في سوريا دول وحروب وصفقات وأمل
في سوريا دول وحروب وصفقات وأمل
● مقالات رأي ٢٨ يوليو ٢٠١٧

في سوريا دول وحروب وصفقات وأمل

منذ اجتماع هامبورغ بين الرئيسين الأمريكي ترامب والروسي بوتين، في السابع من الشهر الجاري، على هامش «مؤتمر العشرين»، والإعلان عن اتفاقهما على منطقة «خفض التصعيد» في جنوب سوريا، بمشاركة الأردن، وسيل التكهنات لا يتوقف حول مضمون الاجتماع فيما خص المشكلة السورية. هل هو اتفاق موضعي أم ينطوي على صفقة سياسية أوسع بصدد مستقبل سوريا؟ هل هو اتفاق قابل للحياة أم وقف هش لإطلاق النار سرعان ما سيتداعى أمام تناقض أجندات الفاعلين الدوليين والاقليميين؟ هل يطوي الاتفاق الجديد مسارات جنيف وآستانة أم يتحرك في مسار موازٍ لهما ومتكامل معهما؟

ويعود السبب في هذه الحيرة إلى أن مضمون التوافق الأمريكي ـ الروسي الجديد هذا غير معلن، إلا فيما خص بعض الجوانب الإجرائية من عملية «خفض التصعيد» وآليات مراقبتها وضبطها. وحتى هذه اصطدمت سريعاً بتصريحات متناقضة بشأنها من الأميركيين والروس، بما يوحي وكأن الاتفاق لن يتحقق على الأرض. ربما يمكننا تلمس بعض الإشارات من ردود فعل بعض الأطراف المعنية، وتحديداً إسرائيل وإيران. فبحكم الجوار الجغرافي المباشر للمنطقة المحددة المشمولة بالاتفاق، كان على إسرائيل أن تقول كلمتها. وقالتها، بعد تلكؤ، على لسان رئيس وزرائها بنيامين نتانياهو الذي عبر عن عدم رضا تل أبيب. في حين جاء الموقف الإيراني سريعاً ومحيراً. فعلى لسان الناطق باسم الخارجية، لم تعلن طهران رفضها للاتفاق، ولا أبدت حماسةً له. بدا شيء من التحفظ غير الصريح في الموقف الإيراني الذي طالب بأن يشمل الاتفاق جميع الأراضي السورية! اتفاق أمريكي ـ روسي يستبعد أي دور لطهران، وتطالب هذه الأخيرة بتوسيعه ليشمل كل سوريا؟ هذا يعني أحد احتمالين: إما أنها حققت مكاسب ولا تريد التشويش على الاتفاق بإعلانها على الملأ، أو أنها خضعت لأمر واقع أكبر من قدرتها على المواجهة ولا تريد الظهور بمظهر الخاسر.

ينطبق الأمر نفسه على موقف إسرائيل المفاجئ. فقبل إعلان نتنياهو عدم رضى إسرائيل عن الاتفاق، كانت التخمينات تذهب إلى مشاركة إسرائيلية سرية في صياغته، إلى جانب الروس والأمريكيين والأردنيين. ذلك لأنه لا يمكن تصور استبعادها من تقرير مصير منطقة تعتبرها امتداداً لأمن كيانها، من قبل الروس والأمريكيين على حد سواء. لذلك بدت تصريحات نتنياهو مفاجئة، مما اضطر وزير الخارجية الروسي إلى التأكيد على حرص بلاده على مصالح إسرائيل وهواجسها الأمنية.

النظام الكيماوي، من جهته، فضل التزام الصمت الذي يعتبر علامة رضى، في حين فضل حسن نصر الله الاحتفال بتحرير الموصل والاستعداد لخوض معركة جرود عرسال، على التعليق على الاتفاق الأمريكي ـ الروسي الذي من المفترض أنه يعني بصورة مباشرة استراتيجية حزب الله في المنطقة الجنوبية من سوريا التي كان يعول على التمركز فيها تعويضاً عما فقده في جنوب لبنان بعد حرب العام 2006. الأمر الذي لا يمكن لإسرائيل أن تقبل به.

الأسابيع الثلاثة التي انقضت بعد إعلان الاتفاق الأمريكي ـ الروسي، شهدت جملة من التطورات قد تكون كاشفة جزئياً لبعض مضامينه:
توقفت أخبار حملات الميليشيات الشيعية التابعة لإيران باتجاه معبر التنف الحدودي، مقابل تصاعد تحضير حزب الله الأجواء اللبنانية لمعركة جرود عرسال، وكانت بدايتها مع مداهمة وحدات من الجيش اللبناني لمخيمات اللاجئين السوريين، في محاولة لكسب غطاء «وطني» للمعركة القادمة. وهو ما نجح حزب الله في تحقيقه بصورة ملحوظة ومؤسفة. فلأول مرة منذ انخراط حزب الله العسكري في الصراع السوري، يحقق إجماعاً سياسياً لم يحظ به إلا في العام 2000 حين انسحبت إسرائيل، بقرار أحادي، من الأراضي التي كانت تحتلها في جنوب لبنان. مؤسف هذا «الإجماع الوطني» لأنه في الحالتين قائم على أكاذيب: أكذوبة «التحرير» في الحالة الأولى، وأكذوبة محاربة الإرهاب في الحالة الثانية المدعمة بدور مزعوم للجيش اللبناني. لا بد من الإشارة، في هذا السياق، إلى أن «الإجماع» المذكور هو إجماع الطبقة السياسية الحاكمة، أي قادة الطوائف المتحالفة في إطار الحكومة، ولا يعبر بالضرورة عن حالة وطنية عامة. ذلك لأنه تم قمع محاولات التعبير عن رأي عام مخالف لهذا «الإجماع» بشدة بلغت التهديد بالقتل على لسان إبراهيم الأمين رئيس الكتيبة الإعلامية لحزب الله الإيراني في لبنان. فلا يمكن، في ظل هذه الشروط القاهرة، معرفة حجم المعارضة الاجتماعية للحزب الإيراني ودولته في لبنان.

إلى ذلك جاءت مفاجأة ثانية، هذه المرة من القاهرة: اتفاق خفض التوتر في الغوطة الشرقية بوساطة من أحمد الجربا! وذلك بعد مفاوضات في القاهرة بين الفصائل العسكرية المعنية وروسيا، مع غياب تام للنظام الكيماوي الذي «ضمنته» روسيا. يمكن أن نقرأ «دولة الإمارات» بدلاً من أحمد الجربا، بالنظر إلى علاقة متينة بينهما هي التي تمنح الرئيس السابق للائتلاف الوطني المعارض وزنه التمثيلي. ترى هل يمكن القول إن هذا الاتفاق بشأن خفض التصعيد في الغوطة الشرقية هو الحصة التي ارتأى الروسي تقديمها لمحور السعودية ـ الإمارات ـ مصر في بازار تقاسم النفوذ في سوريا المستباحة؟ وهل كان إعلان جيش الإسلام ـ أكبر فصيل عسكري في الغوطة الشرقية ـ عن حل نفسه تمهيداً للانضمام إلى «جيش وطني»، قبيل الإعلان عن اتفاق القاهرة، هو العربون الذي قدمه المحور المذكور لروسيا لإنجاح الاتفاق؟ أما في الشمال، فأبرز التطورات تمثل في حرب جبهة النصرة ضد أحرار الشام في محافظة إدلب ومناطق مجاورة في ريف حلب الغربي وريف حماه الشمالي.

حرب انتهت سريعاً لمصلحة «النصرة» فيما يذكر بسيطرة داعش على الرقة أوائل العام 2014، بعدما كانت حركة أحرار الشام تشاركها في السيطرة على المدينة. قد لا تكون هذه الحرب الفرعية على صلة بتطورات الجنوب، بل مرتبطة أكثر بمسار آستانة وما يحتمل من حصول تركيا، في إطاره، على «الحق» في السيطرة على محافظة إدلب بموافقة روسية.

فإذا أضفنا إلى ذلك، حرب التحالف الدولي ضد داعش في الرقة ومناطق أخرى، بقوات كردية في إطار «سوريا الديمقراطية»، لظهرت أمامنا لوحة من الصراعات المنفصلة بعضها عن بعض، تديرها قوى إقليمية ودولية مختلفة، في مناطق مختلفة مما كان يسمى سوريا. لوحة قاتمة لا مكان فيها لإرادة السوريين.

لكن خياراً آخر لاح كضوء في نهاية النفق المظلم والدامي: بلدة سراقب في الشمال، وسقبا في ريف دمشق، حيث تم انتخاب المجلسين المحليين باقتراع شعبي مباشر. نعم، هناك أمل ما زال.

المصدر: القدس العربي الكاتب: بكر صدقي
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ