الخليج في خطر
الخليج في خطر
● مقالات رأي ٢٩ نوفمبر ٢٠١٤

الخليج في خطر

لا شكّ أن إيران تتحرّك من أجل تحقيق هدفها الاستراتيجي في السيطرة على العالم الإسلامي وتقاسم النفوذ مع "إسرائيل" ودول غربية لها مصالحها أيضاً، ومن أبرز محطّات حلم الإمبراطورية الفارسية هو تحويل الخليج العربي إلى خليج فارسي كما تؤمن وتخطّط وتعمل لأجله، والذي لن يتحقّق لها إلا بتدمير كيان الدول الخليجية وتفكيكها، لا قدّر الله. وممّا لا يختلف فيه أبداً أن الصفوية الإيرانية تمدّدت لحدّ ما، وزرعت شبكاتها من خلال علاقات عميقة مع بعض الأنظمة العربية، وأيضاً بالسيطرة العقدية والاستخباراتية على الشيعة العرب في المنطقة.

ثمة دول علاقاتها مميزة مع إيران رغم كل ما تقوم به من أدوار قذرة ضد أمن الخليج واستقراره، كما أنه يوجد في الدول الخليجية نفسها عدد لا يستهان به من الشيعة، رغم الاختلاف القائم حول نسبتهم العددية، فالطرف الشيعي يعطي نسباً عالية، وفي المقابل يوجد من الجانب السنّي من يعطي نسباً أقل، ونسجّل غياب أرقام رسمية من جهات محايدة لحدّ الآن. وطبعاً هذا الغموض العددي والتضارب الرقمي يؤجج الصراع السنّي الشيعي المتصاعد، وهذه مصلحة تتقاسمها أطراف عديدة، وتستفيد منها إيران بلا أدنى شك.

إن لم نقل أغلبية الشيعة الخليجيين، فنسبة كبيرة منهم ولاؤهم المطلق لطهران وليس لعواصم بلدانهم، وهذا لأسباب كثيرة، منها داخلية وأخرى خارجية، كما أن أبرز سبب هو نجاح إيران بامتياز في التسويق لنفسها على أنها حامية حمى الشيعة في كل العالم، وعاصمة "آل البيت" الأبدية هي طهران، كما فرضت عليهم التبعية الدينية المطلقة من خلال "ولاية الفقيه"، وأشياء أخرى ليس مجالها الآن.

أخطبوط يزحف على الخليج

منذ نجاح ثورة الخميني عام 1979 في السيطرة على الحكم، وإيران تعمل استخباراتياً ودينياً وسياسياً ودبلوماسياً وأمنياً على تصدير ثورتها الصفوية، وقد استغلّت في تمدّدها بوابة التشيّع التي أتاحت لها فرصة اختراق العالم العربي، خاصة مع الهالة التي اكتسبتها ثورة الخميني التي سماها بـ "الإسلامية" لمخادعة الشعوب ودغدغة عواطفهم الدينية في ظل انكسارات وهزائم تلك المرحلة، خصوصاً مع الكيان العبري، وقد أثّرت بالفعل في المسلمين العوام الذين انبهروا بها لحدّ بعيد، فتشيّع صفوياً عدد لا يستهان به في دول المغرب الكبير والخليج العربي والجاليات العربية والإسلامية في أوروبا، وتمدّدت حتى بلغت إلى دول أفريقية لا يشكّل فيها الإسلام الأغلبية، فضلاً عن تلك التي دينها الأول هو الإسلام.

بعدما تمكّنت إيران من صنع قاعدة شيعية متصفونة لمشروعها في عدّة دول توجّهت نحو مرحلة أخرى من مخطّطها العنصري الخطير، وتتمثّل في صناعة المليشيات المسلحة التي من دونها لن تتمكّن من التأثير في مصير هذه الأقطار، وكان لها ذراعها العسكري في لبنان عبر حركة أمل الشيعية التي خرج من رحمها "حزب الله"، الذي يضع مبدأ ولاية الفقيه فوق كل اعتبار، بل يرى أن لبنان مجرّد ولاية تابعة وخاضعة للولي الفقيه، الخميني حينها، وخامنئي حالياً، وهو الذي ردّده حسن نصرالله وغيره.

كما أنها حاضرة في فلسطين من خلال حركة الجهاد الإسلامي خاصة، وتحاول اختراق تنظيمات المقاومة الأخرى عن طريق شعارات المقاومة والتقارب المذهبي ونبذ الطائفية والمصالح المتبادلة وغيره، بل وصلت إلى أفغانستان من خلال كتائب مسلّحة شيعية عملت تحت وصايتها واستغلتها لاحقاً في إسقاط حكومة طالبان عام 2001، وهو ما أقرّ به مسؤولون إيرانيون، منهم محمد علي أبطحي، نائب الرئيس الإيراني للشؤون القانونية والبرلمانية، الذي صرّح من الإمارات العربية المتحدة في يناير /كانون الثاني 2004 الذي قال: "لولا التعاون الإيراني لما سقطت كابول وبغداد بهذه السهولة".

أيضاً، حاولت أن تخترق البوسنة؛ حيث عرضت الدعم المادي والعسكري والغذائي للمجاهدين مقابل السماح للإيرانيين بنشر التشيّع، غير أن الرئيس علي عزت بيغوفيتش -رحمه الله- رفض ذلك رفضاً قاطعاً، وقال للمبعوث الإيراني: "لن نبيع الآخرة من أجل الدنيا، ولن نبيع إسلامنا من أجل حفنة من المساعدات". وهذا طبعاً يكذّب، جملة وتفصيلاً، ما زعمه حسن نصرالله بأن حزبه الإيراني شارك في الدفاع عن المسلمين السنّة بالبوسنة والهرسك ضد الهجمة الصربية.

كما عملت على أن تصنع لها ذراعها العسكري خلال الحرب الأهلية الجزائرية في تسعينيات القرن الماضي، عبر "الجماعة الإسلامية المسلحة"، ونجحت في إيصال أحد المتشيّعين الجزائريين، يدعى محفوظ طاجين، إلى المنصب الأول في إمارة التنظيم الأكثر دموية حينها، غير أن التنظيم انقرض بعد هبّة شعبية ضده. وما تزال إيران تتمدّد في الجزائر، ووجدت البيئة المساعدة في عهد الرئيس بوتفليقة، ووصل الحال الآن بأن الشيعة الجزائريين صاروا يتحرّكون علانية، وبينهم من يطالب بأن تصبح لهم طائفة معترف بها في البلاد.

في اليمن، تمكّنت من احتواء الحوثيين رغم أنهم من الزيدية الأقرب إلى السنّة مما يسمّى "الجعفرية".

أما في سوريا فقد رفعت إيران حكم تكفير النصيرية، وصار نظام الأسد هو نفسه ذراعها في بلاد الشام، حيث يبطش بالسوريين من أجل الحفاظ على مصالح إيران الاستراتيجية.

مع أن دول مجلس التعاون الخليجي هي الكويت والسعودية وسلطنة عمان والبحرين وقطر والإمارات، إلا أن إيران تعاملت مع العراق على أنه دولة خليجية لأنه يطل على الخليج العربي، والأمر نفسه بالنسبة لليمن؛ فهو الامتداد الاستراتيجي لدول مجلس التعاون الخليجي، وسقوط الدولتين تحت النفوذ الإيراني هو الخطر الداهم بعينه على الخليج العربي. كما لا يمكن تجاهل دولة الأحواز المحتلة التي بدورها تطلّ على الخليج العربي، ولو لم تحتلّها إيران لكانت دولة خليجية لها وزنها في مواجهة ثورة الخميني.

للتذكير أن الأحواز المحتلّة هي أول دولة عربية احتلتها إيران عام 1925 لما تحالف الشاه مع الاحتلال البريطاني فاختطف الإنجليز الأمير خزعل، أمير ما كان يسمى "عربستان"، وسلموه للإيرانيين الذين أعدموه ثم فرضوا سيطرتهم على الإمارة. والأحواز تشكل حلقة الوصل بين الدول العربية وبلاد فارس، وتحتوي على احتياطي نفطي تجاوز 180 مليار برميل، وأكثرُ من 80 بالمئة من نفط إيران هو أحوازيٌّ، فضلاً عن الثروات الأخرى المسيلة للُّعاب الصفوي.

في عام 1971 قامت إيران باحتلال الجزر الإماراتية الثلاث، واحتلالها لهذه الجزر يعود لعدة أسباب، من أهمها السبب الاستراتيجي، ذلك أن هذه الجزر، وهي طنب الصغرى وطنب الكبرى ثم أبوموسى، تقع في مدخل الخليج العربي، وبها تصل سيطرة إيران إلى مضيق هرمز الذي يعدّ أهم الممرّات البحرية في العالم وأكثرها حركة للسفن، ويقع هذا المضيق في منطقة الخليج العربي فاصلاً ما بين مياه الخليج العربي من جهة ومياه خليج عمان وبحر العرب والمحيط الهندي من جهة ثانية، كما أنه المنفذ البحري للعراق والكويت والبحرين وقطر والإمارات.

بعد الأحواز وجزر الإمارات نجحت إيران في السيطرة على العراق بعد غزو أمريكا له في 2003، وتحولت بغداد، التي كانت غصّة في حلق الخميني، إلى مجرد مقاطعة إيرانية يستقبل رؤساء حكوماتها من الشيعة الموالين لخامنئي كأنهم ولاة محافظة وليسوا من دولة عراقية لها سيادتها واستقلالها التام.

أما اليمن، الذي هو امتداد استراتيجي لدول الخليج العربي، فقد سيطرت عليه إيران في 2014 بعد سقوط العاصمة صنعاء تحت حوافر الحوثيين، وهكذا صارت حدود إيران متاخمة للمملكة العربية السعودية.

يلاحظ مما تقدّم أن احتلال الدول العربية الذي بدأ عام 1925 من خلال الأحواز، هو عقيدة قومية فارسية، وليست عقيدة شيعية كما قد يظنّها البعض، فقد بدأ مع الشاه، وتواصل مع الخميني، ولا يزال يجري مع خامنئي، وسيبقى مع من يأتي بعده في منصب مرشد الثورة، إن لم تنقذ الدول العربية نفسها وتصنع البديل الاستراتيجي لمواجهة المدّ الصفوي الإيراني.

ربيع فارسي تريده إيران

لم تقتصر الأطماع الإيرانية على الأحواز والعراق واليمن وسوريا، بل قامت بتحريك شيعة البحرين التي هي مجرد محافظة إيرانية في العقل الصفوي، مستغلّة ثورات "الربيع العربي" التي بدأت في تونس من خلال ثورة سمّيت بثورة الياسمين التي أسقطت نظام بن علي في 14 يناير/كانون الثاني 2011.

إيران ساندت بعض الثورات، وتصدّت وتآمرت على أخرى؛ حسب ما تفرضه مصالح مدّها الصفوي القائم في المنطقة العربية منذ سنوات طويلة. فقد دعّمت ثورة الليبيين نكاية في القذافي، على خلفية اختفاء رجل الدين الشيعي موسى الصدر، وأيضاً شطحات العقيد الليبي فيما يخص إحياء الدولة الفاطمية في أفريقيا التي ستحتوي الشيعة العرب الذين يعتبرون الخط الأحمر بالأجندة الفارسية، إذ لا تسمح بولائهم لغير إيران.

كما أن إيران باركت ثورة مصر ضد حسني مبارك الذي كانت علاقاته مقطوعة معها لسنوات طويلة، دفعتها أن تسمّي أحد شوارعها باسم خالد الإسلامبولي الذي اغتال الرئيس أنور السادات.

وهو الأمر نفسه بالنسبة إلى تونس التي لم تكن ذات أهمية استراتيجية كبيرة لدى إيران، وإن كان نشاط تشييع التونسيين قد تزايد أكثر مما كان عليه الأمر في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي؛ بسبب هامش الحرية المتاح، فضلاً عن أن الرئيس منصف المرزوقي نفسه يرى أن التشيّع يرتبط بالحريات الشخصية للمواطن، ولا يهمّه لو تتشيّع تونس برمّتها، كما قال لي شخصياً لما كان معارضاً في باريس عام 2007.

كما ذهبت إيران إلى اعتبار حراك شيعة البحرين ثورة شعبية وسلمية ضد الاستبداد مثل بقية الثورات الأخرى، ودعّمتها إعلامياً وحقوقياً وسياسياً واقتصادياً. ولكنها في الوقت نفسه وقفت ضد ثورة السوريين، ودعمت نظام الطاغية بشار الأسد؛ عسكرياً وسياسياً ودبلوماسياً واقتصادياً، وصار من يقاتل في سوريا ليس الجيش السوري، بل مليشيات ومرتزقة شيعة جاءت بهم إيران من كل حدب وصوب تحت تسميات مختلفة وصل إلى حدّ تحريض الشيعة على حماية "الأضرحة المقدسة"، كما يطلقون عليها.

أما في اليمن فقد دعّمت الثورة ضد علي عبد الله صالح الذي كان يحارب الحوثيين في صعدة، ثم جاء هجوم الحوثيين الذين دعّمتهم بالسلاح عبر جزر في إرتيريا، إذ إن إيران قامت باستئجار ثلاث جزر في البحر الأحمر، ومنها جزيرة "دهلك" التابعة لإريتريا، وهذا من أجل تزويد الحوثيين بالسلاح والدبابات عبر ميناء "ميدي" على البحر الأحمر والمتاخم للمياه الإقليمية السعودي الذي سيطر عليه الحوثيون قبل سقوط العاصمة اليمنية.

وقد كشف الباحث الدكتور النفيسي في 2013 عن معلومة خطيرة في هذا السياق، تتمثّل في ترتيب رحلات منذ قرابة ثلاث سنوات لشباب من الخليج العربي إلى صعدة وإلى تلك الجزر، ومن بين تلك الدول الإمارات والكويت والبحرين وقطر وغيرها بنحو 200 - 400 شاب، وفي كل مرة يتمّ تدريبهم على أيدي الحرس الثوري الإيراني. وشخصياً لا أستبعد أبداً أن يجري استعمالهم في إطار مخطّط صناعة مليشيات موالية لإيران في إحدى دول الخليج العربي.

ما قام به الحوثيون اعتبرته إيران مجرد استرداد للثورة الشعبية ضد الاستبداد، والمفارقة في كل ذلك أن الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح نفسه له يده في سقوط صنعاء بأيدي مليشيات ما يسمى "أنصار الله"، وذلك لما دعّمهم شيوخ قبائل وعسكريون موالون للنظام اليمني المخلوع.

المصدر: الخليج أونلاين الكاتب: أنور مالك
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ