سلاح النفط في معركة 'كسر عظم' دولية
سلاح النفط في معركة 'كسر عظم' دولية
● مقالات رأي ١٣ ديسمبر ٢٠١٤

سلاح النفط في معركة 'كسر عظم' دولية

أربعة أعوام من الاستعصاء السياسي في سوريا انعكست فوضى شاملة ودمارا واسعا اجتاح، بضراوة خلال العام الماضي، كلا من لبنان والعراق. استعصاءات مركّبة من طبقات عديدة، محلية وإقليمية ودولية. كل طبقة تمتلك دينامية داخلية من التوازن تجعلها تحافظ على مستوى ثابت من التحالفات والتفارقات، فيما الواقع يتغير بسرعة، ينحدر إلى حضيض لا قعر له. لكن هذا الواقع دخل في أشد مراحل الفوضى والرعب، حيث بات الخطر محدقا، وحيث تنامت الشكوك في إمكانية الوصول إلى نقطة اللاعودة على المستوى الإقليمي والدولي، بعد أن وصلت سوريا والعراق إلى تلك النقطة منذ زمن.

هكذا تحركت الولايات المتحدة الأميركية على المستوى العسكري هذه المرة في محاولة لكسر الاستعصاء على المستوى السياسي. فابتعادها عن الساحة العراقية بعد سحب قواتها، وعدم وجودها أساسا في الساحة السورية واللبنانية مكّن كلا من إيران وروسيا من لعب دور كبير في تثبيت الاستعصاء، ومن سد كل أفق أمام أي حل سياسي. كانت أعوام من “البلطجة” الإيرانية والروسية بامتياز، حتى تماهى الطرفان مع دورهما الجديد كمطرقة ضخمة وحيدة في ميدان الحرب السورية والعراقية لا ترى في أعداء حليفيها، بشار الأسد ونوري المالكي، سوى مسامير صغيرة تستدعي السحق.

اتضح، مبكراً جداً، للقوى الغربية أن تركيبة النظام السوري صلدة جداً وغير قابلة للتفكك أو الانفتاح على تسوية سياسية مرضية تنهي ما بدأ كاحتجاج سلمي وتحول إلى حرب. ما لم يكن واضحاً بما فيه الكفاية هو أن روسيا وإيران تديران الملف السوري بنفس العقلية والروح الإجرامية التي يمتلكها نظام الأسد. إدارة مجنونة كتلك للصراع، لا يمكن إلا أن تولّد الاستعصاء الذي يسبق انفجارات متتالية، وحالة من الفوضى المستعرة والمتدحرجة من دون توقف.

فيما يبدو أن الجميع بات مدركا لتلك الحقيقة اليوم، فمن يريد فك طلاسم الحرب السورية والعراقية عليه ألا يراهن على تغيير في مواقف روسيا وإيران من دون ضغط حقيقي ومؤلم عليهما سواء في سوريا أو العراق، أو على اقتصاد البلدين.

ولا يمكن أن أنظر لتهاوي أسعار النفط إلى هذا المستوى السحيق إلا كجزء من عقاب دولي- إقليمي للحليفين الروسي والإيراني. لقد هبطت أسعار النفط بنحو 40 في المئة عن ذلك السعر التي دخل في الموازنة المالية لكل من روسيا وإيران في العام الماضي. كما أحدثت العقوبات الاقتصادية الأوروبية والأميركية على روسيا على خلفية الأزمة الأوكرانية انكماشا حادا في اقتصادها.

وكانت الآثار واضحة عندما رفضت روسيا، مؤخرا، طلب سوريا لقرض جديد بنحو مليون دولار، إذ باتت الدولة الروسية المنهكة اقتصادية أكثر حساسية في نفقاتها الداخلية والخارجية على السواء. فيما تعاني إيران ويلات العقوبات هي الأخرى، وتكاليف الدعم السخي لحرب النظام السوري على شعبه منذ أربع سنوات.

هكذا يشتد الصراع على المستوى الدولي، ليواكب الضراوة التي يشهدها الصراع على المستوى المحلي. فيما يبدو أننا دخلنا في معركة كسر عظم بين روسيا وإيران من جهة، والغرب وأميركا ودول إقليمية من جهة أخرى. ويبدو سلاح النفط كدعامة أساسية واستثنائية في هذه المعركة. سلاح زجّت فيه دول عربية نفطية، ربما بتوافق مع الغرب وأميركا رغم ما يقال عن تضررها جزئيا كونها المنتج الأول للنفط الصخري.

فروسيا وإيران تدفعان بالمنطقة والعلاقات الدولية من وراءها إلى مزيد من الفوضى والتأزم. لذا، لا يمكن التقدم خطوة واحدة إلى الأمام من دون تنازل كبير يقدمه الروس والإيرانيين. كما يشكّل التحالف الدولي وزيادة الانخراط العسكري المباشر للولايات المتحدة الأميركيـة في سوريا والعراق الدعامة الثانية في معركة كسر العظم تلك.

وهكذا أيضا، يبدو مفهوما أن تهرع روسيا من أجل تحريك المفاوضات السياسية بين النظام والمعارضة. فأرسلت مبعوثها للأزمة السورية ميخائيل بوغدانوف في جولة مكوكية انتهت بمقابلة الأسد. لكن التسريبات من أطراف في المعارضة تشير إلى عدم وجود تغيير جوهري في موقف موسكو، فهي تدعو لحوار يجمع المعارضة والنظام من دون شروط ومن دون جدول زمني ومن دون أي ضمانات.

بالتأكيد، لا يتوقع من الضغط الدولي الكبير على روسيا، وقد بدأ للتو، أن يحدث تغييرا ملموسا وحادا في مقاربتها للأزمة السورية. لكنه في الوقت نفسه لا يمكن إلا أن يدفعها لإعادة النظر في سياستها السابقة، ومحاولة البحث عن بصيص ضوء لهذا النفق المظلم الذي حشر نظام الأسد السوريين وكل حلفاءه فيه.

تشعر روسيا أن الخناق يشتد على عنق سياستها العنيدة في سوريا والعراق اللذين باتا ميدانا دوليا لإدارة المعارك مع تنظيم الدولة الإسلامية. فهي لم تعد لاعبا دوليا وحيدا في تلك المنطقة، بل إن تحالفا دوليا مكونا من عشرات الدول صار يرسل طائرات حربية وجنودا، وتقوده الولايات المتحدة، في مشهد لا يمكن أن يبعث على الارتياح. لكن روسيا فلاديمير بوتين تبقى حتى اليوم أسيرة مقارباتها السابقة، وأسيرة بنى سلطوية طائفية نابذة للتسويات في كل من سوريا وإيران والعراق.

المصدر: العرب الكاتب: سلام السعدي
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ