حاضنة "داعش" الشعبية
حاضنة "داعش" الشعبية
● مقالات رأي ١٧ نوفمبر ٢٠١٤

حاضنة "داعش" الشعبية

فرض تنظيم "داعش" نفسه ظاهرةً تستحق دراسة وتأملاً كثيرين، بعد توسعه في العراق وسورية، وبات المحللون والمراقبون يكثرون الحديث عن أسباب نشوئه، وطبيعة تمويله، والأيديولوجيا التي يتبناها، وتأثيرها في سلوكه، وجاذبيته بالنسبة للمقاتلين الشباب، الذين يأتون إليه من شتى أنحاء العالم. من جملة الأمور التي يدور النقاش حولها بخصوص "داعش"، وجود حواضن شعبية له من عدمها في بعض البلدان، ومنها دول الخليج، والأسباب التي جعلت التنظيم يتمتع بحواضن شعبية في مناطق من العراق وسورية. يتعجب مراقبون ومحللون من رواج الفكر الوهابي في تلك المناطق، فهم يعتبرون أن الحواضن الشعبية لداعش موجودة في السعودية والخليج، حيث تنبع الأفكار السلفية الوهابية، وتتغذى بالتعليم الديني. أما في العراق وسورية وغيرها من البلدان العربية، فلا وجود لتربية سلفية منهجية، تصنع حاضنة شعبية لتنظيم مثل "داعش".

مشكلة هذا التحليل أنه يركز على عوامل فكرية وعقائدية، فيصل إلى استنتاجات خاطئة، بخصوص الحاضنة الشعبية. لم تتكون الحاضنة الشعبية لداعش في العراق وسورية، وفي الأماكن التي بايع فيها جهاديون البغدادي، لأسباب عقائدية، بل تكونت هذه البيئة لأسباب سياسية واقتصادية، بالدرجة الأولى، وأصبحت بيئة خصبة لنمو تنظيمات مثل "داعش". وهو تنظيم مثل باقي الجماعات خارج الدولة، يتوسع في حالة انهيار سلطة الدولة المركزية، أو ضعف قبضتها على الأطراف، إذ تحل هذه الجماعات محل الدولة، إما في تقديم بعض الخدمات، أو توفير الأمن والحماية لمكونات أهلية بعينها، في مقابل مكونات أخرى، أو في مقابل النظام السياسي الذي يتحول إلى طرف في الصراع الأهلي، وتصبح لهذه الجماعات حواضن شعبية، بسبب الخدمات أو الحماية، أو تمثيل هويتها في الصراع مع الجماعات الأخرى.

ينطبق هذا الكلام على تنظيمات أخرى، غير "داعش"، وهو ما يجعل محللين يتساءلون عن سر نجاح "داعش" في إيجاد حواضن شعبية، على الرغم من وجود جماعات أقل حدة وتشدداً منه؟ والجواب يكمن في التساؤل نفسه، فراديكالية "داعش" تضمن له المزايدة على خصومه من التنظيمات المختلفة، في تمثيل مكونات شعبية تشعر بالقهر والتهميش السياسي والاقتصادي، أو تعيش صراع هوية حادا مع مكونات أخرى، فداعش يُعَدُّ تعبيراً عن حالة الغضب والانتقام في ظروف حربٍ مستعرة. لا تؤمن الحواضن الشعبية لداعش بالأفكار السلفية، وهي لم تنشأ على الإيمان بها، لا في العراق ولا في سورية، ولم تكن المناهج الدراسية التي درسها هؤلاء تحوي أفكاراً حول التوحيد الصحيح، أو الولاء والبراء، لكنهم على استعداد لاحتضان داعش، في ظل الظروف السياسية والاقتصادية الحالية، وهو أمر قد يتبدل بعد مدة.

قصور التفسيرات الدينية والعقائدية لوجود حواضن شعبية لداعش يصل إلى الحديث عن الحواضن الشعبية لداعش في السعودية والخليج، إذ تكثر التكهنات بوجود حاضنة شعبية لداعش في السعودية، لأسباب متصلة بالمناهج الدينية، ونشوء الوهابية هناك. لا يراعي هذا التحليل وجود حواضن شعبية في العراق وسورية، لم تصل إليها المناهج الدينية الوهابية إلا مع داعش، وهي احتضنت داعش، من دون أن تكون سلفية، كما أن هذا التحليل لا ينتبه إلى وجود نسخ من الوهابية في السعودية، تختلف عن النسخة الداعشية التي تعود إلى منابع الوهابية الأصلية، وتقتفي سيرة الحركة الوهابية في تأسيسها، لكن الأهم أن التعامي عن العوامل السياسية والاقتصادية لا يُمكِّن من فهم الأوضاع الاجتماعية جيداً.

" تكثر التكهنات بوجود حاضنة شعبية لداعش في السعودية، لأسباب متصلة بالمناهج الدينية، ونشوء الوهابية هناك "

في عام 2003، قامت خلايا القاعدة بسلسلة عمليات داخل السعودية، استهدفت مجمعات سكنية وعاملين أجانب في الشركات والمؤسسات، ومقر الأمن العام، وكانت نتيجة هذه العمليات عكسية على التنظيم، فالذين كانوا معجبين به، إثر هجوم "11 سبتمبر"، تغير موقفهم، لأنه بدأ يعمل في بيئتهم، ويهز استقرارها، وفي هذه البيئة، الدولة قوية، وهناك استقرار أمني واقتصادي، لا يجعل للقاعدة والتنظيمات المشابهة لها فرصة كبيرة لإيجاد حاضنة شعبية. وهكذا، أصبح اليمن مقر تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، فهناك يمكن للتنظيم إيجاد بيئة حاضنة، في ظل ضعف الدولة وغياب الاستقرار بشكل عام. هذه التجربة مهمة لأخذها بالاعتبار، في أي حديث عن وجود حاضنة شعبية لداعش. فهذا التنظيم، مثل تنظيمات أخرى، تنمو في ظروف الحرب والصراع، ووجود حالة من الاستقرار، تقلص تمدد هذا التنظيم، فهو يحتاج إلى بيئة تشعر بالتهميش والقهر، ليكون ممثلاً لها ضمن الصراع.

إن فهم أسباب وجود تعاطف شعبي مع داعش في بعض المناطق من العالم العربي، مهم لمعالجة المسألة بشكل ناجح. وإذا كان المطلوب عزل هذا التنظيم عن أي قواعد شعبية، فإن هذا لا يتحقق عبر تثقيف الناس ضد أفكار داعش الوهابية، أو بصناعة تحالفات دولية بقيادة أميركية تحاربه، بل بإيجاد صياغات وطنية جديدة، تنجز توافقات بين المكونات المختلفة، على قاعدة بناء دولة المواطنة، ومعالجة التهميش السياسي والاقتصادي لبعض المكونات الشعبية، والخروج من الوصاية الأميركية والغربية، وتحقيق استقلال القرار، لأن داعش تعزز شرعيتها عبر الحديث عن استقلاليتها، وتمثيلها تطلعات الناس في مواجهة الهيمنة الغربية على المنطقة العربية ومقدراتها.

المصدر: العربي الجديد الكاتب: بدر الإبراهيم
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ