عن ضابط سوري حكم لبنان!
عن ضابط سوري حكم لبنان!
● مقالات رأي ٢٦ مارس ٢٠١٥

عن ضابط سوري حكم لبنان!

في تاريخ الشعوب التي تعرضت لاحتلال او اجتياح او "ردع" من قبل جيش اجنبي صفحات سوداء مشينة تحرص على محوها من ذاكرتها، او اخفائها من وثائقها، وشخصيات فظة ومحرجة يشطب اسمها حتى من المدونات والمرويات.

في التاريخ اللبناني الحديث نقيض تام لهذه النظرية، ومثال معيب يختزله الاهتمام الشديد بضابط سوري تحول في الاونة الاخيرة الى خبر رئيسي في وسائل الاعلام وفي الصالونات السياسية، وبات مصيره، موته او نجاته من الضرب المبرح على يد احد زملائه، الشغل الشاغل للبنانيين جميعا، مع ان دوره السابق في لبنان كان بمثابة إهانة موصوفة، ومتعمدة طبعا، لخصوم سوريا كما لحلفائها من مختلف الطوائف اللبنانية.

والغريب ان ذلك الضابط الذي تحول الى رمز فعلي للحقبة الاخيرة من الهيمنة السورية على لبنان وكان شاهداً على نهايتها، العسكرية على الاقل، ينظر اليه في سوريا نفسها وفي مراكز صنع القرار في دمشق بتواضع شديد، إن لم يكن باستخفاف بدوره، وحتى إستهزاء بدوره، الذي ارتقى بالصدفة ونتيجة عناد القيادة وضيق أفقها، اكثر مما تطور بفعل ثقافته او خبرته او نجاحاته وإنجازاته.. وهو في المستشفى الان نتيجة فشل ذريع في منع انهيار الجبهة الجنوبية للنظام امام تقدم قوات المعارضة الاخير، وإنشقاق أحد ضباطه الكبار الذي صار اسمه معروفاً.

مع ذلك فان أسطورته ما زالت تكبر في بيروت، اكثر من دمشق طبعا، وما زالت أدواره الاستخباراتية والمالية والسياسية تتردد على كل لسان لبناني، من الخصم الى الصديق، حيث يجري التباهي إما بنهاية الحاكم الاخير للبنان، وقرب نهاية النظام الذي كلفه بتلك المهمة القذرة، او بالحضور الفريد الذي كان يمثله في الغرف المغلقة للسياستين اللبنانية والسورية..او حتى بالفضائح التي تورط بها، وكانت ذروة سلوك سوري ثابت في استباحة لبنان ومؤسساته ومرافقه ومقدراته ونسائه أمتد منذ العام 1976 وحتى العام 2005.

لم يكن حاكما فعليا. كان مجرد نموذج أخير على انحطاط الادارة السورية للبنان التي بدأت قبل نحو اربعين عاما باشكال وادوات سياسية مناسبة للظرف اللبناني في ذلك الحين، لكنها تراجعت تدريجيا لتصبح في عهدة كبار ضباط الجيش والامن، قبل ان تستقر عند ذلك الضابط الفضيحة، الذي تعامل مع لبنان مثلما يتعامل اي مسؤول أمني مع اي من المحافظات السورية ال14 الباقية، اي بمزيج من الترغيب والترهيب والفساد والافساد، وبما يعبر بصدق عن تحلل النظام ويفسر قيام الثورة..

لكن المحير هو ان المسؤولين والسياسيين اللبنانيين الذين خاصموه او حالفوه، كانوا على دراية مسبقة بموقعه ومكانته وكفاءته، لكنهم لم يترددوا في نسج اوثق العلاقات معه، بدلا من ان يتوصلوا الى الاستنتاج ان الادارة السورية هزلت، وآن الاوان للتخلي عن الخصومة او عن التحالف مع دمشق او حتى للهجرة من لبنان كله.. طالما ان قرار النظام هو الاصرار على إبقاء ذلك الضابط في مهمته اللبنانية الجليلة، برغم الاساءات التي يمثلها لذلك النظام بالذات.

ما زال الجمهور اللبناني يتسقط اخبار ذلك الضابط، اكثر من اي خبر آخر، اما بدافع الحنين او الحقد، مع ان الشعورين لا يجوزان فيه، ولا يعبران سوى عن خلل نفسي في تكوين ذلك الجمهور وفي توصيف علاقته مع "حاكمه" السابق،الذي لم يكن ذلك الضابط بالتحديد، وفي الشفاء من متلازمة استوكهولم الشهيرة عن الصلة المرضية التي تقوم في بعض الاحيان بين السجان والسجين.. والتي تصح في تحديد طبيعة العلاقة بين اللبنانيين وبين جميع من حكمهم من الخارج.

الصحة العقلية للبنانيين جميعا، الحلفاء قبل الاعداء لنظام دمشق تستدعي شعورهم بالعار- لا بالاثارة- من مجرد سماع إسم: رستم غزالة. 

المصدر: المدن الكاتب: ساطع نور الدين
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ