'فانتازيا' الاستراتيجية الأميركية في سوريا
'فانتازيا' الاستراتيجية الأميركية في سوريا
● مقالات رأي ١٩ ديسمبر ٢٠١٤

'فانتازيا' الاستراتيجية الأميركية في سوريا

رغم مرور نحو ثلاثة أشهر على بدء الهجمات الجوية للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا، لم يتضح حتى الآن ما هي الأهداف التي حققها هذا التحالف ولا حجم الخسائر التي مُني بها تنظيم الدولة الإسلامية وغيره من الجماعات الإسلامية المتشددة التي تُقاتل في سوريا، بل حتى أن لا أحد يعرف ما هي الخطوة التالية بعد الضربات الجوية.

أعلنت قوات التحالف عن شنها لأكثر من ألف غارة جوية، استهدفت مراكز قيادة تنظيم الدولة ومراكز تدريب تابعة له ومستودعات أسلحة ومصافي نفط صغيرة تستخرج النفط لصالحه، كما استهدفت مقاتلي التنظيم الذين حاصروا عين العرب (كوباني) شمال سوريا، وقال التحالف إن الحملة الجوية بدأت تحقق أهدافها.

التنظيم الذي يعتبره السوريون أحد أكبر المخاطر على ثورتهم، ويواجه في سوريا خليطا غير متجانس من مقاتلي المعارضة السورية ومقاتلي البيشمركة الكردية ومقاتلين من عشائر سنّية، ويتلقى في نفس الوقت ضربات جوية مستمرة من أقوى دول العالم، لم يتراجع كثيرا على الأرض، ولم يخسر مناطق مهمة.

وكل ما في الأمر أن تمدده قد توقف في بعض المحاور، بل وعلى ما يبدو يكسب بطريقة أخرى، فقد أعلن أنه كسب تأييد السكان المحليين واجتذب مقاتلين جدد، وكل ذلك برأي الكثيرين بسبب عدم وجود حلفاء على الأرض يدعمون القصف الجوي للتحالف.

حاول النظام السوري ويحاول أن يُسوّق نفسه كشريك على الأرض للتحالف، وهو ما لم ولن يحصل، فيما تؤكد المعارضة على أن أهداف التحالف لن تتحقق ما لم يقض على أصل المشكلة، وهو النظام، ودعا -دون فائدة- للاستفادة من طاقات الجيش الحر الذي من المفترض أنه الشريك الطبيعي للتحالف والقوة المطلوبة لملء الفراغ بعد هزيمة الدولة الإسلامية. النظام والمعارضة يريدان مشاركة التحالف، على الرغم من أن لا أحد يعرف بالضبط ما هي أهداف التحالف قريبة المدى ولا الأهداف النهائية.

يبدو للمراقب أن هناك تضاربا في الاستراتيجية الأميركية في سوريا والعراق، فهي في العراق تريد هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية بالتعاون مع الحكومة العراقية، بينما تريد في سوريا “عزل التنظيم” وتشكيل معارضة لتحارب الإرهاب ثم تتفاوض مع النظام، وهناك أيضا خلط في الأولويات لدى الإدارة الأميركية، فلا هي تريد إشراك مقاتليها للقضاء على تنظيم الدولة، ولا تريد القضاء على النظام السوري، ولا تريد دعم الجيش الحر كشريك للتحالف على الأرض، فيما ظهر أن المستفيد الوحيد من هذه (الفوضى الاستراتيجية) الأميركية هو النظام السوري الذي التفت لتصعيد هجماته على المعارضة السورية وكثّف هجماته عليها، وترك لقوات التحالف مهمة الانشغال بتنظيم الدولة. لاشك أن هناك “فانتازيا” في الاستراتيجية الأميركية في سوريا، وفي خضم غموض أهداف التحالف الدولي وتناقض مواقف الولايات المتحدة، ضاع السوريون، ومن قبلهم المحللون، فقوات التحالف لن تحقق أهدافها بالقصف الجوي وحده، ولن تحرر أرضا، والولايات المتحدة لن تستطيع رفع رايات النصر المؤزر على القاعدة دون شريك أرضي، ولا يوجد خطة تالية لما بعد القصف الجوي، ولا يعرف أحد من سيملأ الفراغ.

لم يبق لـ “قارئ فنجان” الاستراتيجية الأميركية إلا أن يرى طريقين أو احتمالين قد تنتهجهما الولايات المتحدة، عاجلا أو آجلا، الطريق الأول يعتمد على البدء بتفكيك العلاقة بين سوريا وإيران، وتُجفف منابع الإرهاب بدءا من صانعيه، إيران والنظام السوري والقاعدة معا، وتضرب بقوة وقسوة، عندها ستضمن نهاية لأزمة المنطقة وتوقف توليد العنف والإرهاب، وستُفتح بعدها أبواب الحلول لمشاكل المنطقة. أما الطريق الثاني، فهو التدخل العسكري على الأرض، فدون ذلك تعرف الولايات المتحدة أن الفوضى ستستمر إلى ما لا نهاية حتى لو قُضي على الدولة الإسلامية، وسيشهد الشرق الأوسط مسارات عديدة متشعبة، وستُفرّخ الدولة الإسلامية دويلات، وستبدأ سلسلة من الحروب الأهلية والطائفية والقومية، لن يفيد معها أية مبادرات سياسية.

رغم أن الفكرة الثانية مستبعدة أميركيا ومرفوضة بشكل علني، إلا أن السياسة عادة ما يُخطط لها وراء الكواليس، ولا يُعلن منها إلا رأس جبل الثلج، والقرار الحاسم يُعلن عادة أيضا في اللحظات الأخيرة، بالإضافة إلى أنه لابد من لفت الانتباه إلى أن هذه الفكرة ـ المستبعدة أميركيا حاليا ستجعل الولايات المتحدة منتصرا دون شريك، وهو ما يناسب الأميركي دائما.

المصدر: العرب الكاتب: باسل العودات
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ