جنبلاط يخترق التصنيفات الامريكية
جنبلاط يخترق التصنيفات الامريكية
● مقالات رأي ١٧ أكتوبر ٢٠١٤

جنبلاط يخترق التصنيفات الامريكية

كعادته يقوم رئيس حزب التقدمي الإشتراكي اللبناني وليد جنبلاط بإطلاق تصريحات خارج دائرة ما يسمى في الغرب «الصحيح قوله سياسيا» Political Correctness حيث تلتزم كل الأطراف بقول ما «يجب قوله» وخصوصاً حين يتعلّق الأمر بالمحرّمات السياسية العنصرية والدينية والإجتماعية.
ففي مقابلة تلفزيونية معه اعتبر جنبلاط أن «جبهة النصرة» ليست تنظيماً إرهابياً، وقال إن عناصرها هم مواطنون سوريون.
الزعيم الدرزي الشهير اخترق متعمداً التصنيفات الأمريكية والعالمية التي تقرّر مصائر وأقدار الأنظمة والجماعات فتدفع ببعضها إلى بوابة جهنم الإرهابية وتجعلها نهباً لمن انتهب، أو تخرجها إلى جنّة الكيانات السياسية المرضيّ عنها في العالم فترفل بأثواب الطمأنينة وينال زعماؤها، حتى لو كانوا مجرمي حرب كبار، جوائز السلام!
يحبّ وليد جنبلاط، من حين لآخر، أن يلاعب النظام العالمي المليء بالتناقضات والفجوات السوداء والأكاذيب الصارخة، وينبّه الناس بذلك إلى أن الإمبراطور الأمريكي الذي يحدّد من هو الإرهابي ومن هو المتمتع بالشرعيّة الدولية، ليس إلا امبراطوراً عارياً لكنّ العالم إما يتجاهل الأمر أو يدّعي أنه لا يراه.
لا يحتاج الوضع السوري إلى محلل عبقري ليمسك المرء بتناقضات أمريكا الفاضحة فيه، وخصوصا فيما يتعلق بتصنيفاتها للإرهابي وغير الإرهابي، فطيرانها الذي يجوب أجواء سوريا بترحيب من النظام السوري نفسه، وبتنسيق «موضوعيّ» معه، وهو النظام المسؤول عن مقتل مئات آلاف البشر ومآسي نزوح الملايين منهم، فإن الضغط الأمريكي انصبّ على تركيا لتقديم الدعم لحزب «الاتحاد الديمقراطي»، ذراع حزب العمال الكردستاني التركي في سوريا، رغم أن حزب العمال المذكور هو أيضاً «إرهابي» حسب قوائم حلف الأطلسي وأوروبا وأمريكا.
وبما أن الحال كذلك، فالسؤال هو، ما دام تصنيف الإرهاب يمكن طيّه في شمال شرق سوريا مع حزب العمال الكردستاني، ويمكن طيّه في التعامل مع الرئيس السوري بشار الأسد، فماذا يمنع من سحب القياس المنطقي إلى «جبهة النصرة».
يقيم الفيلسوف الشهير سلافوي جيجيك مقارنة بين طفلة أمريكية قتل أبوها في أفغانستان تعلن امتنانها لتضحيته بنفسه لأجل بلاده، ثم يتخيل فتاة عربية مسلمة تردد أمام الكاميرا الكلمات نفسها حول أبيها المقاتل في طالبان (أو «النصرة» في الحالة التي ندرسها)، ويؤكد أن رد فعل الغربيين على ذلك سيكون أن الأصوليين الإسلاميين لا يتورعون عن التلاعب بعواطف الأطفال خاتماً استقراءه بالقول إن أكثر من مليوني أصولي يميني أمريكي يمارسون الإرهاب على طريقتهم معتبرين أن المسيحية (كما يفهمونها) تجعلهم يؤمنون أن كل ما يقومون به قانوني.
لكن الإشكالية الكبرى ليست في المقولة التي لخصها جورج بوش الإبن بالقول «من ليس معنا فهو ضدّنا»، ولا في انجرار الإعلام العالمي إلى الترداد الببغائي لما تقرره وتقوله أمريكا (وخلاصتها العنصرية: إسرائيل) حول من هو الإرهابي ومن هو «المقاتل من أجل الحرية» (كما قرّرت الآن مع الحالة الكرديّة في تجميد لاعتباراتها الرسمية أو في انتقائية تفسيرها لقرار مجلس الأمن حول «المقاتلين الأجانب»).
الإشكالية المؤلمة هي في اعتناق قطاعات واسعة من العرب والمسلمين للأفكار الأمريكية الرائجة عنهم، بحيث تكون الدولة التي تقتل 2100 فلسطيني بالمدافع والصواريخ والقذائف بلداً يدافع عن نفسه ضد إرهاب «حماس»، التي يصبح «التخابر» معها وليس مع العدو الإسرائيلي إجراماً يستدعي الإطاحة برئيس منتخب، ويغدو قتل أكثر من مئتي ألف سوري أمراً يمكن تناسيه ومصافحة القتلة، فيما أن ذبح شخص أمريكي أو أوروبي (وهي جريمة نكراء لا شكّ فيها) سبباً لتحشد الجيوش واستنفار أجهزة استخبارات العالم.
ولمن لا يعلم فإن أسئلة جنبلاط الساخرة من العالم ليست غائبة حقاً عن أذهان رجال السياسة الغربيين، الذين يعرفون أن الخالد في السياسة هو المصالح وليس المبادئ وأنها هي التي تقرر وليس قوانين البشرية التي لا تكفّ أمريكا عن تطويعها لمصالحها كلما أرادت ذلك، واسألوا سادة العراق عن «حصانة» الجندي الأمريكي، وعندها تعرفون لماذا صعد نجم أبو بكر البغدادي!
في الختام، وبغض النظر عن رأي السيد جنبلاط، لا بد أن نسجل ان من حق التنظيمات المعارضة استخدام كافة الوسائل لمواجهة الدكتاتورية، ولكن على هذه التنظيمات الابتعاد عن اسلوب الانظمة المستبدة ومراعاة حقوق الانسان وعدم اللجوء للخطف والنحر.

المصدر: القدس العربي الكاتب: رأي القدس
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ