ماذا عن التفاعل العربي مع المونديال الروسي في سوريا؟
ماذا عن التفاعل العربي مع المونديال الروسي في سوريا؟
● مقالات رأي ٢٨ يونيو ٢٠١٨

ماذا عن التفاعل العربي مع المونديال الروسي في سوريا؟

اليوم يضج العالم بمونديال روسيا لكرة القدم، الحدث الكروي العالمي مونديال كأس العالم الذي يتابعه العالم بأكمله، جميعنا منهمكين بأوقات المباريات والنتائج بل تجلى الوقت كله أمام الشاشات لمراقبة أحداث الكرة، والبعض حمل نفسه وذهب للمتابعة الحية في روسيا، مونديال كبير خطف أوقات العالم وكسب دعمهم الثمين بالمتابعة والتعليق والنقد والتشجيع، حدث يحظى بأهمية كبيرة لدى العالم العربي بشكل خاص والغرب بشكل عام والذين هم الرابح الأكبر فيه ونحن الخاسر الأول والأكبر.

التفاعل العربي الضخم والكثيف اليوم مع المونديال الكروي يشعرنا بحسرة وبأننا في نكبة ونكسة دائمة لا يمكن النهوض والخروج منها، لأنك لا يمكن أن تسمع هذا التفاعل العربي الكبير بالصوت والقلم وتمتلئ الساحات والأماكن العامة بالناس، ويمتلئ الإنترنت بآلاف بل بملايين الصور والكتابات والهاشتاغات، لا يمكن أن تسمعه مع معاناة الشعوب وآلامها وخيباتها، لأنك بكل بساطة لا يمكن أن ترى هذا التضامن الكروي المؤسف المخزي مع بلادنا العربية المتفتتة من نيران الحروب وشعوبها المتآكلة من كثرة الضحايا، سؤال موجه للشعوب العربية صاحبة الصوت المؤثر إن توحد، جميعنا نشاهد المونديال في روسيا ولكن هل تعرفون المونديال الذي تقوم به روسيا في سوريا؟ هل شاهدتم أحداثه؟ هل ترقبتم أهدافه؟ هل نسيتم أعمالكم وجلستم لتتابعوه؟ هل تجمعتم في الساحات والأماكن العامة بالأصوات الصاخبة والأعلام والشعارات؟ هل أطلقتم الهاشتاغات وكتبتم ونشرتم آلاف الصور؟ لا والله كلها كانت غريبة عليكم ومواقف صماء وعيون عمياء وقلوب كحجر الصوان.

المونديال الروسي في سوريا هو صواريخ من الأرض وصواريخ من الطائرات وقذائف المدافع وصواريخ كاليبر وغيرها من البوارج الروسية من البحر، هو احتلال سوريا وتهجير أهلها منها وتقسيمها، المونديال الروسي هو تغيير جغرافية سوريا بشكل كلي بعد أن ثبتت روسيا قواعدها بها طبعا وليست الوحيدة، بدأ هذا المونديال سنة 2015، أبرز أهدافه هي أكثر من 6000 ضحية من الشعب السوري، منهم 1761طلفة، و661 سيدة سورية، وارتكبت القوات الروسية ما لا يقل عن 317 مجزرة.

عن ماذا نحدثكم يا شعوبنا العربية، عن هذه الأرقام المؤلمة أم عن المساجد التي تدمرت بالصواريخ الروسية أم عن المستشفيات والمنشآت الطبية أم عن عن مجازر الأسواق الشعبية، بمونديالها نفذت روسيا آلاف الهجمات الحارقة وساعدت نظام الأسد بقتل الشعب السوري بكافة أنواع الأسلحة والمحرمة دولياً استخدمت الفيتو لحمايته في مجلس الأمن أكثر من 12 مرة، وما زالت مساندة لأعتى نظام وحشي بربري في العصر الحديث، لم يأخذ هذا المونديال أي أهمية منكم، بل ما زلتم أصحاب ضمائر ميتة مكفنة، لم نشاهد أقل تقدير لهذه الأرقام وأقل تضامن إنساني، كل المآسي التي حصلت في سوريا لم تحرك مشاعر أحد بكم، لم تسقط دمعة من أعينكم لكن خسارة منتخب ما في مونديال روسيا أحبط معنوياتكم الكروية وذرفتم الدموع وحزنتم، لا يمكن التعبير عن الشعور الذي نعيشه بداخلنا عندما نرى هذا التناقض الكبير بين ردة فعلكم اتجاه كرة القدم وبين ردة فعلكم اتجاه المجازر وأرقام الضحايا والمآسي التي خلفتها الحروب.
 
"عندما ينتهي كل شيء، لن نذكر ما كان يقوله أعداؤنا، بل صمت الأصدقاء هو ما سنذكره" مقولة للناشط والفيلسوف البوسني علي عزت بيجوفيتش، فلتعلم الشعوب أن كل ما يحصل في سوريا من معاناة ومصائب نحن نعلم فاعله جيداً ونتكلم عنه في كل المنصات والقنوات وشبكات الإنترنت رغم أن ذلك لم يعد يجدي نفعاً في هذا العالم المتخدر، لكن كما قال بيجوفيتش عندما ينتهي كل شيء سنذكر ما فعله الأصدقاء، سنذكر مع الأيام والسنين الأصوات الرنانة والصاخبة المتوحدة في كرة القدم، والبكم الذين لم يعد لهم صوتاً يصدح ولو بتنديد واستنكار في شوارع بلاده وشبكات الإنترنت تعبيراً عن تضامن إنساني مع المونديال الذي تقيمه روسيا في سوريا، لا مونديال روسيا لكرة القدم، لم يعد هناك أي وصف لما تفعله روسيا في سوريا لم يعد هناك كلمات تكفي للتعبير، الحروف انهارت والسطور تمزقت، بالأمس شاهدت تقرير لطفلة سورية اسمها مايا المرعي عمرها 8 سنوات بترت قدماها وتنتعل علب حديدية وبلاستيكية فارغة لتستطيع أن تطأ الأرض وتمشي وتقضي حاجاتها دون أن تتأذى تعيش في أحد المخيمات بعد أن تهجرت من بيتها، ليست هي فقط بل والدها أيضاً مبتور القدمين، مشهد مأساوي محزن ومبكي، يذيب القلب ألماً، هذه واحدة من مصائب الحرب التي لم تحصد زخما كبيراً وتفاعلاً وتعاطفاً، كخسارة ميسي في مباراته في المونديال المقام، لم تدمي القلوب وتدمع العيون كتلك العيون التي ذرفت حتى جفت من أجل ميسي أو رونالدوا أو خسارة منتخب ما في المونديال.
   
لم ولن ننسى صمت القريب والبعيد عما يحصل في سوريا وعن أصواتهم وخفقات قلوبهم مع مونديال روسيا، بينما كانوا لا يسمعون ولا يرون منشغلون منهمكون في حياتهم الطبيعية أمام معاناة سوريا والشعب السوري في مونديال روسيا بسوريا، لن ننسى أفعالكم اتجاه مشاهد الأطفال وهي تحت الركام بعد القصف الروسي واستهداف المشافي التي تغص بالمصابين والجرحى، ولن ننسى ردة فعلكم وغيرتكم اتجاه قصف روسيا لمساجدنا وتدميرها، ولن ننسى كيف تضامنتم مع لاعبي الغرب لأنهم خسروا في إحدى المباريات، وبين تضامنكم مع قصف روسيا المستمر لمجموعات الخوذ البيضاء الدفاع المدني السوري، ألا تشعروا بالعار أمام هول ما يحدث بينما تجلسون اليوم أمام الشاشات تتابعون بلهفة كرة القدم وبلادنا غارقة بنزيف الدم العربي، كم كنا مخطئين، وكم أسأنا الظن بكم.. نحن آسفون ولا تحملوا علينا في قلوبكم فأنتم إخوتنا في الدين ولكن!.. شتان بين مونديال ومونديال.

المصدر: مدونات الجزيرة الكاتب: حذيفة المحمد
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ