ما بعد حرب الفناء في سوريا
ما بعد حرب الفناء في سوريا
● مقالات رأي ١٤ فبراير ٢٠١٨

ما بعد حرب الفناء في سوريا

تمثل الفترة الأخيرة من الحرب في سوريا مرحلة هي الأكثر دموية والأشد إيلاماً في السنوات السبع الماضية. فمن النادر أن مرّ أحد أيامها السوداء دون سقوط مئات من القتلى والجرحى، جلّهم من المدنيين العزل ومن النساء والأطفال الذين تلاحقهم هجمات حلف نظام الأسد مع الروس والإيرانيين وميليشياتهم، وتهاجم مخيماتهم ومنازلهم ومدارسهم والأسواق، وصولاً إلى المشافي القليلة والحقول والبراري، التي ينتشرون فيها هرباً من هجمات البراميل المتفجرة والصواريخ، وأسلحة الدمار الشامل المحرّمة دولياً من أسلحة كيماوية إلى قنابل النابالم.

ويزيد بشاعة الحرب الجارية في سوريا تفاصيل أخرى بينها، أن الحرب تتواصل على مناطق محاصرة وشبه مغلقة، مثالها الأكثر وضوحاً غوطة دمشق الشرقية المحاصرة بصورة شبه محكمة منذ أكثر من أربع سنوات، منع فيها الدخول والخروج، بما فيه دخول الغذاء والدواء وحليب الأطفال واللوازم والتجهيزات الطبية، وانعدمت فيها خدمات التعليم والصحة، وهي حالة تقارب ما صارت إليه محافظة إدلب وجوارها في أرياف حلب وأرياف حماة، التي إضافة إلى سكانها، تضم مئات آلاف النازحين والمهجرين من مناطق أخرى كثير منهم، تم إيصالهم إلى هناك نتيجة اتفاقيات هدن من محيط دمشق وريفها ومن حمص ومناطق أخرى، كانت حتى الأمس القريب خارج سيطرة نظام الأسد.

وثمة نقطة تضاف في مجريات الحرب. إذ تتواصل لا في سياق استعادة سيطرة النظام وحلفائه على تلك المناطق فقط، وإنما بالتوازي مع هدف آخر ربما هو الأهم، وهو الانتقام من سكان تلك المناطق وتقتيلهم، ورغم هذا يواجهون الهجمات ويصدّون محاولات قوات الأسد وحلفائها لاقتحام الغوطة من جهة، ورداً على عملية إسقاط طائرة روسية، تمت مؤخراً في إدلب – وهو ما أكدته تصريحات صدرت رسمياً عن مسؤولين روس - استتبعت جلب طائرات حديثة للمشاركة في الحرب الجارية.

بشاعة هذه الحرب، لا تتصل فقط بمجرياتها وبنتائجها من قتل وجرح وتدمير وتهجير، إنما أيضاً بطبيعتها من حيث استهداف شبه حصري للمدنيين ومن استخدامها أشد الأسلحة فتكاً، وتحويل المناطق المستهدفة إلى ساحة لاستعراض واختبار أحدث الأسلحة والذخائر الروسية، وسط تشارك القوات الروسية والإيرانية مع قوات النظام والميليشيات الخاضعة لغرف عمليات مشتركة.

ومما لا شك فيه، أن البيئة المحيطة بحرب الفناء، تعطي لها خصوصية، تضاف إلى ما سبق. إذ تتواصل بعد جلب وإخضاع أغلب جماعات المعارضة المسلحة، ودفعهم للانخراط في مسار آستانة المتوافق عليه بين روسيا وإيران وتركيا، والضغط المتواصل على المعارضة السياسية وتهميشها سواء في تحالفها التفاوضي ممثلاً بالهيئة العليا للمفاوضات، التي أنتجها مؤتمر الرياض2، أو القوى المنخرطة فيها، ولا سيما الائتلاف الوطني السوري بعد أن رفضت جميعاً حضور مؤتمر سوتشي، وخطته في تدويل المساعي الروسية لحل يتوافق مع مصلحة تحالف نظام الأسد وإيران وروسيا، وتثبيته في مسار جنيف ليغدو الإطار الدولي للحل في سوريا.

وسط تلك المعطيات، يطرح سؤال عما يمكن أن تتركه حرب الفناء في سوريا على السوريين من نتائج راهنة ومستقبلية؟

إن الأبرز في النتائج، هو إشاعة اليأس والإحباط لدى غالبية السوريين، إن لم نقل كلهم؛ لأن الموجودين في مناطق سيطرة النظام، ليسوا بأفضل حالاً من أقرانهم في المناطق الخارجة عن سيطرته، واليأس ليس فقط بسبب القتل والإعاقات والتهجير والتدمير، إنما بسبب انعدام شروط الحد الأدنى للحياة الإنسانية والحرمان من خدمات التعليم والصحة، وإشاعة الاقتتال بين مكونات الجماعة الوطنية القومية والدينية والطائفية والمناطقية، واستخدامها أدوات في صراعات الدول المتدخلة في القضية السورية، والإهمال الشائع من المجتمع الدولي والقوى الفاعلة فيه لمعاناة السوريين الكارثية، وبخاصة لجهة قتلهم الرخيص والواسع بالأسلحة المحرمة دولياً، والإبقاء على قضيتهم دون حل، ودون أفق لحل منتظر.

ومن البديهي، أن يسبب ما سبق نمواً وتوسعاً في اتجاهات التشدد والتطرف في أوساط لا تعاني فقط، وإنما هي محرومة من فرص التعليم والعمل، التي ستخلق جيلاً من الهامشيين ومحدودي الفهم والقدرة على معالجة المشكلات القائمة بطرق عقلانية وموضوعية وعملية؛ مما يجعل أكثرية السوريين بيئة قابلة لسيطرة المتطرفين والإرهابيين الذين سيمدون نشاطهم نحو بلدان الجوار والأبعد منها، ولدينا اليوم أمثلة ملموسة سواء في نموذج «داعش» الذي جاء من العراق و«النصرة» الموصوفة بفرع القاعدة، وحزب الاتحاد الديمقراطي السوري الموصوف بفرع حزب العمال الكردستاني في تركيا (بي كي كي).

وسيكون الأمر أسوأ مع التهميش والتدمير القائم للمعارضة السياسية والمسلحة الحالية (رغم مساوئ الاثنتين ومشاكلهما الراهنة)، وهو سلوك مقترن على نحو عام مع تهميش النخبة السورية في سوريا وخارجها؛ الأمر الذي يعني ترك السوريين في أيدي الغوغائيين والجهلة وعديمي الإمكانات والقدرات، ولعل أكثرية الوفد الذي أرسله النظام وحلفاؤه الروس والإيرانيون لحضور مؤتمر سوتشي مؤشر على النموذج الممكن من القيادات السورية المقبلة، التي تخلقها حرب الفناء والقائمون بها. إنها باختصار حرب تتجاوز في نتائجها وآثارها كل ما يظهر للعين من حيثيات وتفاصيل.

المصدر: الشرق الأوسط الكاتب: فايز سارة
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ