ربما يكون وقف إطلاق النار الشامل المعلن الخميس الماضي برعاية موسكو وأنقرة، الاختبار الأكثر أهمية لكيفية إدارة الجوانب التنافسية في العلاقات الروسية الإيرانية في مرحلة جديدة ما زالت الدولتان بحاجة خلالها للتحالف الذي جمعهما في السنوات الأخيرة في سوريا، فهذا النوع من التفاعلات التي يمتزج التحالف فيها بالتنافس يعد الأكثر صعوبة في العلاقات الدولية، ولذلك يتيح هذا الاتفاق فرصة بالغة الأهمية لاختبار الافتراض الذي بدا منطقياً عندما بدأ التدخل العسكري الروسي يحقق ما عجز عنه التوغل الإيراني لدعم نظام الأسد، وهو أن سوريا ستوضع فعلياً تحت ما يشبه وصاية ثنائية، وأن قبضة روسيا عليها ستكون أقوى، فقد أظهرت التطورات السابقة على الاتفاق الأخير ما يبدو أنها نقطة ضعف في هذا الافتراض، وهي أنه لا ينسجم مع معطيات واقعية، أهمها أن إيران هي التي توجد على الأرض، وأن ميليشيات تابعة لها تسيطر على مناطق كاملة.
ورغم أن روسيا حاولت تعويض ضعف وجودها البري، واتفقت مع شركة عسكرية خاصة على العمل في سوريا، وسمحت لها بتوظيف جنود روس أنهوا خدمتهم الرسمية، فلا يزيد عدد هؤلاء على بضعة آلاف، فيما تُقدَّر أعداد الميليشيات الموالية لإيران بأكثر من مائة ألف.
وظهرت أهمية الوجود الكثيف على الأرض في عملية تنفيذ الاتفاق على إجلاء مسلحين ومدنيين من شرق حلب الشهر الماضي، فقد عقدت روسيا هذا الاتفاق بشكل ثنائي مع تركيا في 13 ديسمبر، ورحبت إيران به كما فعلت بشأن اتفاق الهدنة الشاملة.
لكن عندما بدأ تنفيذ اتفاق حلب في الساعات الأولى من 16 ديسمبر، تبين أن من يوجد على الأرض يستطيع التحكم أكثر في مجريات الأمور، فقد أوقفت الميليشيات التابعة لإيران تنفيذ الاتفاق وربطته بإجلاء مواز من بلدتي الفوعة وكفريا (الشيعيتين) اللتين يحاصرهما المسلحون في ريف إدلب، رغم أنه لم يتطرق إلى مثل هذه المقايضة أو غيرها في بنوده الأربعة، إذ نص على خروج المسلحين بأسلحتهم الفردية، وإجلاء المدنيين الراغبين في المغادرة مع ضمان سلامة خروجهم.
المهم هنا أن روسيا كانت قد أعلنت أنها تضمن الاتفاق، وأن «خبراءها» العسكريين يشرفون على تنفيذه، وأنها لن تسمح بأية محاولة لعرقلته مهما كان مصدرها، لكنها وقفت مكتوفة الأيدي عندما عرقلته ميليشيات تابعة لإيران، ولم تلبث أن رضخت لمطالبها، في الوقت الذي أرسل بوتين موفداً خاصاً إلى طهران (ألكسندر لافرينيستيف) للتفاهم حول تعديل الاتفاق، إلى جانب ترتيب اللقاء الثلاثي الذي حضرته تركيا في موسكو في 20 ديسمبر.
وحدث ذلك في وقت ما زالت إيران بحاجة للدور العسكري الروسي في سوريا. ولكن لأن اتفاق حلب كان جزئياً، أصبح اتفاق الهدنة الشاملة هو الاختبار الحقيقي لمدى نفوذ روسيا التي عقدته مع تركيا، وإيران التي رحبت به بطريقة فاترة، كما أنه المؤشر الأهم حتى اليوم لما سيكون عليه ميزان القوى بينهما في سوريا حين ينتهي دور روسيا العسكري الرئيسي، وتعود طائراتها من حيث أتت، ويصبح وجودها محصوراً في قاعدتين في اللاذقية وطرطوس، بينما القوات والميليشيات التابعة لإيران متغلغلة على نطاق أوسع.
فهل تكفي علاقة روسيا القوية بقيادة أركان جيش الأسد وبعض أجهزته الاستخباراتية لتعويض ضعف وجودها على الأرض؟ لقد دفعت روسيا باتجاه إنشاء فيلق جديد (رابع) في هذا الجيش، ولعبت دوراً رئيساً في تكوينه ليصبح أقوى من الفيالق الثلاثة القديمة التي أنهكتها الحرب، لكن ملابسات الإعلان عن فيلق خامس يضم «متطوعين» تُرَّجح أن إيران تقف وراء تأسيسه لكي توازن النفوذ الروسي داخل الجيش السوري.
وتزداد أهمية البحث في كيفية إدارة العلاقات بين موسكو وطهران عندما نتأمل تصريحات رسمية إيرانية قريبة عن إمكان إقامة قواعد بحرية في اليمن أو سوريا (محمد باقري رئيس الأركان في 27 نوفمبر)، أو عن أن إيران هي التي تُحدد مستقبل سوريا (محمد على جعفري قائد الحرس الثوري في 22 أكتوبر).
وإذ يصعب استبعاد افتراض أن تسعى إيران إلى إعادة إنتاج السيناريو العراقي في سوريا، فليس من السهل في الوقت نفسه تصور أن يكرر بوتين أخطاء بوش الابن عندما شن حرب 2003 التي كانت محصلتها النهائية هيمنة إيرانية ودوراً أميركياً ثانوياً في العراق.
توشك الأزمة السورية أن تتحوّل إلى "أيلولة" القرن الحادي والعشرين، لجهة قدرتها على خلط التحالفات الإقليمية والدولية، وإعادة رسمها ليس مرة واحدة، بل مرات عدة. والأيلولة، لمن لا يعرفها، هي حرب الوراثة الإسبانية التي اندلعت عام 1701، واستمرت حتى 1714، وكانت من أعنف حروب القارة الأوروبية وأطولها عمراً في القرن الثامن عشر. وبدأت بوفاة آخر ملوك إسبانيا من سلاله الهابسبورغ، تشارلز الثاني، عام 1700 وتنازع فرنسا والنمسا وبروسيا على وراثة ملكه، لأنه لم يترك وريثاً.
لم تكن إسبانيا دولة مهمة، أو قوة معتبرة في ذلك الوقت، لكن انضمامها إلى أي من الدول المتنازعة كان سيخلّ بشدة بموازين القوة الأوروبية. بناء عليه، دخلت القوى الأوروبية الكبرى، بما فيها إنكلترا، في صراع مرير استغرق 13 عاماً لمنع أي طرفٍ من الظفر بإسبانيا. خلال هذه الفترة، تغيرت التحالفات مرات عديدة، حتى لم تبق قوتان في أوروبا إلا وتحالفتا ضد ثالثةٍ، قبل أن تعودا إلى الاقتتال من جديد. انتهت الحرب باتفاقية راشتات عام 1714، بتقسيم ممتلكات إسبانيا بين المتنازعين، حفاظاً على موازين القوى الأوروبية.
يشبه موقع سورية في موازين القوى الإقليمية موقع إسبانيا في أوروبا خلال القرن الثامن عشر، ليست مهمةً بحد ذاتها، لكنها تغدو مهمةً جداً بتحالفها مع غيرها. لهذا السبب تحديداً، لم يكن ممكناً تصور أن يندلع صراعٌ على حكم سورية، من دون أن يتحوّل إلى صراع إقليمي، لكن المفاجأة كانت في تحوله إلى صراع دولي أيضاً. ونظراً لأهميتها وحجم الاستثمارات التي ضخها الجميع فيها، غيّرت الأزمة السورية التحالفات الإقليمية والدولية مرات عدة خلال السنوات الست الماضية، وتوشك أن تعيد خلطها اليوم من جديد، من دون ضمانةٍ بأننا وصلنا إلى خط النهاية.
مع بداية الأزمة، كان النظام السوري يتمتع بشبكة تحالفاتٍ إقليمية واسعة، أفسدها بدموية تعاطيه مع الحركة الاحتجاجية، فحوّل أقرب حلفائه خصوماً. خلال هذه الفترة، بدأت تختفي الخطوط الفاصلة بين ما كان يسمى محور الممانعة ومحور الاعتدال، لتظهر تحالفاتٌ جديدةُ جوهرها الموقف من التغيير والثورات العربية. وفيما كان موقف بعض الدول من قضية التغيير واضحاً منذ البداية، ناست دولٌ أخرى بين المحورين، فكانت إيران في المحور الداعم للثورات في تونس ومصر والبحرين وحتى في ليبيا، على الرغم من تحفظها على التدخل الغربي، إلى أن بلغ المد سورية، فنكصت على عقبيها. السعودية التي قادت معسكر الثورة المضادة، وقفت ضد الثورة في المبدأ، إلى أن بلغت سورية، فوقفت معها لاحتواء إيران.
ظهرت للاستقطابات الإقليمية حول المسألة السورية امتدادات دولية، وهذه ظاهرةٌ نادرة، لكنها ليست فريدةً في العلاقات الدولية (أن تتشكل محاور وتحالفات دولية انطلاقا من صراعات إقليمية أو محلية)، فوقفت الولايات المتحدة إلى جانب ثورات الربيع العربي حتى سبتمبر/ أيلول 2012، حين تم اقتحام سفارتها في بنغازي وقتل سفيرها فيها، لتأخذ موقفاً متحفظاً، أو أقرب حتى إلى معسكر الثورة المضادة. أما روسيا، ومعها الصين، فقد وقفت بالمبدأ ضد الثورة، وكانت الأكثر اتساقاً في مواقفها.
ومع احتدام الصراع، دخلت روسيا في علاقة تحالفية مع إيران، لمنع تركيا ودول الخليج العربية من الظفر بسورية التي لم تبد مهمة للأميركان. لكن، وبعد صراعٍ مرير تخلله احتكاك عسكري مباشر، حقّقت تركيا وروسيا تقارباً أقلق الإيرانيين، كما اتضح في اتفاقي حلب وأنقرة. أما السعودية فلم تبد مستاءة من تنامي النفوذ الروسي في سورية، إذا كان يتم على حساب النفوذ الإيراني.
مع دخول دونالد ترامب البيت الأبيض، توشك سورية أن تخلط التحالفات من جديد، إذ يتوقع الرئيس الأميركي المقبل من نظيره الروسي أن يساعده في احتواء النفوذين، الإيراني في الشرق الأوسط، والصيني في شرق آسيا، وهو أمر قد لا يجد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، غضاضةً في فعله، إذا تمكن ترامب من التغلب على مقاومة "الاستبلشمنت" في واشنطن لتقارب روسي-أميركي، لكن هذا سيعني، في المقابل، تقارباً أكبر بين الصين وإيران. كل هذه وأكثر قد يحدث بانتظار "راشتات" سورية، يتوافق فيها الجميع على بقائها دولةً "واحدةً حرّة مستقلة، ومحايدةً في علاقتها بالقوى المتنافسة".
مع إعلان وقف إطلاق النار الذي ضمنته روسيا وتركيا في سورية، وبعد الوعود التي تلقاها الشعب السوري بالنية على التفاوض بين النظام وسبعة فصائل مسلحة تمثل المعارضة، متجاهلةً باقي الشعب السوري وما يريد ويتمنى، خصوصاً أن عاماً انطوى بمرارته، وآخر جاء يحمّله الناس رغباتهم وأمانيهم. ومع الهدوء النسبي الذي عمّ معظم الجبهات، فتحت جبهاتُ جديدة في الأماكن التي يمكنها الاحتفال بليلة رأس السنة، كما بمناسبات أخرى، منها "الانتصار" الذي تحقّق ميدانياً في حلب، والذي كان ضحيته سقوط أبرياء مدنيين كثيرين، وتهجير الآلاف، وهدم الأحياء وما تلاه من ظاهرةٍ ازدهرت على هامش الحرب، أي "التعفيش" الذي يمارسه من كسبوا المعركة، فظنوا أنهم كسبوا الحرب والمستقبل.
في المناطق التي تخضع لإدارة النظام، حيث لا معارك، ما خلا بعض السيارات المفخخة أو الصواريخ التي يمكن أن تلقى على بعض المناطق، فتحصد أرواحاً بريئة أيضاً، كان هناك مهرجانٌ للعنف والموت، بادّعاء الفرح والاحتفال بقدوم عام جديد.
كانت أصوات الرصاص الذي انهمر كالوابل من السماء أكثر من ساعة، بل ربما ساعتين، وحدها كفيلة بإخراس أي صوت آخر، زهقت أرواح عديدة جرّاء هذا الرصاص الطائش الغادر، أعطبت آلياتٌ لا يمكن حصر عددها، هشّم زجاج كثير. كان مهرجاناً للاستعار المجنون الذي لا يمكن أن يناسب أي ادّعاء فرح أو احتفال، بل كان دليلاً دامغاً على الانحدار الرهيب نحو الغرائزية المدمرة لدى مجتمعٍ انتزع منه أغلب ملامحه الإنسانية، فلم يبقَ في وعيه أو ضميره مكان للمنطق أو الرحمة أو الإحساس بالحياة.
هي فرصةٌ لاستخدام السلاح. السلاح المتروك بين أيادٍ يدغدغ مشاعرها التي حقنت بما يكفي للتعبير عن حالةٍ وجوديةٍ متنازع عليها، إما نحن أو هم، فمن لم يستطع استخدام سلاحه في جبهة قتل، وبقي يتفقد جدارته، ويصونه طوال هذه المدة، كان لا بد أن يفرغ شحناته العاطفية بادّعاء الفرح والاحتفال. صار السلاح متوافراً في سورية أكثر من السلع الحياتية، ليس فقط منذ ست سنوات، ومع بدايات انتفاضة الشعب السوري، بل منذ عقود، سلعة رائجة في سوق التهريب التي كان لها أمراؤها المحميون بغطاء منيع من أركان النظام، أو ممن هم في السلطة، على الرغم من تقييد حيازة السلاح بالقانون، إذ لا يمنح السلاح الشخصي إلا بموجب ترخيصٍ يمنح للشخص بموجب بنود قانونية ومعايير تحدّد من يمكن له حيازته، إلا أنه بات متوافراً بسهولة، فكل الأفراد والعناصر المشتغلين بالأمن، على مختلف فروعه، وفي الشرطة والجيش، وكل الملحقين بهم في الظل كانت في حوزتهم أسلحة يفترض استخدامها فيما يتعلق بضرورات الوظيفة، لكن السلاح كان مثل غيره من لزوميات العمل الوظيفي، أو الواجب الوطني، اجتاز الحد الفاصل بين العام والخاص، مثلما كانت السيارات الحكومية تستخدم للخدمة الشخصية والمشاوير الخاصة وخدمة المنازل، صار السلاح أداةً شخصيةً يستعمله حامله في كل لحظات هيجانه الانفعالي، بل صار وسيلة تباهٍ وتفاخر بالسطوة والسلبطة، واستغلال الناس بحكم القوة والقدرة.
ازدهرت تجارة السلاح في السنة الأولى لانتفاضة الشعب السوري، مواكبة للقنابل الدعائية التي فجرتها كل المنابر الرسمية أو غير الرسمية، فالإشاعة من أهم المنابر التي تصنع الرأي العام والمواقف العامة، عندما بدأت الطوائف تشعر أنها مستهدفة، طوائف مستهدفة من النظام ومواليه وحلفائه، وأخرى مستهدفة من المسلحين القادمين بمشروع إقصائي يقوم على العنف، ورسالته القضاء على الكفار، ومن لا يشبهونهم. وصار السلاح متاحاً بشرعيةٍ يضمنها واقع أقوى من قانون منتهك منذ عقود، والسلاح أداة ستستعمل بمجرد توفرها بين الأيدي، فكيف إذا كان توفرها مرافقاً لحالةٍ كما التي وصلت إليها سورية؟
مع هذا التحول الدراماتيكي للواقع السوري، انحدر عيد رأس السنة، بكل تسمياته، إلى قاع العنف، فقد هويته التي كانت جزءًا أساسياً من هوية الشعب السوري التاريخية التي تميزت بالقدرة على الاحتفال بالحياة. قديماً كانت هناك طقوسٌ محليةٌ تخص مناطق عديدة في سورية، هي خليطٌ بين عادات وشعائر دينية ضاربة في القدم، مرتبطة بالميثولوجيا الغزيرة التي تتميز بها المنطقة، فهناك "أكيتو" رأس السنة عند الأكاديين والبابليين والآشوريين والكلدانيين الذي يقع في اليوم الأول من شهر إبريل/ نيسان، ويستمر اثني عشر يوماً. وهناك عيد النيروز الذي يعتبره الكرد اليوم الذي انتفض فيه الأكراد تحت راية كاوه الحدّاد ضدّ الملك الضحّاك. جرت العادة في الريف الساحلي أن يتم الاحتفال بعيدٍ يوافق رأس السنة الميلادية، بحسب التقويم الشرقي، يدعى عيد القوزلي، يصادف في الرابع عشر من يناير/ كانون الثاني. وكان لكل أسرة أن تربي جدياً لهذه المناسبة، حيث تجتمع العائلة مساءً، وتبدأ السهرة في ليلة الثالث عشر منه، يتزاور الناس، ويعقدون سهرات الغناء والطرب.
كانت معظم هذه الأعياد الضاربة في القدم في تقاليد السوريين مناسبة للاحتفالات الجماعية التي تظهر أنماطاً من الروح الجمعية المتكافلة التي تصنع الفرح، وتجدّد الهمة والنشاط، كما كان يشارك فيها كل الساكنين، ولا تخلو من العرض الجميل لكل أشكال الفعاليات الحياتية، والتراث الغنائي والفولكلوري، حتى الأزياء كانت لها هويتها، وإذا اتخذت بعض هذه الأعياد معنىً قومياً، مثلما هو النيروز لدى الكرد أو الأكيتو لدى الآشوريين، وغيرهم ممن يحتفلون به، فإنها لا تخلو من روح الطبيعة أو الروح الفلاحية التي تعود إلى البدايات التي انتهج فيها إنسان هذه المنطقة الزراعة، وتوطدت علاقته الوجدانية والروحية بالأرض والطبيعة، خصوصاً بالنسبة إلى عيد القوزلي الذي يعتبره بعضهم خطأً عيداً دينياً لدى الطائفة العلوية، بينما هو عيد فلاحي شكل ركناً من الهوية التاريخية.
لم يكن السلاح حاضراً إلّا في القرى المتناثرة البعيد عن بعضها بعضاً، كإعلان عن وقوع وفاة، أو قيام عرس لعدم توفر الرسائل السريعة التي توصل النبأ في وقت كان الناس فيه يجتمعون على الفرح والحزن. صار السلاح اللغة الوحيدة التي يجب أن تعبر عن الاحتفال في هذه المناسبات، خصوصاً عيد رأس السنة الميلادية، باعتباره عيداً يشترك العالم كله فيه، وعلى مظاهر الفرح الأخرى، أو لغاته، أن تخرس، مثلما خرست أصوات الشعب المنادية للحرية، منذ ما يقارب السنوات الست أمام صوت الرصاص والسلاح.
كانت ليلة رأس السنة مناسبةً جماعيةً تشيع جو الفرح والبهجة، وتضرم مشاعر العفو والغفران والتسامح، كما يضمر الأفراد فيها نياتٍ إيجابية واعدة ببدايات جديدة وتجاوزات لعثرات الماضي ما أمكن. ولم يكن هناك تمييز في هذه المناسبة بين الطوائف، فقد اكتسب هذا العيد معنىً وجودياً إلى حد كبير. لكن، مثلما كان المدنيون ضحايا الاقتتال في سورية، كانوا أيضاً ضحايا هذا الاحتفال العنيف، بعدما أخرس الرصاص صوت الفرح، وشحّ عدد السفن الراسية في المرافئ التي كانت تطلق أبواقها في مظهر احتفالي بهيج عند الثانية عشرة ليلاً. وأضيفت إلى المناسبة أسباب أخرى لإعلاء صوت الرصاص، مشاعر الانتصار في التحرير، تحرير حلب، حتى لو كان الثمن سقوط الوطن، وسقوط مواطنين أبرياء، هم إخوة في وطنٍ، لطالما ردّدت أجيالٌ، بشكل أجوف، شعارات التغني به وبالوطنية والقومية.
كان رأس السنة الجديدة في سورية دامياً، فقد حصد الرصاص أرواحاً عديدة، كانت تريد أن تفرح ليلة واحدة، فكان لعربدة الرصاص الأولوية. هذه سورية التي لم تعد "مفيدة".
ربما يعرف الكثيرون ما فعلته، ولا تزال، إيران في العراق، وهناك الكثير والكثير مما يقال على هذا الصعيد، ولكنني أقصد تحديدا ما يتعلق بتغيير الهندسة الديموغرافية لهذا البلد العربي العريق، فقد كانت تعقب تحرير أي مدينة أو محافظة عراقية من أيدي تنظيم “داعش” الإرهابي حملات تطهير مذهبية الطابع يقودها جنرالات الحرس الثوري الإيراني، وينفذها الحشد الشعبي، الذي يعرف الجميع هويته وتشكيله الطائفي البشع، وكونه ذراعا خبيثة لتنفيذ المؤامرة الإيرانية في العراق.
الجديد في خطط التوسع الطائفي الإيراني إقليميا، هو ما يحدث في سوريا حاليا، حيث يكرر جنرالات الحرس الثوري، بقيادة الجنرال قاسم سليماني، خططا استعمارية تستهدف إعادة الهندسة الديموغرافية في المدن السورية، والغـريب أنه رغم الدور الإيراني الخبيث والقبيح في آن واحد معا، فإن الرئيس السوري بشار الأسد يحتفل بتحرير المدن ولا ينظر إلى ما يحدث حوله، بل لا يهتم به من الأساس، فمن ضحى بأكثر من نصف شعبه، وتركه فريسة للتشرد واللجوء السياسي كي يعيش نظامه، لن يهتم بكل تأكيد بإعادة تموضع بضعة ملايين من هؤلاء السكان. العرب والعالم أجمع يتابعون كيف تقوم إيران بإعادة تقسيم سوريا فعليا وتهيئة الأرض لهذا التقسيم، الذي يتم وفق تخطيط تآمري طائفي بشع، ومؤخرا تفاوض جنرالات الحرس الثوري مع أحد التنظيمات الإرهابية بشأن مستقبل مدينة الزبداني الواقعة غرب دمشق، الواقعة تحت سيطرة هذا التنظيم، حيث عرض القادة الإيرانيون تفريغ المدينة من سكانها المسلمين السنّة واستبدالهم بآخرين، عبر نقل سكان قريتين شيعيتين إلى هذه المدينة.
إعادة الهندسة الديموغرافية في سوريا تستنسخ السيناريو العراقي، في تنفيذ لأحد أخطر أهداف إيران من التدخل في سوريا، وتعليقا على ذلك قال مسؤول لبناني “لا يريد الإيرانيون أي وجود للسنّة بين دمشق والحدود اللبنانية. هناك خطة واضحة لتغيير التركيبة الطائفية للسكان على طول الحدود”.
إيران لا تكتفي بإعادة توزيع سكان سـوريا تحت مرأى ومسمع من العرب والعالم كله، بل تقوم أيضا بتنفيذ استراتيجية متكاملة للتلاعب بهوية سوريا التاريخية، وتعتمد في ذلك على محاور عدة منها نقل شيعة عراقيين للسكن في سوريا، حيث تشير تقارير موثوقة إلى عمليات نزوح جماعية منهجية للآلاف من الشيعة العراقيين إلى مدن سورية بعينها. ومن هذه المحاور أيضـا تنفيذ سياسة تشبه سياسـة الاستيطان الإسرائيلية في بدايـاتها الأولى، وذلـك من خلال شراء الأراضي والعقـارات ورعاية النزوح الشيعي العراقي إلى هذه الأراضي والعقارات، لتأمين نقاط تمـركز ثم انتشار وكثـافة سكانية طـائفية في مـراحل لاحقة.
تحويل موازين القوى ديموغرافيا والتلاعب بالهندسة الديموغرافية للدول العربية، خطة تآمرية نفذتها إيران في العراق، وها هي تمضي على قدم وساق في سوريا، والكل يراقب ويتابع ويكتفي بالمشاهدة من دون أدنى تعليق.
الدول العربية لديها موقف رافض للاستيطان الإسرائيلي، والتلاعب بالهندسة الديموغرافية للأراضي الفلسطينية المحتلة، ويجب أن ينال ما تفعله إيران في سوريا الاهتمام ذاته، حتى الأشقاء العرب الذين يدعمون موقف النظام السوري، عليهم أيضا الانتباه إلى خطورة ما تفعله إيران في سوريا، فالأمر أخطر من مصير الأسد أو غيره، وما يحدثه جنرالات الحرس الثوري لن يعيد سوريا إلى ما كانت عليه، ولن يعيدها إلى الصف العربي كما يعتقدون، بل سنكون في مواجهة نظام موال تماما لإيران وراع قوي لمصالحها وتابع لأجندتها، سواء بقي الأسد أو غادر. تدرك إيران أن سوريا لن تعود دولة واحدة كما كانت، وتعد العدة لتقسيم تجري تهيئة الأرض له في واقع الأمر، وتستعد بإيجاد “كانتونات” شيعية تمثل مراكز لدويلة شيعية ربما تتواصل مع نظيرتها في العراق على المستوى الجغرافي وتكونان دولة واحدة، أو ربما تبقى دولة واحدة من الإرث السوري، والأمر يتوقف على طبيعة تفاهمات القوى الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وروسيا، وكذلك كيفية تقسيم “كعكة” المصالح الاستراتيجية في هذا البلد العربي العريق.
إذا كانت إيران تستعد بهكذا سيناريوهات، وتخلق أمرا واقعا جديدا في الخارطة السورية، وتستغل في ذلك الحرب ضد تنظيمات الإرهاب، وتتدخل بقوة من أجل تنفيذ أجندتها الاستراتيجية بعيدة المدى في سوريا والعراق واليمن وغيرها من الدول العربية، فهل هناك أمل في أن ننتظر موقفا عربيا جماعيا، حتى لو على مستوى الرفض والتنديد، بممارسات إيران في هذا البلد؟
أعتقد أن هناك ضرورة أيضا لفضح ممارسات إيران الطائفية في سوريا عالميا، فالملالي يستعيدون ذاكرة الاستعمار القديم، ويتصرفون على طريقته والعالم يقف موقف المتفرج، ثم يشكو الجميع من اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين.
في مطلع العام الجديد كان لا بدّ للرئيس الروسي فلاديمير بوتين ولرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أن يتهاتفا، لتجديد العهد على استمرار التنسيق الكامل بين دولتيهما بشأن الأزمة السورية. فبعد الحملة العسكرية الروسية التي أنقذت النظام السوري وحمت النفوذ الإيراني في سوريا، وفي سياق تنصيب روسيا نفسها كمرجعية بديلة عن المرجعية الدولية للحل المحتمل، يأتي هذا الاتصال في محاولة لتثبيت هذه المرجعية التي لا يمكن أن تترسخ بمعزل عن التنسيق مع إسرائيل.
التقاطع في المصالح الروسية والإيرانية والإسرائيلية والأميركية على صعيد الأزمة السورية، يكمن في حماية نظام بشار الأسد منذ انطلاقة الثورة السورية، هذا ما تؤكده الوقائع الميدانية والسياسية. فمنذ انكشاف استخدام السلاح الكيمياوي من قبل النظام السوري في العام 2013، واكتفاء الإدارة الأميركية بتسليم النظام السوري للمخزون الكيمياوي العسكري، بدل معاقبته على ارتكابه جريمة استخدامه، بدا واضحا أن مسألة تغيير النظام السوري مسألة ليست واردة في الحسابات الدولية، وهذا ما شجع النظام على الإيغال في ارتكاباته من الإبادة إلى التدمير والتهجير للملايين من السوريين.
ربما لم يخطر في بال الكثيرين من المعارضة السورية أن العالم يمكن أن يتجاوز هذه الارتكابات، وأنه مهما قيل عن دول أصدقاء الشعب السوري ورفضها لبقاء نظام بشار الأسد، اتضح المشهد على حقيقة أن مسألة تغيير النظام السوري أو رأس النظام ليست واردة عمليا، انطلاقا من الحسابات الإسرائيلية والتقاطعات التي تلتقي عند النظام بين طهران وموسكو وواشنطن.
من هنا تكمن خطورة الدخول التركي على معادلة المصالح والتقاطعات المشار إليها. ذلك أن الخطورة التي يتحسسها النظام السوري وطهران من التعاون التركي- الروسي، تكمن في احتمال أن يزعزع الدخول التركي صلابة المعادلة التي تحمي النظام السوري وتحصنه دوليا وإقليميا.
فتركيا التي أعادت ترتيب علاقاتها مع الكيان الإسرائيلي، بالتزامن مع تراجع في العلاقة والثقة مع واشنطن، اتجهت إلى توثيق علاقتها مع روسيا إلى الحدّ الذي يمكن اعتبار تركيا أكثر انسجاما مع الدور الروسي.
من هنا يأتي استهداف إسطنبول بعملية إرهابية في أحد ملاهيها، وأدّى إلى سقوط أكثر من 40 قتيلا والعشرات من الجرحى المدنيين، ليطرح التساؤل حول الأهداف التي تقف وراء هذا الاستهداف، وهو لا يمكن فصله في الحسابات الاستراتيجية عن سياق إضعاف الدور التركي في المعادلة الإقليمية والسورية تحديدا. وهو إضعاف يصبّ دوما في سياق حماية نظام الأسد من أيّ تغيير يوفره الدخول التركي على خط الحل أو التسوية ولو في شروط الأستانة.
إذ لا يمكن لأي مراقب منصف لخارطة عمليات تنظيم داعش الا ملاحظة أن مسار عمليات هذا التنظيم دائما ما كان يصب في مصلحة هذا التقاطع الرهيب في سوريا بين الأسد وطهران وتل أبيب وموسكو وواشنطن.
ولا سيما أن تنظيم داعش وأشباهه في الميدان السوري، لم تتعدّ وظيفته الاستراتيجية خلق مبررات لاستمرار النظام السوري وبقائه. فرغم الرقم القياسي الذي حقّقه نظام الأسد في القتل والتدمير والتشريد، تقوم وظيفة تنظيم داعش على محاولة تغطية جرائم الأسد بعمليات إرهابية تحاول من خلال عمليات حرق الأسرى أو قتلهم بإغراقهم وباستعراض إعلامي مشبوه، لا غاية له سوى محاولة يائسة للقول “نحن أكثر إجراما من الأسد”.
لذا كان هذا التنظيم، منذ نشأته، يسعى إلى تبييض صفحة الأسد الدموية من جهة، وتقويض البديل الموضوعي للنظام الذي يتمثل في الجيش السوري الحر وفصائل المعارضة من جهة ثانية. من هنا لا يمكن النظر إلى نتائج استهداف إسطنبول الأخير إلا في سياق حماية المعادلة التي تحمي الأسد من أي اهتزاز.
لقد شكل عنوان تأمين المصالح الإسرائيلية في سوريا المدخل الذي اعتمدته أطراف حامت عن مصالحها في سوريا. منها إيران على طريقتها وانطلاقا من نفوذها الكامل على الحدود اللبنانية الجنوبية، أو من خلال دعم خيار النظام السوري في حماية الاستقرار على الحدود مع الجولان، إذ يمكن ملاحظة أن كل شروط المحافظة على معادلة الهدوء والاستقرار على الحدود الإسرائيلية، متوفرة بشكل لا يصدق ولا سيما من قبل أطراف تخوض معارك شرسة باسم تحرير القدس. وهو ما يؤكد حقيقة جوهرية في حسابات إسرائيل أن أكثر من يستطيع حفظ الأمن على حدودها الشمالية هو الأكثر ادّعاء بمعاداتها.
هذه لعبة النظام السوري الذي حمى احتلال إسرائيل عمليا للجولان منذ العام 1974 وهي المعادلة نفسها التي اعتمدتها إيران على حدود لبنان الجنوبية منذ العام 2006. فإسرائيل باعتبارها خبرت كل أنواع المواجهات على حدودها مع لبنان منذ تجربة المقاومة الفلسطينية والمقاومة الوطنية اللبنانية، وقبلهما وجود الجيش اللبناني، أظهرت الوقائع أن وجود حزب الله على هذه الحدود هو الأكثر انسجاما مع مشروع الاستقرار على هذه الحدود.
وكلما امتدّ الخراب في سوريا وزاد القتل والتشريد والتهجير من قبل النظام السوري والميليشيات الإيرانية، يقابله المزيد من الهدوء والاستقرار على الحدود السورية مع إسرائيل، والمزيد من الهدوء في لحظة يفترض أن تشكل فرصة لأدعياء تحرير فلسطين أو الجولان لإطلاق أكبر عملية مواجهة مع إسرائيل.
طبعا هذا من المحال لأن المطلوب ليس تحرير الجولان ولا تحرير فلسطين، بل الهدف توفير الحماية للنفوذ الإيراني في سوريا ولبنان وحماية نظام الأسد، وإزاء هذا المطلب يمكن فعل أي شيء باستثناء المسّ بأمن إسرائيل. هذا ما سارت عليه روسيا بتعزيز تعاونها مع إسرائيل، وما التزمت به إيران التي أمعنت في تدمير سوريا لتدافع عن نظام الأسد، وكانت متورطة وشاهدة على أكبر مأساة في هذا القرن، طالت شعبا من شعوب العالم.
فالحقيقة المتحققة حتى اليوم في سوريا أن بلدا عربيا ودولة من دول العالم الإسلامي يمنع عليها أن تحظى بحق اختيار نظامها السياسي، ويفرض عليها أن تخضع لدكتاتورية لا شرعية لها بعدما فقدت القدرة على حكم سوريا إلا بقوة الخارج، وفقدت القدرة على الاستمرارية لتوفير مصالح هذا الخارج إلا بوجود جيوشه وميليشياته.
أزمة سوريا اليوم ومهما قيل عن أخطاء الفصائل المعارضة، تكمن في أننا أمام نظام سوري يتهالك ويتداعى وصار بحكم وظيفته، خلال مواجهة الثورة السورية، عبارة عن مجموعة مافيات مالية وعصابات قتل تفتقد الحدّ الأدنى من شروط القدرة على الاستمرار والبقاء. فالتقاطعات الإيرانية والإسرائيلية والروسية لم تعد كافية لمنع النظام من التداعي والانهيار.
من هنا تبدو روسيا مدركة لهذه الحقيقة، وهي التي تحاول من خلال التنسيق مع تركيا أن تحاول إعادة إنتاج الشرعية لهذا النظام. فالدخول التركي تحت المظلة الروسية في مقاربة الأزمة السورية هو مطلب روسي، فيما تدرك تركيا أن نظام مصالحها السوري رهن الإقرار بحتمية إحداث تغيير في النظام السوري. تغيير إن لم يحصل سيجعل تركيا، من منطلق مصالحها أيضا، عرضة لانتفاء دورها وتراجعه ليس على المستوى السوري فحسب، بل على المستوى الإقليمي والدولي بالضرورة.
هناك حركة دبلوماسية كثيفة وسريعة بشأن الحل في سوريا منذ سقوط حلب، فقد تم التوقيع على عدة اتفاقات، وقسمت العملية السياسية إلى ثلاث مراحل، وحددت تواريخ ومدنا لعقد المفاوضات، 23 هذا الشهر يناير (كانون الثاني) في مدينة آستانة، للتفاوض على تثبيت الهدنة في حلب ووقف إطلاق النار في أنحاء سوريا، و27 الشهر المقبل، فبراير (شباط)، لعقد مفاوضات الحل السلمي في جنيف. وقد اتفق الإيرانيون والأتراك والروس ليكونوا ضامنين لوقف إطلاق النار. الإيرانيون رفضوا إشراك السعودية في مفاوضات الآستانة، وفق ما صرح به وزير الدفاع الإيراني، في حين اعتبر الروس مشاركة السعوديين مفصلية دون أن يوضحوا في أي مرحلة من خريطة الطريق.
ومؤتمر آستانة، العاصمة الكازاخستانية، لا يحظى بإجماع ولا شرعية دولية! تشكك فيه الأطراف الدولية المهتمة بالأزمة السورية، مثل ألمانيا وفرنسا، وكذلك يبدو أن دور الأمم المتحدة فيه محدود. فقد قرر الإيرانيون والأتراك والروس الاجتماع في الآستانة، وجلب المتقاتلين من نظام الأسد والمعارضة السورية المسلحة إلى طاولة الترتيبات الأولية في هذه المدينة المحسوبة على الروس. وبعدها بخمسة أسابيع يقول المنظمون إنهم سيسلمون الملف للأمم المتحدة لإجراء مفاوضات الحل السياسي في جنيف. فهل تكون الآستانة مؤتمرا لفرض توقيع الاستسلام على تركيا والقوى السورية المعارضة، مثل خيمة صفوان، التي وقع فيها صدام حسين وثيقة الهزيمة بعد حرب الكويت؟ أم أن آستانة مؤتمر ترتيبات هدنة ومصالحة أولية تسبق المفاوضات؟ المسألة مريبة حقا.
يزيدها ريبة إغلاق الستائر في الآستانة، وحجب الآخرين من المشاركة، وحتى من الحضور! فتركيا في وضع ضعيف قد لا تستطيع وحدها مواجهة الروس والإيرانيين ونظام الأسد عند فرض ترتيبات الهدنة. ومن العسير على تركيا أن تكون الضامن للفصائل السورية المسلحة، ذات التوجهات المختلفة. وهذا قد يفسر عملية الاستفراد الإيرانية الروسية بأنقرة، التي اشترطت فقط عدم إشراك «حماية الشعب الكردية»، وهي ميليشيا كردية سورية تحظى بدعم غربي. تركيا تعتبرها جماعة تريد بناء منطقة كردية داخل سوريا محاذية لحدود تركيا. كما تم الاتفاق بين الدول الثلاث على استبعاد تنظيمي «داعش» و«جبهة النصرة»، وهناك فصائل أخرى لم تدع ولَم يعلن عن استبعادها، وتم تجاهلها في الوقت الحاضر.
مؤتمر آستانة همه تثبيت وقف إطلاق النار في كل سوريا، الأمر الذي يهم النظام السوري في الوقت الحاضر حتى يتمكن من إعادة الانتشار ومحاولة السيطرة إداريا على البلاد التي أفلتت منه خلال خمس سنوات من الحرب. ووقف إطلاق النار لا يخدم المعارضة في شيء، لأن معظم الممرات أصبحت مغلقة، ويتم استهدافها فرادى من قبل تحالف النظام السوري المدعوم من قوات إيرانية وروسية وميلشيات «حزب الله» والميليشيات الطائفية الشيعية الأخرى التي تحت قيادة الحرس الثوري الإيراني. ويبدو أن الهدف الروسي الإيراني جر القوى السورية المسلحة المعارضة إلى مشروع تفاوضي بطيء في الوقت الذي يتمتعون فيه بحرية الحركة ويمارسون خرق وقف هدنة إطلاق النار في مناطق يختارونها للضغط على الجماعات المسلحة وإجبارها على القبول بشروطهم. كما أن تحالف نظام الأسد يعيد ترتيب موضعه على الأرض، حيث يتم تكليف القوات الروسية بالوجود في المناطق القريبة من تركيا، بما فيها حلب. أما إيران وميليشياتها فتتمركز جنوبا في درعا وبالقرب من الحدود الأردنية، وكذلك في مناطق الحدود مع العراق ومحيط العاصمة السورية، دمشق.
بقي نحو عشرين يوما على مفاوضات آستانة، وهي مهمة لأنها ستوضح لنا أكثر الدور الروسي، إن كان لا يزال متطابقا مع الإيرانيين أم يميل نحو منطقة سياسية متوسطة، لإقرار حل مقبول للجميع. أيضا، سيتبين لنا في المؤتمر موقف تركيا بعد تبدل مواقفها الأخيرة، إن كانت قد قررت التخلص من علاقتها بالثورة السورية والاعتراف بنظام الأسد أو أنها لا تزال تقود العملية السورية إلى جانب أغلبية الشعب السوري.
تحاول "إيناس" ، هذه الأيام ، السير بالشوارع بشكل طبيعي ، دون حاجة لأن تسرّع الخطوات أو تلتفت بكل الاتجاهات بحثاً عن خطة هرب في حال بدأ القصف ، وتفكر ملياً بأن تبحث عن نزهة قد تكون بلا موت ، بعد أن تقرر أخيراً تطبيق "هدنة" تشمل مدينتها التي نالت من الموت ما يشبع الأرض.
لدى ايناس ، وهي ممرضة في أحد المراكز الطبية في الغوطة الشرقية ، تخوف من كلمة "هدنة" فهي تعني أنها مفتاح لمجازر دموية ، طريق مميز لتنفيذ مخططات خبيثة .
و دخلت سوريا في هدنة جديدة منذ ٣٠ كانون الأول الفائت ، بعد أن توصلت تركيا و روسيا لاتفاق يقضي، بالبدء بهدنة مؤقتة يتبعها في حال النجاح الدخول بمفاوضات حددت عاصمة كازخستان “الاستانة” مقراً لها ، وسط ضبابية في الرؤية و الكيفية التي ستظهر فيها هذه المفاوضات ، التي لاتعد جديدة أو نوعية ، اللهم إلا من تحكم دولتين (تركيا و رسيا) وحدهما فيها.
لم تخفي “ايناس” ارتياحها نفسياً مع سماعها كلمة “هدنة” ، رغم يقينها أن الهدنة لن تكون فاعلة، فالهدنة برأيها هي “ضحك” على المدنيين ، وتستهزئ ايناس بالهدنة بطريقة أهل الغوطة المعروقين بكثرة “المزاح” ، وتقول :”صوت القصف ماتغير ...بالعكس أشتد ...الجبهات مولعة نار ورصاص وقذايف.... طيران ما عم يهدي لا نهار ولا ليل ....والهدنة بعدها متربعة عالطاولة المفاوضات معززة مكرمة”.
الغوطة الشرقية لعبت دوراً محورياً في مفاوضات الهدنة التي استمرت لفترة ليست بالقصيرة في “أنقرة” ، إذ أصر الجانب الروسي على استثنائها من الاتفاق كما هو حال وادي بردى ، الأمر الذي رفضه ممثلو الفصائل المشاركين بالمفاوضات ، الأمر الذي أجبر روسيا استحياء ضمن المنطقتين ، و لكن عملية الضم كانت على الورق فقط اذا لازالت الغوطة تتعرض للقصف و محاولات الاقتحام من الأسد و حلفاءه و ذات الشيء و إن كان بسوية أعلى بكثير في وادي بردى.
خروقات الأسد و حلفاءه للهدنة ، سواء بالقصف أو غارات الطيران أم بالهجوم البري ، جعلت روتين حياة ايناس ، المقيمة في مدينة دوما وتعمل في مركزها الطبي كممرضة ، لا يتغير فرعايتها لبيتها و زوجها و كذلك قطتها ، فعجلة الحياة لا تتعطل وفقاً لها.
حصار الغوطة الشرقية الذي بدأ قبل أربع سنوات ، صعّب من حياة المدنيين الذين يقدر عددهم ، في تلك الرقعة الملاصقة لدمشق ، بـ ٤٠٠ ألف مدني ، فزوج ايناس يعمل طوال اليوم متجولاً على دراجته الهوائية، مع انعدام أي آفاق أخرى للعمل في منطقة مساحتها تتآكل بشكل مستمر نتيجة الهجمات التي لم تعرف التوقف عليها طوال السنوات الخمس الماضية.
و تسرد ايناس اللحظات القليلة التي سبقت الهدنة ، والتي شهدت مجزرة أودت بحياة ١٤ شهيد غالبيتهم من النساء و الأطفال ، وتقول ايناس أن أقسى مشهد حينها كان لجثمان طفلة لم تتجاوز الـ ١٢ عاما ، تم احضارها إلى المركز دون رأس ، ولا يكاد صوت أنين المرضى و المصابين يغادر آذانها طوال فترة دوامها الممتد من الثامنة صباحاً و حتى الرابعة عصراً ، وفق لنظام دوام ليس بيومي.
حرب النظام و حلفاءه على الشعب السوري التي تنهي عامها السادس ، لم تعرف التوقف أو الانخفاض بالدموية ، وباتت الحرب هي الكابوس الذي يعيشه السوريين ، وما “الهدنة” و لو “كاذبة” إلا فترة راحة من مواجهة الموت بلا أي درع إلا بقايا لباس .
أثار تحول الموقف التركي إزاء الأزمة السورية الكثير من التساؤلات حول طبيعة ذلك التحول وأبعاده المترقبة على مسار الثورة، في حين ربطت الكثير من المصادر تحولات السياسة الخارجية التركية بالمحاولة الانقلابية الفاشلة في 15 يوليو الماضي. والتي نشطت الدبلوماسية التركية بعدها بصورة ملحوظة، وخاصة فيما يتعلق بمحاولة تفكيك العقدة السورية من خلال التوصل إلى تفاهمات إقليمية ودولية.
لكن الحقيقة هي أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كان قد قام قبل محاولة الانقلاب الفاشلة بنحو شهرين بانعطافة حادة في سياسة بلاده نتج عنها استقالة رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو وتولي بن علي يلدريم في 24 مايو عام 2016، والذي أخذ على عاتقه تبني عملية تحول جذرية في السياسة الخارجية التركية، ومن أبرزها ملامحها:
أولا: إعادة العلاقات مع تل أبيب
بعد شهر من تولي يلدريم رئاسة الحكومة، عادت العلاقات التركية-الإسرائيلية إلى سابق عهدها عقب اعتذار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الشفهي، ومن ثم تنازل أنقرة عن القضية المرفوعة ضد تل أبيب في المحكمة الدولية، ورأت دراسة نشرها موقع "ديفينس ون" العسكري (27 يوليو 2016) أن عودة العلاقات بين البلدينجاءت نتيجة إحباط أنقرة من إصرار إدارة أوباما على دعم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي ووحدات حماية الشعب الكردية المرتبطتان بحزب العمال الكردستاني، مشيرة إلى أن العامل الكردي هو العنصر الأساسي الذي يقود تركيا للتطبيع مع إسرائيل، حيث ترغب أنقرة في تخفيف نزعة تل أبيب لدعم استقلال أكراد العراق، وتفويت فرصة إقامة علاقة بين أكراد سوريا مع إسرائيل، وإقناع إسرائيل بالتوقف عن دعم طموحات أكراد سوريا لتحقيق الاستقلال.
ونظرا للاعتقاد السائد بأن نفوذ تل أبيب قد يغير توجهات واشنطن، فقد حرص أردوغان على الالتقاء بقادة اليهود الأمريكيين مرتين في الربيع الماضي، وأعرب عن أمله في أن يختار اليهود الوقوف في صف الأتراك حينما تشتد المنافسة على الاختيار بين الأكراد وبين أنقرة، كما أن خيبة الأمل التركية والفشل في التقارب مع معظم الدول العربية قد سرع من وتيرة هذا التقارب الذي قام على أنقاض محاولات فاشلة لإنشاء تحالفات عربية -كردية في مرحلة ما بعد الربيع العربي.
ثانيا: الانتقال من حالة العداء إلى إبرام تحالف إستراتيجي مع موسكو
وفي غضون الأشهر الثلاثة عقب تولي يلدريم بذلت تركيا وساطات عديدة لإصلاح العلاقات مع روسيا. وتوجت تلك الجهود بزيارة أردوغان لنظيره بوتين في مدينة سان بطرسبرغ يوم الثلاثاء 9 أغسطس 2016، مصطحبا معه عددا من القادة الأمنيين والعسكريين للتباحث مع نظرائهم الروس حول سبل التعاون الميداني في الملف السوري، وتم الاتفاق على إنشاء غرفة عسكرية مشتركة للتنسيق في الشأن السوري، وأكد تقرير "ديبكا" (12 أغسطس 2016) أن روسيا وأنقرة قد اتفقتا على تفعيل دور المجلس المشترك في منع قوات سوريا الديمقراطية من التقدم نحو الحدود السورية -التركية، وأن يتاح للقوات التركية مجال التوغل في الحدود السورية.
وأشار موقع "ستراتفور" الأمني (12 أغسطس 2016) إلى أن بوتين عرض تبادل المعلومات الاستخباراتية مع أنقرة، وتضمنت المباحثات الأمنية كذلك قيام الفريق التركي بعرض فكرة إدماج فصائل المعارضة شمال البلاد في تشكيل موحد وتدشين عملية سياسية بإشراف روسي -تركي مشترك، وذلك مقابل الحصول على ضمانات روسية تخص الملف الكردي والحدودي، كما تضمنت المباحثات بين الجانبين سبل تعزيز التعاون الاقتصادي واستئناف العلاقات التجارية مقابل "تنسيق أكبر" لإعادة الهدوء وتثبيت آليات وقف إطلاق النار داخل سوريا.
وفي تصديق للتكهنات بوجود تفاهمات بين موسكو وأنقرة حول سوريا، تحدث بوتين عقب سقوط الأحياء الشرقية من مدينة حلب عن اتفاقه مع نظيره رجب طيب أردوغان في شهر أغسطس المفضي إلى استسلام المعارضة المسلحة في شرق حلب، وفتح مسار تفاوضي جديد يوازي مسار جنيف دون انخراط واشنطن والقوى الإقليمية الفاعلة، وأكد بوتين في مؤتمر صحافي مع نظيره الياباني في 16 ديسمبر أن: "كل شيء يجري وفق التوافقات التي أبرمناها، بما في ذلك الاتفاقات مع الرئيس التركي خلال زيارته سان بطرسبورغ "، مضيفا: "اتفقنا أن توفر تركيا كل مساعدة ممكنة بالنسبة لإزالة هؤلاء المسلحين المستعدين للاستسلام في حلب ".
ثالثا: تعزيز العلاقة مع الإدارة الأمريكية الجديدة
عقب توتر شاب العلاقات بين تركيا وإدارة أوباما، فتحت الانتخابات الأمريكية بابا جديدا لإعادة الحرارة بين البلدين من بوابة الحزب الجمهوري، وذلك عقب تغريدة أطلقها دونالد ترامب في 24 أغسطس الماضي أشار فيهما إلى وجود أدلة لديه بتورط 13 ضابط من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) في محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا، مؤكدا أن: "قيادة أوباما الفاشلة" هي السبب في وقوع هذه: "الأخطاء الغبية التي تعرض مصالح أمريكا للخطر".
في هذه الأثناء تحدث مستشارو ترامب عن دور الإدارة الأمريكية في دعم تنظيم فتح الله غولن، وتغلغلهم في دوائر الحزب الديمقراطي ودعمهم لكلنتون في حملتها الانتخابية، فقد أكد الجنرال مايكل فلين الذي كان يترأس جهاز الاستخبارات العسكرية أن إدارة أوباما كانت ترغب في إنجاح المحاولة الانقلابية ضد أردوغان لتعزيز دور غولن وجماعته في أنقرة، ورأى أن كلنتون كانت ترغب في تحقيق دفعة كبيرة على الصعيد الخارجي من خلال استبدال أردوغان بجماعة غولن "الأكثر انفتاحا" كجزء من إستراتيجيتها لدعم حركات التغيير في الشرق الأوسط منذ عام 2011.
وأشار التقرير إلى أن مستشاري ترامب قد تحدثوا عن وجود الآلاف من مؤيدي غولن في صفوف حملة كلنتون الانتخابية، في حين أسهمت الاتهامات التي أطلقها فريق كلنتون لبوتين بدعم ترامب في التقريب بين الزعيمين بالفعل، ويتوقع أن تسهم علاقة التقارب بين بوتين وأردوغان مع ترامب في إنشاء تحالف بين الدول الثلاثة لحسم الملفات العالقة في المنطقة العربية، وعلى رأسها الملفين السوري والعراقي.
واتهم تقرير "ديبكا" (14 نوفمبر 2016) أوباما بمحاولة إفساد التعاون بين فريق ترامب مع موسكو وأنقرة بإرسال شحنة ضخمة من السلاح إلى وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا، لإفساد أية ترتيبات يمكن أن يصيغها فريق ترامب مع أنقرة وأربيل قبل توليه الإدارة مطلع العام القادم.
كما تحدث التقرير عن وجود تفاهمات تركية-روسية بدعم من فريق ترامب لتمكين الأتراك من السيطرة على الرقة بدعم جوي روسي لطرد تنظيم "داعش" منها بحلول منتصف يناير 2017، وذلك في مقابل دعم تركيا لمفاوضات سرية مباشرة بين الروس والفصائل الرئيسية في حلب تمهيدا لاتفاق بين الطرفين، وبذلك يكون ترامب قد دشن عهده بإنجازين مهمين في كل من الرقة وحلب، ولذلك فإن فريقه يعمل بجد في الفترة الحالية على تكثيف التواصل مع أنقرة وموسكو، وكذلك أربيل لتعزيز التعاون بين هذه القوى الإقليمية، وذلك في ظل تعثر حملة أوباما في الموصل وفشلها في تحقيق أي تقدم يذكر.
ويدور الحديث في واشنطن عن قيام الإدارة المنتخبة بإعداد خطة لمعالجة الأزمة السورية بالتعاون مع موسكو، وتتضمن الإبقاء على بشار الأسد مع تخلیھ عن بعض الصلاحیات لحكومة تشارك فيها جهات من المعارضة، وذلك بالتزامن مع إخراج القوات الإیرانیة والميلشيات التابعة لها من سوریا، وعلى رأسها "حزب الله "، وتنفيذ خطة رديفة لاستیعاب المعارضة في صفوف قوات" شبھ نظامیة "تمهيدا لضمها إلى جيش النظام في مرحلة لاحقة.
رابعا: إضعاف دور الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي
جاء التقارب التركي مع موسكو ومع مجموعة ترامب بواشنطن على حساب العلاقات مع الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، ورأت دراسة نشرها معهد "أتلانتيك كاونسل" (12 أغسطس 2016) أن إصلاح العلاقات التركية-الروسية قد جاء بعد إبداء أنقرة استعدادها للنأي بنفسها عن حلف شمال الأطلنطي وحلفائها الغربيين التقليديين، وذلك عقب تدهور العلاقات بين أنقرة والغرب بسبب شكوك حزب العدالة والتنمية وجزء كبير من المجتمع التركي في تعاطف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مع المحاولة الانقلابية الفاشلة وعدم إظهار التضامن الكافي مع تركيا التي تطالب الإدارة الأمريكية بتسليم فتح الله غولن.
وقد أثار التقارب بين موسكو وأنقرة قلقا في غرب أوروبا وإدارة أوباما من أن تركيا قد تبتعد عن حلفائها التقليديين، وستمنح روسيا فرصة إضعاف حلف الناتو، خاصة وأن السياسيين الأتراك يشعرون بأن حلفاءهم الغربيين قد تخلوا عنها بعد محاولة الانقلاب الفاشلة، في حين يثور القلق لدى العسكريين من أن حلف شمال الأطلسي "ناتو" قد أهملهم ومارس عليهم نوعا من الابتزاز خلال السنوات الخمسة الماضية، إذ لم ينشر الحلف سوى عدد قليل جدا من بطاريات "الباتريوت" في تركيا حتى عندما تعرضت الأراضي التركية لتهديدات بالغة عقب إسقاط المقاتلة الروسية.
وتشير تقارير أمنية غربية إلى تنامي قلق دول الاتحاد الأوروبي من مخاطر سماح تركيا بتدفق أفواج اللاجئين باتجاه أوروبا، وهو أمر يرغب بوتين بالاستفادة منه في الضغط على الغرب لرفع العقوبات المفروضة على روسيا وتقديم تنازلات أساسية فيما يتعلق بالملفين : الأوكراني والسوري، وفي هذه الأثناء يثور القلق في أوساط الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي من الاتصالات السرية الدائرة بين فريق ترامب والكرملين، حيث بشر ترامب خلال حملته الانتخابية بتحقيق انفراج في العلاقات بين موسكو وواشنطن، في حين بدا غير مهتم بتعزيز التحالف معهم، حيث طالب الدول الأعضاء بإجراء مراجعة شاملة لقدرات حلف الناتو وحث الدول الغربية على المزيد من الإنفاق العسكري بدلا من الاعتماد على واشنطن، ودعاهم في الوقت نفسه إلى التعاون مع روسيا في "محاربة الإرهاب".
خامسا: كبح النزعات الانفصالية الكردية في الشمال السوري
دفعت السياسة الخارجية التركية خلال الأشهر الثلاثة الماضية نحو كبح النزعات الانفصالية الكردية شمال سوريا، وذلك بالتزامن مع تدشين الجيش التركي عملية عسكرية شمال سوريا، يوم الأربعاء 24 أغسطس 2016، وكان هدف العملية واضحا منذ الأيام الأولى عندما صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن : " العملية العسكرية لا تقتصر على ضرب داعش، وإنما تستهدف القوات الكردية "، مما شكل ضربة قاسية لمشروع" وحدات حماية الشعب "الكردية بتأسيس كيان مستقل، في ظل وجود مؤشرات على أن التحرك التركي جاء ضمن توافقات مع موسكو، حيث جاءت العملية في أعقاب قمة أردوغان -بوتين في بطرسبرغ.
وترمي تركيا من هذه الحملة إلى تأمين حدودها مع سوريا في مسافة يبلغ طولها 100 كم وعمقها نحو 15-17كم، ومنع الانفصاليين الأكراد من الوصل بين الأقاليم الثلاثة: عفرين والقامشلي والحسكة، كما تخطط في الوقت ذاته للتوغل في الأراضي السورية وصولا إلى مدينة الباب التي تحاصرها في الوقت الحالي.
سادسا: فتح قنوات تواصل مع نظام دمشق
جاء حديث رئيس الوزارء بن علي يلدريم عن إمكانية تطبيع العلاقات مع دمشق في شهري يوليو وسبتمبر عام 2016، مؤكدا لتسريبات نشرت بشأن اتصالات سريةجرت بين ضباط أتراك ومسؤولين سوريين، حيث تحدث زعيم حزب الوطن الاشتراكي المعارض، دوغو بيرنيسيك، ونائبه الجنرال إسماعيل حقي بيكين، وهو قائد سابق للاستخبارات العسكرية التركية لمجلة "فورين بوليسي" الأميركية عن تبادل رسائل بين مسؤولين أتراك وسوريين. وكشفا أنهما أجريا لقاءات مع مسؤولين من روسيا والصين وسوريا وإيران، ونقلا رسائل تلقوها خلال تلك اللقاءات إلى مسؤولين في وزارة الخارجية والجيش التركي.
وأكد تقرير مجلة "فورين بوليسي" أن قادة ذلك الحزب لا يزالون يمررون رسائل بين مسؤولي الحكومتين التركية والسورية، خاصة وأن: "أزمة اللاجئين المتصاعدة والحملة العسكرية الروسية في سوريا وسيطرة الميليشيات الكردية على الجزء الشمالي من البلاد، لا تترك لتركيا خيارا سوى التعامل مع نظام الأسد ".
وأضافت المجلة أن "بيكين" قد زار دمشق ثلاث مرات برفقة ضباط أتراك متقاعدين، والتقوابمسؤولين سوريين، بينهم محمد ديب زيتون رئيس فرع المخابرات العامة، وعلي مملوك رئيس مكتب الأمن الوطني، ووزير الخارجية وليد المعلم ونائبه فيصل المقداد، وعبد الله الأحمر، مساعد الأمين العام لحزب البعث السوري، وركزت تلك اللقاءات على كيفية تمهيد الأرضية لاستئناف العلاقات الدبلوماسية والتعاون السياسي بين تركيا وسوريا، ومؤكدا أن لقاءه مع مملوك مكنه من التواصل مباشرة مع رأس السلطة في سوريا، إذ: "كان مملوك يستأذن للانتقال إلى غرفة مجاورة من أجل التحدث إلى الأسد مباشرة ".
وأوضح أنه نقل إلى مسؤولين كبار في الجيش التركي ووزارة الخارجية خلاصة محادثاته بعد كل زيارة قام بها، وأنه لمس، خلال الأشهر الأخيرة، تحولا تدريجيا في مواقف المسؤولين الأتراك.
وكان موقع "ديبكا" (يوليو 2016) قد أكد قيام مجموعة من عناصر الاستخبارات التركية بزيارة سرية إلى دمشق، في شهر يوليو الماضي للتباحث مع رئيس الأمن الوطني اللواء علي مملوك حول قضايا تتعلق بتأمين الحدود بين البلدين، كما عقدت اجتماعات سرية أخرى في إقليم " هاتاي "، وأشار التقرير إلى أن الاتصالات التركية مع النظام تجري ضمن عملية التقارب مع روسيا وتهدف إلى تحييد عوامل التوتر بين موسكو وأنقرة.
سابعا: تغلب النزعة اليمينية الدافعة باتجاه مشروع "أوراسيا"
عقب تطهير أجهزة الدولة من جماعة غولن، ارتفعت أسهم مجموعة من القوميين الذين تم تعيينهم في مناصب دبلوماسية رفيعة وفي حلف شمال الأطلسي "ناتو"، وكشفت صحيفة "تايمز" البريطانية أن عملية التطهير تلك لم تقتصر على مناصب رفيعة بحلف الناتو، بل طالت أكثر من مائة ملحق عسكري في السفارات التركية في العالم، وعزت الصحيفة تلك التوجهات إلى التوافق الذي حققه أرودغان مع بوتين في الأشهر الماضية، مؤكدة أن فوز ترامب، وما أعقبه من اتصالات مع مستشاره للأمن القومي، الجنرال المتقاعد مايكل فلين، قد عزز اتجاه أنقرة للابتعاد عن الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو مقابل التوصل إلى تفاهمات تركية-أمريكية-روسية حول الملفات الإقليمية العالقة، وخاصة فميا يتعلق بالعراق وسوريا والأكراد.
وتحدث الباحث التركي مصطفى أكيول في مقال نشره بموقع "ألمونيتور" (15 ديسمبر 2016) عن وجود "مجموعة من الأشخاص المقربين من أردوغان" لديهم "خطة مفصلة" لإعادة رسم مستقبل تركيا على أساس الانفصال الكامل عن المؤسسات الأوروبية، وأطلق على هذه المجموعة اسم: "الأوراسيويين" والتي تتكون من قوميين علمانيين تجمعهم روابط بالصقور في المؤسسة العسكرية، والذين يعارضون عملية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وتتطلع بدلا من ذلك إلى التقارب مع روسيا والصين والتقدم باتجاه الانضمام إلى "ميثاق شنغهاي"، مشيرا إلى أن هذه المجموعة ترفع إحاطات إلى وزارة الخارجية التركية حول مسائل متنوعة، وتمارس دورا أساسيا في تطهير مؤسسات الدولة من جماعة غولن، وتحض على ترك الغرب والبحث عن مستقبل تركيا في "أوراسيا"، لا سيما من خلال العلاقات مع روسيا والصين، وكان لهذه المجموعة تأثير واسع في رأب العلاقات التركية -الروسية إبان الأزمة التي تسبب بها قيام تركيا بإسقاط طائرة حربية روسية العام الماضي، وحتى في إطلاق حوار غير مباشر مع نظام بشار الأسد.
وعزا أكيول تلك التوجهات في "حزب العدالة والتنمية" إلى مكونين أساسيين هما: رجال الأعمال الذين يملكون استثمارات كبيرة في روسيا، وزمرة أكثر أيديولوجية مؤلفة من بعض مستشاري الرئيس أردوغان، وبعض الشخصيات الأساسية في البيروقراطية، والذين يعتقدون فعلا أن هناك مؤامرة غربية كبرى ضد تركيا، وأنه على أنقرة أن تتحالف مع بوتين في مواجهة الغرب، لكنها تعتقد بوجود "جانب مشرق" في الغرب يتمثل بدونالد ترامب الذين يتوقعون منه ترحيل غولن ووقف الدعم الأمريكي للمقاتلين الأكراد في سوريا.
ثامنا: التعاون مع ترامب وبوتين لإضعاف النفوذ الإيراني
تترقب أنقرة باهتمام بالغ توجهات ترامب ومجموعته نحو التصعيد مع طهران، والضغط عليها لوقف برامجها الصاروخية وسياساتها المتطرفة في المنطقة، وقد تم إعداد قائمة بالعقوبات الاقتصادية والدولية التي يمكن فرضها لدى تولي الإدارة الجديدة مقاليد الحكم في 20 يناير المقبل.
ويرى مسؤولون بوزارة الخارجية التركية في الإدارة الأمريكية المنتخبة فرصة سانحة لإضعاف النفوذ الإيراني المتنامي في المنطقة، حيث عزز ترامب فريقه بشخصيات أمنية وعسكرية ترى ضرورة مراجعة الاتفاقية النووية التي أبرمتها إدارة أوباما معها عام 2015، وممارسة المزيد من الضغوط عليها لاستعادة التوازن في المنطقة، وذلك من خلال إنشاء علاقة تعاون مع موسكو وأنقرة للسيطرة على تصرفات إيران، حيث يعمل نائب الرئيس المنتخب مايك بنس، والمرشحين لوزارة الخارجية تيليرسون والدفاع جيمس ماتيس، والمرشح لمنصب نائب وزير الدفاع مكفرلاند، للتوصل إلى اتفاق مع موسكو وأنقرة على إخراج القوات الإيرانية والميلشيات الأجنبية التابعة لها من العراق وسوريا.
ويتحدث دبلوماسيون في أنقرة عن خلاف حقيقي بين موسكو وطهران أثناء مفاوضات إخراج المدنيين من مدينة حلب، حيث دأبت الميلشيات الإيرانية على إفساد جميع الترتيبات التي أبرمها الروس مع أنقرة، وعمدت قواتها إلى ارتكاب انتهاكات بحق المدنيين، مما دفع روسيا للتهديد بقصف أي طرف يخرق الاتفاق.
ولا يقتصر الخلاف بين البلدين على حيثيات الاتفاق، بل يتعدى ذلك ليشمل الجوانب العسكرية، ففي مقابل مخططات قاسم سليماني لإنشاء قوة "شيعية" في سوريا والعراق، تعمل موسكو على مشروع منافس يطلق عليه اسم: "الفيلق الخامس-اقتحام" الذي أعلن عن تأسيسه في سوريا في الأعضاء 22 نوفمبر الماضي، والذي يشرف على تشكيله العماد فلاديمير بابوف، نائب رئيس هيئة الأركان الروسية بصورة شخصية، وتهدف روسيا من خلال هذا التشكيل الجديد إلى تجنيد نحو مائة ألف من العلويين بهدف تمكين النظام من الاحتفاظ بالمناطق التي سيطر الروس عليها مؤخرا.
وفي تأكيد لتلك الخلافات، نشر موقع "يوارسيا ريفيو" دراسة (13 أكتوبر 2016) تناولت أبعاد الصراع الروسي-الإيراني في سوريا، مؤكدة أن التنافس الإيراني-الروسي الكبير على الطائفة العلوية يمثل حلقة أساسية منه، إذ إن أية تسوية سياسية مرتقبة ستقتضي وجود تقاسم طائفي للسلطة، ولا شك في أن العلويين سيشغلون مراكز سياسية ومؤسساتية هامة، مما يدفع بروسيا وإيران للتنافس على كسب الطائفة العلوية لضمان المصالح الروسية أو الإيرانية في سوريا وبقاء نفوذهم فيها.
ولاحظت الدراسة أن التنافس الإيراني-الروسي على الطائفة العلوية يشتد حينما يخبو القتال، أو عندما يتم بذل جهد حقيقي نحو المفاوضات السياسية، ولذلك فإن إيران تسعى لإفساد أية هدنة لتمنع موسكو من التوصل إلى حل لا يخدم مصالحها، وتمنع أية محاولة لدمج قوات الدفاع الوطني بجيش النظام السوري، وهذا ما وقع بالفعل لدى موافقة موسكو على الالتزام بهدنة في سوريا، بينما استمرت المليشيات الإيرانية وجيش النظام في شن المعارك دون غطاء جوي روسي.
وكشف تقرير نشرته صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية أن ما وراء إرسال موسكو لحوالي 4500 من رجالها إلى سوريا، يتجاوز خوض الحرب ضد الثورة إلى زرع أتباعها في الجيش وأجهزة المخابرات السورية، وحتى التضييق على الإيرانيين وحلفاء آخرين لبشار الأسد. ويرى كاتب التقرير أن النظام في دمشق ليس لديه خيار سوى القبول بالأمر الواقع، ونقلت الصحيفة عن خبير أجنبي في دمشق، قوله: "الروس عينوا أتباعهم في القنوات الرئيسة لاتخاذ القرار".
في هذه الأثناء يتصاعد التوتر بين أنقرة وطهران حول العديد من القضايا، أبرزها: دور ميلشيات الحشد الشعبي في الموصل، ومحاولات إيران إفساد الاتفاق التركي-الروسي في حلب، ودعم طهران لحزب العمال الكردستاني، وذلك إثر سعي أردوغان لتعزيز موقف التركمان في كركوك وتلعفر في مواجهة المد الإيراني، حيث تدعم إيران نحو مائة ألف مقاتل من الحشد الشعبي في العراق، وتحشد نحو سبعين ألف مقاتل أجنبي في سوريا في أكبر خطة انتشار تشهدها المنطقة تحت قيادة قاسم سليماني.
وتأمل أنقرة أن تسهم عملية "درع الفرات" في استعادة بعض التوازن الإستراتيجي من خلال جمع فصائل المعارضة السورية، وبعض القبائل التركمانية تحت قيادة القوات التركية بهدف حماية الحدود التركية من خطر توسع الميلشيات التابعة لإيران في تلك المناطق.
وقد اضطر أردوغان إلى تعجيل إبرام الاتفاق مع موسكو وطهران عقب تلقي أنباء استخباراتية مؤكدة تفيد إرسال إيران قوات من الحرس الثوري و "حزب الله" لمناوشة الأتراك وعرقلة عملياتهم الجارية ضد تنظيم "داعش" في بلدة الباب، وكان موقع "ألمونيتور" (10 نوفمبر 2016 ) قد تحدث عن توتر إيراني-روسي في ظل تقارب موسكو مع أنقرة، مما يؤكد مخاوف لدى الإيرانيين من أن موسكو تعمل على تحقيق مصالحها في سوريا وليست معنية بإقامة تحالف إستراتيجي معهم.
تاسعا: تعزيزدور الاستخبارات التركية في الشمال السوري
كشف موقع "إنتلجنس أون لاين" الأمني (14 سبتمبر 2016) عن خطة شاملة تنفذها أنقرة لتعزيز قدرات المؤسسة الأمنية التركية بإشراف وزير الداخلية الجديد سليمان سيولو الذي عمل كمسؤول في جهاز الأمن الوطني التركي لفترة طويلة، ورئيس جهاز الشرطة الجديد سلامي ألتينوك، وتتضمن دمج قطعات من مختلف الوكالات الاستخباراتية ووضعها تحت إشراف وزارة الداخلية، وإنشاء جهاز مركزي للتنسيق بين مختلف الأجهزة الأمنية.
وبموجب هذه الخطة سيتركز عمل جهاز الأمن الوطني (MIT) على الأنشطة الخارجية، حيث تم تكليف رئيس الجهاز الحالي حقان فيدان بمهمة مكافحة التجسس، والإيعاز له بتعزيز قدرات الجهاز خارج البلاد، ونشر موقع "ألمونيتور" دراسة (6 نوفمبر 2016) أكد فيها الباحث بينار تريمبلاي أنمؤسسة الاستخبارات الوطنية (MIT) التي كانت تضم أربعة مكاتب يدير كل واحد منها وكيلا عن قائد المؤسسة، سيتم توسيعها لتشمل ستة مكاتب، حيث سيتم استحداث منصب: "وكيل العمليات الخاصة" مما ينبئ بأن تركيا تستعد للقيام بعمليات خاصة في دول مجاورة، وخاصة في سوريا والعراق، حيث يتوقع أن يتولى هذا المكتب مهمة التنسيق مع القوات العسكرية التركية، وسيتعاظم دوره في الأشهر القادمة مما يجعل من جهاز الأمن التركي اللاعب الأهم في الشأنين السوري والعراقي.
وعلى الرغم مما تعرض له حقان فيدان من انتقادات إثر المحاولة الانقلابية الفاشلة، إلا أن الخطة التي أقرها أردوغان مطلع نوفمبر الماضي تشير إلى أن فيدان قد نجح في إصلاح علاقاته مع الرئيس التركي وحافظ على موثوقيته داخل نظام الحكم، ويبدو أن جهاز الأمن التركي سيصبح لاعبا أساسيا في الشؤون الإقليمية، ومن المتوقع أن يزيد انخراطه في الملفالسوري، وأن يتعزز دوره في التنسيق الداخلي بين مختلف الوزارات والمؤسسات التركية، وذلك ضمن منظومة جديدة يسعى أردوغان لتحقيقها ضمن ترتيبات تحويل نظام الحكم في تركيا ليصبح رئاسيا، وعندها سيصبح الجهاز خاضعا بشكل مباشر لسلطات الرئيس.
محركات السياسة الخارجية التركية في طورها الجديد:
تعتمد السياسة الخارجية التركية نهجا واقعيا يعمد إلى الاستفادة من المستجدات الإقليمية لتحقيق المصالح العليا للدولة، وتتغير مواقفها وفق المتغيرات الدولية لتحقيق توازنات مرحلية قد تختلف مع المبادئ التي تعلن عنها السلطة السياسية، ولذلك فإن العديد من القوى الإقليمية قد فشلت في استقطاب أنقرة لمنظومات أمنية أو تحالفات عسكرية صلبة، لكن ذلك الفشل لم يرتق في أية مرحلة إلى صراع عسكري مفتوح.
ويمكن ملاحظة الدهاء الدبلوماسي لأنقرة من خلال العلاقات التي احتفظ بها أردوغان مع الحكم في إيران على الرغم من التباين الواضح في السياسات إزاء الأزمة السورية، فعلى الرغم من الدعم العسكري الذي قدمته تركيا للثوار وإيوائها للجسد السياسي والعسكري للمعارضة السورية إلا أن علاقاتها الاقتصادية والدبلوماسية مع إيران لم تتأثر بذلك التباين في مواقف الدولتين.
وعلى الرغم من تدهور العلاقات مع موسكو وتل أبيب إلا أن الخلاف بقي منضبطا في إطار التصريحات الرسمية والحملات الإعلامية دون أن يرتقي إلى مستوى المواجهة.
وفي ظل التحولات الإقليمية والدولية، يمكن الحديث عن أربعة محركات رئيسة للسياسة الخارجية التركية منذ استقالة أحمد داود أوغلو وتولي بن علي يلدريم في شهر مايو عام 2016، وذلك على النحو التالي:
المحركات السياسية:
بعد رفع شعار "صفر مشاكل" مع دول الجوار، وجدت أنقرة نفسها في موقف صعب على الصعيدين: الإقليمي والدولي، حيث توترت العلاقة مع إدارة أوباما والاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، في حين اشتعلت المناطق الجنوبية الشرقية من البلاد عام 2015 عقب هدنة دامت عامين بين الجيش التركي والانفصاليين الأكراد، ووقفت تركيا على شفير حرب مع موسكو عقب إسقاط المقاتلة الروسية في نوفمبر من ذلك العام، كما ساهم توتر العلاقات مع تل أبيب والقاهرة وبغداد وطهران في إضعاف موقف تركيا الإقليمي، ممادفع بأنقرة لتبني سياسة مصالحات لفتح صفحة جديدةفي علاقاتها الدولية لفك عزلتها الإقليمية والدولية.
المحركات الاقتصادية:
تم تتويج المصالحة التركية-الروسية بزيارة أردوغان لروسيا في شهر أغسطس، ومن ثم زيارة بوتين لتركيا في 10 أكتوبر، وإبرام اتفاقية تاريخية لبناء خط الأنابيب "تورك ستريم" لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا عبر البحر الأسود، وإعادة فتح الأسواق الروسية أمام البضاعة التركية، والتعهد باستئناف مشروع "أكويو" (Akkuyu)، والذي تقوم به الشركة المملوكة للحكومة الروسية "روساتوم" (روساتوم) لبناء أول محطة طاقة نووية تركية، وتزامن ذلك مع رغبة موسكو في تحسين علاقتها مع أنقرة لإدراكها أن إبعاد تركيا بصورة أكثر في هذه المرحلة سيدفعها بصورة أكبر نحو الاقتراب من "الناتو"، خاصة وأن العقوبات الروسية السابقة ضد أنقرة قد أثرت سلبا على الاقتصاد الروسي، فالكثير من التجار الروس يرغبون بالسلع التركية الرخيصة، ويعانون من العقوبات الأوروبية والأمريكية ومن انهيار أسعار النفط، ويحتاجون في النهاية إلى الحصول على الصفقات المتاحة في الأسواق التركية.
المحركات العسكرية:
بالإضافة إلى اتفاقيات بناء محطة "أق قويو" لتوليد الطاقة النووية، وخط الغاز الإستراتيجي "ترك ستريم"، شكل التقارب الروسي-التركي فرصة لأنقرة لتطوير قدراتها العسكرية، فقد كان عرض بناء منظومة للدرع الصاروخي للجيش التركي الموضوع الأبرز في لقاء الزعيمين بأنقرة في شهر أكتوبر الماضي، لما يحمله من أبعاد إستراتيجية تتعلق بعلاقة تركيا مع حلف شمال الأطلسي "الناتو"، الذي يعارض بشدة استخدام تركيا لأي منظومة درع صاروخي غير منظومة "باتريوت" التابعة للحلف الذي عمل في مراحل سابقة على إفشال أي مساع تركية لشراء منظومة أخرى، حيث يفتقر الجيش التركي إلى منظومة متطورة للدرع الصاروخي، وخلال المؤتمر الصحافي الذي أعقب اللقاء، أبدى بوتين استعداد بلاده للتعاون المشترك مع تركيا في مجال النظام الدفاعي، معربا عن أمله في تحويل المباحثات في هذا الصدد إلى تعاون مادي ومحسوس بين البلدين، وقد تم عقد اجتماع على مستوى رؤساء الأركان والاستخبارات من البلدين لمناقشة التفاصيل.
وعلى إثر ذلك التصريح، تحدث تقرير "جينز" العسكري (17 نوفمبر 2016) عن توجه وكالة التنسيق العسكري الروسية لتعزيز التعاون مع الجيش التركي في مجال الدفاع الجوي، وأنها قدمت عرضا لأنقرة يتضمن بيعها منظومة صواريخ (T-LORAMIDS) بصفقة تتراوح قيمتها ما بين 3.5 و 4 مليار دولار.
المحركات الأمنية:
تضمنت التفاهمات الروسية-التركية موافقة بوتين على إنشاء منطقة نفوذ تركي شمال سوريا، لتأمين حدود تركيا من تنظيم "داعش" ومن الجماعات الانفصالية الكردية، حيث ينوي أردوغان إنشاء مدن بكاملها عندما تفرغ قواته من مهمة تطهير المنطقة التي يتوقع أن تبلغ مساحتها خمسة آلاف كيلو متر مربع شمال سوريا، وتدور مباحثات مع شركة "توكي" الضخمة المسؤولة عن بناء عشرة في المائة من الوحدات السكنية التركية كل عام، لإنشاء مدارس وشققومنشآت اجتماعية، وربما تكون هذه الوسيلة الوحيدة لحمل بعض من ثلاثة ملايين سوري يقيمون في تركيا على العودة إلى بلادهم وبدء عملية إعادة بنائها.
في هذه الأثناء تحقق عملية "درع الفرات" تقدما ملحوظا إثر سيطرتها على مدينة "دابق"، وتأمين منطقة شرقي "مارع"، والتقدم على مسافة أقل من 13 كم من جنوب "اخترين"، وحصارها لمدينة "الباب"، حيث يتوقع أن تبسط سيطرتها بعد ذلك على "منبج"، ويبدو أنه بات في حكم المحتم تحقق الحلم التركي الذي طال انتظاره بإنشاء منطقة نفوذ تركية في الشمال السوري تمتد مسافة 55 ميلا من جرابلس، لتأمين حدودها من هجمات الانفصاليين الأكراد وتنظيم "داعش"، ويأمل الأتراك بإقناع واشنطن أن تمثل الفصائل السورية الموالية لها رأس الحربة في عمليات استعادة مدينة الرقة من تنظيم "داعش"، بدلامن الاعتماد على "قوات سوريا الديمقراطية".
تأثير التحولات التركية على الثورة السورية: المخاطر والفرص الكامنة
على الرغم من عمق تحولات الموقف التركي، إلا أن اعتبارها مفاجئة هو أمر مناف للحقيقة، فالسياسة الخارجية التركية تقوم على أسس براغماتية تتكيف مع المشهد الدولي الذي يمر بمرحلة تحول كبير، حيث تتجه بوصلة السلطة في الدول الغربية باتجاه اليمين، ويتحدث ترامب علنا عن دعمهلرئيس الحزب القومي البريطاني فاراج والمرشح اليميني للرئاسة الفرنسية فيون، ويعرب عن رغبته في إنشاء تحالف مع بوتين وأردوغان باعتبارهما زعميان قويان يمكن الاعتماد عليهما لاستعادة التوازن في المناطق المشتعلة بالشرق الأوسط، وذلك في ظل تضعضع الاتحاد الأوروبي، والصعوبات التي يمر بها حلف شمال الأطلسي، وحالة الشلل التي أصابت مجلس الأمن إزاء تكرر استخدام حق النقص من قبل روسيا والصين.
وفي ظل غياب الموقف الخليجي الواضح إزاء التطورات الأخيرة، والعدائية التي يبديها الحكم في مصر إزاء تركيا، تشعر أنقرة أنها مضطرة لإبرام تفاهمات مع موسكو وواشنطن وتل وأبيب وطهران في ظل غياب عربي مثير للقلق.
أما على الصعيد المحلي، فإن المشكلة الرئيسة تكمن في عجز قوى المعارضة عن استيعاب تلك التحولات فضلا عن الاستجابة لها، وخاصة بالنسبة للفصائل التي لم تتمكن من تطوير أدواتها، بل أخذت في التراجع أمام الضغوط الإقليمية والدولية، ويمكن الحديث عن أهم المؤثرات فيما يلي:
1-مشاريع إعادة التشكيل العسكري للمعارضة:
في مقابل النزعات الاستئصالية وصراعات المحاصصة العبثية التي لا تزال المعارضة السياسية تخوض غمارها، تقبع فصائل الثورة أسيرة التشكيلات السلبية التي لم تنجح في الفكاك منها، حيث تعصف بكياناتها مظاهر الخلافات المرجعية التي يذكي أوارها تباين فتاوى "الشرعيين"، وتشتت شملها الصراعات البينية التي بلغت حد الاقتتال، وتفتقد مجموعاتها ميزة الانضباط الذي تتمتع به التشكيلات العسكرية وشبه العسكرية المعادية لها، وتثير تيارات الأفغنة والأدلجة والغلو الفوضى في صفوف قياداتها، وتمنع صراعات الاستئثار بالموارد فرص تطوير كياناتها نحو الاحترافأوتوحيد الجهود لمواجهة النظام وحلفائه، في حين تنشغل مكاتبها السياسية بصياغة بيانات الاندماج ومبررات الانفصال التي سئم منها السوريون.
ومثل سقوط الأحياء الشرقية لمدينة حلب مجهرا لكشف تلك المظاهر السلبية أمام الإعلام العالمي، حيث انشغلت بعض الفصائل عن "حماية المدنيين" بمهاجمة فصائل أخرى تحت وقع القصف الروسي على رؤوسهم مجتمعين، وصمت بعض القيادات آذانها عن أي نصح مخلص مؤثرة خوض معارك الفتاوى والبيانات من سراديب المدينة المدمرة.
وأسهم اختراق الاستخبارات المعادية لها في كسر شوكة فصائل حلب واضطرار بعضها لإلقاء السلاح دون قتال، ومن ثم الخروج من المدينة المنكوبة للعمل على مشروع اندماج مع خلايا تنظيم القاعدة وكأنها تعيش في كوكب آخر لا علاقة له بالتحولات الإقليمية والدولية.
ومثلت المفاوضات مع الضباط الروس اختبارا لم تبد فيه الفصائل أي مراس دبلوماسي، حيث دأبت على الاستجابة لضغوط "الأصدقاء"، ولم تحاول جمع أية أوراق تفاوضية لتعزيز موقفها التفاوضي، واضطرت لتوقيع وثيقة هدنة تختلف عن الصيغة التي وقعها النظام، وكشفت الكواليس عن خلافات مستشرية بين بعض الفصائل أثناء المفاوضات التي خاضتها في معزل عن شركائها السياسيين، واستمر بعضها في إصدار بيانات متناقضة وتصريحات متضاربة تعكس الخلافات بين السياسيين والشرعيين والعسكريين في مكوناتها دون إدراك لعمق الأزمة أو تحولات المرحلة.
وانعكست هذه المظاهر المخزية على تقارير أمنية أبرزها تقرير موقع "إنتلجنس أون لاين" (7 ديسمبر 2016) الذي تحدث عن بذل جهات خارجية جهودا مضنية للتأليف بين الفصائل، ورأب الصدع بين الفرقاء بالتزامن مع التصعيد الروسي-الإيراني-الأسدي في حلب، لكن جهودهم باءت بالفشل نتيجة الصراعات الداخلية التي دفعت بالمسؤولينلكتابة تقرير متشائم عن مستقبل الفصائل في ظل الظروف الحالية.
وأبدت هذه الجهات قلقها من حجم الاختراق المتمثل بوجودعملاء وجواسيس النظام وحلفائه في كافة البنى العسكرية والأمنية والاقتصادية والإعلامية للفصائل التي تم اختراقها على مستويات قيادية مؤثرة، والتي كانت تزود غرف المعلومات التابعة للنظام وحلفائه بمعلومات وصور وإحداثيات مهمة، بل إنها في بعض الحالات كانت على اطلاع تفصيلي بما يجري من نقاشات داخل بعض غرف عمليات الفصائل، ما أسهم في إضعاف الثقة بين الفصائل وتبادل التهم بينها.
وفي مقابل مشاريع الاندماج المثيرة للجدل، يتردد الحديث عن مبادرة ترعاها الاستخبارات التركية لإنشاء قوة عسكرية من فصائل المعارضة بحيث تتولى مهام حماية البنى التحتية وتوفير الخدمات الأمنية ويمكن أن تشكل القوة الضاربة للمعركة المرتقبة ضد تنظيم "داعش" في الرقة.
2-إضعاف سيطرة بشار الأسد:
في ظل المداولات الإقليمية والمفاضات الجارية بدا بشار الأسد فاقدا للمبادرة تماما، حيث كانت تصريحاته تسير بصورة مغايرة لتوجهات حلفائه، وأظهرت المقاطع المصورة هيمنة الإيرانيين واللبنانيين على الأرض بينما كان بشار يتحدث من فقاعته اليوطوبية بأحد سراديب القصر الجمهوري عن فلسفة التاريخ.
وبخلاف سيناريوهات التصعيد التي تحدث عنها بشار، فإن روسيا بادرت إلى تعزيز مكتسباتها من خلال الاتفاق مع طهران وأنقرة على وقف للقتال، مدركة أن النظام لا يستطيع تعويض نقصه العددي إلا من خلال الاعتماد على الميليشيات الأجنبية، مما دفع موسكو لإرسال كتيبتي مهمات شيشانية خاصة لحماية مقراتها الإستراتيجية عقب الفشل الذريع لقوات النظام في تدمر.
وبدا من الواضح أن بشار الأسد بات أكثر ارتهانا بحلفائه الأجانب، وأشد اضطرارا إلى القبول بفقدان مساحات من سوريا ووجود جيوب لمعارضة لن يتمكن من سحقها، فالانتصارات التي تحققت في ساحة المعركةلم تؤمن حكم الأسد، وإنما عزززت النفوذ الروسي والإيراني على حساب جيشه المنهك.
وعلى الرغم من الانتصار المكلف في حلب، إلا أن المعركة قد عززت البعد الطائفي للصراع، وأسهمت في تهجير المزيد من السوريين، وفاقمت الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها نظام دمشق في ظل العقوبات الغربية المفروضة عليه منذ عام 2011، في حين تقتصر سلطة بشار في دمشق على إدارة هيكل دولة فاشلة لا مستقبل لها مما يمثل خطرا على الأمن الإقليمي والأمن الدولي.
وأثارت المفاوضات الروسيةالمباشرة مع الفصائل حفيظة نظامي دمشق وطهران، خاصة وأن موسكو رفضت تمثيل النظام بأية صورة في المفاوضات التي أجراها الضباط الروس مع فصائل المعارضة في تركيا، كما أنها اعترفت رسميا بالوجود العسكري التركي وبدور فصائل المعارضة في محاربة تنظيم "داعش" ببلدة الباب، مما يؤكد أن النظام قد فقد أية قدرة على التأثير في سياسات موسكو، وأنه بات يخضع بالكامل لإملاءات الضباط الروس الذين أصبحوا يتحكمون بسير المعارك ويتفاوضون مع الأتراك والإيرانيين على مستقبل سوريا دون مشاركة الأسد.
ومثل فرار قوات النظام أمام مقاتلي داعش في 11 ديسمبر خطرا كبيرا على القواعد الجوية وأنظمة الدفاع الجوي S300 و S400 في تدمر، حيث ألقى الضباط الروس اللوم على قوات النظام التي فرت من الموقع تاركة للتنظيم حرية الحركة في المدينة وضواحيها، بعد أن أخلت فرع الأمن العسكري والقاعدة العسكرية المجاورة له دون مقاومة.
ولا يخفي المسؤولون السوريون خلافاتهم مع الروس، حيث نقل تقرير غربي عن أحد المقربين من الأسد، قوله: "نريد أن نسترجع كل سوريا، وأما الروس، يريدون سوريا المفيدة، وهذا هو الاختلاف الرئيس، فبالنسبة لموسكو، فإن الهدف هو استعادة المدن الكبيرة والضواحي المحيطة بها وشبكة خطوط أنابيب النفط والغاز في البلاد "، لكنه اعترف أنه:" ليس لدينا بديل... نحن لسنا سادة الموقف على طاولة المفاوضات حول عملية الانتقال السياسي ".
3-إضعاف النفوذ الإيراني لصالح المصريين:
يشعر الإيرانيون بالقلق من توجه روسيا لإضعاف نفوذهم في سوريا، ولا يخفي عناصر "حزب الله" امتعاضهم من تدخل الاستخبارات الروسية لمنعهم من بناء منشآت عسكرية سرية كانوا قد بدأوا في تشييدها بالقرب من مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل، وذلك حرصا على علاقات جيدة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، كما يتردد الحديث عن وقوع اشتباكات بين الروس والإيرانيين نتيجة خلاف حول الحرس الشخصي للأسد، الذي يضم سوريين وإيرانيين من وحدة المهدي.
وبينما تمنع موسكو إيران وحلفاءها من تشييد المزيد من القواعد، تقوم في الوقت نفسه بتعزيز قدراتها في مناطق مختلفة من البلاد، حيث تقوم فرقة هندسة من القوات الجوية الروسية ببناء قاعدة جوية أخرى في "أخترين" شمال شرقي حلب، وتعمل على إنشاء مدرجات جديدة لمقاتلات القوات الجوية والقاذفات وبناء مرابض لبطاريات الصواريخ المتقدمة المضادة للطائرات.
وفي مقابل التعليمات المشددة لأجهزة الأمن السورية بإضعاف العنصر الثقافي الإيراني في البلاد، يكثف ضباط النظام المقربون من روسيا اتصالاتهم مع القاهرة التي تتبنى برنامج تعاون عسكري -أمني مع دمشق، حيث تم توزيع ضباطمصريين على أكثر من مركز تنسيق، بدأت في رئاسة الأركان السورية في دمشق وفي قاعدة حماه الجوية، وتوسعت مؤخرا لتشمل قاعدة حميميم الجوية ومطار "تي فور" في ريف حمص الشرقي، فضلا عن انتشار مجموعة من المستشارين في عدد من غرف العمليات العسكرية السورية، من درعا إلى حماه إلى جورين في منطقة سهل الغاب، ويتوقع أن يتم تعزيزها بإرسال قطعات بحرية مصرية وكتيبة هندسية من الجيش المصري، مهمتها نزع الألغام والعبوات الناسفة لتبدأ أولى مهماتها في أحياء مدينة حلب الشرقية بالتعاون مع القوات السورية والروسية.
وأكد تقرير أمني (7 ديسمبر 2016) أن مصر تمثل أحد أهم عناصر تغير معادلة الصراع ف
لا احتفالات في رأس السنة للسوريين، ثمة احتفالات من نوع آخر تقتحم حياتهم، الاحتفال بالراية السوداء.
في ليلة رأس السنة، أتحف ما يسمى “أهل العالم في الشام” السوريين ببيان يبشرهم بسرقة آخر ما تبقى من ثورتهم، وبتحويل الثورة إلى ميليشيا أمراء، تُكفّر وتُتاجر بالإسلام والوطن والطوائف، حين أعلنوا توقيع ما يُسمى اتفاقية الاندماج في الشمال السوري.
“أحرار الشام، فتح الشام، نور الدين زنكي، أجناد الشام، لواء الحق، أنصار الدين، الحزب الإسلامي التركستاني”، ولاحقًا “أجناد القوقاز”، هم الموقعون على الاتفاقية التي سترفع العلم الأسود شعارًا لهم، وسترمي العلم الأخضر “المعادي للأسد” بالرصاصة غير الرحيمة.
وبين الاندماج والانشقاقات، رفضت “أحرار الشام” الاندماج، واشتعلت معارك افتراضية على الـ (تويتر) بين لبيب نحاس (رئيس العلاقات الدولية في حركة أحرار الشام)، وآراء قريبة من “فتح الشام”، أو مُحتجة على شق الصف من مختلف الآراء الإسلامية، وبات خبر الاندماج ما بين تأكيد ونفي، أشبه بأخبار معارك الفصائل التي تزغرد للتقدم شبرًا، وتولول للتراجع شبرين، ولا تزال الراية السوداء بانتظار خضوع كل من يرفض الضرب بسيفها وسيف “جبهة الشام”.
في العودة إلى الفصائل التي من المفترض أنها وقعت على الاندماج للقتال ضد نظام بشار الأسد، عدو السوريين والثورة، فإن ثمة اسمين لفصيلين لا يعرفهما أحد من السوريين: “الحزب الإسلامي التركستاني” و”أجناد القوقاز”، ذلك أن الفصيلين ليسا سوريين، فعن أي ثورة تتحدث “فتح الشام”، ولمصلحة من يجب أن تُوقّع فصائل سورية على وثيقة ستضعها جميعها تحت سيف صفة الإرهاب، وستضع كل متعاطف معها تحت السيف نفسه؛ هل فعلًا هؤلاء الزعماء يُقاتلون ضد النظام، أم يُقدمون أغلى هدية لبشار وبوتين؟
المعارضة السورية المسلحة، كما تحب القنوات الإخبارية العربية أن تسميها، والثوار كما كان يسميها السوريون، أصبحت اليوم عددًا لا متناهيًا من الفصائل، لا هي تعرف الشعب، ولا الشعب يعرفها، لا بتسمياتها ولا بأعدادها، ولكنهم يعرفون أن الداعم السياسي والمادي هو الحد الفاصل للتفريق بينها.
وللشمال السوري تناقضات لا تنتهي، إذ بعد الإعلان عن توقيع اتفاقية وقف إطلاق النار قبل أيام قليلة، خرجت بعض الفصائل لتُنكر توقيعها على الاتفاقية “أحرار الشام وفتح الشام”، وبعد أن اكتشفت المعارضة المسلحة التي وقّعت على الاتفاق أن ثمة خديعة من الجانب الروسي، وأنهم وقّعوا على اتفاقية مختلفة عن تلك التي وقعها النظام، سارعت “جبهة فتح الشام” و”أحرار الشام” للشماتة والضحك.
بمن يشمت أولئك ولصالح من؟ ومن سلّم حلب للنظام ولروسيا، وكيف خرج “الأحرار” و”فتح الشام” من الشهباء خلال ساعات، تاركين وراءهم مخازن الطعام والسلاح ممتلئة، ومن اتّخذ قرار تسليم حلب، وهل يأتي الاندماج اليوم؛ للتغطية على النكبة التي تركوا حلب والسوريين فيها، بعد ذلك السقوط المريع والسريع والمفاجئ؟
فصائل معارضة مسلحة، إسلامية، لها شرعيوها وقضاتها ومشايخ فتاوى بحسب الطلب، تُوقّع أو لا توقّع، تنسحب أو تُحارب، ترفع علمًا أسودَ، وفي أحسن الأحوال ترفع علمًا باسمها، معارك تويترية، اندماج يتجمّل بفتاوى دينية؛ للتأثير في الشعب الذي لا يتوقف عن الموت برصاص كل دول العالم، وأمام ناظريه، ومعارضة سياسية فاشلة غائبة ومُغيّبة، شعبوية منافقة، أو نرجسية حمقاء، تستنكف عن إطلاق تصريح حول ما وقّعت عليه الفصائل، فتُسارع تركيا لـ “فرك أذنها”؛ لتكون النتيجة تصريحات سريعة ومباشرة لمباركة الاتفاق، الذي لا يزال الشعب غائبًا عن تفاصيله، وبينما تنص الاتفاقية على إلزام الدول الضامنة “تركيا وروسيا” مراقبة وقف إطلاق النار، يخرج صحافيون وناشطون بمجموعة “فيسبوكية”؛ لتوثيق الانتهاكات، مجموعة تغيب عنها معايير التوثيق، ويحضر فيها تجميع “لايكات”، وتموت “بوستات” التوثيق ويموت معها إحساسنا بالهدنة، أو كما يُحب العالم أن يسميها “وقفًا لإطلاق النار”، ويتوقف بردى، ويدب اليأس في قلب فصائل بردى، ويناشدون فصائل الشمال، ولا حياة لمن تُناشد، فأولئك مُنشغلون بالاندماج وعدم الاندماج، ويصيح السوري “لله المشتكى”.
بعد ان حاولت روسيا الكيل بمكيالين، ودفع المعارضة المسلحة للتوقيع على هدنة مزعومة برقابة تركية – روسية، جاء تصعيد قوات النظام السوري على وادي بردى، كنوع من لّي الئراع لإنهاء منطقة ريف دمشق بشكل شبه كامل، والسيطرة على مكنون المياه فيها، إلا أن الروس لم يتوقعوا صموداً من فصائل وادي بردى، خاصة أنها تضم 100 ألف مدني يمكن الضغط من خلالهم على الفصائل للانسحاب منها وتسليمها للنظام، في وقت قليل.
روسيا التي لم تستطع كظم غيظها، عادت الى قصفها الجوي في ادلب وريفها، كإشارة منها لنقض الهدنة الموقعة في ال29 من كانون الأول، وهذا النقض لم يكن الأول في عهد التواجد الروسي في سوريا، فقد سبقه نقض الهدنة الروسية - الأمريكية قبل أشهر، بعد استخدام ذات أسلوب الضغط الجوي، والتفنن في الاجرام ضد المدنيين، وهو امر متوقع في السياسة الروسية بل إنه الشيء الطبيعي على أقل تقدير.
روسيا التي "تبولت" في طبق طعامها، بعد أن حاولت أن تدفع بعجلة الحل السياسي لأنها لم تعد تحتمل المزيد من الخسائر، عادت الى أصلها ونجست طبق طعامها، لأنها لن تستطيع أن توصل سوريا الى الحل السياسي الذي يتلاءم ومصالحها، بالإبقاء على جذور النظام مع تغييرات طفيفة، وكأنها تريد أن توقد امبراطوريتها السوفيتية المزعومة من خلال اثبات حيويتها في سوريا، من خلال اتباع أسلوب الهمجية السوفيتية لإعادة أمجادها من جديد.
فلاديمير بوتين الذي خطط لإلباس قميص الإنتظار لكافة الفصائل الموقعة على الهدنة ، ليجبرها على الإلتزام بشروط مزيفة ، تتماهى الى جانب النظام السوري ، لم يتوقع في هذه الفترة من الحرب التي أنهكت الروس أنفسهم بالرغم من امتلاكهم ترسانة بحرية وجوية، ألا تكون قوى الفصائل قد أنهكت خاصة بعد معركة حلب الأخيرة، ما يجعلها أكثر سلاماً وقبولاً بالشروط المدرجة في الهدنة، خاصة بعد سيطرة النظام على حلب وعلى معظم المناطق المحيطة بدمشق، إلا ان الفصائل وبالرغم من هفواتها لم ترضى بمواصلة الإلتزام بالهدنة، التي كان لتركيا دور في دس السم في المعارضة السورية بما يتناسب ومصالحها.
وماكان أمام روسيا إلا أن تعود من جديد الى القصف الجوي، خاصة مع التصعيد الأمريكي الأخير بطرد دبلوماسيين روس من الولايات المتحدة، لتثبت للرئيس الأمريكي الجديد الجديد "دونالد ترامب"، أنها محور البوصلة في الشرق الأوسط، وإن كان يتوجب عليها أن تتبول في طبق طعامها فليس هناك مشكلة، المهم ان تبقى امبراطورية بوتين تصدح في سوريا، حتى تتاح له الفرصة لعب لعبة جديدة من خلال عرض هدنة مزعومة جديدة، قد تؤدي الى حل سياسي في سوريا ذات يوم.
مع تصاعد السجال الحالي داخل التشكيل الأكبر و الأبرز في الثورة السورية ، بشأن الاندماج من عدمه مع المعروض حالياً في الساحة ، تدخل حركة “الأحرار” في نفق مظلم لا يبدو أنها ستخرج منه قريباً كما كانت من قبل ، وسط توقعات بأن الانشقاق الداخلي قد ضرب أطنابه و تجذر.
تختلف النظرات و التحليلات التي تبحث في مسببات ما وصلت إليه الحركة ، التي قادت ، ولازالت (و إن كان بزخم أقل) مسيرة الثورة السورية ، واستطاعت أن تدير مفاصل مهمة من العمل الثوري بأنواعه المختلفة ، لكن هذا الأمر لم يدم على ذات السوية و بنفس النَفس ، إذ أن الخط داخل الحركة اختلف بطريقة ، يجعل البنيان العملي فيها آيلاً للسقوط.
يكفي أن تُطلق لحيتك و تتفقه ببعض الدين ، وبالطبع وجوب المبايعة بلا عودة أو ردة ، حتى تحظى بفرصة جيدة جداً ، لأن تكون ذو شأن و دور فاعل في مختلف مناحي الحياة (العسكري - المدني - الاغاثي - السياسي - الاعلامي …. ) ، ولا حاجة لشهادات اختصاصية ولاخبرات عملية ، فالأمر ليس بهذه الأهمية ، وهذه القضية لاتتعلق بـ “الأحرار” وحدها و لكنها دخلت مفاصل هذه الحركة ، وانتشرت.
قد يكون الانتقاد مزعجاً و يُتهم بأنه خبيث ، والأهم بأنه نابع عن “كاره” ، و لكن من يراجع مسار الحركة منذ أول كتيبة حتى وصولها إلى الانتشار الأوسع في كافة المناطق السورية ، ويستذكر قياداتها و آلية الادارة التي كانت تنتهج ، يشعر بواجب الانتقاد ووجوبه , علّه يفيد في تدارك ما يمكن تداركه.
اليوم حركة الأحرار التي تواصل عمليات تهميش الخبرات جميعها ، ووضعها في مفاصل غير ذات أهمية ، و الأهم لاتملك أي قرار بأي أمر مهما صغر أو كبر ، وظهرت طبقة كانت محصورة في نطاق ضيق بـ”الشرع” و الافتاء ، إذ بها اليوم تتصدر المشهد و تتخذ القرارات في أعقد الأمور ،حتى يصل إلى حد التدخل في سياسات الدول ، مع عنجهية مبنية على أوهام ، نتيجة الضعف في الخبرة و ضبابية النظرة.
اليوم تقف الأحرار أمام مشهد مصيري ليس لها كتشكيل أو مجموعة ما ، وإنما الأمر متعلق بشعب بأكمله تتحمل مسؤوليته و وزره ، والغريب هو الاصرار على الاعتماد على أشخاص يتمتعون بنوع عالي من الولاء حد التبعية العمياء ، وابعاد أي خبرة حتى بات اليوم التعامل مع الحركة بحاجة لبدائية مقيتة حتى توصل فكرتك أو تفهم ما يرغبون.
لايقتصر الأمر على جناح معين في الحركة بل الأمر أشمل من أي يحصر ، والشق العسكري ليس ببعيد اطلاقاً بعد سلسلة من المعارك الغير موفقة سواء ضد النظام وحلفاءه أو الخوارج ، اضافة للجانب الأمني المتفلت ، وجميعها يصب في ذات السبب ألا وهو التركيز على الولاءات و استبعاد الكفاءات .
الشلل في حركة “أحرار الشام” ، هو أمر مريب و يتطلب وقفة جادة و حادة من الأصلاء الذين عاصروا القادة الشهداء ، الذين قدموا نموذجا أكثر من رائع في توزيع العمل تبعاً للاختصاص ، نجحت في تأسيس مناطق بإدارات مدنية و تنسيق الخدمات بالتوازي مع نشاط توعوي شامل ، واستيعاب للجميع لحد الاحتضان .
مع قرب دخول ترامب للبيت الأبيض، أطلق أوباما آخر أوراقه بغية صناعة مجد أخير، كانت إدانة الاستيطان الإسرائيلي، ومن ثم طرد الدبلوماسيين الروس، وهي إجراءات شكلية لا تؤثر على جوهر التمدد الروسي، ولن توقف الاستيطان الإسرائيلي.
بالنسبة لترامب، فإن التفاهم مع الروس سيكون مهمًا فترة ولايته، وثمة أنباء عن أدوار مرتقبة لمن خبر الروس ودرسهم مثل هنري كيسنجر، لكن في ظل كل تلك التحليلات، كيف ستكون الأمور بين دول الخليج وزمن ترامب؟ وخصوصًا بعد أن أثبتت الدول الست قدرتها على تنظيم الاختلاف حول بعض الملفات، وبدا ذلك بعودة سلطنة عمان إلى البيت الخليجي، منضويةً مع التحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب... كيف سيتعاطى ترامب مع دول الخليج؟!
ربما من أهم ما صرّح به فريق ترامب، عزمه الحقيقي على تأسيس حلف يضم دول الخليج ومصر وتركيا، وذلك للحد من مدّ إيران الطغياني، وتهيئة الأجواء لمحاصرة الإرهاب، وتأمين دول الخليج... المشروع كان رفضه أوباما المنعزل. الخطط المزمعة لدى ترامب في المنطقة ستصبّ في صالح دول الخليج وأمنها، قد نعيش عقبات الاتفاقية الإيرانية، وتغول المارد الطائفي بالمنطقة أكثر مما هو عليه الآن، غير أن الفارق يكمن في وجود رئيس قوي مثل ترامب، بفريق حكومي لديه وعي شديد بألاعيب إيران، على عكس تراخي أوباما، وكيري، الخطير مع إيران، ومحورها الأشر.
الضرب في الميت حرام، لكن يمكن التذكير باستسلام غير مسبوق، لإدارة أوباما أمام ملالي إيران! وذلك رغم إنشائها لأكثر من أربعين فصيلاً ميليشياويًا، يدربهم، ويصرف عليهم، ويقودهم الحرس الثوري الإيراني. بينما الحشد الشعبي الطائفي في العراق، يشكّل أكبر التهديدات التي تواجه دول الخليج، إذ جنّدت إيران، ومعها المحور الموالي لها بالعراق عشرات الآلاف من المقاتلين، أخذتهم من الحياة الطبيعية، والدكاكين، وممارسة اليوميات إلى جبهات القتال، وهي الآن تبشّر بالذهاب إلى سوريا، ومن بعدها الانتقال للقتال باليمن، وربما أطلقت هذه الذئاب الجائعة لدول الخليج، بغية ممارسة عمليات إرهابية، والانتقام من السعودية والبحرين، وربما استهدفت الكويت، ولن توفّر بقية الدول المنضوية مع السعودية في التحالف العربي، لإعادة الشرعية في اليمن.
أمام ترامب تحدٍ أساسي، يتمثل في إدراج الإرهاب الشيعي ضمن الحملة على الإرهاب، ليعكس النظرية الأوبامية الطائفية الناظرة للإرهاب فقط، بوصفه منتجًا سنيًا، بينما الميليشيات الشيعية «تحارب (داعش)»!
كنتُ اطلعت على دراسة مهمة لمريم سلطان لوتاه، عن «أمن الخليج، والتحديات الراهنة، والسيناريوهات المستقبلية»، وبقدر جدّية الطرح، فإن الخلاصة التي وصلت إليها الباحثة ترصد مخاطر حقيقية أمام الأمن الخليجي في المستقبل المنظور. الدراسة ترى أن «تجاوز حالة الضعف، والانطلاق نحو تحقيق الأمن بمفهومه الإنساني، لن يتأتى إلا من خلال علاقة تعاونية عربية، كفيلة بأن توفر لكل بلدٍ عربي عمقًا أمنيًا إقليميًا، يجعله أكثر صلابة في حال تعرضه لأي تهديد خارجي»، ثم تعوّل على أمر داخلي لدول الخليج، وهو «الاستقرار السياسي»، وهذا بالطبع أمر مهم، إذ إن الوحدة الداخلية للمجتمعات الخليجية مع الأنظمة السياسية، تسهم في رفع مستوى التحدي للتدخلات الإيرانية، وخصوصًا أن الإعلام المعادي يرسم سيناريوهات تقسيم كارثية، لكن سرعان ما ردّت مصادر من فريق ترامب، بأن التقسيم بالمنطقة ليس من أجندات ترامب السياسية.
مستقبل الخليج مع الإدارة الأميركية القادمة، يرجح أن يشهد تعاونًا أكبر مما كان عليه في الحقبتين الرئاسيتين لأوباما، ذلك أن الملفات المشتركة والتعاون الأمني والسياسي ضروري، لتحصين المنطقة من الإرهاب بأشكاله السنية والشيعية. لا فضل لإرهاب على آخر، ولا فرق بين إرهاب سني أو شيعي.
يدرك ترامب وفريقه، أن المدّ الإيراني يدمّر مصالح أميركا التاريخية، كما يقول هنري كيسنجر نفسه، وبالتالي فإن تعديل الاتفاق النووي الإيراني، وتقليم أظافر الملالي ونظامهم، يؤمّن مصالح الولايات المتحدة، وخصوصًا أن إيران تخدم حضور روسيا في الخليج، ومنطقة البحر الأبيض المتوسط، وهذا يضعف من الهيمنة الأميركية التاريخية، وتجعل حلفاءها أقل حضورًا وتأثيرًا.. وحين ينحسر الاعتدال تحضر قوى الظلام والقتل!