قواعد اللعبة في سوريا
قواعد اللعبة في سوريا
● مقالات رأي ٢ نوفمبر ٢٠١٤

قواعد اللعبة في سوريا

تشكّل "قواعد اللعبة" إحد المفاهيم المستخدمة في عالم السياسة والاستراتيجيا. ويعبّر المفهوم عن قواعد تحكم الصراع بين طرفين أو أكثر، بحيث يبقى الصراع مضبوطاً، بخلاف الصراعات التي تحمل الطابع "الصفري" (إنهاء أحد الطرفين للآخر تماماً).

وتخضع بعض الصراعات لـ "قواعد لعبة" نتيجة توازنات في القوى، مع الحاجة إلى استمرار الصراع، أو العجز عن الوصول إلى تسوية مُرضية لطرفيه. وقد تخضع صراعات أخرى لـ "قواعد لعبة" نتيجة حاجة أحد طرفي الصراع لاستمرار الآخر، رغم قدرة الأول على هزيمة الآخر تماماً، ويكون الصراع في هذه الحالة ستاراً لتبادل مصالح غير معلن.

شهدت الأدبيات السياسية والإعلامية العبرية الكثير من الكتابات حول قواعد اللعبة التي تحكم علاقة إسرائيل بكل من سوريا وحزب الله، خلال العقد الماضي تحديداً، وذلك على وقع التطورات التي شهدها لبنان، وجنوبه، منذ مطلع ذلك العقد.

واليوم، يمكن إسقاط هذا المفهوم على الحالة السياسية – الميدانية السورية، بامتياز. إذ أن هناك "قواعد لعبة" تحكم الصراعات العديدة المُعتملة في المشهد السوري. لكن الفرق في الحالة السورية الراهنة، هو أنها تشهد تغيراً سريعاً ومستمراً لـ "قواعد اللعبة"، بصورة قد يصعب على المراقب إحصاؤها، فيما في حالة الصراع بين إسرائيل وسوريا وحزب الله في العقد الماضي، كانت "قواعد اللعبة" تتغير ببطء، كل بضع سنوات.

الفرق الثاني بين الحالتين، أن الأولى (الحالة السورية الراهنة)، تتعدد فيها الأطراف بصورة معقدة نسبياً، أما في الثانية (الصراع بين إسرائيل وسوريا وحزب الله) فكانت الأطراف أكثر وضوحاً، وهي الثلاثة المذكورة بين القوسين الأخيرين.

في الحالة السورية الراهنة، نجد أن "قواعد اللعبة" بين نظام الأسد وبين إسرائيل هي الأكثر استقراراً، مقارنة بتلك التي تربط نظام الأسد بأطراف محلية أخرى. ويبدو أن أبرز القواعد الحاكمة للصراع بين الطرفين، أن لا يقوم نظام الأسد بتزويد حليفه، حزب الله، بأية أسلحة نوعية تغير من المعادلات العسكرية الحاكمة للتوازن على جبهة جنوب لبنان، وهي قاعدة أرستها إسرائيل بالقوة، حينما استهدفت مواقع وقوافل عسكرية داخل الأراضي السورية خلال العام الماضي. القاعدة الثانية على ما يبدو، ألا تعمل إسرائيل، على تقويض حكم الأسد، وأن تقف موقف "الحياد"، كما يظهر للعيان، رغم بعض القراءات التي ترجح دور إسرائيل في الضغط على الأمريكيين لعدم استهداف الأسد.

قد تكون "قواعد اللعبة" الحاكمة للصراع بين تنظيم الدولة الإسلامية، ونظام الأسد، هي الأكثر تغيراً، خاصةً في الأشهر الأخيرة، رغم أنها شهدت استقراراً أثار الكثير من الشكوك خلال أكثر من سنة منذ ظهور التنظيم وانتشاره. وكانت "قواعد اللعبة" بين الطرفين، قبل حزيران الماضي، تنص على عدم استهداف كل طرف للآخر، في الوقت الذي تفرغ فيه الطرفان للإجهاز على فصائل المعارضة السورية المختلفة.

لكن منذ "إعلان الخلافة" وانتشار التنظيم السريع في العراق وشمال شرق سوريا، وتنامي الإجماع الإقليمي – الدولي على خطورة تنظيم الدولة، وضرورة التصدي له، تغيرت "قواعد اللعبة" بين الطرفين. ويبدو للعيان أن تنظيم الدولة كان البادئ في تغيير تلك القواعد، حينما استهدف لأول مرة حقل الشاعر للغاز شرق حمص، في تموز الماضي، ثم تلى ذلك استهداف القواعد العسكرية المتبقية للنظام في الرقة وفي دير الزور.

لكن رغم ما سبق، ما تزال هناك الكثير من المؤشرات التي تؤكد وجود "قواعد" تحكم الصراع بين التنظيم ونظام الأسد. خاصة على صعيد إدارة ثروتي النفط والغاز. لكن التنظيم، على ما يبدو، جادٌ في تغيير تلك القواعد بسرعة، وباستمرار، بغية جذب كفة الصراع لصالحه، وهو ما يتبدى في اندفاعه مرة أخرى نحو حقل الشاعر شرق حمص.

إحدى "قواعد اللعبة" تلك التي استجدت أخيراً، حينما حيّدت ضربات التحالف الدولي، بقيادة واشنطن، جبهة النُصرة من قائمة المُستهدفين. فمنذ ضربات اليوم الأول الذي استهدف "النُصرة" إلى جانب "داعش"، لم تكرر واشنطن استهداف النُصرة مرة أخرى. ويبدو أن السرّ في ذلك يكمن في سيطرة جبهة النُصرة على معظم الشريط الحدودي مع إسرائيل، وهو ما يفسر استماتة الجبهة في تحقيق هذا الهدف. فأمن إسرائيل، على ما يبدو، كان على سبيل المقايضة، مقابل تحييد النُصرة عن ضربات التحالف.

كذلك يبدو أن هناك "قواعد للعبة" تحكم الصراع بين "داعش" و"النُصرة"، فقد تصارع التنظيمان بدموية في شمال وشرق سوريا، لكنهما يتحالفان اليوم في منطقة القلمون تحديداً. وتتحدث بعض السيناريوهات أن هذا التحالف قد يتعزز باتجاه استهداف دمشق.

نظرية "قواعد اللعبة" تستطيع أن تفسر الكثير من المعطيات التي تُوحي بوجود تنسيق غير معلن بين بعض أطراف الصراع الميداني داخل سوريا، وبين بعضها وبين أطراف إقليمية ودولية مناوئة لها علناً. لكن عدم ثبات "قواعد اللعبة" بين مختلف الأطراف، وتغيرها المستمر، بسبب تطورات الحرب الدائرة على التراب السوري، قد تجعل هذه النظرية غير قادرة على تقديم سيناريوهات مستقبلية مُرجحة، بقدر ما تقدم تفسيرات لما يحدث، آنياً، من اشتباك في مكان، وتحالف بين ذات الطرفين المُتشابكين، في مكان آخر، من سوريا.

 

المصدر: المدن الكاتب: إياد الجعفري
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ