سوريا: داعش.. فخر الصناعة العالمية
سوريا: داعش.. فخر الصناعة العالمية
● مقالات رأي ٣٠ سبتمبر ٢٠١٤

سوريا: داعش.. فخر الصناعة العالمية

داعش هي فخر الصناعة العالمية، فهذه الماركة الجديدة من التطرف، اشتركت في تصنيعها أطراف عدة، متناقضة ظاهريًا، ومتشابهة في الجوهر، بشكل مباشر أو غير مباشر، إن بتوفير بيئة النمو الملائمة لها، أو باللعب الإعلامي والاستخباري، رداً على ثورات الحرية والكرامة التي اجتاحت المنطقة، من دون إنذار مسبق.

كانت النظم “التقدمية”، ومنها النظام السوري، رائدةً في تصنيع وتوليف مثل هذه الظواهر القاتلة عبر التاريخ، لاستخدامها في تحقيق أغراض ومصالح سياسية مختلفة. لكن، إذا قاربنا الأمر من زاوية مختلفة، أوسع وأشمل، يمكن القول إن هذا النظام لا يختلف، نهجًا وممارسةً، عن داعش وأخواتها، إلا من حيث ارتدائه ربطة العنق، هذا إن لم نقل إنه يبزّها في إرهابها، وإنَّ مراجعةً موضوعيةً للواقع الراهن والماضي القريب، تظهر، ببساطة، أن ممارساته في سورية تفوق ممارسات داعش أضعاف المرات، وكل قول أو نص لا يبدأ من هذه الحقيقة في تحليل الظاهرة الداعشية في سورية يكون أقرب ما يكون إلى الانتهازية أو التفاهة.

من جهة أخرى، لا يمكن تفسير الظاهرة الداعشية ومقاربتها من دون وضع إرهاب الطغم الحاكمة وتأثيراته منطلقاً في التحليل، خصوصاً في بلدان كسورية والعراق. إذ تبدو هذه الظاهرة نتيجة حتمية لفشل هذه الدول في بناء هوياتٍ وطنيةٍ قادرةٍ على إدماج الهويات الدينية والمذهبية والإثنية، ولما أنتجته من كوارث، كتعميم الفقر والبطالة، واكتساح الريف من دون تمدينه، وممارسة التجهيل السياسي، وعسكرة الحياة السياسية، وغزو أجهزتها الأمنية المجتمع، وإفساد القيم والأخلاق، وإفشال النظم التربوية والتعليمية، فضلًا عن أن هذا كله يأتي بالتزامن مع هزيمةٍ مستمرةٍ أمام الخارج سياسيًا وعسكريًا وحضاريًا، بما ينتج أفرادًا مهزومين وعاجزين يبحثون عن ملاذاتٍ آمنة فحسب… نعم، داعش لا تعيش إلا في هذه البيئة من الفشل المزمن.

إلى جانب الدور الرئيس لطغم الاستبداد، ثمّة أدوارٌ أخرى، تؤديها أطراف عدة في توليد الظواهر الداعشية. في هذا السياق، يأتي الدور الانتهازي لحكومات الغرب (والأميركية خصوصاً) التي لا تكترث إلا لمصالحها العارية والمباشرة، والتي جعلت من مقولة القوة المعيار الوحيد في العلاقات الدولية في العصر الحديث، على الرغم من تشدقها بالقانون الدولي وحقوق الإنسان، واتبعت أساليب شتى في نهب العالم، والاعتداء على بشره ومصائرهم.

وثمّة دور أكيد لنظام الملالي في إيران الذي لم يجرّ على المنطقة إلا الويلات، بدءًا من إرساء نموذج الدولة الدينية في الحكم، ومحاولاته الحثيثة لتصديره إلى بلدان المنطقة، مرورًا باستحضار ثارات التاريخ كلها في خطابه السياسي، وإبداعه في تصنيع الميليشيات الطائفية، بما تحمله من روائح طائفية فاسدة تزكم الأنفاس، وانتهاءً بالتدخل المباشر في دول عديدة في المنطقة، كالعراق وسورية واليمن.

وهناك مساهمة أكيدة لأنظمة الخليج التي كانت دومًا قصيرة النفس، ولا ترى أبعد من المحافظة على نظم حكم تقليدية وهشة، بما جعلها تقف ضد أي إصلاحٍ في الفكر الديني، وسعيها إلى تفصيل الدين الإسلامي، بما يتناسب مع استرخائها، والمضحك أنها تحارب التطرف، على الرغم من أنها ما زالت، إلى اليوم، متخلفة عن الفهم الإسلامي الذي أنتجه رواد النهضة في بدايات القرن الماضي. وبحكم التناقض الحاد والصارخ بين التقدم العمراني والتكنولوجي والرخاء الاقتصادي من جهة، ونظم الحكم التقليدية من جهة أخرى، أبدعت هذه الدول في إنتاج أنماط عديدة من السلفية الجهادية وتصديرها إلى شتى أنحاء العالم.

أما ظواهر الإسلام السياسي التي تصنف لدى كثيرين، أو تقدِّم نفسها، على أنها معتدلة، فإنها حتى اليوم لم تقدِّم أي حالة سياسية مطمئنة، من حيث قناعتها وإقرارها بالدولة الحديثة وأسسها من جهة، أو من حيث احترام القواعد الديمقراطية حتى النهاية. فجميع الحركات والقوى السياسية الإسلامية ما زالت تتعيش فحسب على الزخم الديني الموجود في أذهان الناس وأرواحهم، ولا تعيش من جهدها وتعبها وإنتاجها الفكري والسياسي. ولذلك، شكلت، على الدوام، المحطات الأولى التي ينشأ ويتربى فيها المتطرفون، فضلًا عن أن بعض هذه القوى لا يزال يحمل السلاح ويستخدمه، أو على الأقل يهدد به الحياة السياسية.

لا نستطيع أن ننكر، أيضًا، دور اليسار بنموذجيه الشائعين، الأيديولوجي والطائفي، في تهيئة التربة المناسبة لنمو التطرف. فقد أمضت هذه الأنماط من اليسار حياتها من فشلٍ إلى فشلٍ، غريبة وبعيدة من الناس، تنعم بشعارات وأيديولوجيات “قومية” و”شيوعية” و”ليبرالية” داعشية النهج والمظهر والقوام، ومارست، في محطاتٍ عديدة عبر التاريخ، السحل والذبح والنفي والقتل. هذه الأنماط تدفعها سذاجتها وسطحيتها، اليوم، نحو استلهام داعش بقصد الدخول في معركةٍ مع الإسلام والمسلمين، بدلاً من التفكير في أسباب فشلها المزمن، وعقمها المستمر، من جهة، والتفكير الجدي بالتخلص من داعشيتها الموازية، من جهة ثانية، والمساعدة في إطلاق حركة إصلاح ديني، ضروري وملازم لأي تغيير سياسي حقيقي، من جهة ثالثة.

جميع الأديان، السماوية والأرضية، والأيديولوجيات كلها، أنتجت عبر التاريخ ظواهر داعشية. فالشيوعية، في هيئتها الداعشية، قتلت الملايين من مواطني الاتحاد السوفياتي السابق خلال فترة حكمها. والداعشية البعثية حدث ولا حرج، أقلها استخدام الكيماوي في العراق والشام ضد الكرد والعرب. والداعشية اليهودية أفعالها ماثلة للعيان في فلسطين منذ وعد بلفور، والداعشية المسيحية أنهكت أوروبا بالحروب الدينية، وبرفع رايات التكفير واتهامات الهرطقة المتبادلة منذ القرن الخامس للميلاد وحتى معاهدة ويستفاليا في عام 1648، وهكذا، فالداعشية جزء من تاريخ الجميع.

ما يثير السخرية أن الأطراف السابقة التي ساهمت في توليد داعش اليوم، ترفع أصواتها متبرئة من هذا الوليد، وبطريقةٍ تعلن سلامتها هي ذاتها، وحصانة تفكيرها وممارساتها من النهج الداعشي في الحياة والسياسة، على الرغم من أنها جميعها غارقة في وحل الداعشية. وهي تريد اليوم، سرًا أو علنًا، أن تتحالف ضد مولودها الشرعي، ومن ثم تتابع حياتها الداعشية ذاتها، وإنتاج الدواعش تلو الدواعش إلى أبد الآبدين، وكلها تنظر إلى نفسها على أنها “باقية”، كما الشعار الداعشي “الدولة باقية”، وكما الهمروجة البعثية “إلى الأبد .. إلى الأبد”! يسقط جميع الداعشيين من كل لون وملة.. إلى الأبد!

المصدر: الشبكة العربية العالمية الكاتب: حازم نهار
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ