ترامب وتقطيع أذرع إيران
ترامب وتقطيع أذرع إيران
● مقالات رأي ٢٩ مايو ٢٠١٧

ترامب وتقطيع أذرع إيران

بدا الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في خطابه في قمة الرياض الإسلامية الأميركية أخيرا، وقد اهتدى، فحصر الإرهاب بإيران، ودعا المجتمعين إلى "العمل معاً لعزلها، ومنْعِها من تمويل الإرهاب"، بعد أن كان هذا الإرهاب هيوليّاً وافتراضياً لا كيان له، صوَّره لنا الأميركيون، بعد اعتداءات 11 سبتمبر/ أيلول 2001، أنه عابرٌ للقارات، من الواجب عليهم محاربته في كل أصقاع الدنيا، معلنين أن من ليس معهم في تلك الحرب، فهو ضدهم. غير أن تعامل الأميركيين مع الملف النووي الإيراني، أكثر من عقدين، يدّل على أنهم لم يكونوا مرة جدّييّن في مواجهة إيران، بل إنهم أمَّنوا لها عوامل القوة، مدعَّمةً باتفاقٍ بينها وبين المجموعة الدولية، صَبَغَ برنامجها النووي بصِبغةٍ قانونيةٍ، أزاحت فكرة ضربه من التداول.

ولكن، لماذا يريد الرئيس الأميركي التحشيد من أجل مواجهة إيران؟ لا يضيف ترامب شيئاً حين يتكلم عن دور إيران المتعاظم، أو يردَّدَ ما يقوله مسؤولو إدارته عن ضرورة تقطيع أذرعها في المنطقة، كي يقنع مستمعيه، قادة الدول العربية والإسلامية، بضرورة التحضير لمواجهتها، وهم الذين لم يكن يسيطر عليهم، خلال فترة سير أعمال قمتهم، سوى الهاجس الإيراني. لا بد أن ترامب كان في حاجةٍ إلى تأكيد معرفته بهواجسهم حيال إيران، ولا بد أنه اطلعَ على ما بذلوه من جهودٍ لحثِّ الإدارة الأميركية السابقة على الامتناع عن عقد الاتفاق النووي مع إيران، لكنها لم تفعل، فزادت من مخاوفهم من قوة هذا الجار الذي لم يأمنوه، منذ إعلان قادته انتصار ثورتهم الإسلامية سنة 1979.

وإن كان القول إن إدارة الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، كانت قاصرةً عن مواجهة الأخطار التي تحدق بحلفاء واشنطن، وكانت سبباً في تراجع دور أميركا في المنطقة، وما قابله من تمدّد "داعش" وتعاظم دور إيران، هو قول مسلّم به، تبعاً لسياساتها المتبعة وسجلِّ ممارساتها، فإن هذا الرأي يعد سديداً من الناحية النظرية. لكن النظر إليه من باب التشكيك يمكن أن يفيدنا أن تلك الإدارة ربما كانت تراقب الوضع عن بعد، وتتعمد الابتعاد كي تأخذ الحوادث مجراها الذي أخدته، فأوصلت المنطقة إلى ما وصلت إليه، وأجبرت سكانها على إطلاق صرخة استغاثة، لبَّتها إدارة ترامب من فورها. وهو في مجمله لا يعدو أن يكون سوى سياسةً أميركيةً جديدةً، تفترق، من حيث ترتيب الأولويات والاستجابة إلى التهديدات، عن سياساتها السابقة التي اتبعتها طوال القرن الماضي، إذا أخذنا الثمار التي قطفها ترامب بعد زيارته الرياض، الأسبوع الفائت، بالاعتبار.

ومن هنا، لا يمكن التصديق أن الولايات المتحدة تسعى إلى خفض التوتر، أو حل النزاعات التي تشهدها منطقة ما، فما بالك بمنطقةٍ تُعْتَبَر النزاعات فيها استثماراً أميركياً تؤتى ثماره بأقل التكاليف والجهود. علاوة على أن النزاعات هي سبيل أميركا إلى تجميع الحلفاء حولها، وزيادة ولائهم لها. لذلك، لا بد أن الإدارة الأميركية وجدت أنه لا يكفي الاستثمار في خطر تنظيم داعش، لكي تُثبت الحاجة إليها، فعمد قادتها إلى تناول إيران ووضعها على الطاولة التي نزلت عنها بعد توقيع الاتفاق النووي، بينها وبين مجموعة الدول الست، في يوليو/ تموز 2015، والعمل على تعظيم خطرها الذي لم يكن خافياً، من أجل العودة إلى المنطقة بقوة، وبأعلى نسبة من الفوائد، من باب مواجهة الخطر الإيراني الذي، لو أنهم كانوا فعلاً جديين في مواجهته، لفعلوا حين تبدّى عبر التمدُّد في العراق وسورية واليمن ولبنان، إذ من المعروف أنَّ هذا التمدُّد يعد خطاً أحمرَ في عرف السياسة الأميركية، يُحظَّر على أي كان تجاوزه.

فمن تجربة الولايات المتحدة مع مواجهة الخطر الإيراني الذي يسوِّقونه هذه الأيام، نستطيع تأكيد عدم جدية واشنطن في ما تدّعيه، فبالنسبة لخطر النووي الإيراني، دأبت وكالة المخابرات المركزية الأميركية، ومنذ سنة 1995، على التنبؤ بأن إيران على وشك امتلاك القدرة على تصنيع سلاح نووي، وردَّدت كثيراً أنه يجب منعها من ذلك بأي طريقة، غير أن الحصول على دليلٍ على هذه الفرضية كان متعذراً على الوكالة، ما جعل واشنطن، وعلى مدى سنوات عديدة، تعمد إلى تكرار التلويح بالعزم على توجيه ضربة عسكرية لبرنامجها في حال توفر الدليل، وتبادلت أدوار التهديد بتوجيه الضربة مع الكيان الإسرائيلي، مُغفلةً واقعة ضرب العراق واحتلاله، بناءً على شبهة امتلاكه برنامجاً كهذا، من دون أن يُطبِّق الأميركيون عليها مقولة وزير دفاعهم الأسبق، دونالد رامسفيلد، المأثورة، عندما تحدّث عن الدليل على حيازة العراق أسلحة نووية، وهي: "غياب الدليل ليس دليلاً على الغياب".

لم يضع ترامب، في خطابه، خطوطاً عريضةً للكيفية التي سوف يتبعها، هو ومن دعاهم إلى العمل معه، من أجل "عزل إيران"، أو تقطيع أذرعها، لوقف إرهابها وتمويلها الإرهاب. لكنه بكلامه ذاك وضع أجندةً للخطوات التي ستتبعها بلاده للعودة إلى المنطقة بقوة، من أجل إطفاء الحرائق التي يتعذّر إطفاؤها بسهولة، بعد أن استعرت نارها ولم يسلم أحد من لهيبها، إن صدّقنا أن أميركا يمكن أن تعمل فعلاً على إطفاء أي حريق.

المصدر: العربي الجديد الكاتب: مالك ونوس
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ