"حزب التحرير" خصم استثنائي لـ"تحرير الشام" .. تحليل الخلافات ورؤية الصراع عن كثب
تعود للواجهة بين الحين والآخر، التظاهرات الاحتجاجية التي يقودها أعضاء "حزب التحرير" في مناطق تواجدهم شمال غرب سوريا، غالباً ما تكون موجهة ضد "هيئة تحرير الشام"، تطالب بوقف الاعتقالات بحق كوادرها والإفراج عن المنتمين للحزب في سجونها، كان آخر تلك الاحتجاجات في الأتارب غربي حلب، على خلفية اعتقال أحد كوادر الحزب البارزين في الأول من شهر أيلول الجاري.
وفي الوقت الذي تُتهم "هيئة تحرير الشام" بالتضييق على كوادر الحزب والحد من نشاطاتهم، هناك طرف آخر يعتبر أن الهيئة تتماهى كثيراً في إنهاء هذا المكون المخالف لها رغم قدرتها على ذلك وهي التي أنهت عشرات المكونات العسكرية والتنظيمات الأخرى و فككتها، معتبرين أن استمرار وجود الحزب و احتجاجاته يخدم سياستها.
و"حزب التحرير" بفرعه السوري، يتبنى فكراً متشدداً يدعو إلى إحياء الخلافة الإسلامية، وينشط بشكل رئيس في مناطق سيطرة "هيئة تحرير الشام"، ظهر في سوريا مع السنة الثانية من بداية الثورة السورية، لم يشكل الحزب أي فصائل عسكرية، ويقتصر نشاطه على توزيع المنشورات في التظاهرات الشعبية وصل الأمر لتسميته بـ "حزب المناشير"، كونه لا يتمتع بحاضنة شعبية ويخالف في أفكاره جميع المكونات والتيارات الثورية.
ويتهم "حزب التحرير" بركوب موجات الحراك الثوري في سوريا بدءا من عام 2012، رغم أنه ليس حديث التأسيس، وكان تعرض أعضاؤه لاعتقالات وملاحقة من قبل النظام، وأفرج عن كثير منهم بداية الحراك الثوري، واتخذوا موقفاً دعماً للحراك، في حين اعتبر البعض منهم أنهم من فجروا هذا الحراك الشعبي ودعوا المتظاهرين إلى تبني "مشروع الخلافة".
وعارض "حزب التحرير" قتال تنظيم "داعش" رغم تكفيره لفصائل المعارضة، معتبراً قتال التنظيم "تنفيذاً لأجندة خارجية"، واتهم فصائل المعارضة بالتورط بالمال السياسي والانحراف عن أهداف الثورة، كما اتهم "هيئة تحرير الشام" بالخيانة معتبراً أنها رضخت للتفاهمات الأمريكية وأدخلت القوات التركية إلى إدلب وباتت "ذراعاً لها".
شبكة "شام" حاولت تسليط الضوء على السجال الحاصل، من خلال إجراء سلسلة لقاءات تضمنت التواصل مع المكتب الإعلامي في "حزب التحرير"، وبالمقابل مع المكتب الإعلامي لـ "هيئة تحرير الشام"، إضافة لاستعراض آراء محللين وباحثين في شؤون الجماعات الإسلامية، لمناقشة الملف الذي طفى على سطح الأحداث الميدانية شمال سوريا مؤخراً.
الهيئة ليست ندّاً ولا نخوض مواجهة معها
"أحمد عبد الوهاب" رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير/ولاية سوريا، أكد في حديثه لشبكة "شام"، أن "حزب التحرير" لا يعتبر الهيئة ندّاً له ولا يخوض مواجهة معها، موضحاً أن "الهيئة وضعت نفسها في مواجهة الشعب ومواجهة أهل الثورة بسياساتها بعد اغتصابها لسلطان الناس وسعيها لتقديم أوراق اعتمادها لدى الغرب".
ولفت "عبد الوهاب" إلى أن الهيئة "أصبحت تختطف من ينشر منشوراً لا يوافق سياستها بغض النظر عن انتمائه"، معتبراً أن "مشكلة هيئة تحرير الشام مع الجميع وليست مع الحزب فقط، وسجونها متخمة بالشرفاء المستقلين والثوار الرافضين لبيع الثورة في سوق المؤتمرات"، وفق قوله.
معركتهم مع من؟
واعتبر "عبد الوهاب" أن "حزب التحرير" هو "الحزب السياسي الوحيد الذي يعمل على الأرض بشكل مكثف، متبنياً مصالح الثورة؛ متصديا لكل محاولات إجهاضها، مما عرض شبابه للملاحقة والاختطاف بشكل كبير ومتتابع على أيدي المنظومة الفصائلية المرتبطة بمختلف مكوناتها من الجيش الوطني في الشمال وأداة النظام التركي الثانية وهي الهيئة في إدلب"، وفق كلامه.
وأضاف في حديثه لشبكة "شام" أن موقف الحزب "جعل البعض يظن أنه يواجه هذه المنظومة، والحقيقة - برأيه - أن هذه المنظومة هي مجرد أدوات بيد الأنظمة الوظيفية العميلة، ومعركة الحزب السياسية هي مع هذه الأنظمة العميلة للغرب الكافر؛ وليست مع الأدوات التي تعمل على تحقيق سياسات ومصالح أسيادها على حساب مصلحة أهل الثورة وتضحياتهم، وفق تعبيره.
نظرة "حزب التحرير" لـ "هيئة تحرير الشام"
وأكد "عبد الوهاب" أن "حزب التحرير" ينظر لـ "هيئة تحرير الشام" كما ينظر لـ "الجيش الوطني" على أنهم أجزاء من المنظومة الفصائلية المرتبطة، والتي رهنت قرارها لمخابرات ما يسمى بالدول الداعمة - وفق كلامه -، فنتج عن ذلك ما نتج من تسليم الكثير من المناطق، وإغلاق الجبهات والسير في طريق الحل السياسي الأمريكي، وفق قوله.
واعتبر أن هذا الحل الأمريكي، عبر عنه وزير الخارجية التركي بالمصالحة، وهي الآن تسوق ثورة الشام إلى الهاوية، وهذه النظرة بات يمتلكها الكثير ممن خرج بالثورة ضد بشار أسد، مما شكل أرضية شعبية واسعة تسعى للخروج من عنق الزجاجة، واستعادة قرار الثورة المختطف، وفق حديثه.
دور الحزب في الحراك الشعبي
وحول دور "حزب التحرير" في الحراك الشعبي، اعتبر "عبد الوهاب" أن لـ "حزب التحرير" دور بارز ومؤثر في ثورة الشام، وما الاختطاف المتتالي بحق كوادره إلا دليل واضح على تأثيره في الحراك الشعبي، وفق تعبيره.
ويتمثل هذا الدور - وفق المتحدث - في كشف المؤامرات والفخاخ التي تتعرض لها الثورة السورية، وتبيان الخطوات اللازمة للسير بالثورة السورية في طريق النصر، وعلى رأسها تبني مشروع سياسي واضح منبثق من عقيدة المسلمين، واتخاذ قيادة سياسية مستقلة و واعية ومخلصة تتولى قيادة الدفة.
وقال "عبد الوهاب" لشبكة "شام" إن "حزب التحرير" كان صادقاً مع أهله ولم يكذب عليهم ولم يخدعهم وكان ناصحاً أمينا لأهل الثورة منذ بدايتها فبين لهم خطورة المال السياسي القذر و خطورة الانخراط في هدن مع نظام بشار وما تبعها من اتفاقية ما سمي بخفض التصعيد كما كشف لهم ما يحاك ضد ثورة الشام في مؤتمرات جنيف وسوتشي وآستانة.
وأضاف أن الحزب "بين خطورة الدور الذي يلعبه النظام التركي ومن سموا بأصدقاء الشعب السوري وكشف لهم حقيقة ما يسمى الحل السياسي الأمريكي وهو لا يزال يسعى لتصحيح مسار الثورة وإعادة قطار الثورة إلى السكة الصحيحة عن طريق العمل على توحيد جميع الجهود والطاقات اللازمة لتحقيق ثوابت ثورة الشام في إسقاط النظام وإقامة حكم الإسلام"، وفق تعبيره.
ما هو مشروعه وكيف يراه؟
بدوره قال الباحث "عباس شريفة" المختص في شؤون الجماعات الإسلامية، إن "حزب التحرير" لا يملك جذور اجتماعية وليس له أي امتدادات شعبية، وإنما يجمع مجموعة من المثقفين والنخبة، وبدأ نشاطه في سوريا، وتبنى مشروع الخلافة، ويريد من الثورة السورية أن تتبنى مشروعه على اعتبار أنه يقدم المشروع الأفضل سياسياً.
ولفت شريفة في حديث لشبكة "شام" إلى أن الحزب يحشد المظاهرات ضد أي خطوة أو مشروع سياسي لا تصب في مشروعه السياسي، مؤكداً أنه لا يملك أي قواعد اجتماعية يستطيع أن يواجه بها "هيئة تحرير الشام".
وبين "شريفة" أن الهيئة تتعامل مع الحزب بسياسة "الاحتواء والتوظيف"، يقوم الاحتواء على أن مشروع الحزب لا يؤثر على مشروع الهيئة، أما الثاني فيتمثل في حاجة الهيئة لتوظيف الاحتجاجات، لبعث رسالة للخارج بأن هناك أصوات متشددة، وأن هناك حالة احتقان، وهي تقوم بضبط الإيقاع، وتقديم رسالة أنها قادرة على ضبط تلك الأصوات المتشددة في مناطق سيطرتها.
وأكد "شريفة" في حديثه لـ "شام"، أن "حزب التحرير" غير مؤثر في الحراك الشعبي، فالمظاهرات الشعبية لها لون وشعارات خاصة وترفع علم الثورة، أما الحزب فيجمع كل كوادره ليستطيع القيام بمظاهرة في منطقة محددة، معتبراً أن هذا يدل على ضعف العمق والتأييد الشعبي لمظاهراته، عدا كون مطالباتها "إيديولوجية" لا تعبر عن روح الثورة السورية.
لا يؤمن بالعنف
ورأى الكاتب والمحلل السياسي الدكتور "باسل معراوي"، أن النظام أفرج عن كوادر "حزب التحرير" منذ بداية الحراك الشعبي بهدف "أسلمة" الحراك الشعبي المدني السلمي وعسكرته، مبيناً أن مشروع الحزب "دعوى لا يؤمن بالعنف ويسعى لأخذ بيعة من الفئة المتغلبة، ويدعو لتطبيق نظام الخلافة الاسلامية".
ولفت "معراوي" في حديث لشبكة "شام" إلى أن تواجد "حزب التحرير" يتركز في مناطق محدودة شمال غرب سوريا منها "الأتارب وكللي والسحارة"، ولايتجاوز عدد أعضائه الـ٣٠٠ فرد، ولا يتمتع بأي وزن عسكري أو اجتماعي أو سياسي، وفق تعبيره.
وأوضح "معراوي" أن الحزب يملك ماكينة إعلام بدائية، تتجلى بإذاعة FM، ويعتمد على توزيع المنشورات بالمظاهرات السلمية، ويحبذ الكتابة على الجدران لنشر أفكاره، في وقت يعتبر أن نكبة الأمة الإسلامية تتجلى بالتخلي عن نظام الخلافة ويدعوا إلى محاولة إحيائها.
واعتبر الباحث في حديثه لشبكة "شام" أن "حزب التحرير" يختلف اختلافاً عميقاً مع "هيئة تحرير الشام"، إذ يعتبر الهيئة كانت مسهلاً لدخول الجيش التركي إلى إدلب برضى أمريكي وروسي، ويتهم الهيئة بحراسة مقرات ومنشآت القوات التركية.
وأشار إلى أن "حزب التحرير" كان ينظم مظاهرات تحتج على معظم أفعال الهيئة، وصولاً للاحتجاجات الأخيرة في الأتارب بعد اعتقال أحد كوادر الحزب، ورأى أن أعضائه يعتبرون أن تلك الاعتقالات تتم بضغط الضامن التركي على الهيئة، لتهيئة الأجواء لإجراء مصالحة قريبة مع النظام يرفضها بالطبع "حزب التحرير"، ويتهم الهيئة برعايتها وحمايتها لإقامة الطقوس الدينية المسيحية وحماية الأقلية الدرزية فيما الاعتقالات توجه لأعضائه.
هيئة تحرير الشام تعتذر عن التعليق
ورغم تواصل فريق العمل في قسم التحرير في شبكة "شام" الإخبارية، مع الحساب الرسمي للمكتب الإعلامي في "هيئة تحرير الشام"، والذي أبدى تعاوناً واضحاً، إلا أن الشبكة لم تحصل على تصريح رسمي حول الملف بعد انتظار لأكثر من 48 ساعة، انتهت باعتذار المكتب التابع للهيئة على تقديم أي تصريح في هذا الشأن لاعتبارات لم توضح.
وكانت شهدت مدينة الأتارب وبلدة السحارة بريف حلب الغربي خلال الأسبوع الفائت، سلسلة تظاهرات على مدار يومين، طالبت بالإفراج عن "ناصر شيخ عبدالحي"، عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير - ولاية سوريا، بعد اعتقاله في الأول من شهر أيلول الجاري، من أمام منزله في المدينة، ورفع المتظاهرون شعارات ضد الهيئة وقائدها، قبل الإفراج عنه في الخامس من أيلول الجاري.