حرب إيرانية تتسع خارج الحدود
حرب إيرانية تتسع خارج الحدود
● مقالات رأي ٢٩ نوفمبر ٢٠١٤

حرب إيرانية تتسع خارج الحدود

في الذكرى السنوية لتأسيس قوات التعبئة الشعبية الإيرانية (الباسيج) الأربعاء، 26 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، تسابق قادة هذه القوات للكشف عن الأجندة الإيرانية الفعلية، وهو ما تكتم الحديث عنه رئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية في طهران. وتتبع قوات الباسيج الحرس الثوري، وهو جيش رديف للقوات المسلحة، ويضم متطوعين وجنود احتياط، ويتبع مباشرة للمرشد آية الله علي خامئني، ويتولى عادة قمع الاحتجاجات الداخلية، والتنسيق مع ميليشيات مسلحة خارج الحدود.
وقد تحدث نائب قائد الحرس الثوري، حسين سلامي، عن حرب تخوضها بلاده، فيما يتسابق أركان الدبلوماسية الإيرانية للحديث عن التعاون والأخوة الإسلامية وعلاقات حسن الجوار مع الدول والشعوب. وكشف سلامي أن بلاده وسّعت النطاق الاستراتيجي لحربها "ضد دول الاستكبار ومكافحة الإرهاب والانفلات الأمني". ودول الاستكبار، حسب الإعلام الإيراني، هي أميركا والغرب، وقد أدارت طهران معها مفاوضات ماراثونية حول الملف النووي في أجواء من الاحترام الكامل. بينما يتمثل الإرهاب بوجود جماعات سنّية (فقط) مسلحة، وربما غير مسلحة. ويتعدى ذلك، في العادة، إلى مكافحة بيئة الإرهاب، أي المجتمعات الإسلامية التي لا تدين بالولاء لطهران. فيما تشكل محاربة "الانفلات الأمني" اضافة جديدة وعلنية في الأجندة الإيرانية، فطهران، وفقاً لهذه الرؤية التي عبّر عنها الجنرال سلامي، تمنح نفسها الحق بالتدخل في شؤون دول وشعوب أخرى، لضبط ما تسميه الانفلات الأمني، حتى لو كان بعيداً عن حدودها. ولعلها من مرات نادرة في العلاقات الدولية (بين الدول) التي يتم فيها الكشف عن هذه النزعة التدخلية بمثل هذا الوضوح، وبعيداً عن أية مواربة.

" لوحظ أن اعتداءات صهيونية متكررة على سورية ولبنان، في الأعوام العشرة الأخيرة، لم تثر رداً إيرانياً يذكر، ولا رد النظام الحليف في دمشق "

ارتبطت النقمة على الولايات المتحدة، منذ ستينات القرن الماضي، بنزعتها التدخلية العسكرية في ذروة الحرب الباردة، في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، ما ألحق بها صفة الاستعمار الجديد، كما اقترنت النقمة على الاتحاد السوفياتي السابق بنزعته التدخلية في دول شرق أوروبا، ما كان سبباً في نشوء ثورات شعبية في تلك الدول أنهت حلف وارسو والمنظومة الاشتراكية. وها هي قيادات عسكرية إيرانية لا تكتم أنها تخوض حرباً في دول أخرى، بعيداً عن أية معايير دولية، ولعدة دواع، منها الانفلات الأمني، وهو وصف يقصد به الاحتجاجات غير المرغوب بها، في دول تعتبر ميداناً لنفوذ الاستراتيجية الإيرانية خارج الحدود.

كان نظام الشاه السابق في إيران يصفه، عن حق، يساريون وقوميون عرب، بأنه شرطي المنطقة، غير أن النزعة التدخلية لذلك النظام تظل أضيق نطاقاً وأقل مدى مما يكشف عنه بعض جنرالات الجمهورية الإسلامية الإيرانية. ففي المناسبة إياها، أعلن قائد الحرس الثوري، الجنرال محمد علي جعفري، أن "المقاومة امتدّت من إيران إلى سواحل شرق المتوسط بجوار الصهاينة". ومصطلح المقاومة تعبير مجازي عن النفوذ السياسي والعسكري الإيراني الذي يقاوم كل من يرفض هذا النفوذ، أما شرق المتوسط فهو سواحل لبنان وسورية، حيث يثير النفوذ الإيراني انقساماً شعبياً واسعاً في البلدين، باعتباره، على الأقل، نفوذاً أجنبياً. ومن المفارقات أن الخطاب الإيراني بخصوص الملف النووي، وكل ملف داخلي آخر، يستند إلى مقتضيات سيادة إيران واستقلالها، فيما هذه المقتضيات لا وجود لها، ولا تعني شيئاً، إذا وجدت بالنسبة لطهران، حين يتعلق الأمر بالآخرين، وهم، في الغالب، دول وشعوب عربية. وسورية ولبنان هما بحق بجوار الصهاينة، وقد لوحظ أن اعتداءات صهيونية متكررة على سورية ولبنان، في الأعوام العشرة الأخيرة، لم تثر رداً إيرانياً يذكر، ولا رد النظام الحليف في دمشق، غير أن طهران استنفرت كل ما يمكنها استنفاره ضد احتجاجات شعبية سورية، منذ منتصف مارس/آذار 2011.
في كلمته التي نقلتها وكالة الأنباء الإيرانية (إيرنا) بالمناسبة، قال الجنرال سلامي إن قوات الحشد الشعبي في العراق تدير المعركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وأكد أن "الفكر الباسيجي"، على حد وصفه، أحبط مخططات دول الاستكبار الرامية إلى كسر محور المقاومة. وفي ما يتعلق بالمعركة الدائرة في العراق ضد تنظيم الدولة الإسلامية، فإن الجيش العراقي ومسلحي العشائر يخوضونها، واقتصار الإشارة إلى "الحشد الشعبي" وحده يراد به الإشارة إلى ميليشياتٍ طائفية، تخوض الحرب فعلاً ضد داعش، لكن مشاركتها، وإبراز مشاركتها على هذا النحو، يُراد به طمس الطابع الوطني للحرب ضد التطرف والإرهاب في العراق، وإضفاء صفة طائفية على هذه الحرب، وهو ما يتماشى مع الاستراتيجية الإيرانية التي تنظر للمجتمعات العربية من منظور طائفي، وتوظف العامل الطائفي في حرب النفوذ التي تخوضها، أما "الفكر الباسيجي" في سورية، فلا أثر له إلا في وجود قوات الدفاع الوطني (الشبيحة) التي اسندت إليها، منذ البدء، مهمة القمع الدموي للانتفاضة السلمية في هذا البلد. وقد تردد، على نطاق واسع، أن إنشاء تلك القوات كان فكرة إيرانية، وبإشراف ايراني. وإذا كان الدمار الهائل الذي أصاب سورية، وتمزيق مؤسستها العسكرية، وتقويض بناها التحتية، مما يستحق الفخر به، فلا شك أن دول الاستكبار كانت عاجزة عن إلحاق مثل هذا الضرر الذي يفوق الوصف بسورية وشعبها.
وكان اليمن حاضراً في خطاب الجنرال سلامي الذي اعتبر أن هذا البلد نجح في حربه ضد الجماعات المتطرفة، أسوة بالعراق وسورية، يعرف الجميع أن الضحية في اليمن كان الدولة اليمنية وسيادتها، على يد جماعة الحوثيين وثيقة الصلة بطهران، وأن اليمينيين لم يشهدوا تطرفاً بالسطوة المسلحة، منذ استقلال بلادهم، كالتطرف الذي اقترفه الحوثيون، غير أن اعتبارات ضمان النفوذ في الخارج تطغى على أي اعتبار آخر في الخطاب الإيراني، حينما يتخفف من أية قشرة دبلوماسية، كالذي يعبّر عنه قادة الباسيج والحرس الثوري، وبصرف النظر عن إرادة الشعوب وسيادة الدول التي يتجه إليها هذا النفوذ، بل بالقفز عن هذه الإرادة وهذه السيادة، بما يعيد إلى الأذهان المنطق الاستعماري القديم. أما مشروعية حربهم المعلنة، فيستمدّونها من أهوائهم الأيديولوجية والمصالح التوسعية لنظام جمهوريتهم، وهو نظام يتجدد محتواه الامبراطوي مع استبدال الصفة الشاهنشاهية السابقة بالإسلامية. ويغفل هؤلاء أن الشعوب العربية قد قاومت من قبل امبراطورية إسلامية أخرى، هي الامبراطورية العثمانية، وصفة الإسلامية لم تحجب في الماضي، ولن تطمس، حاضراً، نوازع التوسع وشواهده.

مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ