عام مؤامرة «داعش»!
عام مؤامرة «داعش»!
● مقالات رأي ٧ ديسمبر ٢٠١٤

عام مؤامرة «داعش»!


2014 عام مشؤوم حقاً، خصوصاً عندما يتعلق الأمر ببلد كالعراق تنافس اعوامه المشؤومة بعضها بعضاً. فالحدود الهشة، والنيات المبيتة، والوطنية المطعون فيها، كانت سمحت للاميركيين قبل عشرة اعوام باحتلاله في ساعات، وهي نفسها التي اتاحت لـ «داعش» احتلال نصف مساحته في ايام.

من الصعب ان نتعامل مع عام 2014 من دون ان تجرنا نظريات المؤامرة الى متونها، ومهما كان بالامكان تلمس اسباب ومقدمات لما حصل، لا يمكن الا ان نعود الى الاجواء المريبة التي اسقطت واحدة من اكبر مدن الشرق الاوسط وأعرقها مثل الموصل بين ايدي بضع عشرات من المتطرفين اجتمعوا من انحاء العالم على فكرة اعادة اعلان الخلافة.

المشكلة ان النظريات التي فسرت لغز «داعش» انطلقت من مرجعيات محلية واقليمية مختلفة ومتباينة.

ثمة نظرية ما زالت قائمة تقول ان ايران الرابح الاكبر من خلطة «داعش»، ليس لجهة ان التنظيم أنقذ عملياً النظام السوري من السقوط وانهى مفهوم الثورة في سورية كما كان انهى عام 2005 مفهوم «المقاومة» في العراق، بل ايضاً لأن نتائج احتلال مدن العراق قربت طهران من فك الحصار الدولي ضدها، وباتت واشنطن على ابواب تقديم تنازلات، وهي تعترف لطهران اليوم كما اعترفت لها عام 2005 بنفوذ محسوم على المدى الطويل في بلاد الرافدين.

هناك معطيات أخرى تدعم هذه الفكرة، فعام 2014 هو عام لكشف الاوراق بامتياز. اللعب صار فوق الطاولة ولم يعد تحتها، ودول المنطقة تحاول ضمان مصالحها وسط المتغيرات، وبات من المنطقي ان يفسر تحرك الحوثيين في اليمن، بتطورات الاحداث في العراق، وموقف واشنطن من النووي الايراني، مثلما ان دور حزب الله في سورية مرتبط بارهاصات المنطقة ودور ايران فيها.

حرصت ايران على دور محوري، في حرب تحرير العراق من «داعش»، بل ان اصدقاءها العراقيين يتحدثون عن ان قاسم سليماني هو من انقذ بلادهم، وليس للطلعات الجوية الاميركية من اثر في ذلك، لكن ما هو الثمن الذي تطلبه طهران؟ بالتأكيد لن يكون الثمن مجرد الحفاظ على نفوذ اكتسبته بلا جهد عام 2003.

النظرية لا تجيب عن اسئلة اساسية منها ان وصول «داعش» الى حدود ايران يعني تفجير الجمهورية الاسلامية من الداخل، فالتنظيم يهدد حكم الشيعة في العراق وحكم العلويين في سورية، ولهذا تصر طهران على انها هي هدف المؤامرة وضحيتها، وان صانع «داعش» ليس سوى الولايات المتحدة نفسها، ومعها اصدقاؤها في الشرق الاوسط تتقدمهم دول الخليج العربي وتركيا.

التصور الايراني لنظرية المؤامرة قائم على تراتبية زمنية، فالفشل في تغيير نظام الاسد في سورية دفع هذه القوى الى ابتكار مارد «داعش» لقطع الامتداد الجغرافي والسياسي الايراني من سواحل الخليج الى سواحل البحر المتوسط. كما ان النتائج، لا يبدو انها تخدم ايران تماماً، فحليفها الاستراتيجي في سورية يصبح اكثر عزلة وضعفاً، وحليفها المأمول الذي طالما دعمته في العراق يفشل في الحصول على الولاية الثالثة، والوسط الشيعي العراقي، يحتشد بعيداً من ايران، لتغيير المنظومة الامنية والسياسية التي كانت تقاد عملياً بواسطة الجنرال سليماني.

ما يمكن تأكيده اليوم اكثر من اي وقت سابق ان رئيس الحكومة السابق نوري المالكي افتتح عام 2014 بإرادة واضحة المعالم لاختلاق ازمة كبرى تقود الى الولاية الثالثة، ومع تغول «داعش» بدا انه متيقن من خطة الحل النهائي، وتتضمن «الاستقرار لمنابع النفط في جنوب العراق وحرباً طاحنة في غربه وشماله»، ما يسمح بضم العراق (الشيعي على الاقل) رسمياً الى جبهة روسيا – ايران – سورية. وكانت روسيا مستعدة لدعم هذا الحلف لولا ان طائرات «السوخوي» التي سارعت بارسالها الى العراق كانت متهالكة، وان اميركا اشترطت في النهاية اخراجها من اللعبة قبل دخول الحرب كما اشترطت اخراج المالكي نفسه.

الواقع ان المالكي الذي تلقى الثناء اخيراً لـ «جهوده الوطنية» من المرشد علي خامنئي، وزعيم حزب الله حسن نصر الله، قامر بمستقبل العراق عندما كان يعتقد انه يؤسس لدولة بمعايير الحكم التقليدية في الشرق الاوسط.

القناعة التي لم تتركز في الوسطين الشيعي والسني على الاقل، هي ان عراق ما بعد الاحتلال الاميركي لن يشبه ابداً العراق الذي سبق هذا الاحتلال، ولن يعاد انتاج نسخة الحكم المركزي فيه مرة اخرى، وهذه الحقيقة تطورت اليوم للقول ان عراق ما بعد احتلال «داعش» لن يشبه النسخة التي سبقته، وان على العراقيين ايجاد نمط بقاء جديد يتكيف مع الخراب الذي خلفته وستخلفه الحرب الجديدة.

تردد الولايات المتحدة في التدخل مبكراً في العراق على رغم انها وقعت معه معاهدة ستراتيجية تلزمها الدفاع عنه، من بين القرائن التي تطرحها النظرية الايرانية لتفسير تمدد «داعش»، وفي المقابل يؤكد رئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني ورئيس الحكومة الحالي مسعود بارزاني ان طهران لم تتردد منذ الايام الاولى في ارسال المساعدات العسكرية والخبرات الى بغداد واربيل.

«داعش» بدوره لديه نظرية مؤامرة خاصة به، فهو يسوق انه ضحية هجوم تحالف «اميركي صهيوني صفوي عربي»، ويسرد ابو بكر البغدادي في خطبته الاخيرة بعـنوان «ولو كره الكافرون» معطيات متعددة لهذه النظرية، تبدو سخيفة في نظر النخب السياسية والاعلامية، لكنها تتقمص في الذاكرة الشعبية خطب صدام حسين، الذي لطالما تحدث عن هذا الحلف الكوني ضده.

اعتاد العراقيون ان يقرنوا احداثهم الشخصية بنكبات بلادهم، كأن يولد شخــص في عام الجمهورية، ويتزوج في عام الحرب مع ايران، ويموت في عام الاحتلال الاميــركي، ومؤكد ان الكثير سيقال مستقبلاً عن مؤامرة عام «داعش»، الذي يرجح ان يتمدد بدوره الى شهور عدة، قبل ان يفرغ مكانه لعام آخر، ومؤامرة اخرى!

المصدر: الحياة اللندنية الكاتب: مشرق عباس
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ