن أختك أو أمك أو ابنة بلدك أو أمة تنتمي لدينك ، وبطيبعة الحال لن يكون الأمر متاحاً لرجل فتيٍ كان أم شاب أو آخر وصل لمرحلة الرجولة أو طالته الكهولة ، كل هؤلاء عبارة عن مجرمين و قتلة و يستحقون العقاب ، فهم في الأرض الحرام التي يأتي من يجعلها حلال خالصاً و مخلصة من أناسها و حجرها .

يسألونك عن داعش قل هي علاج كما هي داء ، ويسألونك عن آلية التجنيد فقل الموت القادم من كل حدب و صوب ، ويقولون لك أن داعشي آثم واجب القتل ، فلنقل أننا مدافعون عن الحياة من هم تحت وصايتنا و حمايتنا ، و لكن من الواجب القول أن داعش في نظركم نحن في مجملنا ، وداعش في نظرنا شرذمة لا تحتاج لهذا الكم من القتل و التشريد و نشر الأوبئة ، إنما هي فكر تولد من رحم الألم و الفقد و الكسر و القهر .

اقرأ المزيد
١٨ يوليو ٢٠١٦
تركيا وجديدها حول سوريا

بعد سنوات من القطيعة والتوتر أعلنت تركيا تطبيع علاقتها مع روسيا وإسرائيل في يوم واحد، بعد نحو سبعة أشهر على توتر العلاقات مع روسيا، وسنوات عدة على توتر العلاقات مع إسرائيل.

جاءت هذه التطورات ضمن نهج جديد تبنته الحكومة التركية برئاسة رئيس الوزراء الجديد بن علي يلدريم، الذي تعهد بتحسين علاقات بلاده مع سوريا ومصر والعراق أيضًا.

أثار هذا التوجه قلق السوريين المعارضين للنظام، ومخاوفهم من تراجع تركي حاد قد ينجم عنه خفض سقف المطالب الثورية إلى ما دون المقبول، باعتبار تركيا أحد أهم داعمي الثورة السورية.

فإلى أي مدى ستصل الاستدارة التركية فيما يخص المسألة السورية؟!

طوال سنوات الثورة السورية نظرت تركيا إلى سوريا باعتبارها قضية مصيرية، سواء من جهة صلتها بالمسألة الكردية الداخلية أو من جهة الحدود المشتركة، وانعكاس أي خلل فيها على الأمن الداخلي التركي وعلى انتظام سير قوافل الشاحنات التجارية إلى المنطقة العربية عبر البوابة السورية.

لقد انتهجت تركيا منذ البداية أسلوب النصيحة لنظام الأسد والتواصل معه لحثه على تغيير أسلوبه في التعاطي مع مطالب الإصلاح، إلى أن بلغت ردة فعل النظام حدًا جعل تركيا تحجم عن دور الوسيط لتنتقل إلى الدعم العلني لمطالب الثائرين.

لكن استعصاء الأزمة السورية وطول أمدها ونشوب تداعيات جديدة على أثرها، مثل نشأة تنظيم داعش وتحوله إلى خطر يتهدد المنطقة وحتى العالم، وصعود نجم حزب الاتحاد الديمقراطي، الذي تريد بعض العواصم الدولية منحه دورًا أساسيًا في مكافحة «داعش»، وربما مساعدته في الوقت نفسه لإنشاء كيان كردي على الحدود، دفع تركيا إلى ترتيب أولوياتها وإعادة النظر مجددًا في موقعها بالمنطقة، والتفكر في المستجدات الطارئة وما تنطوي عليه من مخاطر تتهدد أمنها القومي.

لقد بالغت تركيا في رهانها على «الربيع العربي» وفي التقليل من شأن مراكز القوى العميقة، ووضعت أغلب بيضها في سلة الثورات العربية؛ مؤملة نجاحها وترسيخ علاقاتها مع دولها، وأمضت طيلة السنوات الخمس الماضية في انتظار حصد
ثمار «الربيع العربي» في أغلب محطاته.

وكما تبين لاحقًا، فإن استبدال داود أوغلو بـيلدريم لم يكن على صلة بالشؤون الداخلية التركية فحسب كما ظن البعض للوهلة الأولى، من جهة تمهل أوغلو في إقرار النظام الرئاسي وكبحه جماح الاندفاعة الحكومية في ضرب الكيان الموازي، وإنما تعدى ذلك إلى قضايا خارجية أراد صانع القرار التركي معالجتها بطاقم جديد لا تثقله تصعيدات المرحلة السابقة.

وبحماسة تعتزم التحرر من تبعات الماضي شرع يلدريم في إعادة تفعيل مبدأ «صفر مشكلات» مع دول الجوار، الذي كان - للمفارقة - مبدأ سابقه، فأعاد علاقات بلاده مع إسرائيل وروسيا، ووعد بتحسينها مع مصر وسوريا والعراق، وجديدها التصريح الذي أطلقه (الأربعاء 13 يوليو/ تموز 2016) حول عودة العلاقات مع سوريا.

غير أن مصادر مطلعة ومقربة من مراكز صنع القرار التركي أشارت إلى عدم حصول انعطافة تركية في الموضوع السوري، وإلى أن تصريحات يلدريم موجهة للداخل التركي الذي يحمِّل الحكومة وسياستها الخارجية مسوؤلية تردي الأوضاع الداخلية، سواء من حيث تنامي موجة الإرهاب التي طالت مراكز حيوية، كان آخرها الهجوم الإرهابي على مطار أتاتورك، وما أسفرت عنه هذه الموجة من ضرب للسياحة، أو من حيث عودة الجنوب الشرقي ساحة للمواجهات ضد حزب العمال
الكردستاني كإحدى نتائج «التورط في المستنقع السوري» وفق ما يرى معارضو الحكومة، ونقلت المصادر ذاتها أيضًا ثبات الموقف التركي من القضية السورية، وعدم تخلي أنقرة عن هدفها النهائي بتغيير النظام في دمشق.

أما فيما يخص الخبر الذي تناقلته بعض وسائل الإعلام حول قدوم العماد «علي حبيب» إلى أنقرة، للتباحث في تشكيل حكومة عسكرية موسعة برئاسة حبيب وبمشاركة عدد كبير من ضباط النظام والضباط المنشقين، رفضت المصادر ذاتها
تأكيد الخبر أو نفيه، في محاولة ربما لجسّ نبض الأطراف الداعمة للنظام، وعلى رأسها روسيا حول تقبلها لفكرة إيجاد بديل عن الأسد.

ونقلت المصادر أيضًا استعداد تركيا لبذل كل جهد ممكن للحفاظ على جبهة حلب ومنع حصارها، دون أن تغفل عن توجيه اللوم للفصائل العسكرية وتشرذمها.

والواقع، أنه رغم وضوح التصريحات التركية الساعية لتحسين العلاقات مع «سوريا» فإنه من غير المتوقع أن يكون معنى ذلك التسليم بالواقع والانكفاء وإخلاء الساحة لخصوم تركيا كي يصوغوا وحدهم سوريا الجديدة؛ ذلك أن المصالح
العليا للدولة التركية تتناقض كليا مع استمرار نظام الأسد الذي تحالف طيلة السنوات السابقة مع حزب الاتحاد الديمقراطي وتواطأ معه في إخلاء مناطق الكثافة الكردية في سوريا من قوات النظام مساهمًا على نحو مباشر في تشكيل
كانتونات كردية ترى تركيا فيها خطرًا مباشرًا يمس وحدتها وأمنها القومي.

على ضوء ذلك، مالت أنقرة لاعتماد مقاربة جديدة ذات شقين؛ مواصلة الضغط العسكري على نظام الأسد في جبهتي حلب وإدلب (ومؤخرًا في جبل التركمان) ومدِّهما بكل أسباب الصمود، وإنشاء قطاع صديق من الأراضي داخل سوريا للحيلولة دون ربط الكانتونات التي أسسها حزب الاتحاد الديمقراطي بعضها ببعض، ودون وصول نيران «داعش» إلى المدن التركية المحاذية للحدود كما حصل في كيليس.

من المرجح أن تركيا باتت على قناعة بصحة الحكمة السياسية التي صاغها الرئيس الأميركي الأسبق فرانكلين روزفلت: «تكلمْ بهدوء واحمِلْ عصا غليظة»، ففي خضم الهاوية السورية لم تتكلم تركيا بهدوء ولم تحمل عصا غليظة، وهو ما أدركت
أنقرة خطأه على ضوء التطورات الأخيرة التي عصفت بالمنطقة. وفي اعتمادها المستجد للهجة الحوار مع الأطراف الفاعلة في الأزمة السورية وفي حزمها وعدم تهاونها لمواجهة الأخطار التي تحدق بالجمهورية، تكون تركيا في طريقها لاجتراح معادلة جديدة قادرة على الاستجابة للتحديات الإقليمية التي تتهددها وعلى صوغ الحلول والتسويات السياسية التي تضمن مصالحها العليا التي يأتي في مقدمتها إنجاز تغيير سياسي حقيقي في سوريا.

اقرأ المزيد
١٨ يوليو ٢٠١٦
حقوق الأسد الفكرية

لماذا سخر بعضهم في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، من الرئيس السوري، بشار الأسد، ومن طريقته في تقييم المرشحين الرئاسيين الأميركيين، هيلاري كلينتون ودونالد ترامب؟ ما قاله سليم من الناحية المنطقية، وتثبت كل الوقائع على الأرض صحته، فالولايات المتحدة في خطر، وعليها أن تُحسن اختيار رئيسها من أصحاب الخبرة، وإلا فهي أمام عقبات كبيرة، وعليها أن تتعلم من التجربة السورية، فسورية التي ليست في خطر، وآمنة ومستقرّة، استطاعت أن تحقق ذلك بسبب أنها تختار رئيسها دائماً من أصحاب الخبرة، أو من أبناء أصحاب الخبرة.

قال الأسد، في مقابلة مع شبكة "إن بي سي نيوز" إن كلاً من المرشحيْن، هيلاري وترامب، لا يمتلك الخبرة الكافية ليكون رئيساً، وذلك يشكل خطراً على الولايات المتحدة. وإنه إذا عمل أحدهم سنواتٍ في الحكومة، أو في الشؤون الخارجية، فلا يعني ذلك أنه جاهز ليكون رئيساً.

وتساءل: "من امتلك الخبرة سابقاً؟ أوباما؟ أم بيل كلينتون؟ أم جورج بوش؟ ما من أحد منهم كانت لديه الخبرة، هذه هي مشكلة الولايات المتحدة... وهذا طبعا يشكل خطراً على بلادهم بشكل عام".

هل من كلام صحيح أكثر من هذا؟ بالفعل، كل الرؤساء الأميركان لم يكونوا يمتلكون أي خبرة بالرئاسة، حين أصبحوا رؤساء. ومع الأسف، لا يسمح النظام السياسي الأميركي لهم باكتساب الخبرة الكافية، فبعد دورتين فقط، يغادرون مناصبهم، بعد أن يصبحوا مزودين بالخبرة الكافية ليكونوا رؤساء للأبد، وينقلوا السلطة إلى أبنائهم من بعدهم، ويصبح من حقهم أن يقتلوا ربع شعبهم، ويحاصروا ربعه، ويدفعوا نصفه إلى الهجرة، ليبقوا في مناصبهم، وتستفيد الولايات المتحدة من خبرتهم الرئاسية.

ويحق للرئيس السوري بشار الأسد أن يطلق الأحكام، ويقدّم النصائح، فهو صاحب خبرةٍ رئاسيةٍ كبيرة رضعها مع الحليب، وليس كأولئك الرؤساء عديمي الخبرة الذين تفرزهم الدول الديمقراطية، وهو رئيس ابن رئيس يفوز كلاهما بالانتخابات بنسبة تسعة وتسعين بالمائة، وليس مثلهم أولئك الأغرار الذين يفوزون بنسبة واحد وخمسين بالمائة.

وهو كذلك رئيس دولة تعاني من عقباتٍ بسيطة، مثل حرب أهلية مستمرة منذ خمس سنوات، ولا تحتل داعش سوى ربع أراضيها، ولم يقتل من أبنائها سوى بضع مئاتٍ من الآلاف، ولم يهجر سوى الملايين، ولم يسقط تحت خط الفقر سوى تسعين في المئة من السكان. وهذه العوامل كلها لا تجعل بلده في دائرة الخطر، لأنه بلد محظوظٌ اختار رئيساً صاحب خبرة.

وبهذا التصريح، يستحق الأسد براءة اختراع فكرية لهذه الفكرة العبقرية التي تجعل من شروط الترشح للرئاسة أن يكون الشخص رئيساً، وهي تشبه النكتة المصرية القديمة التي كان يتم تداولها في آخر انتخابات رئاسية في عهد حسني مبارك، وتقول إن وزارة الداخلية المصرية أعلنت شروط الترشح، ومنها أن يكون قد أتم الأربعين من العمر، وأن تكون لديه خبرة لا تقل عن خمسة وعشرين عاماً في الوظيفة التي يتقدّم إليها.

ويستحق الأسد تكريماً سياسياً، لاعتباره العمل وزير خارجية أربع سنواتٍ، لا يقدم أي خبرة سياسية، وهو بذلك يقيس على وزير خارجيته، ووزراء الخارجية الذين يعرفهم، فلا علاقة لهؤلاء بالقرار السياسي، المحتكر للعائلة ولضباط الأمن، ولحلقةٍ ضيقة من المقربين، وربما لو أتيح للأسد أن يستطرد في شرح فكرته كما اعتاد، لقال إنه راضٍ عن رئيس أميركي واحد هو جورج بوش الأب، لأنه يتحدر من المخابرات المركزية، وهو، من وجهة نظر الأسد، جدير بالرئاسة، مثل حليف الأسد نفسه، الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، القادم هو الآخر من مؤسسة المخابرات، فعقل الأسد لا يعتبر العمل مهماً، ما لم يكن مخابراتياً أو عسكرياً، وكل ما عدا ذلك لهو ولعب.

يحق للأسد إسداء النصائح للناخب الأميركي، وتحذيره من المصير الأسود الذي ينتظره، في حال انتخب أيا من المرشحين للانتخابات الأميركية، وهو بنظرته الثاقبة يرى الخطر الذي يتهدّد الولايات المتحدة، وبحرصه الشديد عليها، يرى من واجبه أن يحذر من خطر يراه، ولا يراه البشر الطبيعيون.

هناك خطأ واحد في تصريح الأسد، أنه جمع جورج بوش الابن مع بقية الرؤساء والمرشحين الرئاسيين الأميركيين، فهناك صفتان مشتركتان بين الرجلين: أن كليهما ابن رئيس، وأن كليهما أحمق.

اقرأ المزيد
١٨ يوليو ٢٠١٦
استراتيجية الأسد: سياسة القتل والتهجير

جرى في الأسبوعين الأخيرين الإعلان عن هدنة لمدة ثلاثة أيام في سوريا بهدف وقت العمليات العسكرية وما يرافقها من قتل وتدمير وتهجير، لتوفير أجواء تساعد بالمضي نحو حل سياسي وفق التصورات الدولية، التي تتابعها الأمم المتحدة عبر مبعوثها الدولي ستيفان دي ميستورا، وبدعم من الولايات المتحدة وروسيا. ثم جرى الإعلان من جانب نظام الأسد عن تمديد تلك الهدنة. رغم أن الأولى لم تمر دون خروقات فاضحة من جانب نظام الأسد وقوات حلفائه في قصف المدن والمناطق السكنية، خصوصًا مع شن هجمات برية واسعة، وهو ما ردت عليه قوات من المعارضة المسلحة من باب «الدفاع عن النفس» حيث أمكن ذلك.

المكرر في الهدنة الثانية، كان استمرار هجمات النظام وحلفائه الإيرانيين والميليشيات الشيعية وسط دعم جوي روسي لأغلب تلك الهجمات، وخصوصًا الهجمات في حلب شمالاً، التي ترافقت مع هجمات على مدينة داريا على سوار دمشق الغربي.

تمديد النظام للهدنة، وما رافقها من خرق مكثف من جانبه، كان يحمل رسالتين، أولى الرسالتين كانت موجهة للرأي العام وللعالم الخارجي، جوهرها أن نظام الأسد وتحالفه، إنما يساعد عبر وقف القتال في التهدئة ودعم الجهود الدولية من أجل حل سياسي للقضية السورية، أما الرسالة الثانية، فكانت موجهة إلى السوريين وخصوصًا المعارضة المسلحة في المناطق التي تسيطر عليها، وخلاصتها، أن لا سبيل للتعامل معكم سوى من خلال الحرب والدمار، فلا هدن ولا مفاوضات ولا حلول، ووسط هذه الرسالة العامة، كانت ثمة رسالة تفصيلية موجهة إلى حلب، تؤكد مساعي نظام الأسد وتحالفه لحصار حلب عبر إغلاق معبر الكاستيلو، الأمر الذي يعني عزل حلب، وأخذها إلى الأسر والتجويع والتدمير والقتل البطيء، تمهيدًا لاجتياحها على نحو ما جرى تطبيقه في مدن أخرى، والتفصيل الآخر المتعلق بداريا، كان أشد دموية عبر الإصرار على اجتياح المدينة وتدميرها وقتل كل من فيها من أطفال ونساء وشيوخ ومقاتلين دافعوا عن المدينة الواقعة تحت الحصار منذ نحو أربع سنوات.

فكرة نظام الأسد في تمديد الهدنة بالتزامن مع محتوى ثنائية الرسالة بين الخارج والداخل، فكرة جديدة مستمدة من سلوك روسي، جرى تطبيقه في سوريا في هدنة سابقة بمدينة حلب، ووقتها قابل نظام الأسد وحليفه الإيراني وميليشياته اللبنانية الإيرانية بالتحفظ، غير أنه تراجع عن التحفظ فيما يبدو، سواء بسبب إقناعه من جانب حليفه الروسي، أو نتيجة دراسة الفكرة وتقليبها، وصولاً إلى نتيجة أنها تتوافق بشكل عميق مع استراتيجية الكذب مقرونة بسياسة القتل والتدمير، التي اعتمدها منذ بدء ثورة السوريين عام 2011.

ففي بداية الثورة ومع بدء عمليات قتل السوريين، أنكر وجود الثورة ومطالب السوريين بالحرية والكرامة، وعندما اضطر للاعتراف بالثورة، راح يصفها بأنها ثورة متطرفين وإرهابيين، ليبرر عمليات القتل المتزايد، ثم أضاف إلى ذلك، أكذوبة التدخلات الدولية السياسية والعسكرية لاستباحة الدولة السورية وتدميرها، فيما كان يستدعي حلفاءه من إيرانيين ولبنانيين وعراقيين وأفغان، ويفتح أبواب البلاد لقدوم الإرهابيين والمتطرفين من كل بلدان العالم، وعندما استعمل السلاح الكيماوي ضد المدنيين وخصوصًا النساء والأطفال في غوطة دمشق وقتل المئات منهم، كرس كذبة كبيرة على لسان مستشارة رئيس النظام، بالقول إن الإرهابيين نقلوا أطفالاً من مناطق الساحل السوري إلى الغوطة، ثم قتلوهم بالأسلحة الكيماوية، وهذه بعض ملامح استراتيجية الكذب المقرونة بالقتل والدمار والتهجير في ممارسات نظام الأسد وتحالفه من روسيا إلى إيران، إضافة إلى الميليشيات الشيعية اللبنانية والعراقية وغيرها.

اقرأ المزيد
١٧ يوليو ٢٠١٦
الجدل التركي حول تجنيس السوريين

الإدماج والديمقراطية التركية
التجنيس بين الاقتصاد والسياسة
التنافس والاستقطاب

أثارت تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حول تسهيل إمكانية الحصول على الجنسية التركية للاجئين السوريين الراغبين بها، جدلا كبيرا في الأوساط السياسية والإعلامية داخل تركيا وخارجها، حيث اشتعلت على مواقع التواصل الاجتماعي، موجة من الهاشتاغات الرافضة للتجنيس، والمعادية لوجود السوريين بشكل عام في تركيا.

وقد قابلتها موجة أخرى مرحبة بهذا الوجود، ومضخمة لمسألة تجنيس السوريين، مع أن حقيقة الأمر لا تتعدى تسهيل إجراءات الحصول على الجنسية التركية لذوي الكفاءات والخبرات العلمية والتقنية ورجال الأعمال المميزين، وعددهم في تركيا لا يتجاوز 50 ألف سوري، فضلا عن أن لجنة تركية مختصة، كلفت بإعداد ملف التجنيس، ورفعت تقريرا إلى رئاسة الجمهورية، يتحدث عن تجنيس الأطباء والمهندسين وأساتذة الجامعات، ويوصي التقرير بضرورة اتخاذ إجراءات لتسهيل حصول الراغبين منهم على الجنسية التركية وعلى دفعات.


الإدماج والديمقراطية التركية
اعتبر بعض الساسة والكتاب الأتراك أن مسألة إدماج ما يقارب 2.7 مليون لاجئ سوري في المجتمع التركي اختبارا حقيقيا للديمقراطية التركية، وأن تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال زيارته لمخيم للاجئين في مدينة كيليس في الثاني من يوليو/تموز الجاري تدخل في هذا الإطار، لكنها أشعلت نقاشا وطنيا حول مستقبل اللاجئين السوريين في تركيا، ووصل الأمر إلى نشوب جدل حاد على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث أطلق الرافضون لتواجد اللاجئين السوريين في تركيا هاشتاغ # لا أريد السوريين في بلدي، وتصدر موقع تويتر.

ولاشك أن اندماج اللاجئين السوريين في المجتمع التركي يتطلب إجراءات تقنية وقانونية، وهناك وعود، بل وإجراءات محدودة في هذا المجال، لكن مسألة اللاجئين السوريين، ينظر إليها من جهة اختبار النموذج التركي للديمقراطية، وتأتي قدرة الحكومة التركية على اتخاذ إجراءات، تسهل منح الجنسية للاجئين السوريين، كي تكسر الجمود في هذه الأزمة الإنسانية، التي يعاني من تبعاتها ملايين السوريين، بعد أن أجبرتهم الحرب الشاملة التي يخوضها النظام الأسدي وحلفاؤه الروس والإيرانيون ضد غالبيتهم إلى مغادرة بلادهم، وباتوا يعانون كثيرا من تبعات التهجير القسري.

وليس ثمة في الأفق ما يشير إلى نهاية مأساتهم المستمرة منذ أكثر من خمس سنوات، الأمر الذي جعلهم يهيمون على وجوههم، بحثا عن ملجئ آمن، وملاذ يمكنهم من العيش والاستقرار، لذلك يشكل الحصول على الجنسية التركية، أو أي جنسية أخرى، بالنسبة إلى أغلبهم، حلما بعيد المنال.

ويجادل الباحث التركي برهان الدين دوران بأن بلاده لم تمنح حق اللجوء للسوريين بسبب الوضع القانوني للجوء، نظرا للقيد الجغرافي الذي وضعته اتفاقية جنيف حول اللاجئين في عام 1951، وأنها لو منحتهم الوضع القانوني، فإنه سيرتب عليها مزيدا من الأعباء والمسؤوليات، وخاصة تقديم المساعدات المالية وتأمين التعليم والتوظيف لهم، لذلك يعتبر أن منح الجنسية للاجئين السوريين، هو الخطوة التالية بعد نظام الحماية المؤقتة الذي تطبقه الحكومة.

ويرتبط النقاش حول منح الجنسية بالتركيز على مستقبل السوريين في تركيا من جهة كونها مسألة سياسية وإنسانية طويلة الأمد، وقد صدرت دراسات عن مراكز بحوث وجامعات تركية، حيث أوصت دراسة لجامعة "حاجي تيبه" (HÜGO) التركية، الحكومة والشعب التركي، بالاستعداد نفسيا على الأقل، على تقبل احتمال أن غالبية اللاجئين السوريين في تركيا سيبقون في تركيا ولن يعودوا إلى بلادهم. وأظهرت أن "13 في المئة من اللاجئين السوريين في تركيا يقيمون في المخيمات، أما البقية فقد اعتادت الإقامة في المدن، وأسست وسطا تعيش فيه، وعلاقات اقتصادية واجتماعية، وتقبل على تعلم اللغة التركية، وشجعهم على ذلك حسن الاستقبال الشعبي، وعدم ظهور موجة رفض اجتماعية كبيرة ضدهم".

ويرى الكاتب التركي أَسَر قرقاش، أن "القسم الأكبر والأهم من السوريين أناس متعلمون ومثقفون، ويوجد بينهم كثير ممن يتقنون اللغة الفرنسية والإنجليزية، وكثير منهم لديه مهنة واحدة على الأقل"، وبالتالي يمكن لهؤلاء العمل في تركيا، ويستطيعون تأسيس أماكن عمل وفرص استخدام للعمال. كما أن ذلك "يُخفف الضغط عن السيد أردوغان حول التناقص في عدد السكان الذي يخشى منه، ذلك أن ضمّ ما يقارب مليوني شخص إلى كثافتنا السكانية، ولغتهم الأم هي اللغة العربية سيؤثر على النظرة السيئة في مجتمعنا، حول مفهوم المواطنة العنصري الخارج عن المفهوم العام في هذا العصر، والموجود ضمن المادة 66 في الدستور الحالي، وتغيير هذا المفهوم مهم جدا، ويضغط اجتماعيا بشكل إيجابي على العنصرية والتمييز العنصري".

ويخلص قرقاش إلى أن "ضمّ مليوني مواطن عربي إلى مواطنينا، من شأنه أنّ يُؤثّر على مكانة تركيا في الشرق الأوسط بشكل كبير جدا، ويقودها إلى نقطة قوية وثابتة أكثر مما هي عليه الآن".

غير أن المعارضة التركية، لها قول مختلف تماما، إذ ترى أن تسهيل إجراءات منح الجنسية التركية للسوريين الراغبين فيها، يدخل ضمن سعي أردوغان للحصول على مليون ونصف مليون صوت إضافي كي يتمكن من تعديل الدستور وتحويل النظام من برلماني إلى رئاسي، واعتبر بعض قادة حزب الشعب الجمهوري أن الرئيس يريد توطين اللاجئين السوريين في الولايات ذات الأغلبية الكردية والعلوية ما يعني القيام بعمليات تغيير ديموغرافية في تلك المناطق.

وقد سبق أن تعهد رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو بإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم خلال حملته في انتخابات السابع من يوينو/حزيران 2015، فيما يتهم بعض أعضاء حزبه ومناصريه اللاجئين السوريين بأنهم "دواعش"، وأنهم سينجبون كثيرا من الأطفال، بما يفضي إلى زيادة عددهم ليصل إلى 20 مليون نسمة خلال العقد المقبل، وأنهم سيطالبون بحكم ذاتي في ولاية "هاتاي" (أنطاكية) وغازي عنتاب وكليس.


التجنيس بين الاقتصاد والسياسة
منذ اندلاع الثورة السورية وقفت القيادة التركية إلى جانب مطالب السوريين في الحرية والخلاص من الاستبداد، ومع الحرب التي أعلنها النظام على الثورة وحاضنتها الاجتماعية، بدأ الفارون من أتونها في اللجوء إلى تركيا التي اعتمدت سياسة الباب المفتوح إزاء جميع اللاجئين السوريين، وهناك اليوم أكثر من مليونين و700 ألف سوري يقيمون في تركيا، لكنهم لم يمنحوا صفة لاجئ، بل اعتبرتهم الحكومة التركية ضيوفا بموجب نظام "الحماية المؤقتة" الذي يتضمن إجراءات قانونية تلجأ إليها الدول لتنظيم وضعٍ تعتبره استثنائيا ومؤقتا، يختص بمنح الحماية لفئة محددة من الأجانب دون التقيد بالأحكام المتعلقة بالأجانب، والحماية الدولية في قوانينها المحلية، أو المنصوص عنها في الاتفاقيات الدولية ذات الصلة والتي صادقت عليها الدولة المعنية.

ونظام الحماية المؤقتة الذي أنشأته الحكومة التركية يتماشى مع المعايير الدولية، للتعامل مع الزيادة الكبيرة والمفاجئة لأعداد اللاجئين الذين يعبرون الحدود، ويضمن الإقامة غير المحدودة في تركيا، وحماية من الإعادة القسرية، وتوفير خدمات الاستقبال ومعالجة الاحتياجات الأساسية الفورية.

ومنذ عام 2011، يتم تقدم المساعدات للسوريين بشكل منتظم داخل المخيمات، أما بالنسبة لمن هم خارجها، فتقدم المساعدة على أسس خاصة، باستثناء الحصول على الرعاية الصحية والطبية العامة، والتي فتحت أمام جميع السوريين في تركيا. ويشمل نظام الحماية المؤقتة جميع اللاجئين، بمن فيهم الذين لا يملكون وثائق تعريف شخصية كالهوية وجواز السفر. كما يشمل أيضا الفلسطينيين من سوريا، وكذلك الأشخاص بدون جنسية القادمين من سوريا.

ويقرّ الاقتصاديون الأتراك بالإسهام الكبير للسوريين في دورة الاقتصاد التركي خلال السنوات الخمس الماضية، ورغم كونهم شكلوا عبئا على الاقتصاد التركي، فإن العائد الاقتصادي لاستثماراتهم وخبراتهم وقوة عملهم في تركيا كانت أكبر.

وقدم السوريون إلى سوق العمل التركي خبرات عديدة، وكذلك للمنشآت والمصانع التركية، فضلا عن الورش والمطاعم وسواها، إضافة إلى قوى عاملة رخيصة، واحتلت رؤوس الأموال والشركات السورية التي تم تأسيسها في تركيا خلال العام الماضي، المرتبة الأولى بين المستثمرين الأجانب في البلاد، بنسبة وصلت إلى نحو 22.3 بالمئة من إجمالي الاستثمارات الأجنبية في البلاد، وذلك وفقا لبيان صادر عن رئاسة هيئة الطوارئ والكوارث الطبيعية (آفاد)، التابعة لرئاسة الوزراء التركية، وأسّس رجال الأعمال السوريين خلال العام الماضي ألفا و429 شركة، وليست هناك أرقام دقيقة لحجم الاستثمارات السورية في تركيا، ويقدرها بعض الاقتصاديين بحوال 10 مليارات دولار أو ما يزيد عن ذلك.

ولا شك أن تجنيس الراغبين من اللاجئين السوريين، يهدف إلى الحفاظ على الأموال والاستثمارات والخبرات، خاصة وأن الاقتصاد التركي شهد تباطؤا في النمو نتيجة أزمات عديدة.

وإن كان الاقتصاد له أسهم في مسألة تجنيس السوريين في تركيا، فإن السياسة أيضا لها ما تقول، وخاصة أن المسألة أدخلت في التجاذبات السياسية ما بين الحكومة والمعارضة، فالحكومة هي من تتولى هذا الملف، وكل ما تمارسه أحزاب المعارضة يدخل من باب ما يمكن تسميته "فقه النكاية" أو المناكفة، خاصة أن الصراع السياسي بين حزب العدالة والتنمية الحاكم، وأحزاب المعارضة الثلاث (حزب الشعب الجمهوري، والحركة القومية، وحزب الشعوب الديمقراطي)، شهد تجاذبات شتى منذ دخول المسألة السورية على خط السياسة التركية، ومرشح لمزيد من الاحتدام حال اتخاذ الحكومة التركية رسميا، إجراءات لتسهيل تجنيس السوريين.

وترى المعارضة التركية، أن التجنيس المقترح للسوريين هو "خطوة، يراد بها توفير غطاء لتحقيق أهداف سياسية"، حسبما اعتبر الأمين العام لحزب الشعب الجمهوري كاميل أوكياي سندر. وفي نفس السياق ذهب نائب رئيس حزب الحركة القومية مهميت غونال إلى التساؤل عن "خفايا" إثارة الحديث عن تجنيس السوريين في هذه المرحلة، وعما إذا كان يرتبط بـ"صفقة مع إسرائيل وروسيا"، لكنه ركز على أن مسألة تجنيس السوريين، تشكل خطوة، "يريد منها أردوغان كسب مزيد من الشعبوية".


التنافس والاستقطاب
وإذا كان الجدل حول تجنيس اللاجئين السوريين في تركيا لم يهدأ ومرشح للاحتدام، فإن التنافس التركي مع دول الاتحاد الأوروبي آخذ في الازدياد، حيث نشأ في الآونة الأخيرة تنافس ما بين الأتراك والأوروبيين لاستقطاب الكفاءات والخبرات السورية، ولم يخف المسؤولون الأتراك عزمهم على الاستفادة من طاقات السوريين، وأبدوا في أكثر من مناسبة رغبتهم في أن تهاجر هذه الكفاءات إلى الدول الأوروبية، حيث أكدوا بأن حكومتهم أخبرت أعضاء الاتحاد الأوروبي، بشكل رسمي أنها لن تسمح بأن يتم نقل اللاجئين السوريين من ذوي الخبرات والكفاءات العلمية، ضمن الاتفاق الذي أبرمته هذا العام مع الاتحاد الأوروبي.

لا شك أن الحديث عن تجنيس السوريين يراد به طمأنة السوريين، بأن التغيرات في السياسة الخارجية التركية، لن تطال الموقف التركي من المسألة السورية، فضلا عن مرام وأهداف أخرى، لكن أيا كان الجدل حول تجنيس السوريين، فإن تجنيس بعضهم لن يحل مشكلتهم، ولن ينهي معاناتهم. وإن كان ثمة حلّ، فهو في تلبية مطالب السوريين في الخلاص من نظام الاستبداد، وبناء سوريا الجديدة.

اقرأ المزيد
١٧ يوليو ٢٠١٦
أية نظرة إلى النظام الأسدي؟

يمتنع العالم عن جرّ النظام الأسدي إلى محكمة الجنايات الدولية، أو أية محكمة دولية أخرى، على الرغم من تقارير هيئات ومنظمات تابعة للأمم المتحدة ومؤسسات دولية أخرى، تتهمه بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، يؤكد وقوعها ما تعرّض شعب سورية له من عمليات إبادةٍ لم يتصوّر أحد أنه يمكن لمخلوق سويّ، أو حتى لحاكم مافياوي، القيام بها، مهما كان مجرماً ومعادياً للبشر.

بالحصانة التي يمنحها العالم للأسد، صار من حقّ كل سوريٍّ أن يشعر بقدرٍ من الظلم والغضب، يحوّله إلى راغبٍ في الانتقام من عالمٍ سكت على قتله ومحاصرته وتجويعه وتعذيبه واغتصابه وتشريده وتهجيره، ولم يفعل أي شيء على الإطلاق لحمايته، أو ليقول للمجرم: كفى، أنت، بقتلك شعباً يُطالبك سلمياً بحريته، تنتهك حقنا نحن أيضاً في الحرية، وتدوس أرواحنا وتمتهن كرامتنا وتهدّد وجودنا، وتخرج على جميع القوانين والأعراف التي نظمت، وأنسنت، علاقات البشر على امتداد تاريخهم. ويُذكر للسوريين أنهم، على الرغم من فظاعة ما يحدث لهم، لا يقومون بأي شيء يتّسم بالعداء لعالمهم الظالم الذي بلغ حدّاً من الانحطاط الأخلاقي والسياسي، لا يخجل معه من ادّعاء صداقتهم، بينما يستمتع، منذ خمسة أعوام، بالفرجة عليهم، وهم يذبحون، كباراً وصغاراً، من الوريد إلى الوريد.

يشعر السوريون بالقهر، ويدينون مواقف صارت تفخر بعدائها لهم، كمواقف روسيا التي طالما كانوا تاريخياً أصدقاء تقليديين لها، ولعبوا دوراً رئيساً في دخولها إلى المنطقة العربية أوائل خمسينيات القرن الماضي، حين كان الغرب يُحاصرها إلى حد الاختناق، لكنها تفعل اليوم المستحيل، لتبقي مجرماً يفتك بهم في الحكم، وتُجاهر بتأييده، على الرغم من قراراتٍ دوليةٍ وافقت عليها، تضعه في خانة مجرمي الحرب، بل وترسل جيشها للحفاظ على نظامه، بقتل ضحاياه الذين لم يسبق لهم أن أبدوا أي رغبةٍ في تقييد (أو تهديد) مصالحها، في سورية والمنطقة العربية، وأعلنوا دوماً استعدادهم لتفاهمٍ طويل الأمد معها، بسبب ضرورته لحمايتهم من سطوة أميركا وعدوانية إسرائيل، ولإعادة الحياة الطبيعية إلى وطنهم الذي يريدون أن يكون لروسيا دور رئيسي في إعادة بنائه على الصعيدين المدني والعسكري. لذلك، من غير المعقول أن يكون رد روسيا على يدهم الممدودة بالصداقة مقاتلتهم، لإحكام قبضة القاتل على أعناقهم، والإمعان في تهجيرهم وتجويعهم واعتقالهم وتعذيبهم، وتدمير ما بنوه خلال قرون على رؤوسهم.

لا يتفهّم السوريون هذا الموقف الروسي، ولا يقبلونه، وينتظرون أن تبادر روسيا إلى تغييره. وهم يدينون سياساتها التي تقتل مطالبين بالحرية، هدفهم الذي سبق لشعبها أن ثار من أجل بلوغه. ولا يتفهّم السوريون موقف أميركا التي تتظاهر بدعمهم، لكنها المستفيد الأكبر من مأساتهم، والدولة التي تدير أزمتهم، وتصارع بدمائهم خصومها الإيرانيين والروس، وتحقّق تفوقاً إسرائيلياً مطلقاً على المنطقة، بينما ترسم خطوطاً حمراء تحدّد أدوار المنخرطين في الصراع السوري، بما في ذلك دور روسيا. لم يعد السوريون قادرين على تفهم الدور الأميركي أو على قبوله، وهم يرفضون ويدينون الطريقة التحقيرية التي استخدمها باراك أوباما، أخيراً، في الحديث عنهم، وكشف خلالها كم وكيف مارس هو ومساعدوه الكذب عليهم، وضلّلوهم، وقدّموا لهم معسول الوعود، بينما كانوا يسقونهم، في الواقع، سم سياساتٍ من مستويين: واحد خفي، تجاهل حقوقهم ورفض مطالبهم، وآخر معلن، أيّدهم ظاهرياً، لكن هدفه كان تخديرهم وإبقاءهم غافلين عمّا تريده واشنطن منهم ولهم، تنفيذاً لخططٍ اعتبرت في الحدث السوري أزمة تكمن مصلحتها في إدارتها وإطالتها، والتحكّم بمجرياتها، والامتناع عن بذل أي جهدٍ جدّي لإيجاد حلٍّ لها، بما أنها تمكّنها من تصفية حسابات إقليمية ودولية مع إيران وروسيا، وتحول دون وقف الصراع أو السماح بانتصار الثورة أو إيجاد حلٍّ لها، قبل ترويض إيران وإركاعها وإنهاك روسيا.

هل يحق للسوريين أن يروا في أنفسهم ضحايا سياسات تنتهجها الدولتان، يفضي تكاملها إلى موتهم بالجملة وخراب وطنهم؟ وهل يحق لهم أن يغضبوا، وهم يتخبّطون في متاهةٍ صنعتها لهم سياساتٌ دولية متجبرة، تتعمد ألّا تنصفهم أو تتفهم حقوقهم، جعلت منهم أدواتٍ لا تبدو، في الأفق، نهاية لتلاعبها بهم، أو لفردٍ حمايتها على قاتلهم ونظامه وعصاباته.
أيها العالم الظالم: لصبر السوريين نهاية.

اقرأ المزيد
١٧ يوليو ٢٠١٦
العرب وإيران.. القطيعة لا تكفي

لم يدرك العرب إلا متأخرين أن العلاقة التي تربطهم بإيران لم تكن سوية. وكما يبدو فإن محاولاتهم لضبط سلوك النظام الإيراني في حدود اللياقات الدبلوماسية قد باءت بالفشل، وهو أمر كان متوقعا في ظل استمرار ذلك النظام في نهجه العقائدي الذي يستمدّ منه الحق غير المشروع في التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية.

ولأن تصحيح تلك العلاقة المضطربة أمر ميؤوس منه فإن تفادي أضرارها هو الفعل الإيجابي الوحيد الذي يمكن أن تلجأ إليه الدول العربية متجنبة الانزلاق إلى ما هو أسوأ. وهو ما يمكن أن يجرّ المنطقة إلى كارثة شبيهة بحرب الثماني سنوات التي خاضها العراق في ثمانينات القرن الماضي.

وقد تبدو مسألة تفادي الأضرار هيّنة إذا ما ارتبطت بإنهاء تلك العلاقة غير السوية، غير أنها لن تكون كذلك إذا ما تعلق الأمر بمنع النظام الإيراني من الاستمرار في التدخل، مستثمرا هيمنته على عدد من الجماعات والمنظمات والأحزاب التي وضعت نفسها في خدمته وارتضت أن تكون منفذة لمخططاته كما هو حال حزب الله في لبنان.

صار واضحا أن تلك الكيانات التي لم تخف ارتباطها بالنظام الإيراني قد انفصلت بطريقة لا تقبل اللّبس عن أيّ خيار وطني يجمعها بفاعليات المجتمع الذي يحتضنها، بعد أن انساقت وراء المشروع التوسّعي الإيراني الذي يتّخذ من المسألة الطائفية وسيلة له في عزل جماعات بعينها عن المجتمع. وهو ما لم يخفه نوري المالكي زعيم حزب الدعوة الإسلامي في العراق حين تحدث عن الخطر المحدق بالمشروع الإسلامي وهي التسمية المضلّلة للمشروع الإيراني.

ولأن تلك الأحزاب غير الوطنية بسبب ولائها المطلق لنظام ولاية الفقيه تعمل داخل المجتمعات العربية مستغلة علوّ الصوت الطائفي وسط الفوضى السياسية التي تعيشها دول ضعفت أو تلاشت فيها قدرة المجتمع على ضبط سلوك أفراده قانونيا كالعراق ولبنان وسوريا، فإن خطر التمدد الإيراني يفوق بأضعاف الخطر الإسرائيلي الذي تراجع بسبب قوة التدمير الذاتي التي صارت تعصف بالعالم العربي.

وكما أرى فإن جزءا أساسيا من تلك القوة التدميرية يستمد طاقته من وجود أحزاب تشارك في صنع القرار المحلي معتصمة بالخندق الإيراني. وهو ما يجعلها بمثابة أذرع تنفيذية لما يرغب النظام الإيراني في أن يراه سائدا في العالم العربي. وليس من الصائب التغاضي عن تصريحات حسن نصرالله التي يؤكد من خلالها تبعية حزبه المالية والعقائدية والسياسية لنظام الولي الفقيه.

في ظل تلك المعطيات الواقعية تبدو مقاطعة إيران غير مجدية لتفادي أضرارها. فعلى المستوى العملي لا يمكن إنكار حجم التأثير الإيراني داخل القرار السياسي العراقي على سبيل المثال. وهو ما يعني أنّ العراق لن يكون في إمكانه أن يلعب دورا إيجابيا في صيانة الأمن القومي العربي، إذا لم تتح له فرصة إلحاق الضرر بأمن الدول العربية.

وهنا ينبغي التذكير بموقفيْ لبنان والعراق السلبيين من مسألة الإدانة العربية للهجوم الغوغائي المتعمد الذي تعرضت له سفارة المملكة العربية للسعودية في طهران وقنصليتها في مشهد. بطريقة ضمنية كانت إيران من خلال لبنان والعراق حاضرة في مجلس الجامعة العربية يومها.

لذلك فإنّ التصدي للخطر الإيراني لا يمكن أن يكون نافعا من غير تفحّص ومعالجة الأضرار التي ألحقها التمدد الإيراني بالجسد العربي في أوقات سابقة. وقد يكون مناسبا هنا أن يبدأ الحلّ من المسألة السورية التي جعلت من إيران طرفا في تقرير مصير شعب عربي ألقي به في أتون حرب أهلية، لم يكن الموقف العربي منها قائما على أساس الشعور بالمسؤولية إزاء ما يمكن أن تشكّله تلك الحرب من خطر على الأمن القومي.

إن مراجعة نقدية جادة لذلك الموقف من شأنها أن تقلب جزءا من المعادلة المضطربة. فتراجع الدور الإيراني في القضية السورية من شأنه أن يقلّم جزءا من أظافر إيران ويعيدها إلى حجمها الطبيعي. وما لم تنتقل الدول العربية من موقع تفادي تلقّي الضربات الإيرانية إلى موقع المبادرة الاستباقية التي تهدف إلى منع وقوع تلك الضربات، فإن روح التوسّع الإيراني ستبقى قادرة على بثّ سمومها في أجزاء واسعة من العالم العربي وتصدير ثقافة الموت، وذلك أقصى ما يمكن أن تقدمه طهران للآخرين.

في أحسن أحواله وإذا ما توفّرت النيّة الحسنة فإن نظام ولاية الفقيه سيكون متفضلا بكرم إذا ما قدم للآخرين ما يقدمه لشعبه. وهي نتيجة تدعو إلى الشعور بالتعاسة. فإيران بلد كئيب، تتراجع فيه أسباب الحياة، يُدار من قبل طغمة خفية تعتصم بالخط الذي يصل بينها وبين الإرادة المطلقة والصلة منقطعة تماما بين ما يرغب فيه المجتمع وبين ما صار سياقا ثابتا للعيش.

وهو ما يمكن أن يحدث في أيّ بلد، يُقدّر فيه لرجال الدين أن يحكموا سيطرتهم على مجتمعه. لا بسبب ماضويتهم وهو أمر مفروغ منه بل بسبب عقدهم المتراكمة من الحياة، بصيغتها الأرقى كونها مختبرا لتلاقي العناصر وامتزاجها وانصهارها وانبعاثها من جديد في صيغة أقوى وأجمل.

للحياة من وجهة فقهاء الدين المتزمتين صورة واحدة لا تقبل التحديث، هي تلك التي تمهّد للموت. ما من شيء أكثر. وتشهد وقائع السنوات الأخيرة على أن إيران لم تطور شيئا بقدر ما طورت وسائل وأدوات الموت. وإذا ما كان العالم قد منعها من الحصول على السلاح النووي فإنها استطاعت في مكان آخر أن تطور أسلحة للدمار الشامل، هي ليست أقل خطرا من السلاح النووي.

المعجبون بإيران ومريدوها يفاخرون بقوّتها الفتاكة. وواقعيا فإن إيران لم تبخل بخبراتها المتراكمة على جيرانها العرب. فهي لا تصدّر عقيدتها القتالية مجرّدة من موقفها من حقوق الإنسان مثلا. ولهذا فإن حزمة الخدمات التي تقدّمها إيران لأتباعها لا بد أن تؤدّي بالضرورة إلى تدمير فكرة المجتمع المدني وتحدُّ من إمكانية قيام دولة مدنية، يقوم أساسها المتين على شرعة حقوق الإنسان.

ولكم في العراق مثل على ما يمكن أن يلحقه المشروع الإيراني من أضرار مهلكة ببنية المجتمع. فالعراق الذي يمشي على الألغام الإيرانية لا يمكن أن يستعيد شيئا من دولته المدنية التي حطمها المحتل الأميركي. لقد قُدّر للعراقيين أن يُصابوا بخلل دمّر قدرتهم على استعمال حواسّهم، بعد ما سمّم الحزبيون الموالون لإيران حياتهم بمعجزات نظام ولاية الفقيه التي لا يمكن إدراك عظمتها من خلال الحواس المباشرة.

في حقيقتها فإن إيران لا تملك ما تقدمه للآخرين سوى الأزمات. الأزمات المستمرة وحدها هي ما يكسب الميليشيات شرعية تحتاجها من أجل السيطرة على المجتمع. ولأن إيران متعهدة جيدة في مجال إنشاء الميليشيات، ولها في ذلك تجربة عظيمة من خلال الحرس الثوري، فقد كانت حاضرة بقوة في لبنان وسوريا والعراق من خلال الميليشيات التي تأتمر بأوامرها وتمهّد أمامها الأرض لإنجاز حلمها في الاحتلال المباشر. لم تقدم إيران لجيرانها العرب سوى الميليشيات وهي عصابات مسلحة لا تخضع لقانون ولا تعترف بوطن ولا تحترم شعبا. أما المستشارون الإيرانيون من نوع قاسم سليماني فهم خبراء في فنون القتل وعلوم الإرهاب.

لذلك يكون من العبث والسخرية من الحقيقة إذا لم نعترف بأنّ إيران لا تملك شيئا سوى الموت تقدمه للعرب، جيرانها الذين يحلمون بحياة حرة، كريمة يضعون في خدمتها ثرواتهم التي حباهم الله بها.

وإذا ما كانت إيران قد نجحت في غفلة من العرب في نشر رموز الموت من شاكلة حسن نصرالله وهادي العامري في أماكن مختلفة من العالم العربي فلا يزال في إمكان العرب أن يدعموا رموز الحياة في الأماكن نفسها وسواها.

ما يجعلني متفائلا بإرادة الخير شعوري بأن المشروع الإيراني قد وصل إلى طريق مسدودة، وهو ما لا يعني أن النظام سيستسلم ويعكف على نفسه ولا يعني أن الفاسدين ممن أقسموا على الولاء لولاية الفقيه سينسحبون طوعا من المشهد، بقدر ما يعني أن المجتمعات التي كانت غافلة عن المشروع الإيراني باتت اليوم متأكدة من أن هلاكها إنما يكمن في ذلك المشروع.

إرادة الحياة العربية ستنتصر على إرادة الموت الإيرانية، غير أن ذلك الأمر لن يتم من غير العمل القومي المنظم.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٢١ مايو ٢٠٢٥
بعد سقوط الطاغية: قوى تتربص لتفكيك سوريا بمطالب متضاربة ودموع الأمهات لم تجف
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٢٠ مايو ٢٠٢٥
هكذا سيُحاسب المجرمون السابقون في سوريا و3 تغييرات فورية يجب أن تقوم بها الإدارة السورية
فضل عبد الغني" مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
١٦ مايو ٢٠٢٥
شعب لا يعبد الأشخاص.. بل يراقب الأفعال
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
١٥ مايو ٢٠٢٥
لا عودة إلى الوطن.. كيف أعاقت مصادرة نظام الأسد للممتلكات في درعا عودة اللاجئين
فضل عبد الغني
● مقالات رأي
١٤ مايو ٢٠٢٥
لاعزاء لأيتام الأسد ... العقوبات تسقط عقب سقوط "الأسد" وسوريا أمام حقبة تاريخية جديدة
أحمد نور (الرسلان)
● مقالات رأي
١٣ مايو ٢٠٢٥
"الترقيع السياسي": من خياطة الثياب إلى تطريز المواقف
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٥ مايو ٢٠٢٥
حكم الأغلبية للسويداء ورفض حكم الأغلبية على عموم سوريا.. ازدواجية الهجري الطائفية
أحمد ابازيد