فلسطينيو سورية وفقدان المرجعية
فلسطينيو سورية وفقدان المرجعية
● مقالات رأي ٧ يوليو ٢٠١٦

فلسطينيو سورية وفقدان المرجعية

أدّت الأزمة السورية بتداعياتها ونكبة عددٍ من المخيمات الفلسطينية، وخاصة مخيم اليرموك، إلى خروج أعداٍ كبيرة من فلسطيني سورية من هذا البلد باتجاه هجرات جديدة عبر قوارب الموت، حيث يُشير مختلف المعطيات الموثقة، أن أعداد اللاجئين الفلسطينيين المُسجلين في سجلات وكالة «أونروا» وصلت إلى نحو 560 ألف فلسطيني مع بداية العام 2016. لكن أعداداً لا بأس بها منهم باتت خارج البلد عبر عمليات النزوح والهجرة. ووصلت أعداد من خرجوا من سورية حتى أوائل شهر حزيران (يونيو) الماضي إلى نحو 235 ألف لاجئ فلسطيني يتوقع أن تتزايد أعدادهم مع المراحل التالية من لمِّ الشمل إلى البلاد التي وصلوها. وتقدر أعدادهم التفصيلية كما يلي وفق مكان الهجرة: الأردن نحو 15500 لاجئ فلسطيني سوري. لبنان نحو 42.500، مصر نحو 6 آلاف، تركيا نحو 8 آلاف، قطاع غزة نحو ألف لاجئ فلسطيني سوري، ونحو 120 ألفاً وصلوا إلى أوروبا، وتحديداً ألمانيا والسويد وهولندا والنمسا والدانمرك، إضافة إلى دول أخرى مثل بلغاريا ورومانيا وهنغاريا وروسيا. وبضعة آلاف وصلوا إلى ماليزيا واستراليا ونيوزلندا وكندا والولايات المتحدة والبرازيل.

الطامة الكبرى في أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في سورية أنهم أصبحوا عملياً بلا مرجعية ملموسة، أو تراجعت أدوار المرجعية المُمثلة لهم في أحسن الأحوال، وتخلت مُعظم الفصائل والقوى الفلسطينية عن معظم مسؤولياتها المطلوبة تجاه اللاجئين الفلسطينيين في سورية، الذين يعيشون الآن أوضاعاً صعبة نتيجة الانعكاسات العامة للأزمة الطاحنة في سورية عليهم وعلى أحوالهم من جوانبها كافة.

لماذا وصلت الأمور إلى هذه الحال، وهل من الإنصاف أن تُهمَلَ أوضاع فلسطينيي سورية بهذا الشكل من قبل القوى والفصائل والجهات الرسمية الفلسطينية، وهم الذين كانوا على الدوام الخزان البشري الذي لا ينضب الذي زود تلك الفصائل والثورة الفلسطينية والحركة الوطنية الفلسطينية بآلاف المُنتسبين والأعضاء الذين سقطوا في ساحات العمل الوطني الفلسطيني؟

في حقيقة الأمر، وحتى لا نُتّهَم من بعض المُتسرعين بالبعد عن الموضوعية، وجلد الذات، أو التجني أو التحامل على مجموع القوى والفصائل الفلسطينية العاملة في الساحة السورية، فإننا نبدأ بالقول إن الحديث عن غياب دور القوى والفصائل والمنظمة، لا يعني البتة المساس بمنظمة التحرير الفلسطينية ومكانتها، ولا يعني شطب أو إنكار دورها الوطني والتاريخي، ولا يعني إجمال جميع فصائلها ووضعها في بوتقة واحدة من حيث الدور والمسؤولية، فهي منّا ونحن منها، والحديث عنها يأتي من موقع الحرص على دورها المنشود والمطلوب من الشارع الفلسطيني في سورية الذي بات يَصرخ كل يوم مُتسائلاً عن دور المنظمة وتلك القوى في هذه الفترة بالذات حيث يعيش فلسطينيو سورية لحظات حاسمة من تاريخ وجودهم الموقت فوق الأرض السورية، فيما القلق يساور كل فرد منهم، بعدما باتت الحالة الضبابية تُسيطر على أوضاعهم بشكلٍ عام، وهي تحمل مُؤشراتٍ مُخيفة على مستقبلهم في ظل تفاعلات الأزمة الداخلية السورية وتشظيها، ودخول مختلف الأطراف الإقليمية والدولية على خطوطها ومساراتها، وبأجندات مختلفة.

موطن الخلل في أوضاع الفلسطينيين في سورية أن مجموع القوى الفلسطينية العاملة في الوسط الفلسطيني في سورية (مُخيمات وتجمعات) وعددها خمسة عشر فصيلاً، لم تستطع حتى اللحظة توفير غطاء ومرجعية وطنية لعموم الفلسطينيين في سورية، لأسباب تتعلق بالخلافات والتباينات في صفوفها، وقصور رؤية بعضٍ منها لمسار الأحداث العاصفة التي ضَرَبَت وما زالت تَضرِبُ بمفاعيلها الحالة العربية من أقضاها إلى أقصاها.

وفي هذا السياق، فإن الموقف المسؤول من عدد كبير من الكوادر الفلسطينية السابقة في صفوف العمل الوطني الفلسطيني في سورية، ركز على ضرورة وضع كل الخلافات والتباينات والثأرات والأحقاد التاريخية والضغائن وتصفية الحسابات والعصبيات التنظيمية والتحريض والمواقف المسبقة بين مختلف القوى جانباً، من خلال الارتقاء والسمو بالوعي الوطني العام وإعمال العقل وصولاً إلى التوافق على عنوان واحد يتمثل في ضرورة العمل من أجل حماية وتوفير شبكة جيدة من الأمان لفلسطيني سورية، تَضمَن سلامتهم بالحدود المُمكنة، وتَضمَن توفير وزيادة منسوب الدعم المناسب والمُمكن للمحتاجين منهم وهم يصارعون مشقة العيش وشظفه بعد أن تعطلت سُبل العمل بأرباب أُسَر آلاف العائلات نتيجة الوضع القائم في البلاد.

ومن المفارقات الملحوظة أن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة لمنظمة الأمم المتحدة (أونروا) تفوّقت على دور القوى الفلسطينية من خلال برامج العمل التي بادرت إليها في الوسط الفلسطيني في سورية، وقد زار المفوض العام للوكالة (بيير كريهنبول) ممثلاً الأمين العام للأمم المتحدة أطراف مخيم اليرموك أوائل شهر أيار (مايو) الماضي لتفقد أوضاع الناس، وزار أيضاً بعض منشآت عمل الوكالة، وقام بجولة في عددٍ من مدارسها، كما تفقد بعض مراكز الإيواء الموقت للفلسطينيين الذين تركوا منازلهم بحثا عن الأمان.

المصدر: الحياة اللندنية الكاتب: علي بدوان
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ