من المنتصر في سوريا؟
من المنتصر في سوريا؟
● مقالات رأي ٢٤ مارس ٢٠١٨

من المنتصر في سوريا؟

تحول المطالبون بالحرية والكرامة في سوريا إلى ضحايا، وتحولت سوريا إلى ساحة صراعات دولية، بدأتها إيران حين خشيت أن تفلت سوريا ولبنان من يدها إذا وصل الشعب السوري إلى السلطة، لذلك سارعت بإرسال ميليشيات «حزب الله»، ثم تدخلت بكل قواها العسكرية، لتدافع عن مشروعها الفارسي الذي يتستر بعباءة الممانعة والمقاومة وتحرير فلسطين، وهو متجه إلى حلب وإدلب وسواهما من محافظات سوريا، وتزامن العدوان الإيراني الطائفي مع الدعم العسكري الروسي، ولم تستطع تلك القوى من كسر إرادة السوريين، فدخلت روسيا ساحة المعركة عام 2015 بكل ما تملك من قوى، وهي في الحقيقة وجدت في سوريا فرصتها لإعلان عودتها بقوة إلى الساحة الدولية، وبدأت تدق بعنف على الطاولة الأوروبية التي اتخذت مع أميركا قرارات بمعاقبة روسيا بعد استيلائها على القرم، ولكن سيمفروبل (المسجد الأبيض)، باتت مقر أسطول روسيا على شاطىء البحر الأسود رغماً عن أوروبا وأميركا، ثم وجدت روسيا الفرصة في سوريا لمزيد من التحدي لتفاجئ العالم بمقر آخر لأسطولها في طرطوس على شاطئ المتوسط، واتخذت من مطارات سوريا، وأبرزها (حميميم) قواعد عسكرية لأسطولها الجوي، وبشكل علمي استولت روسيا مع إيران على سوريا كلها، ما فتح شهية الآخرين للإسراع بالاستيلاء على حصص أو قواعد كي لا يخرجوا من الساحة.

لم تكن أوروبا قادرة على مواجهة التحدي الروسي، ولم تستطع الخروج من العباءة الأميركية الفضفاضة، ولم تستطع الصمت أمام شعوبها، لكن جل ما فعلته بعض دولها كان في استقبال أفواج اللاجئين والهاربين، لكن أوروبا بقيت تدور في الفلك الأميركي، وتعيش موقفاً مضطرباً كالذي حدث حين أعلنت فرنسا وبريطانيا وأميركا شن حرب على النظام السوري إثر استخدامه الأسلحة الكيميائية في الغوطة في شهر أغسطس عام 2013 ولكن روسيا وإسرائيل تمكنتا من إيجاد مخرج هو الاكتفاء بتسليم السلاح الكيماوي وإعفاء القاتل من المحاسبة، واتجهت أوروبا وأميركا لمحاربة الإرهاب وتغيرت مواقفها المعادية للنظام، وأيدت الحل السياسي معه وفرضته على المعارضة في القرار 2254 بقرار من مجلس الأمن، ولكنها عجزت عن مواجهة سلسة «الفيتو» الروسي الذي عطل مجلس الأمن رغم أن الروس هم من صاغوا القرار، وقد وصل ضعف مجلس الأمن إلى أدنى مستوياته حين عجز عن إيقاف الهجوم الوحشي على سكان الغوطة، واستمر النظام في القصف والتدمير غير عابىء بالمواقف الدولية.

النظام ملأه شعور بالنصر، حين تمكن من تدمير الغوطة كما دمر ريف دمشق، وحمص ودرعا وريف إدلب وحماه، ثم حلب التي اعتبر تدميرها انتصاراً ساحقاً على شعبه، والمعارضة العسكرية لم تنتصر أيضاً، فقد تمزقت بتمزق ولاءاتها وداعميها، وكثير منها وقع في فخ خطير حين رفع شعارات الخلافة الإسلامية واستجاب للاستفزاز الشيعي والفارسي، وبدأ يحلم بدولة دينية سنية، ما جعل الرأي العام الدولي مضطرباً في اتخاذ موقف رغم معرفته بأن الجيش الحر المنادي بالديموقراطية هو أول من حارب «داعش»، وأن تنظيم «النصرة»، هو أول من قاتل «الجيش الحر» بعد أن تمكن من ثلتي مساحة سوريا.

لم ينتصر أحد في سوريا، فقد خسر النظام شعبه ومدن سوريا وحولها دماراً، ولن يستطيع الاستمرار في حكم الجثث والموتى بلا قبور، وخسر الشعب أبناءه وأسره على الضفتين، وبات جله مشرداً في أصقاع الأرض، وليس سهلاً أن تستعاد اللحمة الوطنية السورية، وخسرت روسيا مكانتها، وخسرت إيران الأمتين العربية والإسلامية معاً، ونبذها المجتمع الدولي كله، واعتبرها مصدر الشر في البشرية، وخسرت الولايات المتحدة كونها قطباً قادراً على قيادة العالم، وخسرت أوروبا حضورها التقليدي في الشرق الأوسط.. وخسر مجلس الأمن مصداقيته، وللأسف حتى الآن يبدو أن الرابح الوحيد هو التوحش الذي تقوده مافيات تسيطر على مقدرات الشعوب، وتدعي الشرعية للتغطية على كونها مارقة.

المصدر: الاتحاد الكاتب: رياض نعسان آغا
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ