مأزق سياسة أوباما السورية!
مأزق سياسة أوباما السورية!
● مقالات رأي ٢٠ يونيو ٢٠١٦

مأزق سياسة أوباما السورية!

منذ بداية الأزمة السورية التي تفاقمت وتحولت من تحرك سلمي لتحقيق الحريات والكرامة، وردٍّ من النظام بالقوة والحديد والنار، لتتحول إلى ثورة مسلحة استدعت تدخلات إقليمية ودولية وحرباً باردة بالوكالة جعلت مسرح سوريا شلالات دم وساحة لتصفية الحسابات واستخدام الأسلحة المحرمة، وتبع ذلك تردد واشنطن حول تسليح المعارضة المعتدلة، قبل أن تطل التنظيمات المتطرفة بوجهها وتظهر «داعش» و«جبهة النصرة» و«أحرار الشام» و«جيش الفتح» وغيرها من التنظيمات. وزاد الموقف تعقيداً تدخل إيران ومليشياتها من «حزب الله» اللبناني والمليشيات الطائفية الأخرى من العراق وإيران وأفغانستان التي تدفقت لتقاتل مع نظام الأسد المدين في بقائه، كما تفاخر طهران، لدورها العسكري الذي تزامن مع التدخل الروسي في سبتمبر الماضي، والزج بالحرس الثوري الإيراني، تحت شعار الحرب على الإرهاب والتنظيمات المتطرفة! بينما الهدف غير المعلن هو منع سقوط نظام الأسد وتعويمه، وتسويقه، كرأس حربة في محاربة الإرهاب.

وهذا قد يتفق، بمعنى ما، مع مقاربة إدارة الرئيس أوباما للأزمة السورية والحرب على تنظيم «داعش»، التي بدأت بمشاركة تحالف عالمي من خمس وستين دولة في صيف عام 2014. وذلك ضمن «استراتيجية إنهاك وهزيمة داعش». ولكن في آخر تقييم لجون برينان، مدير الاستخبارات الأميركية، قبل أيام، يعترف بأنه على رغم إضعاف «داعش» وخسارته جزءاً من الأراضي التي كان يسيطر عليها في سوريا والعراق، وضرب مصادر تمويله، إلا أن الحرب عليه لم تشل بعد قدرته على شن هجمات إرهابية في الشرق الأوسط وحول العالم. وكان ملفتاً أن تتهم وزارة الدفاع الأميركية روسيا باستهداف المعارضة المعتدلة التي تدعمها واشنطن، والتي تقاتل تنظيم «داعش»! ما يشير، بشكل واضح، إلى فشل الاستراتيجية الأميركية في سوريا بترددها وبعدم فاعليتها وعجزها عن هزيمة «داعش» وإضعاف الأسد، وقد استغلت روسيا وإيران وغيرهما من الدول والتنظيمات المسلحة الفشل الأميركي لملء الفراغ.

وتخبط إدارة أوباما كان واضحاً بالتراجع عن توجيه ضربات عسكرية ضد نظام الأسد في صيف عام 2013 بعد استخدامه السلاح الكيماوي في غوطتي دمشق وقتله 1400 مدني بينهم 400 طفل. وتراجع أوباما حينها بعد حشد القوات والرأي العام، دفع لاحقاً وزير الدفاع «تشاك هاغل» إلى الاستقالة، أو الإزاحة، بسبب خلافات مع إدارة أوباما، وفقدان الهيبة والثقة في وعودها. واستقال لاحقاً أيضاً روبرت فورد، آخر سفير أميركي في سوريا، احتجاجاً على عدم الحسم في هذا الملف. وأثار ذلك أيضاً شكوك حلفاء أميركا من الأتراك والخليجيين.

ولذلك لم يكن مستغرباً، وفي تطور غير مسبوق، أن يوقع 51 دبلوماسياً أميركياً من المسؤولين والمتابعين للشأن السوري، في وزارة الخارجية الأميركية، على مذكرة ينتقدون فيها سياسة إدارة أوباما في عدم الحسم في سوريا ويطالبون بتوجيه ضربات عسكرية لنظام الأسد، لوقف انتهاكاته لاتفاق وقف إطلاق النار، ولإحداث توازن قوى ومنعه من ارتكاب المزيد من الجرائم، وذلك لضمان نجاح الحل الدبلوماسي، بعد أكثر من خمسة أعوام من سياسة غير فعالة أدت لمقتل 400 ألف سوري! وذلك يسمح لوزير الخارجية كيري بقيادة جولة جادة من المفاوضات على غرار مفاوضات الملف النووي الإيراني للتوصل إلى حل دبلوماسي ينهي مأساة سوريا.

وأهمية مذكرة الاحتجاج الدبلوماسية الأميركية تكمن في العدد الكبير من الدبلوماسيين الموقعين عليها، وتعكس حالة التذمر والانزعاج من سياسة أوباما السورية المترددة، ومقاربتها للأزمة من منظار محاربة تنظيم «داعش»، التي فشلت في تحقيق نتائجها. والتي تغفل البعد الاستراتيجي كلياً، وإجبار نظام الأسد، المسؤول الأول عن القتل والتدمير والتجويع، على تقديم تنازلات تنهي المأساة النازفة.

ومن المستبعد أن تغير مذكرة الاحتجاج تلك الكثير في سياسة أوباما الذي يرى أن تكلفة عدم التدخل أقل من تكلفة التدخل، خاصة أنه سيغادر البيت الأبيض بعد سبعة أشهر، ويرفض أن يُقحم في حرب جديدة! بل يرى أن من أهم إنجازاته، كرئيس وقائد أعلى للقوات المسلحة، نجاحه في عدم الغرق في مستنقع سوريا. دون أن يحسب المأزق الاستراتيجي والأخلاقي الكارثي الذي تتسبب فيه الأزمة السورية، من تمدد خطر «داعش»، وتدخل إيران وروسيا، وتفاقم الصراع الطائفي في المنطقة.

وآخر المنتقدين لتلك الاستراتيجية هو السيناتور جون ماكين، الجمهوري ورئيس لجنة الخدمات العسكرية في مجلس الشيوخ، الذي يحمل انسحاب القوات الأميركية من العراق وعدم الحسم في سوريا جانباً من مسؤولية ما شهدته «أورلاندو» في الولايات المتحدة من اعتداء إرهابي أدى لمقتل 49 شخصاً في ملهى ليلي الأسبوع الماضي، وأقحم التطرف الإسلامي في جدال فرض نفسه على حملة الرئاسة الأميركية!

ولا أتفق مع من يقلل من شأن احتجاج وتمرد الدبلوماسيين الأميركيين المشرفين على الملف السوري ضد سياسة بلادهم تجاه هذه الأزمة، والبعض يراها توزيع أدوار! وهذا غير صحيح، لأن الدبلوماسيين غير مضطرين للقيام بذلك. إنها صرخة احتجاج قوية، قد لا تجد صدى لها في إدارة أوباما الموشكة على الرحيل. ولكنها بمثابة جرس إنذار مدوٍّ للإدارة القادمة التي سترث إرثاً صعباً من أوباما بعد سبعة أشهر من الآن، بغض النظر عما إذا كانت برئاسة كلينتون أو ترامب، فمثل هذه التنبيهات والتحذيرات لا يمكنها تجاهلها في النهاية!

المصدر: الاتحاد الكاتب: د. عبدالله خليفة الشايجي
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ