سوريا: 'تجميد القتال' ينتظر اتفاقا دوليا
سوريا: 'تجميد القتال' ينتظر اتفاقا دوليا
● مقالات رأي ٩ نوفمبر ٢٠١٤

سوريا: 'تجميد القتال' ينتظر اتفاقا دوليا

عندما طرح مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا ستيفان دي ميستورا فكرة “تجميد القتال” للمرة الأولى، بمعنى إنشاء مناطق خالية من العمليات الحربية، بدا وكأنه يغرد منفرداً، بعيداً عن الأطراف الإقليمية والدولية التي تمد المتنازعين بالسلاح. لكن، ومع مرور الوقت بدأت تظهر مؤشرات تشي بأن أفكار ميستورا ربما تأسست على مشاورات دولية وإقليمية.

والحال أن حذر ميستورا الشديد في استخدام عبارات لا تثير حنق أي من المعسكرين المتقاتلين في سوريا بدا واضحاً. حيث أنه وباستخدام مصطلح “مناطق خالية من القتال”، تجنب المبعوث الدولي الدخول في الحديث عن “مناطق عازلة” وهو التعبير الذي يمقته كل من النظام السوري وحلفاؤه. وبالمقابل فإن ميستورا يدعو بالفعل إلى إنشاء مناطق عازلة، لكن بموافقة النظام هذه المرة. هذا فضلاً عن وقف القتال على عدة جبهات يبدو أن حلب في مقدمتها.

بعد حديث ميستورا تتالت الدعوات المشابهة، والتي تركز على حلب التي تخضع حاليا لحصار خانق وتتداول تقارير عديدة أنها مهددة بالسقوط. تحدثت تركيا في عدة مناسبات في الأيام الماضية عن حلب وضرورة إنقاذها. من ثم ترددت حلب على لسان بان كي مون الأمين العام للأمم المتحـدة، وكذلك على لسان الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند. وعاد المبعوث الدولي للحديث عن إيقاف القتال في حلب، والتحذير من أن تنظيم الدولة الإسلامية يحشد قواته في حلب بعيداً عن كوباني. هكذا يواصل ميستورا الترويج لفكرته، وذلك بعد جولة حاول فيها إقناع كل من النظام السوري وإيران وروسيا بها.

وفي حين لم تعلّق إيران وروسيا على أفكار ميستورا، أظهر النظام السوري عدم موافقة واضحة من خلال الإيعاز لوسائل إعلامه بشن الهجوم على المبعوث الدولي. في حقيقة الأمر يشعر النظام السوري بأن الفرصة مواتية كما لم تكن من قبل، فالتحالف الدولي يعمل، يومياً، على تدمير عدة فصائل عسكرية إسلامية على الأرض في سوريا، فيما يشدد النظام حملته على الجيش الحر بدعم روسي وإيراني في محاولة لتحطيمه وقطع الطريق على الخطة الأميركية المزعومة الرامية إلى تعزيز وجوده.

وفي الوقت الذي يحاول فيه النظام استغلال الفرصة المتاحة، يشعر بخوف شديد. إذ تشير الأجواء إلى زيادة تورط التحالف الدولي في سوريا، وربما يكون من نتائج ذلك إعادة تثبيت توازن القوى على الأرض بين الجيش الحر والنظام من جهة، وتحقيق تقدم ملموس على داعش من جهة أخرى.

لكن التقدم على داعش يحتاج إلى توحيد جهود الجيش الحر، كما يحتاج إلى تخفيف وطأة التدمير الذي يلحقه النظام بكل المناطق المحررة. ويبدو أن أهداف التحالف الدولي في هذا السياق تتلاقى بقوة مع طرح ميستورا. بالأحرى فإن طرح ميستورا، إن قُدّرَ له أن يتحقق بصورة ما، فسوف يستمد شرعيته من خطط التحالف الدولي المقبلة في سوريا.

إذا يبدو أن التحالف الدولي بات بحاجة ماسة لإرساء “هدنة عسكرية” بين النظام السوري والجيش الحر. ولما كان الأخير مهددا بالتراجع والانحسار عن بعض المناطق، فإنه قد يقبل، مع مزيد من الضغوط، ما كان يرفضه بصورة قاطعة في السنوات الماضية أي وقف القتال.

وفيما لا يجد النظام السوي أي مسوّغ للقبول بهدنة تشمل وقف القصف الحربي، فقد يضطر التحالف الدولي في وقت ما إلى فرض هدنة إجبارية على الطرفين، وسيكون ذلك بإقناع كل من روسيا وإيران بممارسة ضغوط حقيقية على النظام السوري.

انطلاقا من ذلك، قد يتسنى توحيد الجهود في بعض المناطق المحررة لدحر تنظيم الدولة الإسلامية، ولتأسيس نظام إدارة مدنية يخفف الضغوط على المدنيين في تلك المناطق، حيث كانت الحياة القاسية، ولا تزال، عاملاً أساسيا في دعم صفوف تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة وفصائل إسلامية متشددة أخرى.

هكذا فإن الجهود الدولية قد تنصب على نقل الصراع بين النظام السوري والثوار من وضعيته الهجومية المتبادلة والتي تحمل خسائر مرعبة خصوصا لطرف الثورة، إلى وضعية دفاعية بحتة قد تمهد لعملية سياسية شاملة.

من غير المرجح أن يتم ذلك عبر قيام التحالف الدولي بعمل عسكري ضد النظام السوري لإجباره على قبول الهدنة، بل عبر اتفاق إقليمي ودولي سوف يكون من الشاق جداً الوصول إليه. لكن توسع الصراع وانتقاله من سوريا إلى كل من العراق ولبنان، وانتشار تنظيم الدولة الإسلامية وتنامي قوته، قد أرسى دعائم اتفاقات محلية وإقليمية ودولية مؤقتة، سواء في العراق بين المكونات السياسية، أو بين إيران والسعودية، حيث بدأت مرحلة كسر الجليد، أو حتى بين أميركا وإيران. وربما تعتبر الرسالة السرية التي أرسلها الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران، علي خامنئي، مؤشراً على بداية العمل على اتفاق إقليمي ودولي بخصوص المنطقة.

المصدر: العرب الكاتب: سلام السعدي
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ