إطلالة على ما حدث لمنطقة القصير من دمار وقتل وتهجير
إطلالة على ما حدث لمنطقة القصير من دمار وقتل وتهجير
● أخبار سورية ٩ فبراير ٢٠١٧

إطلالة على ما حدث لمنطقة القصير من دمار وقتل وتهجير

القصير ومنطقتها هي أولى المناطق التي تم تهجير سكانها، نظراً لأنها ذات أهمية استراتيجية كبيرة لسلطة الأسد ولحزب الله اللبناني، ولأنها كانت من أوائل المناطق التي خرجت بالمظاهرات مطالبة بالحرية والكرامة، تحت شعار: واحد، واحد، واحد.. الشعب السوري واحد ".

تقع إلى الجنوب الغربي من مدينة حمص، وتبعد عنها ثلاثين كيلو متراً، وهي تشرف على طريق حمص ــ دمشق من الشرق، ولها حدود طويلة مع لبنان من الغرب والجنوب، ففي السفوح الشرقية لجبال لبنان الغربية، تعيش قبائل من آل زعيتر وآل جعفر وناصر الدين وهم الشيعة المتاولة والموالين بقوة لحزب الله.

ـنسيج منطقة القصير السكاني متنوع، فسكان مدينة القصير موزعون بين أكثرية سنية وأقلية مسيحية، وعدة عائلات علوية صغيرة. أما قراها فالأكثرية سنية كالبويضة وجوسية والزراعة والنزارية، والحميدية وعرجون وغيرها، وهناك بعض القرى ذات الأغلبية المسيحية كربلة والدمينة الشرقية والحمرات، وعدة قرى ذات أغلبية علوية كالعقربية والقرنية والغسانية والناعم ودبين، وعدد من القرى الشيعية كالديابية وغوغران، شرق مدينة القصير، قرب طريق حمص ــ دمشق، إضافة إلى قرية الفاضلية الواقعة غرب القصير قرب الحدود اللبنانية، وأغلب سكانها من الشيعة.

يبلغ عدد سكان القصير وضواحيها نحو مائة وأربعين ألف نسمة، منهم تسعون ألفاً ينتمون إلى المذهب السني، ومعظمهم يتركز في مدينة القصير، والباقي موزعون بين مسيحيين وعلويين وشيعة في عدة قرى وبلدات متفرقة جغرافياً.

يمر نهر العاصي من وسط المنطقة وعلى ضفتيه عشرات الآلاف من الدونمات ذات الطبيعة الزراعية الخصبة، وهي مشهورة بالزراعات المتنوعة، ولا سيما بساتين التفاح والمشمش.

قبل الثورة وبعدها كان ولا يزال يتواجد عدد من المواقع العسكرية وهي تنتشر هنا وهناك من منطقة القصير، كما هو الحال في مطار الضبعة على بعد خمسة كيلو مترات شمالي مدينة القصير وكتيبة الصواريخ في منطقة أم الصخر القريبة من بلدة البويضة واللواء 72 التابع للفرقة الثالثة قرب قرية الحسينية، إضافة إلى الحواجز الأمنية المنتشرة لاسيما على المناطق الحدودية مع لبنان.

أمام هذه المعطيات العسكرية نجد أن هناك معطيات سياسية واقتصادية تشترك القصير مع بقية المناطق السورية، وتتجسد في كبت الحريات، وإهانة الكرامات من قبل رجال الأمن، إضافة إلى الفساد المنتشر في كل مؤسسة من مؤسسات الدولة.

عندما قامت المظاهرات احتجاجاً على ممارسات سلطة الأسد وهيمنتها على مقدرات الوطن والمطالبة بالحرية والكرامة كان أبناء القصير من أوائل من انضم إلى هذه المظاهرات.

أدركت سلطة الأسد ومعها حزب الله اللبناني موقع القصير وأهميتها الاستراتيجية، فهي تربط دمشق العاصمة بالساحل، وتقع على حدود المنطقة الشيعية في جبل لبنان، لذلك قوبلت مظاهرات القصير بالحديد والنار منذ منتصف العام 2011 من قبل جيش الأسد وشبيحة الطائفة العلوية، ثم انضمت إليه ميليشيا حزب الله التي بدأت تتمدد أولاً على الحدود داخل الأراضي السورية، ثم إلى بقية المناطق.

حاول بعض الثوار الدفاع عن أهل المنطقة من القرى السنية بأسلحتها المتواضعة، إلا أنها كانت تقابل بشتى أنواع الأسلحة من البندقية حتى الدبابات والمدافع والصواريخ والطائرات، وكانت تُوجه في معظمها إلى المدنيين داخل القصير وقراها من قبل جيش الأسد وميليشيا حزب الله المسلح بأحدث الأسلحة الإيرانية الفتاكة.

وشهراً بعد شهر وعاماً بعد عام أخذ الخناق يضيق على أهل المنطقة، وشمل الحصار منطقة القصير كافة، وانتشرت الحواجز العسكرية والأمنية بالعشرات، والكثير ممن كان يغامر ويمر من تلك الحواجز في طريقه إلى حمص أو إلى أراضيه الزراعية، يتم القبض عليه، ويُنقل إلى المعتقلات أو يصفّى ويُقتل عند الحواجز، وهناك العشرات من تمت تصفيهم بهذه الطريقة.

كما أصبح القنص ظاهرة مخيفة، ولا سيما من بناء حاجز البلدية الواقع داخل مدينة القصير، فمن هذا الحاجز وحده تم قنص وقتل أكثر من مائة مدني، إضافة إلى القصف المستمر على المدينة وقراها بالمدافع والدبابات والصواريخ والطائرات، والذي طال البيوت والمنشآت المدنية من مستشفيات ومدارس وأفران وغير ذلك.

مارست سلطة الأسد وميليشيا حزب الله حصارها الخانق، ومنعت دخول أية مادة تعين الناس على الحياة من طحين وخضروات، فندر الطعام والوقود وانقطعت المياه عن المدينة من محطة الضخ الواقعة جنوب المدينة، والتي احتلتها ميليشيا حزب الله، وهكذا أصبحت الحياة لا تُطاق في المنطقة، وبدأ الناس يغامرون ويغادرون القصير وقراها فراراً من الموت المستمر الذي حصد نحو ثلاثة آلاف إنسان من أهل المنطقة. وهو رقم يُعدّ الأعلى في سورية كلها قياساً إلى نسبة عدد السكان.

بعد أن تم احتلال قرى غرب العاصي من قبل حزب الله في نيسان من عام 2013، فر أهلها من الموت باتجاه مدينة القصير، ولم يمض سوى أسابيع حتى أطبق جيش الأسد وعلى رأسه ميليشيا حزب الله على المدينة، وكانت الصواريخ تنهال بكثافة لدرجة أنه كان يسقط في الثانية الواحدة، وليس في الدقيقة، قذيفة واثنتان بين صواريخ وبراميل متفجرة وقنابل محرمة دولياً، وكاتب هذه السطور شاهد على ذلك. ونتيجة للقصف الهائل والمستمر تم تدمير أكثر من 90% من بنيان المدينة، بشكل كامل أو جزئي.

وهكذا لم تعد الحياة قابلة للعيش في المدينة على الإطلاق، فقرر من تبقى من الأهالي الخروج منها والتسلل في الليالي المظلمة بحثاً عن النجاة، وهم مدركون أن البقاء يعني إبادة البعض واعتقال البعض الآخر، ولا ثالث لهما.

لم يتم تهجير سوى السكان السنة بقوة الأسلحة التدميرية، سواء من مدينة القصير أو القرى التابعة، ولم يتم أية مفاوضات جادة بين سلطة الأسد وحزب الله وبين أهالي منطقة القصير حول المصالحة بين الطرفين، لأنهم كانوا يدركون أن سكان القصير يرفضون الموافقة على أية شروط تؤدي إلى الاستسلام والخضوع.

كان عدد الذين نزحوا النزوح الأخير من القصير بين الرابع والخامس من حزيران 2013 يقدر بأكثر من عشرة آلاف إنسان، وتشتتوا في قرى القلمون، ثم نزحوا ثانية إلى لبنان، ومنهم من توجه شمالاً نحو مناطق حلب.

أما المسيحيون، فقد ظلوا في قراهم كالدمينة وربلة، وهاجر قسم كبير من سكان القصير، نظراً لصعوبة العيش فيها بعد الدمار الكبير وانعدام المرافق والخدمات العامة، أما أبناء الطائفة العلوية فظلوا في قراهم كما هو الحال في العقربية والقرنية والغسانية والناعم وغيرها، وكذلك الشيعة حيث لم يغادروا قراهم أبداً.

والآن لم يبق في مدينة القصير وكذلك القرى السنية سوى بضع مئات من أهلها ممن يوالون السلطة وحزب الله من علويين ومسيحيين وشيعة، إضافة إلى القليل من أهل السنة.

وهناك مساعٍ سخيفة للمصالحة مع عائلات منتقاة من أهل القصير، لدرجة أن من يعود إلى المدينة من المهجرين لا يتجاوز عائلة أو اثنتين كل عام، تتكرّم.!!. عليهم السلطة بالعودة، بعد تمحيص وتأكيد بأن العائدين هم من الموالين والخاضعين خضوعاً تاماً للنظام ولحزب الله. ومع ذلك فالسكن أو حتى التجول داخل المدينة محرم عليهم، وهم يعيشون على الأطراف الشرقية.

والقصير الآن واقعة تحت سيطرة حزب الله، وهي مدينة مدمرة، وأشبه بمدينة أشباح، ومن استطاع الدخول إليها بموافقة ميليشيا الحزب طبعاً، فهو يتحدث عن أرض مقفرة وبنيان مدمر.

وهناك تعتيم بما يجري في القصير ومنطقتها، ومنها ما تقوم به إيران وحزب الله من بناء قواعد ومنشآت عسكرية في المنطقة وفي غاية السرية.

أما أراضيها الزراعية فلا يسمح لأحد من أصحابها الموجودين هناك أن يزرعوها أو يقتربوا منها، بل هناك من يؤكد بأن شيعة حزب الله يقومون باستثمار مساحات زراعية واسعة لزراعة المخدرات بشكل خاص.

 

 

المصدر: شبكة شام الكاتب: عبد الرحمن عمار
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ