سوريا.. أرض الثكالى
سوريا.. أرض الثكالى
● مقالات رأي ١٠ يناير ٢٠١٧

سوريا.. أرض الثكالى

لا يملك السوريون من قرار حياتهم شيئاً حين كانوا أحياء، يقادون إلى الموت بشتى أنواع القتل وصنوف العذاب كما تقود الوحوش الجائعة فريستها، تتنافس العائلات الثكالى في سرد قصص المآسي التي تمر عليها في هذا الوقت العصيب، لكل منها قصة تكمد في جوفها وتزيد النار لهيب الأسى المفجع، فيقبض القلب قهرا وينبض قهرا، وينسى ذاك الطفل المفجوع كلمة الأم ليكون «الألم» أقرب للواقع من الاسم نفسه، وينافس الرجل منهم «أيوب» في صبره على فقدان أهله وأطفاله، وتبكي الأم أطفالا وشبابا سهرت الليالي وطوت منها السنون حتى كبروا أمام أعينها ليخطفهم الموت في لحظة واحدة، وتبقى الذكرى الحزينة جمرا يكوي في الفؤاد.

هو شعور يلازم عشرات الآلاف من العائلات السورية، ممن تعيش هذا الأسى الذي لا يوصف، أطفال يتامى وأمهات ثكالى ورجال أوهن المصاب عزائمهم، في ظل حرب ظالمة لم تترك للابتسامة مكانا ولا للمستقبل أحلاما، وحولت سوريا الى ارض للثكالى.

دخل الحزن كل منزل دون استئذان من أحد وأصاب أعماق النفوس حتى بدت وجوه السوريين متعبة مرهقة، القبس التقت بعض الثكالى الذين عاشوا مرارة فقدان الأحبة،  رأينا في وجوه من فقدوا احبتهم هموما تكاد الجبال تعجز عن حملها، وفي نظرات عيونهم قصص تحكي تفاصيل معاناتهم قبل أن يرووها لنا، فكانوا شهودا على كارثة تحدث أمام أنظار العالم اللامبالي، وضحية تخاذل الجميع عن نصرتهم وإيجاد طريق الخلاص لهم، وتركهم هذا العالم لوحدهم تحت رحمة سوء العذاب وشلال الدماء الذي يجري.

«قتلوا حياتي» بهذه الكلمات بدأ أبو محمد حديثه للقبس، هو أب لأربعة قتلى وأخ لثلاثة وعمٌّ لخمسة قتلى، جميعهم قتلوا على يد قوات النظام والميليشيات المساندة له.

يقول أبو محمد فارقني كل فلذات كبدي وريحانة فؤادي محمد ١٩ سنة ومحمود ١٧ سنة وأحمد ١٤ سنة وصغيرهم نور ٦سنوات، قتلهم النظام جميعهم في يوم واحد، حرمني من نور عيوني ومهجة قلبي وأغلى ما عندي بلحظة واحدة لقد قتل الدنيا في عيوني.

وأردف: أبكي على من؟ على أبنائي جميعهم أم على إخوتي وأبناء إخوتي، أم أبكي حيّاً كاملاً لم يبق فيه أحد، وبيت لم أعد أسمع فيه كلمة بابا بعد اليوم.

واستطرد وصلت لمرحلة الجنون أو ربما تجاوزتها، فأنا نفسي لا أعلم كيف سأقضي هذا العمر من بعدهم، لا شيء عندي أنتظره إلا الموت، أتوق إليه من كل قلبي كي أرتاح من هذه النار التي تتأجج في داخلي ويزداد لهيبها كلما نظرت حولي ولا أجدهم.

المصدر: القبس الكويتية الكاتب: ماجد عبد النور
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ