تضامن إنساني مع الشعب الروسي
تضامن إنساني مع الشعب الروسي
● مقالات رأي ٢ نوفمبر ٢٠١٥

تضامن إنساني مع الشعب الروسي

التضامن الإنساني مع أهالي وذوي الضحايا الروس الذين هوت بهم طائرة روسية في سيناء، أول من أمس، مؤكد. ولأنه كذلك، فإن مواساة الشعب الروسي (والأوكراني فقد قضى ثلاثة أوكرانيين أيضاً) بهذا المصاب واجبة، ذلك أن القتلى الـ 224 مدنيون، بينهم 133 امرأة و17 طفلاً، والشعوب العربية تشعر بالأسى الذي أصاب أهاليهم، بالنظر إلى فقدهم أعزاء لهم، إنما اختاروا فسحة للوقت للتمتع بالطبيعة والشمس في مصر، ثم خطفتهم يد المنون في حادث يعد من أسوأ كوارث الطيران، لخطأ فني أو بشري، ويؤمل أن لا تكون لأيادي الإرهاب وخفافيشه الآثمة أي دور فيها. وتيسر هذه الفاجعة لنا نحن العرب الذين نتابع يومياً جرائم الطيران الحربي الروسية في غاراته في الأراضي السورية أن نتوجه إلى الشعب الروسي ونخبه ومثقفيه بخطاب إنساني خاص، ومفاده بأن الضحايا المدنيين السوريين الذين قضوا في الاعتداءات الروسية في أرياف حماه ودمشق وفي اللاذقية وفي غير مدينة وقرية سورية، والمتواصلة منذ أزيد من شهر، كان من حقهم أن يستمتعوا بحقهم في الحياة، وبأن ينعموا بالبهجة في بلدهم الآمن والجميل، لكن النظام غاصب السلطة في دمشق، وبدعم تسليحي سافر من الدولة الروسية، أراد لهم الإقامة في القبور، بإزهاق أرواحهم، بدعاوى محاربة الإرهاب.
من المؤمل أن يشعر شعب روسيا الذي طالما اعتبرته الشعوب العربية صديقاً بمصاب السوريين اليومي، منذ أكثر من أربع سنوات، وهم تحت القصف بالصواريخ والبراميل المتفجرة وغاز السارين وغيرها من أدوات الفتك والقتل، وهم كذلك يغالبون إجرام عصابات التطرف المتوحشة، والتي تعد من نواتج سياسة الفساد والتجبّر والتسلط التي ينتهجها النظام، وزادت قتلاً بعد أن بدأ الشعب السوري ثورته من أجل التحرر والاستقلال، وقد بادرته المؤسسة الحاكمة في موسكو برفض تطلعاته وأشواقه إلى الحرية والكرامة، بعدوانية سياسية مقيتة، تضاعفت مع حسابات امبراطورية لدى الرئيس فلاديمير بوتين، من دون الانتباه إلى الأكلاف الإنسانية الباهظة التي يدفعها هذا الشعب جراء هذا الخيار الروسي، والذي تمادى إلى حد المشاركة العسكرية في استباحة السوريين في مدنهم وقراهم وأريافهم، إسناداً مكشوفاً للنظام الجائر.
في وسع النخبة في وسائط الإعلام والأكاديميات وقنوات المجتمع الأهلي الروسية أن ترى الإنساني العميق في كارثة سقوط الطائرة في سيناء، والتي قضى فيها زوار وسياح روس آمنون، وتعبر منه إلى الإنساني العميق في كارثة العدوان الذي ترتكبه الآلة العسكرية الروسية في الأراضي السورية، وتزهق أرواح مواطنين آمنين، من دون أي حساسية أخلاقية، بل بنبذ المشترك الإنساني، وتغليب شهوة التغلب السياسي. ومن دون اعتبار لما يحدثه ذلك كله من جروح عميقة في الوجدان السوري، ولدى الشعوب العربية، تجاه روسيا شعباً وبلداً، وهي الشعوب التي طالما أثار الروس إعجاباً لديهم، وقد قاوموا النازية ببسالة في الحرب العالمية الثانية، واستطاعوا أن يقيموا بلداً ناهضاً وجميلاً.
تقيم في أفهامنا ومداركنا، نحن العرب، صورة إيجابية تجاه الاتحاد السوفياتي، الدولة التي تشظت، وكانت نصيرة لقضايا العرب، وإن لحسابات سياسية دولية كبرى، وإن صدوراً عن رهانات أيديولوجية غير منسية، إلا أن حال روسيا اليوم لا يبعث، أبداً، على أي إعجاب من أي لون، فينا، ونحن نعاين عهراً سياسياً فادحاً، وانتصاراً للطغاة ودعماً لثورات مضادة ودكتاتوريات بغيضة، وتسليحاً لمجرمي حرب في وزن بشار الأسد، وتالياً، مشاركة في العدوان على الشعب السوري الذي يذوق أفظع الويلات، قتلاً وتهجيراً وتشريداً، والذي تتفكك بلاده وتضيع منه، بفعل ما اقترفته روسيا وإيران من انحياز صارخ ضد هذا الشعب، وإسناد مفضوح ومقصود ومعلن لنظام لا مكان له سوى محكمة الجنايات الدولية.
مرة أخرى، نعزي شعب روسيا وذوي ضحايا الطائرة المنكوبة، ونتطلع إلى أن توقظ هذه الواقعة الإنسانية المهولة الضمائر النائمة الحاكمة في موسكو، وكذا لدى نخب روسية واسعة، تطرب لسياسات قاصرة اختارها قيصر الكرملين، المجنون بأوهام عظمة آفلة.

المصدر: العربي الجديد الكاتب: معن البياري
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ