ماذا اشترى بشّار الجعفري في موسكو؟
ماذا اشترى بشّار الجعفري في موسكو؟
● مقالات رأي ١٤ أبريل ٢٠١٥

ماذا اشترى بشّار الجعفري في موسكو؟

خرجَ وفد النظام السوري برئاسة بشار الجعفري من مشاورات موسكو-2، بتوقيع جزء من المعارضة التي التقاها، على تنازلات خطيرة في ملفات عديدة، وذلك بصورة مغايرة لما حصل خلال "جنيف-1" و"جنيف-2"، إذ إنه واجه في حينه معارضة جدية تمثّلت بوفد الائتلاف السوري، وحداً أدنى من قرار دولي رافض لتمييع الملف الإنساني في سوريا، ومسألة الهيئة أو الحكومة الانتقالية التي أشير إليها في وثيقة جنيف الأول عام 2012.

قبل بدء المشاورات، لم يكن للقاء السوري في موسكو جدول أعمال رسمي. فانتهى بعدم معرفة وفد المعارضة ما تم إنجازه من نقاط وما بقي معلّقاً، وظهر ذلك جليّاً في المؤتمر الصحافي المشترك لرئيس حزب "الإرادة الشعبية"، قدري جميل، ورئيس "منبر النداء الديموقراطي"، سمير العيطة، إذ اختلف الرجلان على تقييم الجلسات ونقاط الوثيقة الختامية التي ادّعى الجعفري، وجميل، أنها نالت موافقة المجتمعين، فيما اعتبر عيطة أنها ليست مهمة وليست ما تم الاتفاق عليه من قبل الجميع.


منسق اللقاء، فيتالي نعومكين، تعمّد وضع جدول الأعمال خلال اليومين الأخيرين، اللذين جمعا وفد النظام والمعارضة، بحيث وضع في اليوم الثالث- الذي شهد انضمام وفد النظام إلى المشاورات- أول جدول أعمال، تضمّن بشكل رئيسي نقاطاً تناقش "سبل توحيد القوة في مواجهة الإرهاب"، وفي اليوم الأخير وضع جدول جديد، لم يكن استكمالاً لجدول اليوم السابق بقدر ما كان لأخذ إقرار من وفد المعارضة بالوثيقة النهائية، التي غاب عنها أي إشارة تدين النظام، بل أكثر من ذلك أعطته الصلاحية لقيادة أي عملية تسوية بحسب ما جاء في الفقرة السادسة من البند السابع، بالإضافة إلى انتزاع تأييد للعمليات العسكرية والأمنية في البند الخامس.


تواطأت روسيا مع النظام لإنجاز اللقاء. ولعل الصورة الوقحة للدبلوماسية السورية التي كان الجعفري خير سفير لها، دليلاً على ذلك التواطؤ. فالجعفري رفض ورقة الوفد المعارض، التي حملت عناوين عامة ينادي بها النظام منذ "جنيف-1"،عن وحدة سوريا وإدانة الإرهاب، وتفصيلاً وحيداً تعلّق بالوضع الإنساني، وفي مقدمته الحصار المفروض من قبل النظام على المدن، وملف المعتقلين. وذلك الرّفض نابع من حالة نكران النظام لوجود حصار ومعتقلين، أو سوريين يرفضون الإيمان بقيادة الأسد. مع العلم أن موسكو نفسها دخلت على خط الوساطة لدى النظام من أجل الإفراج عن رئيس تيار "بناء الدولة" المعتقل، لؤي حسين، فأخرجه من السجن ومنعه من حضور موسكو-2.


رغبت موسكو من خلال جمع المعارضة والنظام في روسيا أن تستعيد شرعية دولية خسرتها على خلفية الأزمة الأوكرانية، وحتى الآن يبدو أنها نجحت في تحقيق ذلك، أمام حالة الإنشغال الدولي وإعادة تقييم الأولويات التي أخّرت الأزمة السورية إلى ما بعد الملف النووي الإيراني والعملية العسكرية التي تقودها المملكة السعودية في اليمن. وهي الآن أيضاً تدخل كلاعب رئيسي على خط الأزمة اليمنية، وتجتمع مع مندوبي الدول الخليجية في الأمم المتحدة لبحث سبل عدم معارضتها لمشروع قرار ضد الحوثيين.


بعد الوثيقة التي خرجت عن المجتمعين في موسكو، يصبح الحديث عن أن المشاورات  حصلت بين فريقين مختلفين نكتة ثقيلة. فالجعفري اشترى تواقيع تنازل من الوفد المعارض عن مطلب الإفراج عن المعتقلين، وأخذ مبايعتهم على دعم "القيادة السورية من دون أي تدخل خارجي" لقيادة عملية التسوية السياسية، وهذه الوثيقة، بهذه التنازلات، أصبحت ورقة رسمية للتداول في "جنيف-3"، الذي ألمح نعومكين إلى أن مشاورات جدية بدأت من أجل انعقاده. أما قدري جميل فيبدو أنه لم يكن سوى حصان طروادة، وربما يعود قريباً إلى دمشق. لكن في أحد أوجه هذا المشهد، والتجاهل الدولي للمساعي الروسية في إعادة تأهيل نظام الأسد دولياً، يبدو أن سوريا لم تعد القضية.

المصدر: المدن الكاتب: فادي الداهوك
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ