نهاية حرب إيران في سورية
نهاية حرب إيران في سورية
● مقالات رأي ٢٣ فبراير ٢٠١٥

نهاية حرب إيران في سورية

بكثافة نيرانية غير مسبوقة، وبرمي جميع أوراقها في الميدان، حاولت إيران تغيير المعادلات في المنطقة، وإنضاج السياقات قبل أوانها؛ لكن من الواضح أن تقديرات طهران غلب عليها النزق والتسرع، وتبين أنها وقعت ضحية معلومات مضللة دسها مرتزقتها في طبق من دسم لصانع القرارات!

من حوران إلى حلب، تم التحضير لهجوم من شأنه تغيير المعطيات في المنطقة نهائيا، تسلّلت إيران وأذرعها تحت ضباب حزمة من المتغيرات التي توقعت أنها ستشكل غطاء لتحركاتها، مثل مفاوضات الملف النووي وانشغال العالم بالمسلسل الدرامي الداعشي وتداعياته المرعبة، لإعلان ساعة الصفر التي جرى التحضير لها بعناية، أما الأهداف النهائية فهي إستكمال إحكام الكماشة على المنطقة من باب المندب حتى المتوسط وإعلان طهران الحاكم الفعلي على المنطقة بقوة السلاح ومن خلال فرض أدواتها كأمر واقع، ثم الطلب من العالم أن يتفاوض على ما بعد الجولان وحلب.

هذا على مستوى المعطيات، أما السياقات التي أرادت طهران إنضاجها، فهي إعتراف العالم بشرعية هيمنتها وتعجيل هذا الإعتراف، ذلك أنه وحسب تقديرات مطبخ القرار الإيراني فقد تم رصد مؤشرات عديدة صادرة من أكثر من عاصمة غربية عن وجود تبدّل في المقاربة تجاه الأزمة في المنطقة، وفي القلب منها الحدث السوري، لذا فإن إيران من خلال فرشها لسطوتها في المنطقة إعتقدت أنها تعمل على تسريع التحولات وتظهيرها بمدى زمني أقل حتى لا تأخذ هذه الاستدارة زمنا طويلا في الوقت الذي باتت إيران تستعجل ثمار استثماراتها طوال السنوات السابقة.

لم تكن الحصائل المترتبة عن الهجوم الإيراني بحجم التوقعات التي تم بناؤها، بل تبين أن المشروع الإيراني المتوسع بات ينطوي على أعطاب كثيرة، إن على مستوى مراكز دعم القرار فيه، حيث تبين أنها مجرد أبواق إعلامية مسترزقة لا تملك الخبرة الكافية في التقدير، أو على المستوى العملاني حيث ظهر الخلل فاضحا سواء على مستوى بناء الإستراتجيات وتحديد الأهداف وتطبيقها على أرض الواقع، وقد ظهر أنّ التكتيكات التي يقوم بها قاسم سليماني لا تصلح في التطبيق العملاني للحروب بقدر ما هي صالحة لعمليات أمنية من قبيل الإغتيالات أو الإجهاز على مناطق مدنية، لذا فإن النجاح الواضح الأكيد في الغزوة الإيرانية الاخيرة تمثل بذبح عشرون مدنيا بالسكاكين في ريف حلب الشمالي وسرقة بعض البيوت قبل وصول كتائب الجيش الحر.

غير أن العطب الأكبر الذي جرى إكتشافه في هذه الواقعة تمثل بوضح في إهتراء قوة أدوات إيران من ميليشيات لبنانية وعراقية وأفغانية، وقد كشفت معارك حوران وحلب، أنه برغم التغطية النارية والجوية، التي لو توفر جزء منها للجيش الحر لكان قد أنهى الأزمة السورية منذ أشهرها الاولى، ورغم ذلك ظهر بوضوح ثقل خطوات عناصر تلك الميليشيات( الإيرانية) وضعف أداءها وترهلها، بعد أن باتت وعاء للعاطلين عن العمل والمسترزقين والباحثين عن الغنائم السهلة، كثرة جثثهم وإنهيارهم السريع كشفت عن الوهن الكبير الذي باتت عليه منظومة إيران القتالية، لم تنفع كثيرا صورة قاسم سليماني في جرف الصخر ولم تسبقه إلى حوران وحلب ذلك أن ثوار سورية كانوا يعرفون أن خلف تلك الصورة كانت الطائرات الأمريكية قد مهدّت طويلا وبأطنان من القذائف ليأتي إسطورة إيران لأخذ صورة في أرض فارغة.

لكن العملية كشفت عن ما هو أهم بكثير بالنسبة للسوريين، فقد ظهر أن البنية الثورية أقوى بكثير مما إعتقد الكثيرون، فهي الى جانب رسوخها في الارض، تملك قدرات عملانية مهمة تستطيع من خلالها عكس أي هجوم وردّه، في حوران وحلب أثبت الثوار صلابة في صد الزخم الكبير وفائض النيران الذي حاولت إيران إغراقهم به؛ وبالتالي فإن هذا الأمر كان كافيا لإحباط الأمال الإيرانية المستقبلية في إمكانية تحقيق السيطرة الكاملة على سورية... فإذا كانت بكل الإمكانيات التي رصدتها والموارد التي هيأتها، وهي غير ممكنة دائما، لم تستطيع انجاز تقدم حقيقي، فإن من الأفضل لها البحث عن مخارج مختلفة للخروج من الورطة السورية، من ناحية ثانية كشفت الإستجابة التي أبداها السوريين للتحدي الإيراني عن ظهور مقاومة شعبية رفيدة للأطر الثورية في ريف حلب الشمالي ودرعا، ما يعني أن الثورة لازالت تحتفظ ببيئتها الحاضنة رغم كل ما مرّ بها من كوارث وما عانته من صعوبات، بل أن هذه البيئة إنتقلت بإدراكها إلى خانة حرب التحرير من المحتل الإيراني وتابعه الأسد، وهو عكس ما راهن عليه حلف إيران من أن الضغط والحصار المتواصل، من شأنه تدمير البيئة الحاضنة للثورة، وجعلها تقبل أي حل.

حرب إيران إنتهت، قد يبقى منها بعض الإرتدادات هنا وهناك، على نمط ضربات غادرة، لكن بشكلها هذا لن تحدث تغييرات إستراتيجية كبيرة، كل ما يمكن أن تصنعه زيادة في الإستنزاف لنفسها والألم لبيئتها، عبر مزيد من الضحايا العائدة إلى ضاحية بيروت وضواحي طهران، كأس من السم بات جاهزا كي تتجرعه إيران كعادتها في نهاية مغامراتها الفاشلة.

المصدر: أورينت الكاتب: غازي دحمان
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ