هل تطيح أسعار النفط بالأسد؟
هل تطيح أسعار النفط بالأسد؟
● مقالات رأي ٢٦ نوفمبر ٢٠١٤

هل تطيح أسعار النفط بالأسد؟

حينما سقطت الموصل في بداية الصيف الماضي بيد «داعش»، ليتبع ذلك سيطرتها على ثلث مساحة العراق، ولتتعزز أيضا سيطرتها على ثلث الأراضي السورية، أعلن تنظيم «داعش» دولة الخلافة. وصار يهدد بالتــمدد في مناطق اخرى من المنطقة العربية، بما فيها السعودية والكويت والأردن.
وقد تسبب هذا التطور بالارتباك والقلق بين أوساط صناع القرار في المنطقة والعالم، واتخذت واشنطن ومعها 40 دولة، من بينها دول الخليج وعلى رأسها السعودية قرارا بتشكيل تحالف دولي لمواجهته، والقضاء عليه. وساد اعتقاد في أوساط دول التحالف بأن «داعش»؛ الذي تغول في المنطقة؛ ليس سوى ناتج عرضي عن الأزمة السورية واستمرارها، وعن سياسات المالكي رئيس الوزراء العراقي السابق الطائفية والاقصائية المدعومة من إيران. وبناء على ذلك الاعتقاد كان يجري الحديث عن أن القضاء على «داعش» يتطلب معالجة الأزمة السورية وإنهاء نظام الأسد، والإطاحة بالمالكي ليس فقط كشخص وانما كمنهج وسياسات. ويبدو أن الجزئية المتعلقة بالعراق وبالمالكي كان عليها اتفاق وإجماع، وكانت سهلة التحقق لوجود إجماع عراقي من جهة، ولحصول انتخابات في العراق قبل اشهر من سطوع نجم «داعش» من جهة ثانية، فحدث ما حدث وتم تغيير المالكي وانتخاب العبادي بدلا عنه، الذي تعهد واتفق مع الفرقاء السياسيين بالابتعاد عن سياسات المالكي في التفرد والطائفية والإقصاء والتهميش.. وبدأت العملية السياسية تنطلق مجددا على أسس تحظى بقبول عراقي عام، وبدأت خطوات التغيير.. ورغم ان التغيير لا زال في بداياته، يبدو أنه أتى أكله، كما يقال، اذ انتقلت العمليات العسكرية من الدفاع لمواجهة «داعش» الى الهجوم على مواقعه وتحرير المناطق التي سيطر عليها، وقد تحققت في هذا الإطار إنجازات مهمة معروفة والبقية آتية على الطريق.
أما في ما يتعلق بالشق السوري ونظام الأسد، فيبدو ان العملية معقدة، لأسباب عديدة، أهمها ثقل وحجم الدعم الخارجي الذي يتلقاه نظام الاسد من ايران وروسيا. واتجه تفكير دول التحالف إلى ضرورة تكثيف العقوبات الغربية على موسكو، ليس فقط بسبب أوكرانيا حتى – ان كانت هي السبب المباشر- وانما ايضا بسبب سوريا. كما ان التصلب الغربي في المفاوضات النووية مع إيران وعدم رفع العقوبات عنها من دون ابرام اتفاق نهائي كان ايضا سببه ليس الملف النووي بحد ذاته فحسب، وانما ايضا السياسات الايرانية في المنطقة، ولاسيما في سوريا والعراق واليمن. وتصادف ان أسعار النفط تراجعت لاسباب اقتصادية، ولما كانت روسيا وايران من الدول المصدرة للنفط، فقد جرى التفكير في ان يتم استغلال موضوع أسعار النفط لزيادة الضغط عليهما. فقد كانت هناك قرارات سيــاسية بالعمل على خفض اسعار النفط أكثر لتكثيف الضغط على الدولتين فكيف حدث ذلك، وما هي النتائج المتوقعة من ذلك؟
مع انخفاض أسعار النفط الى نحو 95 دولارا لأسباب متعلقة بالعرض والطلب في السوق العالمية للنفط (أي لأسباب اقتصادية)، اتخذت المملكة العربية السعودية قرارا بزيادة كميات الإنتاج، الأمر الذي أدى الى المزيد من التدهور في اسعاره، بل ذهبت الرياض أبعد من ذلك بأن خفضت أسعار النفط الخفيف المصدر إلى السوق الآسيوي خلال 3 شهور متتالية (وفق مؤشر دبي وعُمان)، كما أنها خفضت أسعار النفط الثقيل الذي يتم تصديره إلى أمريكا الشمالية ليصبح أقل من (مؤشر أرجوس) بنسبة 10٪. و»أرجوس» هو مؤشر أسعار النفط الثقيل والمتوسط في أمريكا الشمالية والخاص بنفط المكسيك والسعودية على سبيل المثال. أما مؤشر دبي وعمان فهو مؤشر أسعار الخام الخفيف في الأسواق الآسيوية.
وقد بررت الرياض زيادة إنتاجها بأسباب اقتصادية في مقدمتها: ان النفط هو مصدر أساس في دخل الاقتصاد السعودي، وبالتالي تراجع أسعاره قد تسبب في انخفاض هذا الدخل، وكان لابد من زيادة الانتاج لتعويض النقص وبهدف تحقيق الاستقرار في اقتصاد البلد. وكان ايضا من بين الأسباب رغبة المملكة في المحافظة على عملائها أو كسب عملاء جدد في السوق، فضلا عن رغبتها في أن تُخرج مستثمرين كبارا يعملون بقطاع الغاز الصخري من السوق، بحيث يصبح الاستثمار في هذا الميدان غير مجد مع انخفاض الأسعار.
ولكن يبدو أن الأسباب السياسية هي الأقوى في قرار المملكة بهذا الصدد بهدف زيادة الضغط على ايران وروسيا. وفي هذا الصدد يقول جون ألين جاي ، مؤلف كتاب «الحرب مع إيران: العواقب السياسية والعسكرية والاقتصادية»، إن الرئيس الإيراني حسن روحاني يشعر بعدم الارتياح إزاء انخفاض أسعار النفط الحالي، حيث وعد إبان حملته الانتخابية بتحقيق «الازدهار الاقتصادي»، وخفض التضخم، وأن تكون إيران واحدة من أكبر 10 اقتصادات في العالم خلال 30 عاما. وأشار تحليل جاي، الذي نشرته مجلة «ناشيونال انترست» الأمريكية، إلى أن إيران وضعت ميزانية العام الحالي على أساس أن سعر النفط 100 دولار للبرميل، وصادرات النفط 1.5 مليون برميل يوميا، وتفاءلت بعد أن وصلت أسعار النفط ذروتها في يونيو/حزيران الماضي، عند 113 دولارا للبرميل. وبالتالي فإن روحاني سيجد صعوبة في الوفاء بوعوده، وذلك من شأنه إضعافه في الداخل، بينما تكثف العناصر المحافظة في مجلس الشورى انتقاداتها، وقد ينضم المحافظون الأكثر اعتدالا إلى المعركة. وأضاف التحليل، أن تراجع سعر النفط يزيد من تكلفة الفرصة البديلة في حالة عدم التوصل إلى اتفاق، لأن هذا يقلل نفوذ إيران على طاولة المفاوضات، ومن وجهة نظر المتفائلين، فمن المرجح التوصل إلى اتفاق بشأن الملف النووي وأن يكون مناسبا للغرب.
وفي اعتقادي ان المهم بالنسبة للسعودية ودول الخليج الاخرى هو ان تشعر ايران من خلال انخفاض اسعار النفط بوطأة تكلفة دعمها لنظام الأسد، وان استمرار هذا الدعم من شأنه ان يفقرها. وهو أمر ينطبق الى حد ما على روسيا التي صارت عملتها تتهاوى وصار اقتصادها يشعر بضرر بالغ نتيجة العقوبات الغربية بسبب اوكرانيا، ثم جاء انخفاض اسعار النفط ليزيد من كاهل المصاعب الاقتصادية ويفاقمها.
والحقيقة ان سؤالا يطرح بهذا الصدد، هل ان السعودية ودول الخليج لم تتضرر من انخفاض أسعار النفط، او انها اعتمدت الخيار الشمشوني؟
بالمنطق الاقتصادي، السعودية والدول الخليجية أول المتضررين من تراجع أسعار النفط، ولكن التكلفة الاقتصادية على روسيا وإيران جراء خفض أسعار النفط أكبر كثيرا من تكلفته على دول الخليج. لاسيما ان للسعودية ودول الخليج فوائض نقدية كبيرة تحققت لها خلال الفترة السابقة نتيجة ارتفاع أسعار النفط.
ويبدو لي ان سياسة الضغط هذه من شأنها ان تحقق نتائجها، وقد برز ذلك خلال زيارة الأمير سعود الفيصل الى موسكو الجمعة الماضية، اذ طلب الجانب الروسي التنسيق بضرورة خفض كميات المعروض من النفط في الاسواق العالمية بغية رفع الأسعار، وقد تم الإيحاء من الجانب السعودي بأن التعاون يجب ان يكون في هذا المجال والمجالات الاخرى، في المقدمة منها الأزمة السورية والتعاون في مجال مكافحة الارهاب والاوضاع الاقليمية الاخرى، أي الوضع في العراق واليمن وليبيا والصراع الفلسطيني الاسرائيلي وايضا الوصول الى اتفاق نووي مع ايران بشكل مرض لجميع الاطراف الاقليمية، فضلا عن تفعيل العلاقات الاقتصادية بين البلدين.
وفي الصدد السوري لمحت موسكو إلى أنها لا تمانع في الاطاحة برأس النظام السوري على ان يتم الابقاء على مؤسسات الدولة والنظام في المرحلة الانتقالية، بما يحقق الحفاظ على وحدة وسيادة الأراضي السورية على أساس «جنيف 1». وقد أبدت موسكو لأول مرة تفهما واسعا للمطالب العربية التي تحملها السعودية بخصوص الازمة السورية.
وفي رأينا ان التراجع الروسي في سوريا من شأنه ان يحفز التراجع الايراني ايضا، خاصة مع زيادة الضغوط الدولية عليها، ومع زيادة الضغط النفطي عليها. وهذا ربما سيسهم في الوصول الى تسوية من شأنها ان تتخلى فيها روسيا وإيران عن الأسد.

المصدر: القدس العربي الكاتب: عصام فاهم العامري
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ