حوار مع المعارض السوري عقاب يحيى
المعارض السوري عقاب يحيى: كان من معارضي نظام الأسد منذ عام 1970 أي منذ أن كان شاباً، قام بإنشاء تنظيم سري هو: "التجمع الوطني الديمقراطي" عام 1976، وتمت مطاردته من قبل النظام الأسدي لمدة 5 سنوات حتى هرب إلى الجزائر وبقي فيها منذ أواخر الثمانينات وحتى الآن، هو روائي وكاتب كبير كتب الكثير من المقالات عن الثورة، رافق الثورة السورية منذ بدايتها، وهو الآن عضو في الهيئة العامة للإئتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة.
قامت شبكة شام الإخبارية بإجراء حوار معه بعد المؤتمر الأخير للإئتلاف والذي عقد في مدينة اسطنبول والذي كان الهدف منه إعادة تشكيل وهيكلة الحكومة السورية المؤقتة.
1- ماهو تقييمك للوضع في سوريا قبل الثورة السورية وبعد الثورة السورية الى الوقت الحالي الذي وصلت إليه حال البلد؟
- أولا تحياتي لكم ولشبكة الشام والجهود الكبيرة التي تبذل في قطاع مهم جداً.
تعلمون أن نظام الاستبداد والفئوية، وعلى مدار العقود، نجح في تكريس حالة من التصحّر السياسي الشامل بعد أن تمكّن من توجيه ضربات متلاحقة، منهّجة لشتى أطياف المعارضة بكل مشاربها.. حتى إذا ما سحق حماة في مجزرة شباط 1982، حقق بذلك سيادة كاملة على شتى مفاصل الدولة والمجتمع، ليجعل من حماة درساً وأمثولة في عمليات التخويف المعمم والإخضاع، والقضاء على عشق السوري للسياسة والاهتمام بالشأن العام، وتحويله إلى ما يشبه القطيع، والأرقام، وإلى خلق اهتمامات أخرى لديه على قاعدة الترعيب، والنفاق، واختراق الجمجمة السورية أمنياً بأجهزة أخطبوطية متسعة، ومطلقة الصلاحية، وجيوش من المخبرين والمتعاملين.. تراكباً مع فكفكة عرى الوحدة الوطنية بموضعة الطائفية، والفئوية، ومجمل مكونات ما قبل الدولة الوطنية، وبالوقت نفسه تعهير الشعارات القومية واليسارية بامتطائها، وتفريغها..والمقايضة على القضايا الوطنية والقومية في صفقات شهيرة معروفة تجاوزت سورية إلى القضية الفلسطينية، ولبنان، والعراق..
النظام أمني، عائلي، طائفي، استبدادي بامتياز وخرّب سورية في مختلف المجالات.. وقد ترك ذلك أثره على بنى المجتمع، وانسحاق الطبقة الوسطى، وعلى عموم القوى المعارضة التي عانت الاعتقال والتصفية والملاحقة والتشرد... فضعف وجودها وفعلها، وتعمّقت الهوّة بينها وبين الأجيال بذلك الفصل القسري الذي حدث فأصبحت مجاميعاً صغيرة تكثر فيها أمراض الشيخوخة، والتفتت، ومحدودية الدور المبتعد عن الناس..
هنا يجب التأكيد على ان مملكة الرعب التي أشادها نظام الطاغية الأكبر، وواصلها وريثه.. لم تسمح بولادة قيادة من صلب الثورة. على العكس من ذلك، وعبر عمل ممنهج من قبل الأجهزة الأمنية، حيث تمّت تصفية وإبعاد الصفّ الأول من نشطاء الثورة عبر الاغتيال قنصاً، وتحت التعذيب، وفي المعتقلات، أو التواري، وطال ذلك الصف الثاني وكثير من نشطاء الصفّ الثالث بما يعنيه ذلك من صعود فئات اقل خبرة ووعياً.. بما وسم الثورة بذلك الغياب الذي اشتدّ وقعه مع تطورات وتعقيدات المسار، وما دخل على الثورة من عوامل ومفاعلات متشابكة: داخلية وخارجية..
لكن يجب تسجيل حقيقة هنا : أن تفجير الثورة وفق كل الظروف كان بمثابة المعجزة التي لم يكن الكثير ينتظرها أو يتوقعها.. كما أن تراكمات نضالات الحركة الوطنية والديمقراطية بشتى أشكالها وأطرها.. لا شكّ وانها اسهمت في ذلك التراكم الذي كان من أهم عوامل انفجار الثورة وديمومتها.
2- ماهي أهم الأخطاء والمساويء التي تواجهها الثورة السورية برأيك؟
- من أهم الأخطاء، او الفجوات.. ما ذكرته سبقاً : ضعف المعارضة البنيوي وتشتتها، واختلاف منظورها وموقفها من النظام والثورة، وفقدان القيادة الموحدة.. الذي برز جلياً في المرحلة اللاحقة عندما تأكد للجميع الحقيقة التي نعرفها عن طبيعة النظام : انه نظام حاقد، وإجرامي وغير قابل للإصلاح، أو إنجاز أية إصلاحات تلبي الحد الأدنى من المطالب الشعبية.. واعتماده نهج الكل الأمني، والقتل والتصفية سبيلاً.. ضمن تلك المنظومة من الاتهامات المرتبة للثورة : الفتنة والمؤامرة...والعمل في مساريهما بكل خبث...وصولاً إلى إجبار الثورة على استخدام السلاح : دفاعاً عن النفس والشرف والناس بداية.. وما استتبع ذلك من تطورات ونتاائج.. وبما فتح المجال على مصاريعها لشتى أنواع التدخلات الإقليمية والدولية.. وإلى سيطرة ظاهرة التسلح على كل شيء، وفرض منطوقها.. وتفريخاتها على الثورة والناس..
من أهم الأخطار والنواقص التي تعانيها الثورة ـ إضافة غلى ما ذكرت ـ والتي يمكن إرجاعها بالأساس إلى ذلك الجنوح القسري نحو العمل المسلح وما ولّده من إفرازات ونتائج... فقد أضعف عمل هيئات المجتمع المدني، وسحق فعلياً النضال السلمي، وذلك الالتفاف الشعبي حول الثورة، وحوّل المعركة وكأنها مجابهة بين قوتين عسكريتين .. وحين الدخول إلى "غابةّ التسلح"، وهو ما يحتاج إلى وقفة طويلة ومعمّقة سنجد تلك الآثار السلبية البليغة.. إن كان بدءاً بغياب وحدة القيادة للعمل العسكري وما يستتبعها من وجود استراتيجية وخطط وقوات منظمة.. تحقق الأهداف الكبرى للثورة، وتعمل بهدي المقررات على إسقاط النظام ، وما يقتضيه ذلك من سياسات عسكرية لتحرير المدن والمناطق، وما يلي ذلك.. فقد فرّخ العمل العسكري المشتت ظواهر سلبية فاقعة مسيئة، ومشينة في وجوه كثيرة، وولّد أمراء للحرب ولصوص وتجار ومستثمرين ومتحاربين على المغانم والمكاسب.. كما شكلت تطوراته المقترنة بعوامل كثيرة مختلطة.. نمو التطرف والتشدد وردّات الفعل المذهبية والطائفية التي شكّلت أرضية خصبة لبروز "داعش" واخواتها..
كل ذلك...بما فيها مستوى الرهانات على الخارج، وعلى الدول الإقليمية ونزاعاتها فيما بينها..فقدان القرار الوطني المستقل، وبروز اتجاهات تبعية يتلقى بعضها الأوامر من تلك الجهات.. وبما سمح لمزيد من الصراعات البينية، وللبعد عن الأهداف، وعن الميادين
3- ماهي أهم وأكبر الأخطاء التي وقعت فيها المعارضة السورية؟
- كثيرة هي الأخطاء التي وقعت فيها المعارضة السورية..وكا أشرت قبل قليل.. فالثورة لم تكن من نتاج المعارضة : مجتمعة أو متفرقة.. بل لعلها فاجأت الكثيرين وفرضت عليها التعاطي معها كأمر واقع، او الالتحاق بها عبر طرق ووسائل وخلفيات متعددة ..
هنا يجب أن نسجل ذلك الغشّ والتدليس الذي مارسه المجتمع الدولي على الكثيرين عبر بثّ اوهام عن الدعم، والتدخل .. ووقوع البعض في حبال المراهنات على تدخل خارجي حاسم، يقابله رخاوة ومرونة بعض المواقف التي لم تقطع مراهناتها على إمكانية إصلاح النظام، والتعامل معه.. وقد انعكست أوضاع التشتت، وتلك المراهنات الخلبية، والسياسات غير الواضحة.. وحقيقة الموقف الدولي، خاصة لدى الإدارة الأمريكية.. على عموم مسار الثورة بشتى الأطر والهيئات التي قامت، وعلى المعارضة جميعها
بدءاً لم يكن هناك اتفاق عام حول طبيعة النظام والتعامل معه.. وهذا رتّب خلافات في الموقف من الإصلاحات والادعاءات التي راح ينثرها، ومن شعار إسقاطه، وما بعد ذلك : طبيعة النظام البديل، والموقف من الدولة المدنية الديمقراطية.. وبما عمّق أسس الاختلاف ونهوض تشكيلات تجميعية متصارعة، خاصة هيئة التنسيق الوطني والمجلس الوطني..وحين نجحت المعارضة في عقد مؤتمر لها في القاهرة برعاية الجامعة العربية، وكان فرصة لا تعوّض للتوافق والمتابعة على طريق التوحيد والمحورة حول المشتركات وحول وثيقة العهد التي أقرّت بما يشبه الإجماع، وكذا وثيقة المرحلة والعدالة الانتقالية، وقد شاركت في اللجنة التحضيرية لذلك المؤتمر،إلا أن العقل المتشنّج في مختلف المكوّنات حال دون الوصول إلى لجنة للمتابعة، وإلى مواصلة تلك الروحية الجمعية ..
4- ماهو رايك في المؤتمر الأخير الذي عقد في اسطنبول للإئتلاف الوطني والذي كان الهدف منه تشكيل حكومة جديدة؟
- عانى الإئتلاف منذ ولادته إشكالات بنيوية متعددة.. يمكن القول فيها أنها نتاج أوضاع المعارضة ومسارات الثورة.. وما كان يعانيه المجلس الوطني من أزمات.. وقد اختلطت الإرادات الدولية بمحاولات جعله ممثلاً فعلياً، وليس شكلياً للثورة عبر عديد الوطنيين والمخلصين فيه. لقد اجتمعت عديد العوامل التي حالت دون المأسسة، وترسيخ العقل الجمعي، والتوافقي.. وكان للتدخلات الإقليمية، وطبيعة تركيبة ووعي بعض الجهات فيه اثرها في إشكالات متلاحقة تبدو على السطح وكأنها نزاع على المواقع والمكاسب.. في حين ان المتعمّق فيها يدرك انها انعكاس وتعبير عن خلافات كبيرة في الأهداف والمنطلقات والرؤى لقد طالبنا مراراً بوقفة نقدية شاملة تتجاوز أوضاع الإئتلاف إلى واقع الثورة والبلد، والتحدّيات الخطيرة التي تواجهنا.. وعلى أن يكون ذلك مدخلاً لعقد مؤتمر وطني جامع نتمنى أن يكون الإئتلاف طرفاً رئيساً فيه.. يمثل شتى أطياف المعارضة والحراك الثوري والمسلح وهيئات المجتمع المدني لوضع خارطة طريق لبلادنا وللثورة، وبأمل أن نستردّ قرارنا الوطني..
حين قام الإئتلاف نصّت وثيقته التأسيسية على محاور ثلاث : وحدة العمل العسكري بإشراف الإئتلاف ـ تشكيل حكومة انتقالية ـ تشكيل لجنة قانونية لتهيئة الشروط اللازمة لمحاكمة النظام وكبار القتلة في المحكمة الدولية واسترداد الأموال السورية المجمّدة، واضفنا إليها الإغاثة..ولم نستطع توحيد العمل العسكري بسبب قوة التدخلات الإقليمية.. ثم جرت محاولات كثيرة كي يكون الإئتلاف المسؤول عن الجيش الحر.. وهو ما يجري حالياً.. مع الاعتراف بكل السلبيات التي يعانيها الجيش الحر، وما لحقه من انزياح وضعف..كما تمّ تشكيل الحكومة المؤقتة منذ قرابة العام برئاسة الدكتور أحمد طعمة.. ولا شكّ ان التجربة جديدة، والظروف التي رافقت تشكيلها كانت بالغة الصعوبة، خاصة لجهة الاعتراف بها، والتمويل، وأوضاع الإئتلاف والثورة، والواقع الميداني، وسيطرات داعش، وتقدّم النظام في بعض المواقع.. إضافة إلى ما تعرّض له رئيس الحكومة من ضغوط ومحاصصات استجاب لمعظمها، فأثقلت الحكومة بمزيد الأعباء التي أنتجب عديد الأخطاء..لكن العمل على إقالتها لم يكن لهذه الأسباب وحدها، بقدر ما ساهم فيها العقل الكيدي، والنزاعات الشخصية.. وهو ما دفعني لرفض الإقالة. لقد طالبت بمراجعة شاملة وشجاعة لواقع الإئتلاف وممارساته، ولوضع الأركان والمجلس العسكري، والحكومة.. وصولاً إلى نتائج نتوصل إليها.. وحينها يمكن إقالة الحكومة، أو تجديد الثقة بها.. ما جرى كان تخصيصاً فقط للحكومة.. وقد خلق الاجتماع الاستثنائي الذي عقد لأجل سحب الثقة منها، إضافة إلى عوامل أخرى معروفة.. وبرزت عبر انتخابات رئيس الإئتلاف الحالي .. حلق فجوات اقرب للخَندقة ، وغلى التباين الحاد في الموقف من مجموعة أمور..منها واقع الإئتلاف والعمل العسكري والحكومة والثورة..ثم تكرّس ذلك بمقاطعة البعض لجلسة اختيار رئيس للحكومة.. وعدم التوصل لتوافقات حول ما يعرف ب"ممثلي الأركان".. وفاز الدكتور أحمد طعمة بأغلبية واضحة، ومنح شهراً لتقديم أسماء حكومته...وجرت عبره، وطوال الأيام التي سبقت انعقاد الدورة الأخيرة للإئتلاف، كثير الحوارات و"المفاوضات" وصولاً لصيغ توافقية... لم تنجح..وبرغم توفر النصاب القانوني للجلسات إلا أن رئيس الإئتلاف لم يحضر وتعامل وكأنه رئيس، أو مندوب كتلة وليس رئيساً للإئتلاف.. وبما أجبر الكثيرين على المضي قدماً في دورة الاجتماعات لإنجاز عديد نقاط جدول الأعمال، بدءاً بدراسة الواقع الميداني بمختلف جبهاته واتخاذ عدة قرارات فيها، و"خطة دي ميستورا" وموقف الإئتلاف... ثم التصويت على أعضاء الحكومة..وقرار اللجنة القانونية بنجاح أعضاء الحكومة جميعاً إما عبر نيلهم الأغلبية المطلقة، أو بالتزكية بالنسبة لخمسة وزراء..
تجري الآن عديد المحاولات لتجاوز هذا الوضع والتقدّم بمقترحات شاملة لوضع الإئتلاف، والمجلس العسكري، خصوصاً وان هناك وزير للدفاع سيكون وضع الأركان والعمل المسلح والجيش الحر في أول أولوياته، ومحاولة تجاوز الخَندقة الحالية وما يعانيه الإئتلاف من مشكلات بتقديم رؤى سياسية وإصلاحية، ومشروعات للمصالحة والتفاهمات.. والتي آمل أن يستجيب الجميع لها، وأن ينطلقوا من المصلحة العامة، ومن الحرص على التوافق، وتجاوز الاختناق، والصراع الذي لن يفيد سوى أعداء الثورة ..
5- هل برايك المعارضة السورية في الخارج لها تاثير على الداخل السوري ولها تاثير على الدول الاقليمية لحل النزاع الحاصل؟
- علينا أن نهتّم بالداخل. بالناس. بالثوار على الأرض، وأن يكون ذلك الهمّ الأول، وهناك كثير القرارات والمشاريع على صعيد الإئتلاف والحكومة لنقل عديد المواقع والوزارات والمكاتب للداخل.. لترميم الفجوة الحاصلة فعلاً .. والعمل الواعي لاستعادة القرار الوطني وصيانته.. عبر معادلة المصالح المشتركة وحدود دعم الأشقاء والأصدقاء.. وطل ذلك يرتبط نجاحه بمدى تقدّمنا في أداء المهام المناطة بنا، وبمدى وحدة رؤانا السياسية وحتى التكتيكية، والإيمان بالوطن منطلقاً، وبفهم موقع الخاص والعام، ولغة المصالح وحيثياتها..
6- كيف ترى مستقبل الثورة السورية وماهي توقعاتك حول انتصارها؟
- السؤال كبير...ومهم.. لا شكّ انني ممتلئ بالإيمان والقناعة بأن الثورة ستنتصر... ولن أكرر المقولة المعروفة" مهما طال الزمن وغلت التضحيات"... لأن تلك حقيقة يرسخها شعبنا بتصميمه وتضحياته.. لكن بالمقابل، ونتيجة موقف المجتمع الدولي بشكل عام، والاستراتيجية الأمريكية على وجه الخصوص.. تبدو" المسألة السورية" شديدة التعقيد، وليست موضوعة على موقد لأي حل غسكري، أو سياسي، وترتبط بمجموعة عوامل خارجية.. الأمر الذي يدعو ابناء سورية للعمل الجاد، والواعي للإمساك بزمام قرارهم، وإنهاض ميزان قوى على الأرض من شأنه أن يكون العامل الحاسم في فرض غرادة الشعب السوري. يجب أن نعترف بكل شجاعة أننا نتحمل المسؤولية الأساس في الذي يجري، وأن السوريين مدعوون للتوافق ووضع خريطة طريق عبر مؤتمر وطني جامع يجب توفي الشروط اللازمة لنجاحه، ولخروجه بحلول عملية..
حاوره: عمران الحلاق