قواعد اشتباك جديدة غير معلنة بعد اتفاق مناطق خفض التصعيد
قواعد اشتباك جديدة غير معلنة بعد اتفاق مناطق خفض التصعيد
● بحوث ودراسات ٢٦ مايو ٢٠١٧

قواعد اشتباك جديدة غير معلنة بعد اتفاق مناطق خفض التصعيد

بدأت عدة فصائل مطلع العام الجاري معارك متفرقة ضد تنظيم الدولة” ISIS” بدعم من التحالف الدولي بهدف تقطيع أوصال مناطق التنظيم في الشمال والشرق السوري، وفصلها عن المناطق الأخرى في الجنوب، والوصول إلى مدينة دير الزور  انطلاقاً من بعض المناطق الحدودية السورية- الأردنية- العراقية.

وقد سيطرت هذه الفصائل سابقا عقب معركة “سرجنا الجياد لتطهير الحماد” التي أطلقتها في شهر آذار الماضي، بهدف فتح الطريق إلى منطقة القلمون الشرقي المحاصر من قِبل قوات النظام السوري، وتنظيم الدولة (Isis) معًا، على مساحات واسعة من  البادية السورية الممتدة على ريفي دمشق والسويداء، ومنطقة القلمون الشرقي في ريف دمشق.

تعتبر البادية السورية جسرا يُمكّن من يسيطر عليه أن يبسط نفوذه على عقدة الطرق الرئيسة باتجاه خمس محافظات هي ريف دمشق ” القلمون الشرقي” ريف حمص الشرقي ،ريف حماة الشرقي ،ريف الرقة الجنوبي وريف دير الزور الجنوبي، بالإضافة إلى الحدود العراقية السورية، كما تؤثر بشكل كبير على تموضع التنظيم وتشل حركته وتقطع أوصاله بين العراق وسوريا، وتضرب عقدة تحركات النظام في الجغرافية السورية.

بدأت ملامح ظهور استراتيجية الإدارة الأميركية الجديدة إثر استهداف مطار الشعيرات صاروخيا، والذي اتخذته إيران   قاعدة مهمة لها لإدارة عملياتها في سوريا والعراق أيضا، وفق ما ذكرت وكالة “آكي” الإيطالية، كما يحتوي على قسم مخصص للقوات الروسية  لم يتعرض للقصف بالصواريخ الأميركية وفق ما صرحت به وزارة الدفاع الأميركية، وما تحركها العسكري المكثف في محافظات الرقة ودير الزور والحسكة عبر المشاركة في هجوم قوات سوريا الديمقراطية في محافظة الرقة، والقيام بغارات وتنفيذ عمليات إنزال قوات ضد مواقع لـتنظيم الدولة (Isis) في محافظة دير الزور، ونشر قوات على الحدود السورية التركية في محافظة الحسكة، مع الاستعداد لإرسال تعزيزات عسكرية وفق ما قاله روبرت فورد السفير الأميركي السابق في سوريا إلا تأكيدا على السير قدما في هذه الاستراتيجية.

وأعطى الإعلان عن اتفاق مناطق خفض التصعيد الذي تم إنجازه في أستانة وبدأ سريانه في السادس من شهر أيار 2017م بمبادرة روسية – تركية وإيرانية أريحية لقوات النظام (الفيلق الخامس) وأعوانها من الميليشيات الإيرانية (حزب الله، حركة النجباء، الفاطميون الأفغان، الزينبيون، الباكستانيون … الخ) حيث بدأت بالتوغل إلى عمق البادية السورية للمرة الأولى منذ بداية الثورة السورية، تزامنا مع تطورات ميدانية متسارعة في منطقة المثلث الاستراتيجي المشرف على طريق دمشق بغداد، وتسارع تحركات فصائل المعارضة السورية المدعومة  من القوات الخاصة الأميركية والنرويجية من قاعدتهم في بلدة التنف الحدودية لبسط السيطرة على البادية والتوجه إلى محافظة دير الزور ، ويهدف النظام وحلفاؤه لتحقيق ما يلي:

1 – قطع الطريق على أي توجه أميركي تنفذه فصائل المعارضة السورية (أحرار الشرقية، جيش أسود الشرقية، جيش مغاوير الثورة. لواء شهداء القريتين) لبسط السيطرة على البادية وانطلاقها نحو محافظة دير الزور.

2 – محاولة قوات النظام الوصول إلى معبر التنف الحدودي مع العراق لفتح “طريق دمشق – بغداد”، ولاحقاً خط “طهران – دمشق”. حيث تستخدم طهران طريق يمر من إيران باتجاه الأراضي العراقية ثم يدخل الأراضي السورية باتجاه حلب إلى اللاذقية، إلا أن زيادة الوجود الأمريكي شمال سورية دفعها على تعديل المسار القديم ونقل الممر 220 كم جنوبا بهدف احتلال مدينة الميادين في دير الزور ثم وصلها بمدينة البعاج العراقية، وذلك ما يفسر تحرّك ميليشيا الحشد الشعبي نحو الحدود السورية العراقية، للسيطرة عليها من الجهة الأخرى، واقترابه من مدينة البعاج العراقية، وهو  _ أي الحشد  _ يخوض المعركة بالتعاون مع الأميركيين في العراق ضد تنظيم الدولة، بينما يتحرّك حالياً لحماية النفوذ الإيراني على الحدود السورية، ومن ثم وصل منطقة البعاج العراقية بمدينة دير الزور  ومنها إلى دمشق ومنها إلى الساحل بوابة المتوسط حيث يضمن هذا الممر طريق إمداد لإيران بديلا عن مياه الخليج التي تخضع للمراقبة المشددة[1].

3 – باتت إيران وميليشياتها وفي مقدمتها حزب الله اللبناني تعتمد على مخططات استراتيجية تمكنها من تقديم نفسها وأذرعها العسكرية على أنها شريك قوي وخيار صحيح في مواجهة الإرهاب المتمثل بتنظيم الدولة (Isis) وتقف إلى جانب الدول العظمى في مواجهته في سوريا من خلال التماهي مع التركيز السياسي والإعلامي الدولي على تلك المنطقة المهمة وضرورة تحريرها من التنظيم  (Isis) من جانب، وتكرار التصريحات الصادرة في الآونة الأخيرة عن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وأركان إدارته، من وزير الخارجية تيلرسون ووزير الدفاع ماتيس ومستشار الأمن القومي ما كماستر وسفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة نيكي هيلي، التي تحدثت عن تركيز الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط على ثلاث محاور، أولها، محاربة جماعات الإرهاب، وخاصة تنظيم الدولة في سورية والعراق.

من جانب آخر أعلن الطيران الأمريكي في 18 أيار 2017م عن قصفه لقوات حليفة للجيش السوري لدى تقدمها نحو التنف، نقطة الحدود الثلاثية السورية-الأردنية-العراقية – في منطقة «الشحمة» شمال معبر التنف في خطوة تُظهر أن التحرك العسكري الأميركي في تلك المناطق، والمناطق المرتبطة بمعركة الرقة شمالا، يجري وفق تفاهمات عسكرية بين واشنطن وموسكو، وأن إدانة روسيا لغارات التحالف قرب التنف لا يعدو كونه تمرينا دبلوماسيا روتينيا لا يخرق هذه التفاهمات، خاصة أن مصادر أمريكية صرحت أن محاولات وقف القافلة شملت اتصالا مع الروس تلاه استعراض للقوة فوق تجمع الآليات، قبل توجيه النيران باتجاهها. ولم تلجأ إلى ضرب القافلة “إلا بعد أن باءت محاولات روسيا لثنيها عن التحرك جنوبا باتجاه التنف بالفشل”، وهو على غرار ما جرى أثناء الاستهداف الصاروخي لقاعدة الشعيرات الجوية في السابع من نيسان 2017م، ما يدل على أن نقاط الخلاف الاستراتيجية بين روسيا وإيران عادت تطفو على السطح من جديد، فروسيا ترى إيران على أنها حليفٌ سياسيٌ وأمنيٌ مضاد لنفوذ القطب الغربي، وتقيم معها تحالفًا عسكريًا وسياسيًا في سوريا، وتسعيان معًا لتحويله إلى “عمودٍ” ترتكزان عليه في مواجهتهما للغرب، إلا أن الخلاف الجيو ـ اقتصادي يمثل نقطة اشتباك رئيسية تحتاج لحل وسط بينهما، ويتمثل الخلاف باتفاق عقدته إيران في تموز 2010م مع كل من العراق وسوريا لتنفيذ مشروع خط الغاز الإسلامي الذي يمثل أحد أكبر مشاريعها الاستراتيجية لتصدير غازها الطبيعي إلى العراق  ومنها إلى سوريا ولبنان و أوروبا مستقبلا، وتمت الموافقة على المشروع في آذار 2013م رغم الحرب التي تعصف بسوريا، ومن هنا يمكن استيعاب الإصرار الإيراني بمشاركة عراقية مباشرة، على وأد الثورة السورية والإبقاء على النظام السوري قائمًا، عبر التمعن في الميزة الجيو سياسية والاقتصادية التي تمثلها الجغرافيا السورية بالنسبة لهما، إلا أن احتلال روسيا للقرم وفرض الاتحاد الأوربي عقوبات اقتصادية عليها وتوصل إيران إلى اتفاق نهائي مع النظام السوري بشأن مد الخط الإسلامي” الفارسي” هو ما دفعها للتدخل عسكريا في سوريا ومحاولة تقليص دور إيران وميليشياتها، وبناء على ذلك يبدو أن الطرفين سيواصلان تنافسهما السياسي والميداني البارز على الجغرافيا السورية.

المصدر: مؤسسة طوران الكاتب: رشيد حوراني
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ