شركات ألمانية عملت على بناء الترسانة الكيماوية للأسد
شركات ألمانية عملت على بناء الترسانة الكيماوية للأسد
● أخبار سورية ٢٤ يناير ٢٠١٥

شركات ألمانية عملت على بناء الترسانة الكيماوية للأسد

نشر موقع إيلاف تحقيقاً موسعاً عن قيام 16 شركة ألمانية بمساعدة نظام الأسد على بناء ترسانته الكيميائية التي تعد الأكبر في المنطقة و التي لم يتأخر في استخدامها في مواجهة الشعب المنتفض عليه في مواضع كثيرة .

التحقيق يتضمن معلومات دقيقة و مفصلة عن كافة المراحل و الأهم عن ردة فعل الحكومة الألمانية حيال هذا الأمر الذي أبقته طي الكتمان لحجج واهية و فيما يلي نص التحقيق :

وجد بحوزة الحكومة الألمانية منذ 16 شهرًا قائمة بأسماء شركات ألمانية يُعتقد أنها ساعدت رئيس النظام السوري بشار الأسد على بناء ترسانته الكيميائية طيلة عقود، حتى إنها أصبحت واحدة من أكبر الترسانات الكيميائية في العالم.

تهديد مصالح

وسارعت برلين إلى تصنيف القائمة التي حفظتها وتكتمت عليها منذ تسلمها. وتقول الحكومة الألمانية إن كشف أسماء الشركات "سينال بدرجة كبيرة من مصالح السياسة الخارجية، وبالتالي من مصالح ألمانيا". كما تذهب برلين إلى أن إعلان القائمة سيكون بمثابة كشف "أسرار تجارية"، وهذا خرق للدستور الألماني.

يبدو هذا تبريرًا مستغربًا إزاء ما تمكَّن دكتاتور سوريا من عمله بمساعدة هذه الشركات. إذ أنتج النظام السوري خلال تلك السنوات أسلحة كيميائية تزيد قوتها التفجيرية على 1500 ميغاطن، بينها غاز السارين السام. والمعروف أن أكثر من 1400 سوري قُتلوا بغازات سامة خلال الحرب الأهلية، رغم أن أدلة قاطعة لم تتوافر عن الجهة التي استخدمتها.

وتبيّن ملفات وزارة الخارجية الألمانية بوضوح أن لدى برلين ما يُشير إلى أن شركات ألمانية كانت ضالعة في إنتاج أسلحة كيميائية قبل أن تتسلم القائمة من منظمة حظر الأسلحة الكيميائية. وكان معهد التاريخ المعاصر نشر وثائق بعد رفع المنع عنها، تتضمن أسماء الشركات التي يُشتبه في أنها ساعدت النظام السوري على إنتاج أسلحة كيميائية.

صفر اهتمام

مما تكشف عنه الوثائق أن علماء ألمان عملوا منذ منتصف السبعينات على إنتاج أسلحة كيميائية للنظام السوري "تحت ستار أبحاث زراعية وطبية". ومن الطبيعي في مثل هذه الحالات أن تشكل السلطات أو الوزارات الألمانية ذات العلاقة لجنة تحقيق في مثل هذه القضية الخطيرة. لكن حكومة المستشارة أنغيلا ميركل لم تُبدِ أي اهتمام بإماطة اللثام عن هذا الفصل من التاريخ الالماني بعد الحرب العالمية الثانية.

ليس انعدام هذا الاهتمام بمستغرب، لأن القضية ليست قضية شركات ألمانية تعمل بلا وازع من ضمير، بل لأنها تفضح رياء عدد من المستشارين الألمان، وخاصة هيلموت كول، مهندس توحيد شطري ألمانيا وزعيم الديمقراطيين المسيحيين سنوات طويلة، بحسب مجلة شبيغل أونلاين، مشيرة إلى أن كول كان مستشارًا حين أُثيرت قضية الأسلحة الكيميائية في عام 1983.

وكانت الحرب الإيرانية ـ العراقية اندلعت قبل ثلاثة أعوام على ذلك التاريخ. وبحلول نهاية الحرب في عام 1988 كان آلاف الإيرانيين قُتلوا نتيجة استخدام صدام حسين غاز الخردل أو السارين. وفي ذلك العام استخدم صدام السلاح الكيميائي نفسه ضد الكرد في مدينة حلبجة.

بعلمها أو بدونه

تتضمن الوثائق التي أفرجت عنها وزارة الخارجية الألمانية أخيرًا معلومات عن بناء منشآت لإنتاج أسلحة كيميائية في العراق أوسع منها عن أنشطة النظام السوري في هذا المجال. وفي الحالتين تشير الوثائق إلى أن الحكومات الألمانية المتعاقبة كانت تحمي الشركات التي تواطأت، بعلمها أو بدون علمها، مع جزارين يقتلون بالجملة. واستمرت هذه الممارسة من كول إلى ميركل، ومن أوتو لامزدورف وزير الاقتصاد في حكومة كول إلى زيغمار غابريل وزير اقتصاد حكومة ميركل حاليًا.

يضاف إلى ذلك أن الشركات التي قال النظام السوري في وثائق سلمها إلى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية إنها كانت تجهز برنامج أسلحته الكيميائية، كانت على الأرجح تمارس أنشطة مماثلة في العراق قبل ذلك. وكان الدبلوماسيون الأميركيون يضغطون على برلين يوميًا بعض الأحيان للجم الشركات الألمانية. وطلبوا من المستشار كول ووزير الخارجية هانز ديتريش غينشر إجبار شركة كولب مثلًا على سحب خبرائها ومنع صدام من إنتاج أسلحة كيميائية.

كانت الحرب الباردة قائمة وقتذاك، وكانت ألمانيا الغربية تعتمد على القوة العظمى الأميركية في مواجهة الاتحاد السوفيتي. يضاف إلى ذلك أن علاقة ألمانيا بغازات سامة كانت علاقة أرادت بون الابتعاد عنها. فالنازيون استخدموا مواد سامة من إنتاج شركات ألمانية لقتل نزلاء معسكرات الاعتقال خلال الحرب.

اتخاذ كل ما يلزم

في ضوء هذه الاعتبارات أخذ المستشار ونائبه قضية ضلوع شركات ألمانية في إنتاج أسلحة كيميائية في العراق على عاتقهما، كما تبين مذكرة حكومية داخلية إطلعت عليها مجلة شبيغل. ولاحظ دبلوماسيو وزارة الخارجية أن الوزارة تولي إجراء تحقيق "أهمية بالغة". وتشير الوثيقة إلى أن كول يرى في الأمر "جوانب خطيرة تتعلق بالسياسة الخارجية والأمنية"  تستوجب وقف تجهيز صدام ومنشأته الكيميائية في سامراء في شمال بغداد. وأمر موظفيه "باتخاذ كل ما يلزم لإنهاء المشكلة".

ومما يثير الاستغراب أن الأمر لم يُنفذ، كما تلاحظ شبيغل، مضيفة أن الوثائق تبيّن أن شركة كولب تجاهلت مطالب الحكومة بتقليل مشاركتها في مشروع سامراء. وأكدت الشركة أن المعدات التي تمد بها نظام صدام هي لإنتاج "مبيدات زراعية".

وعندما هددت إسرائيل بضرب منشأة سامراء في عام 1984 نصحت الحكومة الألمانية جميع الشركات بسحب كوادرها، وهذا ما فعلته شركة كولب، بحسب المذكرات الدبلوماسية. ولكن الشركة أرسلت خلسة خبراء بولنديين حلوا محل خبرائها.

لا تخاف القانون

بعد سنوات عديدة على هذه الواقعة ما زال موقف الحكومة الألمانية بشأن الأسلحة الكيميائية موضع تساؤل. وحين قدم نائب حزب اليسار يان فان آكن، وهو مفتش سابق في الأمم المتحدة متخصص في الأسلحة البيولوجية، استفسارًا رسميًا عن القائمة التي تسلمتها الحكومة الألمانية من منظمة حظر الأسلحة الكيميائية متضمنة أسماء الشركات الألمانية التي تعاونت مع نظام الأسد، لم يُسمح له بقراءة رد الحكومة على استفساره، إلا في غرفة داخل مبنى البرلمان مصممة خصيصًا لمراجعة الوثائق السرية للغاية. وهذه ممارسة غريبة. ففي حالات مماثلة في السابق كان يجري إطلاع أعضاء اللجنة الاقتصادية البرلمانية مع رئيس مجلس النواب. لكن النواب ما زالوا حتى الآن لا يعرفون أسماء الشركات الألمانية التي مدت نظام الأسد بتجهيزات لبرنامجه الكيميائي.

لم تُبدِ الشركات المشتبه فيها استعدادًا لرفع يدها والاعتراف بدورها. وعلى سبيل المثال إن إدارة شركة ريدل دي هين، التي استملكتها شركة هانيويل عام 1995، تقول إنها لا تملك أي وثائق تتعلق بالفترة التي سبقت بيع الشركة. وعلى الغرار نفسه قالت شركة شوت أُند هيراوس إنه "ليست هناك سجلات" توثق صفقات اُبرمت قبل عقود. وأضافت الشركة إنها لذلك لا تستطيع الإجابة عن الأسلئة المتعلقة بشحن تجهيزات إلى سوريا.

وأكدت شركة ميرك أنها لم تشارك في بناء منشآت أو شحن معدات لبناء منشآت كيميائية في سوريا. كما لفتت إلى أن مادة آيسوبروبونول، التي ورد ذكرها في وثائق وزارة الخارجية، لم تكن تخضع للضوابط حتى عام 2014، وإن الشركة تفترض "طلب الموافقات اللازمة والحصول عليها في السابق أيضًا".

ولم ترد شركة كولب على أسئلة مجلة شبيغل عن أنشطتها في سوريا. ولاحظت شبيغل أن الشركات لا تبدو خائفة من أي تبعات قانونية. ففي آذار/مارس، قدم المفتش الأممي السابق فان آكن شكوى رسمية على الشركات المتورطة إلى النائب العام الاتحادي بدعوى "المساعدة في جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب". يضاف إلى ذلك أن وزارة الخارجية أحالت القائمة التي قدمتها منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، بما فيها أسماء الشركات، إلى مكتب النائب العام.

شبه أموات

وكانت النتيجة تحقيقات هزيلة مع مكتب الجمارك وجهاز الاستخبارات الخارجية. لكن هذه الخطوات كانت تهدف إلى التوثق مما إذا كانت الفترة المحدَّدة لملاحقة الشركات المشتبه فيها قد انتهت أم لم تنته، ولم يُفتح تحقيق رسمي.

في هذه الأثناء بررت الحكومة الألمانية رفضها كشف قائمة الشركات التي مدت الأسد بمعدات لتنفيذ برنامجه الكيميائي بما سمتها "عواقب وخيمة" يمكن أن تصل إلى "تهديدات وجودية". الأكثر من ذلك إنها تقول إن مثل هذا الكشف سيكون انتهاكًا للضمانات الدستورية المتعلقة بالتعاملات التجارية. ويبدو أن حق ضحايا الغاز السام ليس مهمًا بقدر أهمية هذه الاعتبارات. فهم أموات لا يستطيعون المطالبة بحقهم.

المصدر: شبكة شام الكاتب: فريق التحرير
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ