مبادرة سورية الحياة هل هي فعلا سبيلا للحياة...؟
مبادرة سورية الحياة هل هي فعلا سبيلا للحياة...؟
● مقالات رأي ١٢ أغسطس ٢٠٢٠

مبادرة سورية الحياة هل هي فعلا سبيلا للحياة...؟

مبادرة جديدة طرحها عدد من الشخصيات السورية باسم " مبادرة سورية الحياة " تقوم على فكرة الدولة السورية الاتحادية المؤلفة من سبع أقاليم محلية تتمتع بالحكم الذاتي وترتبط بسورية الام برابطة الفيدرالية الاتحادية وفق نظام المجلسين " شيوخ و برلمان " وحكومات محلية، وكان لنا وجهة نظر بهذه المبادرة وهي:

أن مفهوم النظام الفيدرالي في الثقافة السورية مفهوم مستورد وحديث تقوم على ترويجه طائفة من السوريين على خلفية " عرقية وطائفية " تشكل أقليات في تركيبة المجتمع السوري، بناء على هواجس لا مبرر لها وهي " هاجس الحفاظ على الهوية القومية والعرقية وهاجس الخوف من الأكثرية العربية السنية " يؤدي لازدواج الهوية وتعددها مما يثير مخاوف التقسيم أكثر منه وسيلة لتنظيم شكل النظام السياسي وتحقيق التوازن بين الحكومة الفيدرالية والأقاليم.

ولم تلق فكرة تشكيل الأقاليم في سورية الاهتمام الكافي في مدركات الفعاليات السياسية في سورية سواء على مستوى المعارضة والثورة او على مستوى النظام والموالاة، ولم تفكر فيها هذه الفعاليات بشكل جاد كإحدى الحلول المقترحة لإنهاء المشكلات السياسية في سورية وذلك بسبب طبيعة الظروف غير المستقرة التي تسود البلد والمتمثلة بغياب الرؤية الموحدة أو المتفق عليها للنظام السياسي الاصلح لسورية في المستقبل.

إن طبيعة ومعالم النظام الفيدرالي المناسب للتطبيق في سورية غامضة وغير واضحة للأغلبية العظمى من السوريين، وذلك بسبب حساسية الوضع السياسي وتعقيدات العملية السياسية التي مازالت تعاني من أزمات متتالية بسبب التدخل الدولي و التجاذبات المصلحية للدول الأجنبية التي تدخلت في الشأن السوري، وأجواء عدم الثقة السائدة بين مكونات الشعب السوري بسبب تعدد الولاءات و الارتباطات الخارجية ووجود مراكز قوى عسكرية اجنبية يتم الاستقواء بها لفرض سلطات أمر واقع على الشعب السوري ، الأمر الذي يثير تساؤلات عديدة عن شكل النظام الفيدرالي الصالح للتطبيق في سورية وفيما إذا كان يستند إلى أساس قومي أو طائفي أو جغرافي أو إداري.

غياب العوامل اللازمة لنجاح النظام الفيدرالي في سورية فغياب الاستقرار الأمني والسياسي، ووجود نزاعات وصراعات طائفية وعرقية ومذهبية، وسيادة عقلية الانتقام والثأر بين الأطراف المتصارعة وغياب أسس ومرافق العدالة الانتقالية، وعدم وجود رؤية واضحة ومحكمة لكيفية إدارة الأقاليم المقترحة، وطريقة توزيع الصلاحيات فيما بين الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية، كل ذلك يجعل مجرد التفكير في إقامة النظام الفيدرالي الذهاب الى المجهول.

إن الظروف الإقليمية والدولية التي تحيط بسورية جعلت منها ساحة لتصفية الحسابات ما بين الدول المتنازعة والمتصارعة فيما بينها بسبب اختلاف المصالح والإيديولوجيات، ولا يخفى على أحد حجم التدخلات في الشؤون الداخلية السورية التي تقوم بها كل من روسيا و إيران والسعودية وقطر ومصر والامارات العربية المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة الامريكية وتركيا , فضلا عن حجم التأثير الروسي والإيراني في مجريات القرار السياسي السوري ، والدور المركّز للولايات المتحدة وفرنسا و بريطانيا وألمانيا في دعم الفصائل الانفصالية في شمال شرق سورية ,الامر ينعكس على المصالح الدولية في سورية فيما بين هذه الدول بشكل خطير على مقومات الوحدة الوطنية السورية ، لأنه قد يقود إلى هيمنة كل دولة من هذه الدول على الإقليم الذي يتقارب معها في المصالح وبذلك تتهدد وحدة سورية .

النظام السياسي في المرحة الانتقالية سيكون نظاماً ناشئاً ضعيفاً لا يملك مؤسسات فعّالة تُمكِّنه من بسط سلطته على كل الأقاليم المحتملة التشكيل، في ظلّ النزعات الانفصالية لدى بعض الأطراف السورية خصوصا بعضاً من "الكرد والعلويين" , الامر الذي يخلق صعوبة في تطبيق الفيدرالية بصورة تضمن تحقيق التوازن في الصلاحيات والسلطات بين الحكومة المركزية والأقاليم , وما سيحدث هو تطبيق فيدرالية هشة وضعيفة لا تمتلك فيها الحكومة الاتحادية مقومات الدولة خاصة الدفاع والخارجية والمالية والأمن.

يحرِّك القومية إرادة غير فعَّالة تسعى إلى تبسيط الأشياء وبمجرد أن تغرس القضايا القومية جذورها، نادرًا ما يجري التخلي عنها، مما سيولّد حركات قومية تنحو الى العنف والتطرف في " حماية " الحقوق القومية على غرار " الطاشناق " الأرمني. ونمور التاميل. و الفينيان الايرلندية , وايتا الباسكية , ان تطبيق الفيدرالية على أساس الأقاليم سيثير نزاعات حول قضايا ترسيم حدود هذه الأقاليم , وتوزيع الثروات الوطنية و سيثير نزاعات قانونية في عدة ملفات حساسة منها " ملف مكتومي القيد و ملف الجنسية والمجنسين والمجرّدين منها وملف اكراد الشتات المُزمع توطينهم في منطقة شمال شرق سورية , وملف أراضي الغمر في منطقة الفرات و شرقه وملف أراضي الإصلاح الزراعي وملف المهجّرين قسرياً واللاجئين , وملف التغيير الديموغرافي الذي انتهجه النظام السوري و الميليشيات الإيرانية والفصائل الانفصالية في الشمال وملف مليكة الأراضي الحدودية و ترسيم الحدود مع الدول المجاورة , وملف العلاقات بين الأقاليم والدول المجاورة او المنظمات الدولية وغيرها من القضايا الشائكة التي لا يمكن التهرب من استحقاقها في حال التوجه نحو النظام الفيدرالي.

إن تشكيل الأقاليم يتطلب تأسيس مجالس تشريعية وحكومات محلية ووزارات وممثليات في الخارج ومؤسسات وأجهزة أمنية خاصة بكل إقليم وهذا يستوجب زيادة في حجم الإنفاق المالي بشكل كبير، مما يؤدي إلى إنهاك الميزانية العامة للدولة في ظل انهيار كامل في بنى الدولة السورية " الدستورية والقضائية والتشريعية والقضائية والعسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والإدارية " مما يعيق عملية إعادة الاعمار وتنفيذ خطط التنمية الكفيلة بالخروج من اقتصاد الحرب وترميم ما يمكن ترميمه من الاثار التي خلّفتها الحرب.

إن افضل المقاربات للنهوض بسورية بعد اسقاط هذا النظام الاستبدادي المجرم هو تداعي الجميع لاقتلاع جذوره من مؤسسات الدولة و تطهير العقل والتفكير السوري من مخلفاته البغيضة التي كرّسها في عقول السوريين بالحديد والنار وهذا يقتضي بناء النظام السياسي الجديد على التجميع لان الجماعة هي الرافعة الوحيدة التي يمكنها نقل الشعب السوري من حالة الدمار والتفكك الى حالة الاعمار والوحدة , و إن أي مقاربة تقوم على التفكيك ستزيد من أعباء هذا الشعب الامر الذي يحول دون قدرته على الخروج من الوضع الكارثي الذي يعيشه و يؤدي لاستمرار حالة الضياع والتشتت والتشرذم التي سيدخل من خلالها الأجنبي لتمزيق البلاد و تشتيت الشعب السوري الى كيانات صغيرة متصارعة متناحرة مصيرها جميعا الفناء .

الأصل في العلاقة بين مكونات أي شعب هي الثقة المتبادلة والأمان المتبادل والمشاركة في الحياة العامة، وهي مقومات التدافع التنافسي الذي ينتج شعباً حراً كريماً موحداً متكافلاً متضامناً وهي عماد بناء الدول القوية المستقرة المستقلة. وإن البناء على " الخوف " وعدم الاطمئنان وغياب الثقة يؤدي الى الانزواء والتطرّف الذي يدفع الى تغليب المصلحة الشخصية او الطائفية او القومية او المذهبية على المصلحة الوطنية، ويولِّد عند الضعيف الدافع للبحث عن القوة التي يظن فيها انها تكفل أمنه وحماية مصلحته مما يفتح الباب على الاستعانة بالخارج او بناء تحالفات طائفية او قومية او مذهبية تؤدي الى الصراع الصفري صراع الوجود مما ينسف فكرة وجود الدولة من أصله , ولنا في لبنان والعراق والسودان عبرة.

الكاتب: المحامي عبد الناصر حوشان
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ