من يقرّر الحرب في لبنان؟
من يقرّر الحرب في لبنان؟
● مقالات رأي ١١ يوليو ٢٠١٦

من يقرّر الحرب في لبنان؟

من يقرّر الحرب في لبنان؟ إسرائيل؟ أميركا؟ إيران؟ حزب الله؟ داعش؟ بشّار الأسد؟ ليلى عبد اللطيف؟ كلّ الأطراف جاهزة للقتال والقتل والموت. السلاح متوافر وبأسعار تناسب كلّ الموازنات. ولكن، من بيده إطلاق الرصاصة الأولى؟ من بيده قرار الحياة والموت؟ الشاشات الصغيرة تعجّ بالتوقّعات الدموية والسيناريوات المرعبة: حرب إسرائيلية تنتظر لبنان نهاية الصيف، أين منها حرب تموز ٢٠١٦، هدفها القضاء نهائياً على حزب الله، يقول سياسي محلّل. لا بل هي فصل من فصول الحرب الإقليمية الدائرة، يتّخذ من لبنان ساحةً أخيرة قبل إعلان النتائج النهائية، يضيف آخر. إنها حرب إرهابية داعشية تضرب مناطق عدّة، بعدما تغلغلت عناصرها عبر الحدود الشرقية وبساتين الليمون في الشمال، لتنفيذ لائحة أهداف مدنيّة وعسكرية، يقول ثالث. إنها حرب لإسقاط قرار التوطين ميدانياً، بعدما أقرّته المحافل الدولية من دون إذن ولا دستور، يضيف رابع.

ما يخيفني أكثر في الحديث عن الحرب ليس هذه السيناريوات في محاولاتها المستميتة لبثّ الرعب في النفــــوس، بل تلك الجاهزية اللبنانية الأبدية لخوض حرب جديدة. رغبة تجتاح المحاربين القدامى، كما الجيل الجديد من اللبنانيين الذين لم يـتجاوزوا بعد الثلاثين من العمر، والــذين لم يعرفوا شيئاً عن أهوال الحرب اللبـــنانية، ولم يتلمّسوا وجهها الحقـــيقي البشع والمخيف. الحـــرب، لهم، قصص مشوّقة عن بطولات يرويها الوالد والجدّ في جلساتهم الـــتَذكُّرية «مع رشّة بهار وملح» مطيّبة لأخبار الموت المسموم، والهزائم المرّة، والانتصارات المزعومة.

«نحن لها. فلتكن حرباً! خلينا نخلص بقى»، يبادركَ اللبناني بحماسة واضحة. كأن عشرين عاماً من الحرب الأهلية، لم تروِ عطشه إلى الدم، والدمار، والهجرة، والتهجير. عشرون سنة لم «تخلّص» على شيء إلا على حياة أبنائنا ومستقبلهم: من استشهد منهم، ومن فقد رِجلاً أو يداً أو عيناً، ومن تشتّت في جهات الأرض الأربع، وما عاد. فالحرب ليست ناراً وباروداً وشهداء وشوارع مهدّمة، فحسب. إنها أيضاً لعنة للأحياء الناجين يتوارثون دفع ثمنها جيل بعد جيل. لقد توارث اللبنانيون الكآبة والخوف والقلق لأجيال، وما زالوا. وفي دراسة ميدانية قام بها أطباء نفسيون فرنسيون بعد انتهاء الحرب اللبنانية، أن أكثر من نصف اللبنانيين يعانون كآبة مقنّعة متقدّمة، ولا يتلقّون أيّ علاج. كآبة قد تفسّر جموح اللبناني إلى العنف والحرب في محاولة لتعميم الكآبة على القلّة القليلة الصَحيحة المتفائلة حوله.

إلى الحرب، دُر. يُصرّ المحلّلون والمنجّمون. أما الواقع، فيقول إن تحييد لبنان عن نيران سورية حتى الساعة، لم يكن قراراً لبنانياً، ولا نتيجة لحكمة سياسيينا الذين انغمسوا بالحرب السورية حتى الأذنين. بل هو نتيجة تفاهمات دولية أرادت للبنان أن يبقى ملاذاً آمناً للاجئين السوريين الهاربين. فهل تغيّرت هذه المعطيات اليوم؟ وهل نضج مخطّط إعادة تقسيم المنطقة، وإصدار النسخة الجديدة من اتفاقية سايكس- بيكو؟

المصدر: الحياة اللندنية الكاتب: فاديا فهد
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ