النفوذ العميق.. دراسة عن الدور الإيراني في إعادة هندسة المجتمع السوري
أصدر مركز حرمون للدراسات المعاصرة، دراسة موسعة عن الدور الإيراني في سوريا، مكون من ثلاث فصول يتحدث عن أسباب التدخل الإيراني في سوريا وأدواته وأيضا سياسة العبث في المجتمع السوري، محذرا من نفوذ إيران العميق، مرجحا أن يستمر، حتى لو سقط نظام الأسد وجرى بناء نظام حكم جديد.
وتبرز أهمية الدراسة في خطر العبث الديموغرافي، والهيمنة السياسية والاقتصادية والثقافية والتعليمية التي تهيأت لإيران على المجتمع والدولة السورية، بفعل دعم وتواطؤ النظام السوري، وطموحات إيران لفرض نفوذها على سورية، وآثار هذه السياسات في مستقبل سورية وتركيبة نسيجها المجتمعي.
وتشير الدراسة أن العلاقة المميزة بين النظام السوري ونظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية بدأت، منذ الأيام الأولى لقيامها، وعلى الرغم من وقوف حافظ الأسد إلى جانب إيران في الحرب مع العراق، الذي كان يقوده القسم الثاني من حزب البعث ذاته، فإن حافظ الأسد حرص على بقاء نوع من التوازن في علاقته بالأنظمة العربية، وبخاصة السعودية، ومن جهة أخرى، كان حريصًا على ألا يكون لإيران تأثير في الداخل السوري، غير أن هذا التوازن بدأ بالاختلال، بعد تولي بشار الأسد السلطة التي ورثها عن والده؛ إذ بدأ تأثير إيران بالتغلغل في داخل المجتمع السوري، وبدأ نشاط التشييع وإقامة الحسينيات، ولكنها ظلّت محدودة، إذ كان النظام يخشى ردة فعل مجتمعية وعربية، غير أن تأثير إيران في أوساط الضباط العلويين، في الجيش والأمن، كان ينمو بالتدريج.
وتذكر الدراسة أنه بعد انطلاقة ثورات الربيع العربي، شعر النظام السوري بالقلق، وبدأ يتوجس من احتمال انتقال الربيع الى سورية، وهنا كانت إيران جاهزة لتعرض دعمها المطلق لبشار الأسد ونظامه، ودفعته إلى إبداء موقف متصلب تجاه الحراك المدني السلمي، وألا يبدي أي ليونة، وشجعته على استخدام العنف، وأرسلت إليه ضباطًا عسكريين وخبراء إنترنت وجنودًا مدربين على استخدام القنّاصات.
وحسب الدراسة ان إيران رأت في توريط الأسد في صراع داخلي فرصتَها ليصبح الأسد في موقف ضعيف يجعله يفتح الباب أمام تدخلها الواسع في الجيش وأجهزة الدولة والمجتمع والاقتصاد، ومن ثم يمكنها من السيطرة على سورية، كما تسيطر على العراق ولبنان.
وأكدت الدراسة أن العلاقة التي كانت علاقة حلفاء، تغيّرت نوعيًا لتصبح علاقة تبعية وهيمنة، يمارس فيه نظام الملالي في طهران أشكال السلطة كلها، العسكرية والأمنية والاقتصادية والسياسية والثقافية، على المؤسسات السورية، وكانت كلمة الجنرال قاسم سليماني (القائد السابق لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني) قبل اغتياله، مسموعةً عند قادة النظام السوري، وكان هناك مَن يتعامل معه على أنه الحاكم الفعلي لسورية.
وأشارت الدراسة المهمة في سيطرة ايران على مفاصل الدولة أنه لم يكن نفوذها في سورية ناتجًا عن هيمنة عسكرية الطابع فحسب، فالتغلغل الإيراني في مفاصل الدولة السورية جميعها كان متعدد الأوجه، ومتنوع التأثير، وذا طابع مهيمن يعتمد على التخطيط واستدامة الأثر والتأثير، وهو ما يجب الانتباه إليه والتعامل معه على أنه نفوذ عميق، من المرجح أن يستمر، حتى لو سقط نظام الأسد وجرى بناء نظام حكم جديد.
وعن دخول إيران الكامل في الحرب بسوريا، شددت الدراسة أن معركة القصير، غربي حمص، في مطلع 2013، شكلت نقطة انعطاف رئيسة في استراتيجية إيران العسكرية في سورية، حيث انتقلت طهران من مرحلة دعم قوات نظام الأسد، لوجستيًا واستخباراتيًا وتدريبيًا، إلى مرحلة تولي ضباط الحرس الثوري قيادة المعارك والعمليات العسكرية بصورة مباشرة.
وحسب الدراسة فإن ايران تغلغلت على الصعد كافة، الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ليشكل التدخّل الإيراني أبرز فاعل في المشهد السوري، وأشدّ أدوار التدخلات الدولية في سورية أثرًا، وقد ترك ذلك آثارًا عميقة في البنية المجتمعية فيها، وكان له الدور الأبرز في تأجيج الصراع في سورية، وساهم إلى حد كبير في تمزيق المجتمع السوري، وفي خلق بؤر توتر وتفجير مستقبلية، عبر دعم كيانات طائفية على حساب أخرى، واللعب في التوازن الاجتماعي.
وتوقعت الدراسة صعوبة قبول طهران بالتراجع عن نفوذها والانكفاء عن سورية، وتفكيك بنى ومواقع تموضعها على الأرض السورية، من دون أن تتعرض لخسارات وتُجبر على تقديم تنازلات مريرة، لن تحصل من دون حدوث تحولات كبيرة حاسمة في ميزان القوى، في داخل سورية وفي محيطها الإقليمي.