هل رفعت إسرائيل غطاءها عن الأسد أخيرًا؟
هل رفعت إسرائيل غطاءها عن الأسد أخيرًا؟
● مقالات رأي ١٨ أبريل ٢٠١٨

هل رفعت إسرائيل غطاءها عن الأسد أخيرًا؟

في سلسلة مقالاتنا السابقة تحت عنوان "أوركسترا الشيطان" تحدثنا بشيء من التفصيل عن ماهية اللعبة الجارية في الشرق الأوسط اليوم وخاصة في سوريا ومصر والعراق. النتيجة التي خلصنا إليها والتي تثبتها الأيام بشكل قاطع هي أن اللاعب الرئيسي في الشرق الأوسط هو إسرائيل والتي أسميناها بالملحن الذي يكتب النوتات الموسيقية. أما الولايات المتحدة الأمريكية فتلعب بدورها قائد الأوركسترا لتدير عمل العازفين وتحدد أدوارهم بما يتناسب مع النوتة التي تضعها إسرائيل.

استنادا لهذه النتيجة فإننا خلصنا للقول بأن تفسير أي سلوك تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط يستند بالدرجة الأولى إلى مصالح إسرائيل وليس إلى مصالح الدولة الأمريكية. لذلك فإن كثيرا من الباحثين والمحليين الذين يحاولون تفسير التصرفات الأمريكية في الشرق الأوسط من خلال المصالح الأمريكية غالبا ما ينتهي بهم المطاف إلى تفسيرات ساذجة وسطحية وغير مقبولة منطقيا.

اليوم، وفي ظل الحشد الأمريكي الغربي لضرب سوريا بسبب الهجوم الكيميائي المفترض على دوما، سنعود لاستخدام هذه المعطيات من أجل تحليل وتفنيد الظروف المحيطة والمرافقة بما يضمن الخروج بتحليل قريب للمنطق. إن تاريخ العاشر من شباط لعام 2018 هو الفيصل.


أولا: قواعد اللعبة قبل العاشر من شباط / فبراير:
إن بقاء بشار الأسد في السلطة حتى اليوم رغم كل الفظائع التي ارتكبها بحق سوريا والسوريين لم يكن ليتم بدون وجود غطاء وفرته له إسرائيل من خلال استخدام نفوذها الهائل في واشنطن. لقد كان واضحا جدا بأن الولايات المتحدة الأمريكية حالت عبر سنوات الصراع المسلح في سوريا دون وصول أي نوع من أنواع السلاح النوعي للمعارضة السورية لا بشكل مباشر ولا بشكل غير مباشر من دول مثل تركيا أو السعودية أو قطر.

ولو نظرنا الى هذا السلوك الأمريكي لما استطعنا تفسيره إلا بالخضوع المطلق لنفوذ اللوبي الصهيوني الذي يعمل لتحقيق مصالح إسرائيل. أما هدف إسرائيل فهو بالتأكيد ليس حماية نظام الأسد محبة به، وإنما من أجل تدمير سوريا من خلال الحفاظ على حالة دائمة من التوازن بين الأطراف المتصارعة بما يضمن عدم انتصار أي طرف وصولا إلى بلد مدمر سياسيا واجتماعيا واقتصاديا تحت قيادة نظام الأسد. إن الوصول لمثل هذه النقطة يعني ضمانا لأمن إسرائيل على مدى عشرات السنوات القادمة.

عندما وصلت سوريا للمستوى المطلوب "تقريبا" من التدمير والتشتت والتشرذم، تم رفع الغطاء عن المعارضة السورية وكسر التوازن الموجود في الساحة لمصلحة النظام وحلفائه. وبذلك تمكن هؤلاء من سحق المعارضة المسلحة في حمص وحلب دون أن تتلقى الأخيرة أي دعم يذكر. نعود للتأكيد هنا: الهدف هو سوريا مدمرة تحت قيادة النظام "مع أو بدون الأسد".

إسرائيل ليست غافلة بالطبع عن التمدد الإيراني والروسي في سوريا. أما بالنسبة للتدخل الإيراني فقد تم السماح به والتغاضي عنه إسرائيليا لأنه ضروري من أجل تمكين بشار الأسد من الصمود في وجه المعارضة. وفي الحقيقة لا مجال أبدا للحديث عن بقاء النظام في سوريا حتى الأن لولا التدخل من إيران وميليشاتها بقوة لصالحه منذ بدايات الأزمة السورية.

ولا بد من الإشارة هنا إلى أن الوجود الإيراني في سوريا قد يشكل مصدر إزعاج لإسرائيل لكنه قابل للتحمل وللمعالجة من أجل تحقيق أهداف أكبر - والحديث هنا يطول-. أما بالنسبة لروسيا فلا خشية منها على العموم وإننا نكاد نجزم أن قدوم روسيا إلى سوريا تم بضوء أخضر أمريكي نتيجة لضغط إسرائيلي من أجل إنقاذ بشار الأسد في لحطة كان نظامه فيها أيلا للسقوط.

ونعود هنا لنؤكد مرة أخرى بأن سماح الأمريكان للروس بالتغلغل في سوريا لا يمكن أن يفسر بأي شكل من الأشكال في مصلحة الدولة الأمريكية، وإنما لمصلحة إسرائيل وبضغط منها والهدف هو إعادة التوازن للمسرح السوري ودعم صمود الأسد.

 قاعدة اللعبة الذهبية الضمنية بين الأسد وبين إسرائيل هو التالي: بقاء الأسد في السلطة مقابل ضمان أمن إسرائيل والسماح لها بأن تضرب أينما تشاء وفي أي وقت تشاء. وقد التزم الأسد بهذه المعادلة طويلا مما جعل سماء سوريا مرتعا للطائرات الإسرائيلية التي تقصف وتنصرف وكأنها في نزهة ممتعة.


ثانيا: قواعد اللعبة بعد العاشر من شباط / فبراير 2018
إن إسقاط الدفاعات الجوية السورية لمقاتلة إسرائيلية في هذا التاريخ هو الذي غير قواعد اللعبة وقلبها رأسا على عقب. قلنا وقتها بأن الرد الإسرائيلي سيكون قاسيا ضد الأسد، فيما ظن البعض بأن حدود الرد توقفت عند قصف إسرائيل لبعض مواقع النظام في سوريا في اليوم ذاته ومن ثم دعوتها للتهدئة وعدم التصعيد.

في الحقيقة، إن دعوة إسرائيل للتهدئة آنذاك لم يكن يعني أنها اكتفت بالرد، ولكن السبب الرئيسي هو عدم رغبة إسرائيل بالانخراط بنفسها في أي صراع في الوقت الذي تملك فيه إمكانية تجيير قوة الولايات المتحدة الأمريكية لصالحها كيفما تشاء. إن إسقاط المقاتلة الإسرائيلية هو السبب المباشر والرئيسي في رفع الغطاء عن الأسد لعدم التزامه بقواعد اللعبة.

ورفع الغطاء عن الأسد هو السبب المباشر لما يجري اليوم من تحضيرات أمريكية وغربية لقصف سوريا دون الالتفات حتى لوجود روسيا التي طالما تم اتخاذها بعبعا لا يمكن تخطيه. أما اليوم، وبعد أن رفع الغطاء عن الأسد، يغرد دونالد ترمب على تويتر ساخرا من روسيا وقوتها: "روسيا تعهدت بإسقاط جميع الصواريخ التي سوف تطلق على سوريا. إذن استعدي يا روسيا لأن صواريخ جديدة وذكية آتية".

وإذا كان هذا هو السبب المباشر، فلا يجب أن ننسى مجموعة كبيرة من الظروف الدولية المتوترة أصلا بما فيها مسالة تحقيقات مولر واحتمالية عزل الرئيس ترمب إضافة لمسالة تسميم العميل الروسي في بريطانيا وغيرها. إلا أن كل هذه الظروف لم تكن كافية للتفكير في شن هجوم واسع على الأسد لولا رفع الغطاء الإسرائيلي عنه.

أخيرا نود أن نشير إلى نقطة مهمة تتعلق في شكوكنا حول دور النظام السوري في كيميائي دوما. هذه الشكوك ليست بسبب عدم قدرة أو عدم رغبة النظام الذي يملك سجلا حافلا وموثقا في استخدام هذه الأسلحة، ولكن في المنطق وراء استخدامها في منطقة كانت قاب قوسين أو أدني من أن تصبح تحت سيطرته، وهذا ما تم بالفعل في اليوم التالي. فأي منطق يكمن إذن في استخدام النظام لأسلحة كيميائية تحرض العالم ضده في وقت هو ليس في حاجة لمثل هذا الاستخدام.

إن معالجتنا لهذه النقطة بالذات مهم جدا. فاذا كان هذا الهجوم مدبرا من جهات أخرى من أجل اتهام النظام فيها، فهذا يعني أن قرار إسقاط الأسد قد تم اتخاذه بالفعل، وموضوع الهجوم الكيميائي هو الذريعة.. فهل يتم بالفعل إسقاط الأسد أم فقط إعادته إلى حظيرة الطاعة التي زلت قدمه قليلا عنها في العاشر من فبراير الماضي.. الأيام القليلة القادمة كفيلة بالإجابة.

المصدر: مدونات الجزيرة الكاتب: محمد العمر
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ