هل احتاج «حزب الله» إلى الخزعلي في لبنان؟
هل احتاج «حزب الله» إلى الخزعلي في لبنان؟
● مقالات رأي ١٦ ديسمبر ٢٠١٧

هل احتاج «حزب الله» إلى الخزعلي في لبنان؟

يتفق وجود قيس الخزعلي زعيم ميليشيات «عصائب أهل الحق» العراقية في جنوب لبنان مع ما وعد به الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله في حزيران (يونيو) الماضي من أنه في أية حرب مقبلة ستفتح الحدود لمقاتلين من العراق واليمن وأفغانستان وباكستان وإيران لمقاتلة إسرائيل. والحال أن الحزب سرّب عن عمد فيديوات عن وجود عناصر عراقية وأفغانية لاختبار ردّ الفعل اللبناني كما العربي والدولي على هذا الأمر الواقع الجديد.

وما يراد منه أن يكون تجريبياً هو ما تروم إيران تثبيته داخل «هلالها» الذي (يريده الخزعلي «بدراً») يمتد من طهران إلى بيروت. فلا حدود ولا سيادة بين البلدان التي تخترقها سلطة الولي الفقيه، ولا سلطة لدولة تتجاوز سلطة الميليشيات. فإذا ما كان رواد «النأي بالنفس» في لبنان يجربون الادعاء أمام العرب كما أمام العالم بأن في بيروت دولة وحكومة تقرران وجه لبنان ووجهته، فإن طهران لا تكترث لضجيج العواصم والحكومات والبرلمانات وتبني «امبراطوريتها» الطموحة في المنطقة وفق حراك ميليشياتها الشيعية الهوية والمتعددة الجنسيات.

وإذا ما كان الوجود الميليشياوي الإيراني المتجوّل في جنوب لبنان يتذرع بالاستعداد لمقاتلة إسرائيل، فطهران التي اعتادت اتباع سياسات حافة الهاوية منذ قيام الجمهورية الإسلامية، تعمل بدأب على استدعاء حرب ميليشياتها مع إسرائيل سواء في لبنان أو سورية، توسلاً لمآلات ما بعد أي حرب تجعلها شريكاً مفصلياً في مصير المنطقة برمتها.

على هذا فإيران تخوض حروبها من خلال بلدان الآخرين وتدفع بجماعاتها الشيعية الموالية من أفغانستان إلى لبنان لحماية جماعاتها الحاكمة حول الولي الفقيه. وعلى هذا أيضاً، فهي تجتهد في مبدأ تخريب مفهوم الدولة لمصلحة مفهوم الجراحات التي تقوم بها الجماعات. فإذا ما فقدت إيران بعد هزيمة تنظيم «داعش» مسوّغ تمددها الميليشياوي، فإن العودة إلى النفخ بمزامير مقاتلة إسرائيل هي العصب الأساس الذي ستعمل على الترويج له من أجل هزم الدولة وتفتيتها والترويج لفوضى وعبث دائمين يقيان نظام الحكم في طهران «شرور» أي استقرار متوخى في كافة دول المنطقة.

ولا تختلف عقيدة التفتيت هذه في اليمن، ذلك أن ميليشيات الحوثيين المدعومة من إيران تعمل كما تعمل كافة ميليشيات طهران على تعزيز ديناميات هدم الدولة والفتك بوحـــدة البلاد. والحال أن الدول المهيمنة في التاريخ الحديث كالولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي وما ظهر بعد الحرب العالمية الثانيــة، عملت على بسط نفوذها داخل بلدان سهرت على تقوية دولها والتحكم بنخبها الحـــاكمة والإمساك بمفاتيحها الاقتصادية والعسكــرية والثقافية، فيما تدرك طهران عجزها عــن ذلك واستحالة سيطرتها على دول بعينها، بالتالي فأقصى طموحها انصب على سلوك ما تسلكه المافيات في الدول المتقدمة من بلطجة تمارس على هامش البناء الدويلاتي وقواعده.

والمؤكد أن الورشة الإيرانية تقوم على قاعدة أن جماعات الحرس الثوري في المنطقة تتغذى من حروب يجب أن تكون دائمة في بلدان المنطقة. فإذا ما انطفأت حرب أو مواجهة وجب إشعال معارك جديدة لأسباب لا تنتهي، لإقامة «الدولة العادلة» المزعومة أو لرد العدوان الدائم على «الأمة».

وغياب الحرب المباشرة ضد إيران وغياب أي استراتيجية عسكرية أو أمنية ضدها من قبل خصومها في العالم، يطلقان لطهران العنان للتفرّغ الكامل لتصدير العبث نحو الخارج لرفع مناعة الداخل ضد أي عبث يأتي من هذا الخارج.

وإذا ما كانت إيران تدفع الحرب عنها بنشر الحروب لدى الآخرين، فحري أن يكون الرد بنقل تلك الحروب إلى داخلها. وليس في ذلك عدوانية انفعالية، بل معالجة واقعية لعلّة واقعية. والظاهر أن طهران تدرك أن حروبها الداخلية آتية لا محالة بين مجتمع الحداثة ومنظومة الحكم المتقادم وبين إرادة التغيير وسطوة مصالح الممسكين بتلابيب السلطة. وإيران مدركة أيضاً أن هزائمها في اليمن البعيد أو العراق وسورية ولبنان مرادف لانهيار نظام الولي الفقيه برمته أمام أعين، وربما بيد، الإيرانيين أنفسهم.

ستستفيد إيران كثيراً من الموسم الذي أثاره قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. سترى في التظاهرات التي اندلعت في الشوارع كما في المواقف الرافضة التي اتخذتها العواصم ملاذاً تنشط تحت سقوفه تأجيلاً لضغوط ما برح يمارسها المجتمع الدولي على طهران بما يمنع تطبيع العلاقات مع إيران. ستنشط ميليشياتها «دفاعاً عن القدس» وسيصبح حراكها علنياً خارقاً للحدود بين الدول على منوال حراك قائد فيلق قاسم سليماني بصفته غيفارا العصر المتفاني في أمميته.

يبقى أن العالم بات متنبّهاً لميليشيات إيران وليس فقط لبرامجها النووية والصاروخية، وأن إيران نفسها باتت قلقة من أن الاتفاق الدولي السابق حول برنامجها النووي، كما أي اتفاق لاحق حول برنامجها الصاروخي، لن يوقف الضغط الدولي لوقف تمدد ميليشياتها ومواجهة سلوكها في المنطقة. باتت العواصم الكبرى تطالب بحل ميليشيات «الحشد الشعبي» في العراق وبخروج كافة الميليشيات من سورية بعد هزيمة «داعش»، وبات المجتمع الدولي يؤكد في مؤتمر باريس الأخير لمجموعة الدعم الدولية للبنان على تنفيذ القرار الأممي 1559 الداعي إلى حلّ الميليشيات في لبنان، بما يستهدف «حزب الله». الحزب يدرك أن الأمر جدي بما احتاج استدعاء الخزعلي وصحبه لالتقاط الصور علّها تردع الدولة في بيروت كما مزاج العالم في الخارج.

المصدر: الحياة اللندنية الكاتب: محمد قواص
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ