صورة تعبيرية
صورة تعبيرية
● مقالات رأي ٢٤ يناير ٢٠٢٤

في "اليوم الدولي للتعليم" .. التّعليم في سوريا  بين الواقع والمنشود

"الجهل، تلك القوة المدمِّرة للأمجاد والحضارات، المفرِّقة للجماعات، ومرتعٌ للفساد والاستبداد، حيث ينمو فيها الرذائل والشرور والآثام، ويسكنها الفقر والجريمة. يعتبر هذا العدو اللدود واحدًا من أكبر التحديات التي تواجه الإنسانية منذ الأزل. السلاح الأمضى والعلاج الأنجع للأمم والشعوب يتجلى في العلم والتعليم، والذي يجب علينا الاهتمام به وتطويره لمحاربة الجهل والقضاء عليه، بهدف الحد من تأثيراته الخطيرة".

وقد أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة اليونسكو  في 3 ديسمبر / كانون الأول  من عام 2018، أنّ يوم 24 يناير/ كانون الثاني  من كلّ عام يوم دوليّ للتعليم، بالقرار رقم 73/25، وذلك تأكيداً على دور التعليم الأساسيّ في بناء المجتمعات والارتقاء بالإنسان وتحقيق التنمية ونشرالسلام والازدهار في العالم.

وتنصّ المادّة 26 من الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان، على أنّ التعليم حقّ أساسيّ من حقوق الإنسان، فضلاً عن كونه يخدم المصلحة العامّة ويُعتبَر مسؤوليّة تُلقى على عاتق الجميع، وتشير هذه المادّة أيضاً إلى ضرورة أن يكون التعليم في مراحله الأولى (المرحلة الابتدائيّة)، إلزاميّاً بالإضافة لكونه مجانيّاً .وتذهب اتفاقيّة حقوق الطفل، المعتمَدة في عام 1989، إلى أبعد من ذلك فتنصّ على أن يُتاح التعليم العاليّ أمام الجميع.

وبدون إتاحة فرص تعليميّة شاملة ومتساوية في التعليم الجيد للجميع، ستتعثّر البلدان في سعيها نحو تحقيق المساواة والخروج من دائرة الفقر التي تؤثر سلباً في معايش ملايين الأطفال والشباب والبالغين.

إنّ تلك الحقوق التي أقرّتها الأمم المتحدة تبقى حبراً على ورق في بلدان العالم الثالث عندما نعلم أنّ الربع فقط من طلّاب المدارس الثانويّة في تلك البلدان ينهي دراسته وقد اكتسب المهارات الأساسيّة التي يحتاجها ، وأنّ هناك ٢٥٠ مليون طفلاً في سنّ الدراسة غير ملتحقين بالمدارس.

أمّا في بلادي التي أنهكتها سنوات الحرب فحقّ التعليم أصبح سراباً وحلماً بعيد المنال خاصّةً في مخيّمات القهر والفقر في شمالي غرب سوريا فقد أصبح الحصول على مقعد دراسيّ  رفاهيّة وامتيازاً  فنسبة الأميّة بلغت نسباً مرعبة تزيد عن ٧٠% عند الفئة التي تتراوح أعمارها بين ١٠ و ٢٠ سنة.

بينما تتراوح بالمجمل بين فئة الصغار واليافعين بين ٥٠ و ٦٠ ٪  بالرّغم من وجود المدارس الخاصّة والعامّة.

إنّ الوضع التعليمي في شمالي غرب سوريا أصبح معقّدا للغاية وذلك الوضع ينذر بكارثة خطيرة والعالم مطالب بتحمل مسؤولياتّه تجاه هذا الوضع المزري والخطير ويجب وضع خطط عاجلة لتدارك هذا الوضع والحدّ من عواقبه وارتداته ويكون ذلك من خلال إجراءات عمليّة يمكن تلخيصها في النقاط التالية : 

أولاً : إعطاء الأولوية للتعليم في قرارات التمويل وحماية ميزانيّات التعليم وزيادتها .
ثانياً : بناء وتطوير مدارس شاملة وٱمنة وتحديث المرافق التعليمية الخاصّة بالطفل والإعاقة والمراعية للفوارق وتوفير بيئات تعليميّة ٱمنة وغير عنيفة وشاملة وفعّالة للجميع.
ثالثاً : ترميم وتدعيم المدارس التي تضرّرت بسبب القصف وحماية المدارس المتبقية ومحاسبة من يستهدفون المدارس واعتبار ذلك جريمة ضد الإنسانيّة ومحاكمتهم فمازال الأطفال والمعلمون يُقتَلون ويُصابون وهم في مدارسهم يجب وضع حدّ فوريّ لهذه الممارسات التي يندى لها جبين الإنسانيّة.
رابعاً : الاهتمام بالمناهج التعليميّة وتطويرها لتكون مناهج عمليّة تخدم الطالب وتفيده بحياته العمليّة و إدخال موادّ تساهم في بناء سلوكه وشخصيّته وتعلّمه الأخلاق الحميدة والقيم واحترام الآخر  واحترام المجتمع والإنسان على اختلاف خلفيّاتهم الثقافيّة والاجتماعيّة والإثنيّة والعرقيّة و...
خامساً : تطوير الموادّ العلميّة كالرياضيّات والفيزياء والكيمياء وإيجاد السبل والحلول لتبسيطها وإيصالها لذهن الطالب .
سادساً : تطوير مناهج اللغات لتكون أقرب للمحادثة من تعلمّ القواعد فالهدف استخدام اللغة وإتقانها أمّا إتقان القواعد فتخصّ أصحاب الاختصاص فالطالب في مدارسنا يدرس اللغة الإنجليزية ١٢ عاماً وفي النهاية لايستطيع فهم جملة من متحدّث أجنبيّ لأنّ المناهج تعطي الأولويّة للقواعد أكثر من اللغة نفسها.
سابعاً : تحسين وضع المعلّم من جميع النواحي ورفع كفاءته من خلال دورات تساعده على تعلّم أساليب التعليم وطرقه الحديثة واستراتيجيّاته وتحسين وضعه الاقتصاديّ فالمعلّم هو أساس التعليم وركنه الأساسيّ فليس من المقبول أن يكون المعلّم بائع الخضار والنادل في المطعم وعامل البناء بعد الدوام وو...
يجب أن نضع نصب أعيننا أنّه يجب أن يكون للمعلّم دخل ماديّ ممتاز وحصانة دبلوماسيّ ، فهو من سيعدّ لنا الجيل المتعلّم الواعد ، فقيمة المعلّم في أيّ بلد تعني قيمة التعليم لدى الشعب .
ثامنا : استهداف فئة اليافعين والكبار بدورات محو أميّة وتفعيل المبادرات الأهلية وتعيين معلم في كل مخيم من أجل ذلك ومن ثمّ إلحاقهم بالتعليم المهنيّ أو بمراكز لتمكين الشباب.
وأخيراً : على الجميع أن يعي  ويؤمن أنّ العلم هو الحلّ الوحيد لكلّ المصائب والمشاكل  فهو العمود الأساسيّ الذي ترتكز عليه جميع المهن والتخصّصات وأن الاستثمار بالعقل والإنسان هو السبيل للخلاص من كلّ مالحق البشريّة من ألم ومعاناة  .
علينا جميعاً أن ندرك أنّنا نواجه الآن كارثة تمسّ جيلاّ كاملاً ، كارثة يمكن أن تهدر إمكانات بشريّة لاتقدّر ولاتحصى ، وأن تقوّض عهوداً من التقدم ،وتزيد من حدّة اللامساواة المترسّخة الجذور وتداعيات ذلك على تغذية الأطفال وزواج الأطفال 
إنّنا الآن في منعطف حاسم بالنسبة لأطفاله وشبابه .
إنّنا في اليوم الدوليّ للتعليم نتوجّه بنداء عاجل لأصحاب القرار والأمم المتّحدة والمنظّمات الدوليّة والمحليّة والمجتمع الدوليّ والمؤسّسات والفعاليّات وندعوهم لتّحمل مسؤوليّاتهم لإنقاذ مايمكن إنقاذه وتدارك جيل الأطفال واليافعين والشباب من الضّياع وزرع الأمل لديهم .
معاً نحو عالم مفعم بالإنسانيّة والمحبّة والسلام ، خالٍ من الحروب والدمار والدماء. 

هديل نواف 
قسم الحماية / المنتدى السوري. 

الكاتب: هديل نواف 
مشاركة: 
الكلمات الدليلية:

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ