تصدعات أخلاقية في التحالف ضد داعش
تصدعات أخلاقية في التحالف ضد داعش
● مقالات رأي ٢٤ أكتوبر ٢٠١٤

تصدعات أخلاقية في التحالف ضد داعش

 الحروب على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) لا تصيب الهدف مباشرة، إذ إنها لا تستخدم الوسائل الناجعة القادرة على اقتلاع المشكلة من جذورها، إلا أنها أيضا لا تستند إلى صدقية أخلاقية، فهي تجمع تحالفا من الدول المتناقضة في منطلقاتها ومبرراتها وسط ارتباك دولي وإقليمي.

اجتاحت "داعش" شمال العراق وغربه وأجزاء مقدرة من سوريا بشكل مذهل وأعادت رسم خريطة البلدين وبدا للتحالف بقيادة الولايات المتحدة من الوهلة الأولى صعوبة هزيمة جماعة لها ملجأ آمن في سوريا والعراق، فيما تشير التقديرات إلى أن "داعش" لديها من (10 - 17) ألف مقاتل شرس منهم (3) آلاف اجتاحوا شمال العراق في يونيو/حزيران الماضي.

فضلا عن صعوبة تحقيق نصر عسكري حاسم على الأقل في الوقت الراهن، فإن التركيبة الفكرية المعقدة والمختلة التي تشكّل مرجعية تنظيم الدولة، تؤكد أن تصويب الهدف عبر الأداة العسكرية لا يحقق القضاء على "داعش".

فما هي فرص الحل العسكري؟ وما تناقضات التحالف الدولي والإقليمي وإشكالاته الأخلاقية؟ ما هي الصعوبات التي تعترض نهج التعرية الفكرية لعقيدة "داعش"؟ لماذا يغفل التحالف أسلوب وأداة التعرية الفكرية رغم فشل الحملات العسكرية المماثلة في أفغانستان والعراق؟

شروخ وإشكالات أخلاقية
يعاني التحالف الدولي ضد "داعش" من إشكالات أخلاقية تفت من عضده، وهي إشكالات تصب في صالح تنظيم "داعش" نفسه وتمده بما يحتاج من مبررات يسوّق بها حربه التي يصفها بالمقدسة ضد التحالف.

    "فضلا عن صعوبة تحقيق نصر عسكري حاسم على الأقل في الوقت الراهن، فإن التركيبة الفكرية المعقدة والمختلة التي تشكّل مرجعية تنظيم الدولة، تؤكد أن تصويب الهدف عبر الأداة العسكرية لا يحقق القضاء على "داعش""

لعل أبرز هذه الشروخ الأخلاقية، مزايدات بنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل الذي خلط أوراق "داعش" بأوراق "حماس" فقال إن "داعش" تقطع الرؤوس و"حماس" تُطلق النار علينا. وقال في آخر اجتماع للجمعية العامة للأمم المتحدة إن الخطر المتحقق من جماعات الإسلام المتشدد هو ذاته، بغض النظر إن كانت "حماس" أو "داعش".

نتنياهو اعترف في نفس الوقت بدور لإسرائيل في التحالف الدولي ضد "داعش"، وقال إنه يؤيد جهود الرئيس الأميركي باراك أوباما مؤكدا استعداد إسرائيل للدعم والمساعدة في كل شيء وبأي طريقة، ودخول إسرائيل أمر سيستثمر فيه تنظيم "داعش".

بيد أنه في ذات الوقت صرح شيخ الأزهر أحمد الطيب بأن عناصر "داعش" "مجرمون يخدمون الصهيونية، ويصدرون صورة شوهاء عن الإسلام، وهم صنائع استعمارية تعمل في خدمة الصهيوينة".. الرئيس السوري بشار الأسد الذي لم يرع في شعبه إلا ولا ذمة وجد فرصة سانحة ليرمي "داعش" بدائه وينسل ويعرض خدماته على التحالف، باعتباره جزءا من الحل.

ويؤمن بعض الغربيين والأميركيين بأن هدف مكافحة الإرهاب أكثر معقولية بطبيعته من هدف تحقيق الاستقرار السياسي في دولة من دول المنطقة مثل سوريا. يقول مالكوم ريفنكد وزير خارجية بريطانيا السابق في حكومة المحافظين ورئيس لجنة الشؤون الأمنية في مجلس العموم البريطاياسر محجوب الحسينني (البرلمان): يجب سحق "داعش" ويجب ألا نشعر بالحرج حول كيفية عمل ذلك، حتى لو اقتضى الأمر التعاون مع النظام السوري وقال "أحيانا تضطر لعقد علاقة مع أشخاص بغيضين من أجل التخلص من أشخاص أبغض".

ليس النظام السوري فحسب، فكثير من الأنظمة الإقليمية التي هرولت للمشاركة في التحالف في الخفاء وفي العلن، أنظمة قمعية لا تؤمن بالديمقراطية ومع ذلك ظلت تجد الدعم والمساندة الكاملة من الولايات المتحدة ولم تعد الشعوب في تلك الدول تحفظ للولايات المتحدة أي نوع من الصدقية، و"داعش" تستثمر في هذه الثغرة الأخلاقية وتجد الأنصار ممن اكتووا بنيران بطش تلك الأنظمة.

الولايات المتحدة نفسها تمسك بتلابيبها قضايا أخلاقية تورطت فيها خلال حروبها في أفغانستان ضد طالبان، وفي العراق ضد نظام الرئيس صدام حسين، فالحرب على الإرهاب ضد طالبان صاحبها سجن غوانتانامو الشهير الذي انتهكت فيه حقوق الانسان، ورغم أن الرئيس أوباما كان قد وعد في حملته الانتخابية لفترة رئاسته الأولى بإغلاق المعتقل سيئ السمعة إلا أنه لم يفعل حتى الآن وقد قطعت فترة رئاسته الثانية شوطا مقدرا.

الولايات المتحدة أيضا ما زالت تطاردها فضيحة سجن أبو غريب في العراق وما جرت فيه من انتهاكات فظيعة لحقوق الإنسان في العراق، ورأت صحيفة لوس أنجلوس تايمز أن معظم المقاتلين البارزين في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية -ومنهم زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي- كانوا متطرفين يسعون لمهاجمة أميركا، وأن المدة التي أمضوها في السجون الأميركية داخل العراق زادت من وتيرة تطرفهم ومنحَتهم الفرصة لحشد ولتجنيد متطرفين آخرين.

    "عقلاء في الغرب يشيرون إلى فعالية الأداة الفكرية في محاربة "داعش" مقابل خطل الآلة العسكرية المدمرة، فالأخيرة إن حققت نجاحا وهذا أمر مشكوك فيه فسيكون مؤقتا أما النهج الفكري فإن نجاحه سيكون حتما مستداما "

غير الشروخ والتصدعات الأخلاقية التي تعتري التحالف، فإن ارتباكا ساد في غمرة الاستعداد لانطلاقة العمليات العسكرية ضد "داعش" حين كال نائب الرئيس الأميركي جو بايدن اتهامات طالت تركيا والإمارات والسعودية بدعم الإرهاب ممثلا في تنظيم الدولة المستهدف بالتحالف. ورغم أن بايدن اعتذر لاحقا لتلك الدول، فإن تلك التصريحات الصادرة من نائب رئيس الدولة القائدة للتحالف تُعد خللا كبيرا في جدار التحالف المتأهب للانقضاض على "داعش".
داخل الولايات المتحدة وبريطانيا أكثر الدول حماسا للعمل العسكري، يدور جدل كبير حول جدوى قيادة حملة عسكرية للقضاء على تنظيم الدولة والسبب هو التجربة المريرة لقوات البلدين في حربي أفغانستان والعراق. فعندما ذهب الرئيس أوباما للكونغرس قبل عام للسماح له بعملية عسكرية ضد نظام بشار الأسد بعد الهجوم الكيميائي على الغوطة قرب دمشق تردد النواب كثيرا في الموافقة. وفي بريطانيا خسر رئيس الوزراء ديفد كاميرون وقتها بتصويت اليمين واليسار ضد هذا التدخل في سوريا.

حتى تلك الحادثة المريعة حين قطع تنظيم "داعش" رأس الصحفي الأميركي جيمس فولي في أغسطس/آب الماضي والتي جعلت الكثيرين في الكونغرس يتحدثون عن العمل العسكري، فإن ذلك لم يعط مبررا لتجاهل دروس جورج بوش في العراق.

ويرى السيناتور ليندسي غراهام عضو اللجنة العسكرية بالكونغرس في مقابلة مع قناة CNN أن الخطة التي تتبعها واشنطن لهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام غير مجدية. وقال: "كلما انتشر فيروس إيبولا في أفريقيا أصبحنا أكثر عرضة للخطر وهو الأمر ذاته بالنسبة للإسلام المتطرف في الشرق الأوسط". وفي بريطانيا قال النائب المحافظ كين كلارك إن التدخلات العسكرية السابقة في العراق وأفغانستان أوجدت وضعا أسوأ من الذي كان قبلها.

مرتكزات الغرب الفكرية
العقلاء في الغرب يشيرون إلى فعالية الأداة الفكرية في محاربة "داعش" مقابل خطل الآلة العسكرية المدمرة، فالأخيرة إن حققت نجاحا وهذا أمر مشكوك فيه بدرجة كبيرة جدا، فسوف يكون مؤقتا وغير مستدام، أما نهج محاربة تنظيم "داعش" فكريا فإن نجاحه سيكون حتما مستداما ويأتي على قاعدته الفكرية المختلة من جذورها.

ولأن الغرب بقيادة الولايات المتحدة صاحب المصلحة الحقيقية في محاربة "داعش"، فإن عليه الانتباه إلى أن أنظمة إقليمية تريد محاربة "داعش" ولكن من منطلقات أخرى، فتلك الأنظمة المنبوذة شعبيا والتي لا تبقى في الحكم إلا بمساعدة الغرب، في حاجة لتخويف الغرب وإشعاره بحاجته إليها في محاربة الإرهاب المتمثل في "داعش"، فهي ليست صاحبة مصلحة أصيلة في محاربة "داعش" إذ إنها وسيلة لجلب الدعم لسلطتها غير الشرعية.

وإن كان التحالف يحتاج إلى مقاولين من الباطن في حالة اعتماد الخيار العسكري، حيث تقدم تلك الأنظمة أبناء شعوبها وقودا للمعارك الأرضية بينما تتولى الدول الكبرى الحرب الجوية، فإن الحرب الفكرية تحتاج أيضا لمقاولين من الباطن، بيد أنه من المؤكد أن تلك الأنظمة المستبدة لن تكون هي المقاول في هذه الحالة، إذ لا مصلحة لها في هذا النوع من الحرب بل إن نجاح هذا النهج سيكون خصما على بقائهم في السلطة. المثقفون المعتدلون ومن يفهمون الدين الإسلامي على حقيقته، أفرادا ومنظمات مجتمع مدني هم من يستطيعون القيام بالدور المساعد والفاعل في نجاح الحرب الفكرية.

والأمر الأكثر أهمية أن يُنحي الغرب والولايات المتحدة جانبا نظرية صراع الحضارات للمفكر الأميركي صامويل هنتنغتون وهي لا تصلح لأن تكون أساسا لحوار وتعايش بين الثقافات والحضارات. وكما هو معلوم فقد ركز هنتنغتون على التحديات التي تواجه الحضارة الغربية وخاصة من الحضارتين الإسلامية والصينية.

    "ما لم تتغير النظرة الغربية نحو الإسلام وتتخلص من الأفكار المسبقة والنظريات المختلة، فإن أي تفكير في حوار فكري يقضي على التطرف والانحراف الديني بين المسلمين، سيكون حرثا في البحر"

وبعد هجمات "11 سبتمبر/أيلول 2001" كتب هنتنغتون مقالة شهيرة في عدد مجلة النيوزوييك السنوي في ديسمبر/كانون الأول 2001 بعنوان "عصر حروب المسلمين" مؤكدا أن نظريته قد تحققت، وأن حروب المسلمين ستشكل الملمح الرئيسي للقرن الحادي والعشرين.

الإشكال أن هنتنغتون أغفل القراءة الموضوعية لحقيقة الدين الإسلامي وحضارته، وفي مقابل ذلك ركّز على قراءة الأوضاع السياسية التي تقوم فيها تلك الأنظمة المستبدة بالدور الأساسي، ولذا بنى نظريته على إفرازات تلك الأنظمة المأزومة وليس على رؤية موضوعية للقيم الاجتماعية والحضارة الإسلامية التي لا تمثلها بالضرورة تلك الأنظمة السياسية.

ولذا فإن خطل نظرية صراع الحضارات يقوم على أن الخلافات الثقافية يجب أن تُفهم, والثقافة (بدلا من النظام السياسي) يجب أن يتم القبول بها كطرف وموقع للحروب.

مهددات الحرب الفكرية
ما لم تتغير النظرة الغربية نحو الإسلام وتتخلص من الأفكار المسبقة والنظريات المختلة، فإن أي تفكير في حوار فكري يقضي على التطرف والانحراف الديني بين المسلمين، سيكون حرثا في البحر، فالمشكلة المهمة بالنسبة للغرب وفقا لأفكار هنتنغتون المختلة، ليست الأصولية الإسلامية بل الإسلام نفسه.

ومن ناحية أخرى فإن أوروبا لها قناعة بأنها ظلت تحت تهديد مستمر من الحضارة الإسلامية لمدة ما يقرب من ألف سنة، منذ دخول العرب إسبانيا وحتى الحصار التركي لفيينا، وهذا قال به برنارد لويس، وهو أستاذ جامعي معاصر بريطاني الأصل تخصص في دراسات الشرق الأوسط بجامعة برنستون الأميركية. وقد تخصص في تاريخ الإسلام والتفاعل بين الإسلام والغرب.

إن أفكارا ومقولات مثل ما قال به هنتنغتون وغيره، بأن حدود الإسلام دموية وكذا أحشاءه -وهي العبارة التي وردت في مقالة لهنتنغتون عام 1993 وقد أثارت ردود فعل كبيرة- هي التي تعيق التواصل الفكري مع الحضارة الإسلامية، فلا بد من طرد هذه الأفكار بعيدا واستبعادها في حال المعالجات الفكرية.

المصدر: الجزيرة الكاتب: ياسر محجوب الحسين
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ