كيف تحوّلت من مدرّسة إلى داعشيّة؟
كيف تحوّلت من مدرّسة إلى داعشيّة؟
● مقالات رأي ١٧ فبراير ٢٠١٥

كيف تحوّلت من مدرّسة إلى داعشيّة؟

لقاء أجرته شبكة CNN الأخبارية مع منشقّة داعشية

7/10/2014

Arwa Damon and Gul Tuysuz
ترجمة: حارثة مجاهد ديرانية

فتحت الفتاةُ ذات الخمسة وعشرين ربيعاً باب غرفة الفندق -حيث اتفقنا على اللقاء- بتردد. وعلى الرغم من أنها غطت وجهها بالكامل إلا أن لغة جسدها كانت تفضح ما يعتريها من قلق؛ رفعت حجابها ببطء مبديةً وجهها الفتيّ، وبدت عيناها البنيتان الواسعتان الممتلئتان بالشعور بالذنب وبالذعر تحت حواجبها المنسّقة تنسيقاً بديعاً.

كانت تسمي نفسها خديجة، وهو اسم مستعار لأنها مهدورة الدم. بعدما كانت خديجة تعمل مع داعش (تنظيم دولة الإسلام في العراق والشام)، فإنها اليوم منشقة عنهم نتيجة لما انشكف لها من وحشية هذا التنظيم. وقد كان لقاؤها مع قناة سي إن إن المرة الأولى التي تكشف فيها عن قصتها.


"لقد فررت إلى ما هو أسوأ"

نشأت خديجة في سوريا، وحرص أهلها على أن تنال قسطها من التعليم، حيث حصلت شهادتها الجامعية وأخذت تدرّس في مدرسة ابتدائية، وهي تصف أسرتها وأسلوب والديها في التربية على أنه "لم يكن متشدداً دينياً".

حين اندلعت الثورة السورية منذ ثلاث سنوات ونصف انضمّت خديجة إلى جموع الجماهير الذين هتفوا ضد حكومة بشار الأسد. تقول خديجة: "لقد كنا نخرج ونتظاهر في الشوارع، وتلاحقنا قوات الأمن نتيجة ذلك. كنا نكتب احتجاجاتنا على الجدران ونحن نحمل ملابس إضافية لنبدل إليها بسرعة. كم كانت تلك الأيام رائعة!"

ثم كان تحول الثورة إلى التسلح -كما تقول- هو الوقت الذي بدأت تفقد فيه روحها وإنسانيتها. تقول خديجة بكلمات متهدجة: "كل ما حولنا كان عبارة عن فوضى مرعبة: النظام، البراميل المتفجرة، فصائل الجيش الحر المحاربة، الإضرابات، الجرحى، المشافي، الدماء... كنت لتريد أن تنتزع نفسك من هذا المكان، أن تجد ما تلجأ إليه. وكانت مشكلتي أني فررت إلى ما هو أسوأ".

الاستدراج

ألفت خديجة نفسها مأخوذة ببيان شاب تونسي التقت به على شبكة الإنترنت، ولما أعجبت بأخلاقه فقد بدأت تثق به مع الوقت حتى أغراها بالانضمام إلى داعش، وجعل يطمئنها بأن نظام داعش ليس كما يروَّج له بين الناس على أنه نظام إرهابي. قال: "إننا سنقوم بتطبيق تعاليم الإسلام. نحن الآن في حالة حرب، في وقت نحتاج فيه إلى السيطرة على البلد ولذلك لا بد لنا من انتهاج القسوة في هذه المرحلة".

أخبرها أنه كان قادماً إلى مدينة الرقة وأنهما قد يتزوجان أيضاً.

تقول خديجة: "تواصلت مع ابنة عمي فقالت لي: "تستطيعين الالتحاق بنا في لواء الخنساء". وقد كانت تعيش في الرقة مع زوجها الذي كان ضمن تنظيم داعش. أما اللواء المذكور فإنه قوة أمن مرهوبة الجانب تابعة لتنظيم داعش جميع أعضائها من النساء.

أقنعت خديجة عائلتها بالانتقال إلى الرقة متذرعة بأن تعليم إخوتها الصغار سيكون أيسر وأنهم سيحصلون على معونة أقاربهم. وبفضل وجود ابنة عمها في اللواء فقد تم قبول خديجة عضواً جديداً في لواء الخنساء.

داخل لواء داعش النسائي

يتكون لواء الخنساء من نحو 25 أو 30 امرأة، وتتلخص مهمته في التجول في شوارع الرقة للتأكد من أن النساء يلتزمن بالزي اللائق لهن كما حددته الدولة الإسلامية. تمنع العبايات المزركشة أو الضيقة التي تصف البدن، وتُجلَد كل من تخالف تلك التعليمات.

كانت امرأة يدعونها أم حمزة هي من تطبق عقوبة الجلد على من تخالف التعليمات. وقد ذعرت خديجة لما رأت أم حمزة أول مرة. تقول خديجة: "إنها ليست امرأة عادية. لقد كانت عملاقة، ومعها رشاش كلاشنكوف ومسدس وسوط وترتدي النقاب".

شعرت قائدة اللواء أم ريان بذعر خديجة، "فاقتربت مني وقالت لي جملة لن أنساها، قالت: نحن غلاظ على الكفار ولكننا رحماء بيننا"، كما تقول خديجة.

دُرِّبت خديجة على تنظيف الأسلحة وتفكيكها وإطلاق النار بها، وكانوا يدفعون لها مئتي دولار شهرياً ويوفرون لها مؤونتها من الطعام.

شعرت عائلة خديجة بأنها كانت تنجرف أكثر مما ينبغي، ولكنهم كانوا عاجزين عن وضع حد لذلك، وجاءتها أمها تحذرها. "لقد كانت تقول لي بإلحاح: افتحي عينيك ولا تفرطي بنفسك، إنك تمضين الآن ولكنك لا تعرفين إلى أين سيفضي بك الطريق".

الارتياب

في البداية لم تُلقِ خديجة بالاً لتحذيرات أمها لأنها كانت مخدوعة بمنطق القوة، ولكنها بدأت أخيراً ترتاب بما أقدمت عليه وبالمبادئ التي قام عليها تنظيم داعش. تقول خديجة: "لقد كنت في البدء مسرورة بوظيفتي، لقد شعرت بأني امتلكت القوة والسطوة في الشوارع، ثم بدأ الخوف يتملكني، الخوف من وضعي، بل إني بدأت أخاف من نفسي أيضاً".

وبدأت خديجة تفكر: "أنا لست كذلك. لدي شهادة جامعية في التربية والتعليم. لا ينبغي علي أن أكون هكذا. ماذا جرى لي؟ ما الذي جرى لعقلي وأتى بي هنا؟"

وبدأت الصورة المثالية التي في ذهنها لتنظيم داعش بالانهيار. انطبعت في ذهنها مشاهدُ بشعة لفتى يبلغ من العمر ستة عشر عاماً قُتل بسبب اتهامه بالزنا، فبدأت تشكك بصواب انتمائها إلى مجموعة قادرة على ارتكاب هذه الفظائع. تقول خديجة: "أسوأ ما شاهدته كان قطع رأس أحد الرجال أمامي".

العنف ضد النساء

وعلى مستوى أقرب شهدت خديجة أسلوب داعش الخاص في العنف مع النساء، فلقد كان لواؤها النسائي جاراً في المبنى نفسه لرجل متخصص في تدبير الزيجات لمقاتلات داعش النساء.

تقول خديجة عن الرجل الذي أوكل بمهمة تدبير زوجات للمقاتلين المحليين والوافدين: "لقد كان من أسوأ الناس". وتقول: "لقد كان المقاتلون الوافدون بالغي القسوة مع النساء، حتى مع اللائي يتزوجونهن. لقد عرفنا حالات أُخذت الزوجة فيها إلى قسم الطوارئ بسبب العنف، العنف في الفراش".

لقد اطلعت خديجة على مستقبل لا يمكن لها أن تريده. ومع ضغط قائدها الشديد من أجل أن تذعن للزواج به قررت أنه قد آن أوان ترك اللواء. تقول خديجة: "تلك هي النقطة التي قررت عندها أني قد كفاني ما رأيت، بعد كل ما شهدته بصمت وأنا أحاول إقناع نفسي بأنها كانت "ظروف الحرب وأن الأمور ستكون أفضل بكثير بعد ذلك"، ولكني عند ذلك الحد جزمت أمري وقررت أن عليّ الترك بلا تردد".

فرَّت خديجة قبل الغارات الجوية بأيام معدودة، بقيت عائلتها في سوريا، بينما تمكنت هي من العبور -تهريباً- إلى الأراضي التركية.

الحياة بعد داعش

لا تزال خديجة ترتدي النقاب حتى الآن، ليس من أجل إخفاء هويتها فحسب، بل لأنها لا زالت تكافح من أجل التأقلم مع حياتها الجديدة خارج كنف "الدولة الإسلامية".

رغم ندمها على تحولها إلى التشدد المفرط لبعض الوقت إلا أنها الآن منتبهة ألا تقع ضحية ردة فعل عنيفة في الطرف الآخر. تقول خديجة: "يجب على أوبتي أن تكون تدريجية كيلا أتحول إلى شخص آخر، كيلا تدفعني ردة فعل غير مكبوحة إلى القفز إلى الطرف المضاد، إلى رفض الدين بالكلية بعدما كنت مفرطة التشدد إلى تلك الدرجة".

وحينما تكلمنا في نهاية لقائنا عن نجاح داعش في التغلغل في مناطق واسعة من سوريا كان لخديجة وقفة عند هذا الموضوع. قالت: "كيف سمحنا لهم بالمجيء؟ كيف سمحنا لهم بأن يحكمونا؟ لقد كان ضعفنا وعجزنا عن التمييز هو السبب".

تقول خديجة إنها التقت بنا لأنها تريد للناس -وخاصة النساء- أن يعرفوا حقيقة نظام داعش. تقول: "لا أريد لأي أحد أن يخدع بهم. الكثير من الفتيات يحسبون أن داعش تمثل دين الإسلام الصحيح".

إن خديجة بالغة الحرص الآن على أن تعود كما كانت قبل أن تقع في حبائل نظام داعش وسحر بيانه الكاذب. تقول: "فتاة مرحة تحب الحياة والضحك، تعشق السفر والرسم والتجول في الشوارع وقد وضعت سماعاتها على أذنَيها تستمع إلى أعذب الألحان دون أن تكترث بأي مخلوق آخر... هكذا أريد أن أكون مرة أخرى".

 

المصدر: CNN الكاتب: ترجمة: حارثة مجاهد ديرانية
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ